٢٢ شريكي الجديد

تقدّم "چيرمايا" يخرج من غرفة تبديل الملابس متجهًا لملعب كرة السلة، ووضع ضغطه بأكمله في التدريب واللعب، حتى مضتْ ساعةٌ أخرى جلس فيها مع "مايسون" عند مقدمة المدرجات يرتاحان، فتقدّمتْ "تايلور" منهما تقبّل حبيبها على وجنته، ثمّ نظرتْ لـ"چيرمايا" بحزنٍ قائلةً:

«كيف حالك "چير"؟ أنا آسفةٌ لأنّ الأمر لمْ ينجح بينك وبين "بيلي". كـ..»

«ماذا؟ هل "إيزابيل" هي تلك الفتاة الغامضة؟»

قاطعها "مايسون" يصيح بصدمةٍ ضاغطًا رأسه بكفّيه من الجانبين، فمنح "چيرمايا" هذا الثنائيّ الأحمق نظرةً جامدةً، ثمّ تركهما يصيحان خلفه وعاد لغرفة تبديل الملابس، قرّر إنهاء اليوم باكرًا والتغيُّب عن بقية صفوفه الدراسيّة، ثمّ عاد لمنزله.

مضى أسبوعٌ آخر على هذا اليوم، كانت "إيزابيل" قد شعرتْ فيه بتحسُّن بصحتها، ولكنّ روحها وقلبها ما زالا يؤلمانها، فخرجتْ من صفّها تسير بإرهاقٍ تجاه مطعم المدرسة أثناء الاستراحة، وجدتْ "تايلور" قد حجزتْ له مقعدًا وبعض الطعام، فجلستْ جوارها دون رغبةٍ في الأكل، حتى نظرتْ لها "تايلور" بحزنٍ قائلةً:

«هاي بـو.. ما رأيكِ أن تخرجي معي الليلة برفقة "مايسون"، لقد اتفقنا على الذهاب للمسرح للتسلية قليلًا، غدًا عطلة نهاية الأسبوع ونحتاج للاستمتاع. تحتاجين للخروج بالشارع قليلًا.»

«لا أعتقد هذا، لا أريد أن أقطع عليكِ موعدكِ مع "مايسون".»

ابتسمتْ لها بهدوءٍ تعتذر، فسارعتْ "تايلور" توضّح لها:

«ليس موعدًا بالمعنى الحرفيّ؛ "چيرمايا" قادمٌ أيضًا، لقد دعاه "مايسون" في الواقع.»

رفعتْ "إيزابيل" حاجبها، ثمّ تنهدتْ بيأسٍ تهزّ رأسها نفيًا:

«لا أعتقد أنّه قد يرغب في رؤيتي الآن "تاي"، "چيرمايا" لمْ يتحدّث معي ولو بكلمةٍ واحدةٍ طوال الأسبوع، لقد أذيتُه كثيرًا. رجاءً لا تضغطي عليّ، لستُ بمزاجٍ جيدٍ للخروج حقًا، ما زلتُ أشعر بالتعب.»

تنهدتْ "تايلور" بيأسٍ تومئ لها، ثمّ وضعتْ شريحة بيتزا بيبروني المفضّلة لديها أمامها، وأجبرتْها على تناولها، حتى انتهى الدوام وعادتْ "إيزابيل" للمنزل، رفضتْ تناول العشاء مع والديها، وصعدتْ غرفتها على الفور، أدتْ فروضها المدرسيّة وقررتْ الخلود للنوم باكرًا متمتمةً في نفسها:

«لقد قرّرتُ أن لا أذهب للمسرح الليلة برفقة "تايلور" وحبيبها؛ خشيتُ.. خشيتُ رؤية "چيرمايا" حقًا. لا أظنّ أنّني قد أتخطّاه يومًا، وابتعاده عني بتلك الطريقة لا يجعل الأمر سهلًا على الإطلاق. إنّه.. تجاهله لي يزيد قلبي تألُّمًا، ولكنّ عقلي ما زال يرى أنّ هذا هو الأفضل، هذا هو المناسب. سيذهب لجامعته بعد ستة أشهرٍ، سيبتعد عني ويتعرّف على المزيد من الفتيات ويقع في الحبّ ويتخطّاني، وسأفعل مثله عند ذهابي للجامعة. أليس كذلك؟»

ابتلعتْ لُعابها تسحب الغطاء على جسدها، ومع سؤالها الأخير هذا، غطّتْ في النوم حقًا مرهقةً جدًا من قلة نومها في الأيام السابقة وتعب الدراسة خاصةً مع اقتراب الاختبارات النهائية وتعب قلبها أيضًا، وربما الأخير هو الأصعب.

بينما في نفس الوقت، كانت "تايلور" تتأبّط ذراع حبيبها وإلى جواره "چيرمايا" أمام المسرح القريب من منزل "مايسون"، فتركهما "مايسون" وذهب لشراء التذاكر، حيث رمقتْ "چيرمايا" بأسى قائلةً بعد ترددٍ دام لدقيقةٍ:

«حسنًا، يجب أن تتحدّثا، أنتما لا تفعلان شيئًا سوى المعاناة وأذيّة بعضكما.»

منحها نظرةً شاردةً، قبل أن يزفر بثُقلٍ مجيبًا:

«لا أظنّ ذلك "تاي"، لقد أنهتْ ما كان على وشك أن يبدأ بيننا بنفسها، هي لا تريدني، والأمر اتضح من جانبها بأسوأ الطرق حتى.»

«ما الذي حدث بينكما ليحصل كل هذا "چير"؟ ما الذي فعلتَه لها لتنهي الأمر هكذا؟»

تساءلتْ "تايلور" بنظراتٍ مستاءةٍ، الشفقة على هذا الثنائيّ الذي تعلم مدى الإعجاب بينهما منذ زمنٍ تلمع بملامحها، فابتسم الآخر بجانبيةٍ يضغط على شفته السُفلى بأسنانه، ثمّ هزّ رأسه يجيبها:

«لا أعرف حقًا، لقد أنهتْ صديقتكِ الأمر دون أن تخبرني عن السبب حتى، لمْ تتحدّث معي ولو بكلمةٍ واحدةٍ طوال الأسبوع "تايلور"، إنّها تتجاهلني كما السابق، وربما أسوأ، على الأقل حينما كنّا أعداء كما كانت تظنّ كانت تسمح لي بالحديث معها وإزعاجها، ولكنّها.. إنها لا تنظر لي الآن، لقد دمّرتُ صداقتنا التي سعيتُ لإعادتها جاهدًا بتلك القُبلة، أنا لستُ سوى أحمق منحتُها الفرصة التي لطالما أرادتها لتدميري.»

أفضى ما بقلبه تِباعًا على أسماع "تايلور" التي كانت ترمقه بقلة حيلةٍ، وحينما كانت على وشك الردّ عليه، عاد "مايسون" بالتذاكر، فالتقط "چيرمايا" تذكرته منه وسبقهما بخطواتْ سريعةٍ للمسرح، يقضى أسوأ ليلةٍ في حياته، حتى قرّر العودة لمنزله وإنهاء السهرة باكرًا، يتلحّف بغطائه وينام حزينًا مثلها.

إلى أن جاء اليوم التالي قاسيًا حزينًا كالأيام السابقة على "إيزابيل"، التي قرّرت الذهاب لمركز التسوّق لشراء حاجيات المنزل بنفسها لعلّها تروّح عن نفسها، ولكنّ خروجها من المنزل باء بلقاءٍ أثار موجةً أعظم من الحزن بقلبها، حينما رأتْ فتاةً شقراء طويلةً، ملامحها جميلةٌ جدًا وضحكاتها أجمل، تقف أمام منزل "چيرمايا" وتعانقه مقبّلةً وجنته، حتى لوّح لها الآخر مودِّعًا وركب سيارة والدته يبتعد للجهة المعاكسة من الشارع.

حينها التفتت الفتاة تجاه "إيزابيل" حتى شهقتْ الأخرى تلعن تحت أنفاسها:

«تبًا، لقد رأتْني أراقبها وأسترق النظر لها، يا إلهي. أوه لا، أوه لا لا! هل هي قادمةٌ تجاهي الآن؟»

ابتلعتْ رمقها ببطءٍ تتصنّع ابتسامةً حينما اقتربتْ منها تلك الفتاة الشقراء تنظر لها بحدةٍ، الحقد يلمع بعينيها الكحليّتين، ولكنّ "إيزابيل" تمّ إنقاذها بخروج وجهٍ مألوفٍ من منزل "چيرمايا" يركض تجاهها، ولمْ تكن سوى "هانّاه" صديقة "چيرمايا" التي تحدّثتْ معها هاتفيًا، تركض تجاه تلك الفتاة الشقراء مناديةً بلهفةٍ:

«هاي "بريم"، توقّفي رجاءً! لا تفعلي شيئًا دون تفكيرٍ. حسنًا، سأعرّفكما، هذه "إيزابيل كونكلين" أو "بيلي" كما يدعوها الجميع، صديقة "چيرمايا" وجارته.. وهذه..»

«أوه، إنّها "بيلي" المشهورة إذًا؟ "بيلي" التي حطّمتْ قلب "چير" لآلاف القطع.»

صاحتْ بها الفتاة الشقراء المدعوّة "بريم" قبل أن تعرّف عنها "هانّاه" حتى، فاتسعتْ عينا "إيزابيل" ترمقها بحدةٍ قائلةً:

«أستمحيكِ عذرًا؟ هل أخبركِ "چيرمايا" بهذا؟ ومَن أنتِ حتى؟»

«أنا حبيبته، عزيزتي.»

ردّتها "بريم" رافعةً حاجبها، حتى سمعتْ "إيزابيل" صوت تحطُّمٍ بصدرها بالفعل، وقد انبعثتْ موجةٌ أشدّ من الألم بقلبها حتى تجمّعتْ الدموع بعينيها، ولكنّ "هانّاه" تنهدتْ بقلة حيلةٍ تقف فاصلًا بينهما، ثمّ نظرتْ لـ"إيزابيل" بحنانٍ:

«هل لا تقصد شيئًا من هذا "بيلي"، إنّها فقط.. تحبّ المزاح قليلًا. إنّها "بريم" ابنة عمّ "چيرمايا" وشقيقة حبيبي أيضًا. لقد جئتُ معها اليوم لزيارة العائلة و"چيري" كوننا كُنّا قريبتين من الحيّ.»

ثمّ التفتت لـ"بريم" التي ما زالت ترمق "إيزابيل" بنظرات كالخناجر وبعينين كارهتين حقًا، لتؤّنبها دافعةً إيّاها بعيدًا:

«حسنًا "بريم"، اذهبي لانتظاري في السيارة، هيّا!»

منحتْها الشقراء نظرةً قاتلةً، ولكنّها تأفّفتْ وذهبتْ للركوب بسيارةٍ سوداء عالية العجلات كانت مصفوفةً أمام الرصيف، فالتفتت "هانّاه" مجددًا تجاه "إيزابيل" تعتذر لها بصدقٍ:

«أنا آسفةٌ حقًا "بيلي"، إنّها عنيفةٌ بطبعها. "بريم" تحبّ "چيرمايا" كثيرًا منذ الطفولة وقد اعتادتْ على الاهتمام له. لا أعرف كيف عرفت عن علاقتكما حتى، لمْ يخبرها "چير" ولمْ يخبرني أنا أيضًا. ولكنّني لاحظتُ حزنه واكتشفتُ الأمر بنفسي. تبًا، لا بدّ أنّها سمعتْ حديثي معه وتكهّنتْ الأمر لذلك حادثتكِ بعنفْ بعض الشيء.»

«هل.. هل أخبركِ "چيرمايا" أنّه.. أنّ قلبه قد كُسُر بالفعل؟»

تساءلتْ "إيزابيل" بعينين التمعتا بالدموع، فابتسمتْ لها "هانّاه" بشفقةٍ تربّت على كتفها مواسيةً:

«لمْ يقل هذا بالمعنى الحرفيّ، ولكنّ أي أحمقٍ قد يعي أنّه يهتم لأمركِ كثيرًا. يجب أن تتحدّثا، عزيزتي. امنحي نفسيكما فرصةً أخرى، وأيًا كان ما يمنعكِ من الدخول بعلاقةٍ معه، قد تجدان له حلًا أفضل معًا.»

أومأتْ لها "إيزابيل" بالموافقة، شعرتْ ببعض الراحة بالحديث معها، وهذا ما جعلها تمضي بقيّة يومها ببعض السلام مفكرةً في طريقةٍ مناسبةٍ لفتح هذا الحديث مع "چيرمايا"، ولكنّ اليوم التالي جاء ثقيلًا عليها بسبب شجارٍ قويّ بين "تايلور" و"مايسون" جعلهما يصرخان ببعضهما في الباحة المدرسية أمام بعض التلاميذ. ما جعلها تزفر بأسى متمتمةً:

«الحبّ لا يدوم حقًا، لا بدّ أنّ هذه إشارةٌ.»

عضّت شفتها وقضتْ بقية اليوم تحاول الإصلاح بينهما، ولكنّ الأمر انتهى بها في منزل "مايسون" تصيح به بعد الدوام المدرسيّ:

«تبًا، فلتبحث عن الدفتر جيدًا "مايسون"، "تايلور" تحتاجه للمراجعة، لديها اختبارٌ مهمٌ غدًا.»

«حسنًا، توقّفي عن الصياح في أذني. ولمَ لمْ تأتِ صديقتكِ لأخذ دفترها بنفسها؟ هل أصبحتِ المرسال الجديد بيننا الآن؟»

صاح بها "مايسون" بالمقابل بينما يفتّش في أدراج مكتبه بعدما أصبحتْ غرفته فوضويةً تمامًا. حتى وجد الدفتر أخيرًا ليمنحه لها قائلًا بضيقٍ:

«حسنًا، هذا دفترها، وفي المرة القادمة أخبريها أن تأتي بنفسها، أنا لا أعضّ.»

«تبًا لك، توقّفا عن التذمُّر كالأطفال وأصلحا هذه العلاقة السخيفة "مايسون سامرز" وإلّا سأحرص على تحويل حياتك لجحيمٍ بنفسي.»

رمقتْه بعينين قاتلتين تنقر صدره بسبّابتها، فنظر لها "مايسون" برهبةٍ، كان على وشك الردّ، ولكن قاطعه دخول شابٍ طويل القامة معضَّل الجسد، أشقر بشعرٍ حليقٍ بعض الشيء، ملامحه تصدح بالرجولة، دخب الغرفة دون استئذانٍ يهتف باسم "مايسون" بصوته الخشن:

«هاي يا صاح، لمَ تأخذ كلّ هذا الوقت لتبديل ثيـ.. أوه، مرحبًا يا جميلة.»

رفعتْ "إيزابيل" حاجبها بغير رضا عن تلقيبه لها بالجميلة، ولكنّه تجاهل "مايسون" واقترب منها يمدّ كفّه العريض لمصافحتها غامزًا:

«أنا "سيزار مارتينولّي" جار "مايسون" وصديقه أيضًا. وأنتِ أيتها الجميلة؟»

نظرتْ لكفّه الممدودة، ثمّ قلبتْ عينيها، كانت على وشك الحديث، ولكنّ الكلمات وقفتْ في حلقها حتى أُصيبَت بالسُعال لدى رؤيتها لجسدٍ أطول يقف خلف "سيزار" مباشرةً ينظر لها بجمودٍ، فتحمحمتْ تحيّيه بخفوتٍ:

«مـ-مرحبًا "چيرمايا".»

كان متفاجئًا من حديثها معه بعد هذه المدّة، ولكنّ ضيقه من تغزُّل "سيزار" بها كان أقوى شعورٍ لديه حاليًا، لذلك بقي ينظر لها بنفس الجمود حتى رفع "سيزار" حاجبه يلتفت له متسائلًا بمرحٍ:

«أوه، الجميع يعرف هذه الجميلة عداي.»

«توقّف عن هذا "سيزار" لديك حبييةٌ يا رجل.»

تدخَّل "مايسون" قالبًا عينيه بضجرٍ، فتجعّدتْ ملامح "إيزابيل" تهتف بتقزُّزٍ:

«إيو، هل تتغزّل بي ولديك حبيبة؟»

«سنمنحك جائزة أفضل مُفسدٍ للحظات الجميلة قريبًا "مايس".»

قالها "سيزار" يتأفّف بضيقٍ، ولكنّ "إيزابيل" هزّتْ رأسها تتجاهله، ثمّ التفتت تجاه "مايسون" مجددًا وملامحها تحتدّ بشكلٍ جنونيّ تصيح به بتحذيرٍ:

«من الأفضل لك أن تتحدّث مع "تايلور" هذا المساء وتنهيا هذا الشجار الأحمق.»

لمْ تمنحه فرصةً للردّ واكتفتْ بنظراته المتوترة منها، ثمّ مرّت جوار "سيزار" دون النظر لها، ولكنّها توقّفت أمام "چيرمايا" الذي ما زالت ملامحه جامدةً، ولكنّ نظراته كان بها بعض الاستياء، فابتسمتْ له بارتباكٍ تلوّح قبل خروجها:

«أراك لاحقًا "چير"؟»

«حسنًا، منذ متى وأنت واقعٌ في حبّها؟»

تساءل "سيزار" فور خروجها يرفع حاجبه، وهناك ابتسامةٌ خبيثةٌ قد احتلّت جانب شفتيه، فصاح "چيرمايا" فجأةً بعدما سئم يفرغ به غضبه من كلّ شيءٍ:

«أنا لا أحبّها، سحقًا لذلك. لقد كان مجرّد إعجابٍ وانتهى، هناك الكثير من الفتيات في انتظاري أفضل منها.»

«أيًا يكن، هيّا بنا.»

تدخَّل "مايسون" يتنهّد بقلة حيلةٍ، وأرشدهما للخروج حيث اتفقا على الذهاب للعب كرة السلة في ملعبٍ حُرٍ قريبٍ.

وفي اليوم التالي، كانت "إيزابيل" تقف جوار خزانتها في ردهة المدرسة شبه الفارغة، تنظر بهدوءٍ لصديقتها "تايلور" الغارقة في تقبيل "مايسون" جوار باب دورة المياه، حتى تنهّدتْ تبتسم بخفةٍ متمتمةً:

«يبدو أنّ الثنائيّ الغبيّ قد حلّا مشكلتهما أخيرًا. آخ، أتمنى أن تكون مشاكلي سهلة الحلّ مثلهما.»

هزّت رأسها بأسى، وتقدّمتْ تجاه صفّها لحضور صفّ الأدب، حيث وقف معلِّمها الأصلع ذو الشاربين الطويلين والثياب التي تعود لحقبة السبعينات يهتف في طلبته الذين يرمقونه بضجرٍ:

«لقد أرسلتُ لكم جميعًا بالأمس عبر البريد الإلكترونيّ الترتيب الجديد لأماكن جلوسكم لما تبقى من هذا العام، لا أريد أن يحاول أحدكم مخالفة قائمة الجلوس، وإلّا سيُضطَر للتعامل معي وجهًا لوجهٍ.»

قلَبتْ "إيزابيل" عينيها تشبّك ذراعيها على جسدها ناطقةً في نفسها:

«لمْ يهتم هذا الأصلع لأماكن جلوسنا منذ بداية العام، والآن يأتي لوضع قائمة تجبرنا على أماكن جلوسٍ معيّنةٍ؟ بل ويكون مَن يجلس جواري في نفس المقعد هو "چيرمايا فيشر"...؟»

زمّتْ شفتيها تنظر بطرف عينها لـ"چيرمايا" الجالس إلى جوارها يريح ظهره على ظهر المقعد ناظرًا للأمام بملامح جامدةٍ، حتى تنهّدتْ حينما سمعوا جميعًا صوت المعلّم الحادّ كصرير الأبواب مجددًا:

«وهذه التقسيمة الجديدة لجلوسكم ليست عشوائيةً، إنّها تحدّد شريككم في مشروع التخرُّج النهائي لهذا الصفّ، أيها الصِغار. ولا لا لا.. أبدًا، لن يكون هناك تغييرٌ لشركائكم، لا تحاولوا!»

أنهى جملته ومنحهم ظهره يكتب على السبورة بضع كلمات، متجاهلًا تذمّراتهم من خلفه، بينما "چيرمايا" قد التفت ناظرًا لـ"إيزابيل" التي رمقتْه هي الأخرى بحيرةٍ كبيرةٍ مثله، حتى أدار كلاهما وجهه بعيدًا عن الآخر يلعنان تحت ألسنتهما:

«رائع، هذا ما كان ينقصني حقًا.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي