١٥ سأختاركِ أنتِ

قضى الجميع يومًا رائعًا معًا، تناولوا فيه وجبةً عائليةً لذيذةً، وهاتفوا "ستيڤن" شقيق "إيزابيل" وكذلك "كونراد" شقيق "چيرمايا" اللذان لمْ يستطيعا الحضور بسبب الجامعة، حتى انتهى اليوم وعادت "إيزابيل" لغرفتها يتبعها "چيرمايا"، فتمدّدتْ على سريرها ليقول لها الآخر:

«أفسحي لي المجال قليلًا.»

قهقهت بخفةٍ وأفسحتْ له المجال على السرير تلتصق بالحائط، فتمدّد إلى جوارها على جانبه كما فعلتْ، يواجهان بعضهما ويتحدثان في كثير من الأمور اللطيفة، إلى أن تحدثتْ في نفسها:

«لقد تحدّثنا وضحكنا لما تبقّى من اليوم حتى المساء. مَن كان يظنّ أنّني و"چيرمايا" سنصبح أصدقاء مجددًا حقًا؟ أنا.. أكره أن أعترف بذلك، ولكن.. سأعترف أنني بدأتُ أقع في حب "چيرمايا فيشر" حقًا.»

كان هذا آخر ما أقرّت به "إيزابيل" لنفسها، قبل أن تسقط نائمةً بإرهاقٍ وكسلٍ على صدر "چيرمايا"، الذي بدأ يتلاعب في خصلات شعرها الناعمة متحدثًا في نفسه بينما يراقب وجهها بابتسامةٍ عاشقةٍ:

«كانت الأيام القليلة الماضية هي أفضل أيام قضيتُها في الفترة الأخيرة من حياتي حقًا. لقد.. لقد كنتُ سعيدًا ومرتاحًا جدًا حينما نالت هديتي إعجاب "بيلي"؛ ظننتُ أنّه سيكون من الغريب إهداؤها قلادةً على شكل قلب. ولكنّني سعيدٌ لأنّني فعلتُ ذلك؛ القلادة تبدو خلابة حول رقبتها.»

لمس قلب القلادة بإصبعه يشرد بها بحبٍ وابتسامةٌ سعيدةٌ تغزو شفتيه، ثمّ طبع قبلةً على جبينها ونهض عن سريرها برفقٍ. عاد لغرفته واستلقى في سريره متمتمًا:

«هذا ليس جديدًا، إنّها تبدو جميلةً جدًا في أي شيءٍ ترتديه، حتى هذه المنامة الطفولية. آخ، تبًا.. يجب أن أبدأ بتوفير خمسمائة دولارٍ حقًا.. أظنّ أنني واقعٌ بالفعل في حبّ "إيزابيل كونكلين".»


*****

بعد مرور خمسة أيامٍ:

كانوا ما زالوا يقضون العطلة الشتوية في هذا المنتجع الشتويّ، حيث خرجوا للعب في الثلوج على سفح الجبل، وكان "چيرمايا" منشغلًا في صناعة شكلٍ من الثلج، ولكنّه تفاجأ بصراخ "إيزابيل" باسمه تركض نحوه بسعادةٍ:

«"چير"، أين أنت؟ تعال إلى هـ.. يا إلهي، هل صنعت هذا الأرنب بنفسك؟»

برقتْ عيناها بسعادة طفلةٍ تطلّع للأرنب الذي صنعه من الثلج بمهارةٍ، فنهض عن الأرض يبتسم لها:

«أجل، أنا ماهرٌ في نحث الأجساد نوعًا ما.»

«آو، هذا رائع. إنّه خلّاب.»

انحنتْ تلمس الأرنب الثلجيّ بحذرٍ وعيناها تلمعان بحماسٍ، فاتسعتْ ابتسامة "چيرمايا" سعيدًا بانبهارها بأدائه، ثمّ سألها:

«لمَ ناديتِني؟ هل تريدين شيئًا؟»

«أوه أجل، هناك شيءٌ أريد أن أريك إيّاه. هيّا، اتبعني.»

هتفتْ بحماسٍ تنهض متذكّرةً ما أتت لأجله، ثم ركضتْ عودةً من حيث أتت وتبعها الآخر بقلة حيلةٍ، إلى أن قادته وسط الثلوج الكثيفة إلى كوخٍ محفورٍ في منتصف الجبل، يلمع بشدةٍ مع انعكاس أشعة شمس هذه الظهيرة عليه، فتلألأتْ عيناه بانبهارٍ من المظهر الطبيعيّ:

«هذا خلّابٌ حقًا، كيف اكتشفتِ هذا المكان؟»

«لقد كنتُ أدور في الأرجاء لالتقاط بعض الصور واكتشاف المزيد من الأماكن الرائعة التي قرأتُ عنها ببضع مقالات قبل أن نأتي إلى هنا. حتى وجدتُ هذا الكهف الزجاجيّ الرائع يلمع بعينيّ. انتظر حتى ترى ما بداخله، هيّا، هيّا.»

قهقه لحماسها الطفوليّ وبريق عينيها العسليتين أثناء شرحها، ثمّ تبعها للداخل بخطوات سريعةٍ حيث كانت تركض. ومع توغُّله داخل هذا الكهف، كان انبهاره بجمال طبيعته يزداد، ولكنّ ملامحها كانت تلفت انتباهه أكثر، حيث شرد في نفسه:

«هذه الفتاة، تكاد تُصيبني بالجنون حقًا. اعتدتُ عليها منذ صِغرنا مُغامِرةً، ولكنّها كانت خجولةً كثيرًا أيضًا لدرجة القليل من الانطوائية، إلّا أنّه وبعد الشِجارات التي حدثت بيننا وأدّتْ لفساد صداقتنا، تغيَّرتْ كثيرًا، أصبحتْ أكثر تفتُّحًا، أكثر إشراقًا، أكثر فضولًا، أكثر جرأةً، ترغب في معرفة المزيد، واكتشاف الأكثر، وهذا.. هذا يجذبني إليها كثيرًا، يجعلني أشعر أنّني على وشك فقدان السيطرة على مشاعري و.. قلبي.»

ابتلع لُعابه حينما هزّتْ تلك الأفكار كيانه، ولكنّه تنهّد بقوةٍ يبتسم بخفةٍ ناظرًا لها بينما تجوب أرجاء الكهف المضيء من الداخل بسبب انعكاس أشعة الشمس على هيئته الزجاجيّة الأقرب للزجاج، وتلتقط العديد من الصور، حتى اقتربتْ منه لالتقاط صورةٍ ذاتيّةٍ معه، فاحتضن خصرها بذراعه فجأةً يُقِّربها منه.

نبض قلبها بعُنفٍ ترمش حتى اهتزّت يدها الممسكة بالهاتف، ولكنّ الصور كانت لطيفةً، فابتعدتْ عنه تتحمحم شاردةً في التفاصيل الخلّابة:

«أنا.. أشعر بشعورٍ غريبٍ كون أول شخصٍ قد فكّرتُ فيه عند اكتشاف هذا المكان الرائع هو "چيرمايا"، ليست والدتي أو حتى والدي. "چيرمايا" فقط هو الشخص الوحيد الذي انبثق في ذهني عندما رأيتُ هذا الكهف الجميل، وأردتُ بشدةٍ أن أشارك رؤية هذا الجمال معه. يا إلهي، قُربه يجعلني أشعر أنّني فقدتُ السيطرة على مشاعري و.. قلبي بالفعل.»

زمّتْ شفتيها والتفتت إليه لتجده يتأمّلها بشرودٍ مثيرًا هياج نبضاتها، فهربتْ من عينيه سريعًا وأسرعتْ للخروج، ثمّ توجّهتْ حيث يقف والديها لتلتقط لهما بعض الصور. إلى أن اقترب المساء منهم بعدما تناولوا العشاء خارجًا، وعادوا جميعًا للكوخ.

بدّلت "إيزابيل" ثيابها واستلقتْ على سريرها تعبث في هاتفها، ولكنّها تفاجأتْ بـ"چيرمايا" يطرق بابها رغبةً في قضاء الأمسية معها، فاستلقيا معًا على سريرها يلعبان لعبة صراحة أم جرأة مجددًا، حتى كان دور "چيرمايا" الذي اختار صراحةً لتسأله "إيزابيل" بعد تفكيرٍ:

«إن كان عليك قضاء بقيّة حياتك بمفردك في جزيرةٍ منعزلةٍ، وأخذ ثلاثة أشياء وشخصًا واحدًا فقط معك إلى هناك، فماذا ستكون اختياراتك؟»

«هذا سؤالٌ عشوائيّ حقًا.»

«هاي! فقط أجِب، إنّه سؤالٌ مهمٌ وإبداعيّ.»

قهقه حينما صفعتْ كتفه بخفةٍ تتذمّر، فأسند ظهره على عارضة سريرها يضع حبّة رقائق بطاطس في فمه. ظلّ صامتًا ينظر للفراغ أمامه بتفكيرٍ لدقيقةٍ، ثمّ تنهد يجيب نظراتها الفضولية:

«ربّما سآخذ قدّاحةً أو أداةً لإشعال النار لا تنفد طاقتها أبدًا لأنّ النار بالتأكيد هي أهمّ شيءٍ سأحتاجه للإضاءة والتدفئة والطهي، ثمّ سآخذ الكثير من الكتب كغرضي الثاني لتسلية وقتي بالتأكيد في القراءة رغم أنّني لستُ النوع الذي يقرأ، ولكن بالتأكيد أخذي لحاسوب به الكثير من الأفلام سينتهي سريعًا ولن يكفيني لبقية حياتي. أمّا الشيء الثالث.. آممم، لا أعلم، ربما دفتر وقلم لكتابة مذكراتي أو ما أواجهه يوميًا من مغامرات على تلك الجزيرة.»

«حسنًا، إجاباتك هي العشوائية.»

رمقها بحاجبٍ مرفوعٍ فقهقهتْ بخفةٍ، ثم عادت لسؤاله:

«ومَن الشخص الذي قد تودّ في أخذه معك للجزيرة؟»

غاصتْ عيناه عميقًا بينما يرمق عينيها بصمتٍ لدقيقةٍ، ثم ابتسم بشرودٍ يجيبها:

«ربّما خياراتي محدودةٌ، ولكن بغضّ النظر عن "مايسون" صديقي المقرَّب، سأختاركِ أنتِ.. سآخذكِ معي لتلك الجزيرة "چيلي بيلي".»

لمْ يلبث أن يُنهي إجابته حتى سمعتْ صوت انفجارٍ قويّ في صدرها؛ ربما انفجار قلبها سعادةً لإجابته، ولكنّها ادّعت عكس ذلك بملامحها الهادئة تسأله رغم امتلاء عينيها بالكثير من المشاعر:

«ولكن.. لمَ أنا؟»

ابتسم بعينيه؛ كان يعلم أنّها ستسأل هذا السؤال مدعيةً الثبات، ولكنّه أجابها بصدقٍ:

«أنا حقًا أستمتع بالحديث وقضاء الوقت معكِ، سنجد الكثير من المواضيع لنتحدّث بها، الكثير من الألعاب لتسليتنا، والكثير من المغامرات التي سنخوضها معًا، ولن نشعر بالملل أو ينفد ما لدينا طوال حياتنا هناك. ربما كنتُ سأختار "مايسون" لأنّني أستمتع بالحديث معه أيضًا، ولكن عندما ينفد الحديث بيننا، سنحتاج لفعل بعض الأمور الأخرى، وهي ما لن يكون "مايسون" مفيدًا فيها أبدًا.»

قرَّب وجهه من وجهها الذي بدأ يصطبغ بالأحمر هامسًا ضد شفتيها وأنفاسه الدافئة تلفح بشرة وجهها مصيبةً حواسها بالخمول:

«تعلمين، تلك الأمور التي تحتاج ذكرًا وأنثى لفِعلها.»

كستْ الحُمرة وجهها تكتم أنفاسها مستنشقةً أنفاسه هو، فابتسم ضد شفتيها وبقي يرمق عينيها من هذا القُرب لدقيقةٍ يُعظِّم ارتباكها، ثمّ ابتعد عنها أخيرًا لتتنفّس، ولكنّها فاجأته وفاجأت نفسها تسأله بجرأةٍ:

«أيّ أمورٍ تقصد، هل تقصد لعب الألعاب التي تحتاج لثنائيّ؟»

رفع حاجبه يُجاريها بابتسامةٍ لعوبٍ:

«أجل، ربما هذه الأمور.»

«أم تقصد بتلك الأمور..»

قالتها مجددًا، واقتربتْ منه هامسةً في أذنه:

«قضاء علاقةٍ ممتعةٍ أسفل سماء الجزيرة الفسيحة والفارغة؟»

ارتفعتْ قهقهات "چيرمايا" الرجوليّة يسرق بها نبضات قلبها حتى ابتعدت تنظر لضحكاته بشرودٍ، تشعر باندفاعٍ في صدرها، لذلك ابتسمتْ بدورها واستمرّا في اللعب والثرثرة بالعديد من المواضيع. إلى أن بدأ يحكي لها عن موقفٍ مضحكٍ حدث معه سابقًا أثناء التدريب، وبقيت هي تنظر له بشرودٍ وعقلها يُحادثها:

«كان "چيرمايا" يتحدّث ويتحدّث، يحكي لي موقفًا حدث معه ربما. يتحدّث ولمْ أكن أسمع منه شيئًا على الإطلاق. كنتُ أنظر لملامحه الوسيمة وكيف تضيق عيناه الزمرّديتان مع ابتساماته اللطيفة، حتى وقعتْ عيناي على شفتيه، وكلّ ما أصبحتُ أفكّر به وأريده في تلك اللحظة؛ هو.. تقبيله.»

أدرك "چيرمايا" نظراتها الشاردة به، فتوقّف عن الحديث ناظرًا لها بهدوءٍ، حتى وجدا جسديهما يقتربان من بعضهما أكثر، عيناه على شفتيها، وعينيها على شفتيه كذلك، وحينما كانت شفاههما على وشك الاتحاد أخيرًا، ابتعد "چيرمايا" فجأةً يتنهّد بثقلٍ:

«أعتقد أنّني يجب أن أعود لغرفتي الآن، لقد تأخّر الوقت، لا بد أنّكِ تريدين النوم.»

عضّتْ وجنتها من الداخل؛ الخجل يلتهمها بسبب ما كانت توشك على فعله، ثمّ هزّت رأسها له ورغبةٌ حزينةٌ تجتاحها:

«أوه أجل، أريد النوم.. أجل. عمت مساءً.»

«عمتِ مساءً.»

أجابها ونهض بالفعل، خرج من غرفتها وأغلق الباب، ثمّ استند عليه من الخارج ضاربًا جبينه بكفّه يهمس لنفسه:

«"چيرمايا" أيها الجبان، لمَ لمْ تُقبّلها؟ بدا أنّها أرادت تقبيلك أيضًا. تبًا، تبًا.. تبًا لي. ولكن.. ماذا لو فهمتُ إشاراتها بشكلٍ خاطئ؟ ماذا لو لمْ تكن تفكّر بي بتلك الطريقة حتى؟»

تنهّد بيأسٍ، ثم ابتلع لُعابه وسار تجاه غرفته بإحباطٍ مُخفضًا رأسه، ولكنّه ما كاد يدخلها حتى عاد سريعًا لغرفة "إيزابيل" متمتمًا بإصرارٍ:

«أوه، سُحقًا لذلك.»

فتح الباب ودخل يقترب من سريرها، ولكنّه توقّف متصنِّمًا عندما وجدها قد استلقتْ مغمضةً عينيها، فلعن نفسه داخليًا على تضييع الفرصة، ثمّ اقترب كنها يسحب الغطاء على جسدها جيدًا، بقي ينظر لها لثوانٍ شاردًا في ملامحها البريئة، ثم انحنى يطبع قُبلةً على جبينها، وخرج من الغرفة مجددًا.

بينما فتحتْ "إيزابيل" عينيها بعد خروجه تعضّ شفتها السُفلى متمتمةً بإحباطٍ:

«يا إلهي، لقد عاد حقًا. ما الذي سأفعله؟ أنا.. أعتقد أنّني يجب أن أبدأ في ادخار خمسمائة دولارٍ حقًا.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي