١٨ المُخاطرة بحُبِّها تستحق

مضتْ دقيقةٌ مرّت على "إيزابيل" كالسنوات، كان "چيرمايا" قد منحها ظهره وأغمض عينيه يبدأ في النوم، بينما احتقن وجهها باستياءٍ كبيرٍ تدفن وجهها في الوسادة متحدثةً في نفسها:

«مُحبَطة؟ مُحتارة؟ أشعر أنَّه تم رفضي؟ لمْ أكن متأكدةً مما أشعر به حقًا. أفكاري كانت تذهب وتأتي في رأسي بسرعة مائة ميلٍ في الساعة، قويةً، وتكاد تفتك بجمجمتي.»

تنهّدتْ بقوةٍ حينما تقلَّب "چيرمايا" في الفراش مقتربًا منها أثناء نومه يدفن وجهه في ظهرها، وأصبحتْ أفكارها أكثر عنفًا في قُربه:

«ما الذي جعله يتراجع عن فكرة تقبيلي بعد أن كان قريبًا جدًا منّي؟ هل كانت رغبتنا المشتركة ببعضنا والتقرُّب مجرّد أفكارٍ في رأسي فقط؟»

شعرتْ بالصُداع المفاجئ من قوة تلك الأفكار، وأغمضتْ عيناها تبتعد عنه حتى التصقتْ بالحائط تُرغم نفسها على النوم، ولكنّ شهقةً خفيفةً انبعثتْ منها حينما شعرتْ بيد "چيرمايا" تُطبق على خصرها، يسحبها تجاهه ليعانقها، حتى عادت أفكارها للتحدّث معها:

«آخ، يا إلهي! لمَ يفعل هذا بي؟ لقد سحبني فجأةً لعناقه حتى أصبح ظهري ملتصقًا بصدره ووجهه مدفونٌ في رقبتي. لمْ أكن أعرف إن كان نائمًا أن لا، ولكنّه قرّبني إليه لأكثر درجةٍ قد يكون فيها بشرًا قريبًا من الآخر. بدا أنّه يريدني بقُربه، حتى اختفى كلّ التوتر الذي كان يخالجني على الفور.»

ما إن اختفى توترها وشعرتْ بالدفء في عناقه، استرخى جسدها وانقشعتْ أفكارها تلك تمامًا حتى ذهبتْ في النوم، في عناقه، مرتاحةً.. وتشعر بالكثير من المشاعر المختلطة.

****

صباح اليوم التالي كان يوم رأس السنة الجديدة، بدايةٌ كانت في يومٍ امتلأ بمرحهم العائليّ معًا، استيقظتْ فيه "إيزابيل" لتجد سريرها فارغًا من "چيرمايا"، فتنهدتْ بقوةٍ وقرّرتْ أن تحاول إبعاده عن أفكارها اليوم، مخاطبةً نفسها في عقلها:

«ربما يكون هذا قرارًا صعبًا وربما لا أستطيع تنفيذه حتى، ولكنّني قررتُ إبعاد "چيرمايا فيشر" عن أفكاري طوال اليوم قدر الإمكان، وتجهّزتُ بثيابٍ دافئةٍ لقضاء اليوم في الكوخ مع والديّ ووالديه، حتى امتلأ يومنا بالكثير من التسلية والمرح ولعب الأوراق وتناول الكثير من الطعام.»

اقتربتْ جالسةً على أريكةٍ بمنتصف الصالة أمام المدفأة الحجرية إلى جوار "چيرمايا" بصمتٍ دون أن تنظر له، والآخر قد منحها نظرةً جانبيةً سريعةً، ثمّ حوَّل نظره لوالدته التي تقوم بتمثيل مشهدٍ صامتٍ لكي يخمّنوا جميعًا ما تمثّله، وهكذا توالت أدوارهم في التمثيل واللعب، حتى مرّتْ ساعةٌ أخرى، شعرتْ فيها "إيزابيل" بفقدان سيطرتها على هدوئها، فتحمحمتْ تحادثه إلى جوارها:

«لا أصدّق أنّه آخر يومٍ لنا هنا، لقد كنتُ مستمتعةً كثيرًا بكل لحظةٍ مرّت.»

«وأنا أيضًا، لكنني أفتقد سريري وغرفتي الفوضوية نوعًا ما.»

اشترك معها في الحديث الذي خلقتْه ناظرًا لها بهدوءٍ، فقهقهتْ على قوله ثمّ سألته:

«ما الذي تخطّط لفعله في منتصف الليل مع بداية السنة الجديدة؟»

رمق عينيها بنظرةٍ مطوّلةٍ جعلتْها غير مرتاحةٍ قليلًا، ولكنّه تنهد يهزّ كتفيه قائلًا:

«آه، لا أعرف حقًا. في العادة، أذهب لحضور حفلةٍ ما في ليلة رأس السنة، ولكنّني لا أعرف إن كانت هناك حفلات ستُقام قريبةً من هذا المكان.»

«أعتقد أنّني سأقضي هذه الليلة أسفل أضواء السماء الشمالية الملوّنة في هذه المنطقة الجميلة.»

لمعتْ عيناه مع إجابتها البسيطة تلك وهي تملّس على ذراعها كحركةٍ متوترةٍ اعتادت فِعلها، فسارع لسؤالها دون تفكيرٍ حتى:

«هل يمكنني الانضمام إليكِ؟ أعني.. هذا بالطبع إن كنتِ ترغبين في رِفقةٍ معكِ. لن ألومكِ أبدًا إن لمْ ترغبي في إنهاء هذه السنة وبدء السنة الجديدة برؤية وجهي وقُربي منكِ.»

رفعتْ حاجبها من تغيير ملامحه المفاجئ من الهدوء للتوتر، فابتسمت بصدقٍ:

«يمكنك الانضمام لي. لا بأس.. أنا بالفعل قد أرغب في بعض الرِفقة في هذه الليلة.»

«هاي يا أطفال، سنذهب لشرب بعض المشروبات في الحانة القريبة، سنكون هناك إن احتجتما لنا.»

قاطعهما صوت والد "إيزابيل" بتلك الجملة، ثم عاد لسؤالهما بتفكيرٍ:

«ما الذي تخططان لفعله الليلة كاحتفال للسنة الجديدة؟»

«سنذهب لمشاهدة أضواء السماء الملوّنة للمرة الأخيرة قبل أن نسافر عودةً للمنزل غدًا.»

أجابتْه "إيزابيل" ومن خلفها "چيرمايا" يتحاشى النظر لوالدها الذي بدأ ينظر له مضيّقًا عينيه بشكٍ، ولكنّه قال بعد صمتٍ لدقيقةٍ:

«حسنًا، هذه تبدو فكرةً جيدةً. استمتعا.»

أومآ له بابتسامةٍ هادئةٍ كان يتخلّلها بعض الارتباك من قِبل "چيرمايا" بسبب نظرات والد "إيزابيل" غير المريحة له، ولكنّها قطعتْ تواصلهما البصريّ تلتفت لـ"چيرمايا" قائلةً:

«سأذهب لارتداء ملابس أكثر دفئًا من هذه. سألتقي بك عند الباب آممم.. ربما خلال نصف ساعةٍ؟»

«أجل، يبدو جيدًا بالنسبة لي.»

أجابها، ثمّ تبادلا ابتسامةً خفيفةٍ واتجه كلٌ منهما لغرفته. حيث ارتدتْ "إيزابيل" سروالًا أسود من الجلد ضيقًا، يعلوه معطف أخضر مغلقٌ يصل لركبتيها، وحذاءً شتويًا عالي العمق يصل لأسفل ركبتيها بإنشات. وضعتْ قبعةً صوفيةً سوداء على شعرها الذي تركته منسدلًا خلف ظهرها، وخرجتْ لتجد "چيرمايا" متأنقًا في سروالٍ من الچينز ومعطف أسود بقبعةٍ فروية في انتظارها.

ذهبا معًا سيرًا على الأقدام إلى المساحة الواسعة أعلى التلة الخلفية لكوخهم، حيث وقفا يشاهدان أضواء السماء التي لمعتْ بالأخضر هذه الليلة في ظاهرتها الجميلة. فبادر "چيرمايا" بالحديث يسألها ونظره للأمام:

«ما رأيكِ بقرارنا لقضاء هذه الليلة أسفل الأضواء السماوية على التلة؟ هل أصبنا في قرارنا؟»

«لا أعرف، لقد أتيتُ إلى هنا فقط منذ دقيقتين، لمْ يمرّ وقتٌ لأقرّر إن كان الأمر لطيفًا ويستحق أم لا.»

أجابتْه بهدوءٍ مُشبِّكةً ذراعيها على صدرها تراقب الأجواء أمامها، فالتفت برأسه ينظر لها من الأعلى بحاجبٍ مرفوعٍ متعجبًا من ردّها البارد، ثمّ تنهّد يحاول فتح حديثٍ مجددًا:

«إذًا، ما أمنيتكِ للتغيُّر في السنة الجديدة؟»

التفتت تنظر له هذه المرة، وبعد تفكيرٍ لبضع ثوانٍ أجابته:

«آممم.. أعتقد أنّ أمنيتي لهذه السنة الجديدة أن أستطيع الحصول على لقب كابتن فريق الكرة الطائرة ولو لسنةٍ واحدةٍ على الأقل. ماذا عنك؟»

«أرغب في أن أتوقّف عن الخوف من الحياة في السنة الجديدة.»

أجابها مباشرةً وكأنّه جهّز إجابته، فرفعتْ حاجبها تستفسر:

«ماذا تقصد؟»

«في الواقع، لقد كنتُ خائفًا من الانضمام لفريق كرة السلة باكرًا ومنذ السنة الأولى بالثانوية لأنّني خشيتُ أن أكون سببًا في خسارة الفريق في مباراةٍ ما وأجعلهم يشعرون بالسوء بسببي. و.. كنتُ أيضًا أخشى الرسوب في المواد، ولكنّكِ ساعدتِني بالدراسة.»

كانت عيناه تلمعان بحزنٍ مع حديثه الصريح الذي جعلها تنظر له بابتسامةٍ خفيفةٍ سعيدةً بانفتاحه هذا، لذلك شجّعتْه على الابتسام يتحدّث براحةٍ أكبر:

«أنا.. أنا فقط لا أرغب أن تحطّم مخاوفي حياتي أو تؤخرني عمّا أرغب بفعله حقًا أو تمنعني من عيش حياتي. إن لمْ تمضِ الأمور كما أخطّط لها أو أرغب بها، فلا بأس بذلك، لكنّني قد أخسر الكثير إن لمْ أُجرّب ما أحبّه بدافع الخوف الغبيّ.»

ابتلعتْ لعابها تفرك ذراعيها بتوترٍ من حديثه العميق؛ لمْ تكن لتتخيّل أنّ النسخة الجديدة واللعوبة والقوية من "چيرمايا فيشر" قد تفاجئها بهذه المشاعر، لذلك ربّتت على ذراعه بخفةٍ تشجّعه:

«واو، لمْ أكن أعلم أنّك تخوض كلّ هذه المشاعر المُحبطة حقًا. أنا سعيدةٌ حقًا لأنّك قررت أن تواجه مخاوفك، كما أنّك قمت بعملٍ جيدٍ مؤخرًا وتخطّيت الكثير منها. و.. أنا هنا لأساعدك أينما ومتى احتجتني.»

«أوه، شكرًا لكِ "بيل"، أنا أقدّر دعمكِ هذا حقًا.»

رمقها بامتنانٍ، ثمّ تنهّد يعود بنظره لمراقبة السماء لتنظر هي لساعة هاتفها قائلةً:

«حسنًا، إنّها الحادية عشرة وتسعةٌ وخمسون دقيقةً.»

«هل أنتِ جاهزة للسنة الجديدة؟»

هتف بصوتٍ حماسيّ، فقهقهتْ بسعادةٍ تهزّ رأسها بإصرارٍ:

«أجل، أحضرها إليّ.»

قهقه هو الآخر وبدأ بالعدّ بعد مرور بضع ثوانٍ أخرى بينما ينظر لشاشة هاتفه:

«خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، و.. واحد. سنةٌ جديدةٌ سعيدةٌ "چيلي بيلي".»

صرخ "چيرمايا" بالأخيرة تزامنًا مع انطلاق الألعاب النارية الملوّنة بالقُرب منهما، فقفزتْ "إيزابيل" بحماسٍ مُقهقهةً تحادث نفسها:

«أستطيع سماع الألعاب النارية تنفجر من مسافةٍ قريبةٍ منّا، ولكنّها.. لمْ تكن قريبةً كفايةً لأشعر بها مثل تلك الانفجارات في معدتي. هذا.. هذا ما شعرتُ به حقًا.. انفجارات قوية في معدتي، عندما سحبني "چيرمايا فيشر" لعناقه بشكلٍ مفاجئٍ، ودون سابق إنذارٍ، حبس شفتيّ بين شفتيه، يُقبّلني بشغفٍ كبيرٍ.»

التصق جسداهما أسفل أضواء السماء التي تتخلّلها الألعاب النارية، يحيط خصرها بذراعٍ معانقًا جسدها بقوةٍ لصدره حتى رفع جسدها القصير عن الأرض، وشفتاه تأخذان شفتيها في قبلةٍ جعلتْ شفاههما الباردة تشتعل كلّما أصبحتْ القبلة أكثر عمقًا وشغفًا. كان الهواء مثلَّجًا، ولكنّ جسديهما كانا يشتعلان من قُربهما.

تعمّق "چيرمايا" في القُبلة، يتذوّقها وكأنّها حلواه المفضّلة، وعقله يشاركه أفكاره هذه المرة متهلِّلًا داخل جمجمته:

«ما إن سمعتُ دقّات الساعة التي أعلنتْ بداية السنة الجديدة في هاتفي، حتى سحبتُ "بيلي" في قُبلةٍ لمْ أكن أخطّط لها حتى. لقد قررتُ بداية السنة الجديدة بتجاوز مخاوفي، وجُبني في الاقتراب من "إيزابيل كونكلين" كان أكبر مخاوفي حقًا. لذلك قررتُ تجاوزها وتقبيل الفتاة التي رغبتُ بها طويلًا، قررتُ المغامرة معها، حتى وإن كان هذا سينتهي بانشطار قلبي لقطعٍ، ولكنّها "بيلي"، إنّها "چيلي بيلي" خاصتي، والمخاطرة بُحبّها تستحقّ.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي