٥ قُبلة

ماذا لو وقعت "إيزابيل" في حب "چيرمايا فيشر"؟

هذا السؤال الذي ألقتْه "تايلور" ثم صمتتْ، جعل كِلتيهما تنظران لبعضهما بصمتٍ لدقيقةٍ، ثم انفجرتا ضحكًا بصوتٍ عالٍ حتى شعرتا بقُرب فقدان أنفاسهما من شدة الضحك، لتقول "تايلور":

«حسنًا، كان غباءً كبيرًا مني حقًا أن أسأل سؤالًا كهذا.»

«أجل، لمْ أرغب في الضحك في حياتي مثلما رغبتُ الآن. يا إلهي! إيو، أنا و"چيرمايا فيشر"؟ أحبُّه؟ آخ، لقد آلمتْني معدتي من الضحك.»

«حسنًا، حسنًا.. توقّفي عن الضحك. هيّا نذهب للتمرين. لقد تأخّرنا خمس دقائق بالفعل بسبب الثرثرة.»

أومأت لها وذهبتا معًا مستمرّتان في الضحك والسخرية من إمكانية وقوعها في حبّ "چيرمايا"، خاصةً بعدما تغيّر معها لتلك الدرجة منذ أصبح فتى يافعًا تُعجَب به الفتيات.

بعد انتهاء تمرينهما، كانت "إيزابيل" تلملم أشياءها في حقيبة ظهرها، فقاطعها صوت "ماكس" من خلفها قائلًا بابتسامةٍ لطيفةٍ:

«مرحبًا "بيلي".»

«أوه، أهلًا.»

«هل أنتِ متفرّغة هذا المساء؟»

«أ-أعتقد ذلك، ليس لديّ ما أفعله. ولكن لمَ؟»

«سأقيم حفلةً مساءً في منزلي بمناسبة عيد مولدي، أريد منكِ الحضور بالطبع.»

اتسعت عيناها ونمت ابتسامةٌ واسعةٌ على شفتيها؛ سعيدةً أنّ "ماكس"، الفتى الذي يعجبها يدعوها بنفسه لحفلته، فهزّت رأسها له بالموافقة بعدما تمالكت سعادتها كي لا تظهر كالحمقاء:

«أجل، بالطبع سأحضر. عيد مولدٍ سعيدٍ.»

«شكرًا لكِ "بيلي"، حسنًا، هل يمكنكِ إخبار "تايلور" أيضًا أنّها مدعوّة؟ سأدعو "مايسون" بنفسي الآن.»

«بالطبع، لا بأس.»

منحها ابتسامةً جعلتْ قلبها يرفرف، وتركها تبتسم بخجلٍ، ولكنّه فور رحيله، لمحتْ من خلفه جسد "چيرمايا"، واقفًا في منتصف الملعب، قريبًا منهما للقدر الذي جعله قادرًا على سماع محادثتهما، ينظر لها بعينين جامدتين، ملامحه تحمل ضيقًا جعل قلبها يضطرب.

ولكنّها أبعدتْ نظرها عنه وأكملتْ ما تفعله لتخرج سريعًا من ملعب كرة السلة.

في حوالي الثامنة مساءً، بمنزل "ماكس" بأحد الأحياء الفارهة في بنسلڤانيا:

دخلتْ "إيزابيل" منزله المُضاء جدًا برفقة "تايلور" وحبيبها الذي أقلّهما بسيارته، ترتدي فستانًا أخضر ينتهي بسروالٍ قصيرٍ يصل لركبتيها تقريبًا، مفتوح الصدر قليلًا وله حزامٌ أسود يضيق على خصرها، كانت مثيرةً بهذا للمظهر الجذّاب.

تقدّمتْ تجاه "ماكس" تعطيه هديةً لعيد مولده وسط الموسيقى الحماسية التي تملأ صالة المنزل الواسعة ومعارفه الذين يرقصون ويتحدثون في الأرجاء.

«عيد مولدٍ سعيدٌ مجددًا "ماكس".»

«أوه "بيل"، أنتِ هنا حقًا. شكرًا على الهدية. لمْ يكن عليكِ تكليف نفسكِ هكذا.»

«إنّها هديةٌ بسيطةٌ، ولكنّها نابعةٌ من القلب "ماكسي".»

«ماكسي؟»

«آه، لقد.. أنا معتادةٌ على مناداة أصدقائي بألقاب لطيفةٍ. نحن.. أعني، تحن أصدقاء، أليس كذلك؟»

«بالطبع، ما رأيكِ أن ترقصي معي؟»

اصطبغت وجنتاها بالأحمر مع عرضه، ثمّ أومأت له بترددٍ وبدآ بالرقص مع الموسيقى الصاخبة، ولكنّ الأغنية قد انتهت وبدأتْ أغنيةٌ أخرى أكثر حماسًا، فاندمجتْ "إيزابيل" تحرّك خصرها ووِركيها مع الموسيقى، حتى اضطرب قلبها حينما شعرتْ بيديّ "ماكس" على خصرها.

وقف خلفها حتى التصق جسداهما، يمسك خصرها بيديه بينما تميل هي عليه راقصةً.

لمْ تمضِ ثوانٍ حتى شعرتْ "إيزابيل" بيدين قويّتين تقبضان على خصرها تدفعانها بعيدًا عن "ماكس"، واستمرّتا في دفعها حتى دخلا دورة مياهٍ في الطابق السفليّ بنهاية الممرات.

فالتفتت "إيزابيل" تنظر له من خلفها بحدةٍ صارخةً:

«ماذا تظنّ نفسك فاعلًا لتسحبني بتلك الطريقة "چيرمايا"؟»

رمقها بغضبٍ غير مُبرَّر، ثم ذهب تجاه باب دورة المياه ليغلقه بالقُفل الداخليّ، جاعلًا إياها تنظر له بصدمةٍ أكبر هاتفةً:

«أيها الغبي، ما الذي تفعله؟ لمَ تغلق الباب؟»

ابتلعتْ لسانها حينما اقترب منها حتى لمْ يعُد هناك ما يفصل بينهما، رافعًا ذقنها بإبهامه متسائلًا بنبرةٍ بدتْ لها حادّةً:

«هل تظنّين أنّ تقرُّبكِ من "ماكس" ورقصكِ معه بهذه الطريقة سيثير غيرتي ويجعلني أقع في حبكِ؟ هل هذه هي طريقتكِ إذًا؟»

«أيها المعتوه، لمْ ألاحظ وجودك في الحفل ذاتًا. ظننتُ أنّه لمْ يخبرك عنه.»

«لا تكذبي "إيزابيل"، لقد تقابلتْ عيوننا مرّتين أثناء رقصكِ معه.»

«ربما حدث حقًا، ولكنني لمْ أنتبه لوجودك، عندما بدأتْ الأغنية الثانية انخفضتْ الأضواء. ثم ما شأنك؟ لمَ يضايقك رقصي مع "ماكس"؟»

«يضايقني؟ ولمَ قد يضايقني شيءٌ كهذا؟ أنتِ تبدين كالعاهرات فقط، يهمّني تحذيركِ لأنكِ ابنة صديقة والدتي المُقرَّبة.»

انقبض قلبها بشدةٍ عندما وصفها بتلك الجملة، شعرتْ برغبتها الشديدة في البكاء، ولكنّها كبحتْها تدفعه من صدره بكل قوتها حتى تزحزح بعيدًا عنها بالفعل تصرخ فيه بأعلى صوتها:

«لا يحقّ لك التدخُّل بحياتي مهما كان السبب. كما قلت للتو، أنا مجرّد ابنة صديقة والدتك المُقرَّبة، لمْ يكن هناك ما يربطنا سابقًا ولن يكون. وتوقّف عن اللحاق بي، إن كنت قد وقعتَ في حبّي بالفعل، كُن رجلًا حقيقيًا ولو لمرةٍ واحدةٍ في حياتك واعترف بذلك واخسر الرهان كالرجال.»

ثم اندفعتْ خارج دورة المياه تاركةً إيّاه ينظر لأثرها بغضبٍ قويّ، حتى أشعل سيجارةً بقدّاحته الذهبية وخرج من دورة المياه خلفها، كان على وشك اللحاق بها مجددًا، ولكنّه توقّف حينما وجدها قد عادت لماكس، وسمعه يسألها بارتباكٍ:

«هل أنتِ بخير؟»

«أجل، ولمَ قد لا أكون؟»

«أ- أنا، أعني.. لقد سحبكِ "چيرمايا" للتوّ وكان يبدو غاضبًا نوعًا ما. هل أنتما.. أعني.. هل أنتما معًا؟»

«إيو، ولمَ قد أفكّر أن أواعد شخصًا مثله؟ لستُ رخيصةً كفتياته.»

«حسنًا، انسي الأمر. هل تريدين شرب شيءٍ ما.»

«ربما مشروب غازيّ مع الفراولة. شكرًا لك "ماكسي".»

تحادثا بهدوءٍ وبشكلٍ طبيعيّ، غافلَين عن كون "چيرمايا" خلفهما وقد سمع كلّ كلمةٍ قالتها عنه وحطّمتْ قلبه لأشلاء.

شعر بالحزن يضرب جسده، وبقلبه يتأثّر كثيرًا بما سمعه منها، كان يتسلى بهذا الرهان منذ البداية رغم أنّه كان يشعر بمشاعر غريبةٍ في قُربها منذ البداية.

بدأ هذا الرهان يصبح غبيًا في نظره؛ خاصةً كونه تأذّى بسببه بتلك الطريقة، ولكنّه نفث دخان سيجارته بعنفٍ يندفع خارج منزل "ماكس"، واقترب من دراجته الناريّة الحمراء الغامقة يركبها، أطفأ سيجارته ووضع الخوذة، ثمّ انطلق بالدراجة بسرعةٍ كبيرةٍ تجاه الطريق السريع.

انتهى هذا اليوم، وبدأت عدّة أيامٍ مدرسيةٍ أخرى، انشغلتْ فيها "إيزابيل" ما بين الدراسة وحضور صفوفها وتمارين الكرة الطائرة وتدريبات فريق المشجعات أيضًا.

ولكن.. كان يومها فارغًا رغم كلّ هذه الانشغالات؛ لأنّ "چيرمايا" لمْ يتواجَد في الأرجاء لما يُقارب الأسبوعين، حتى أنّه لمْ يحضر اجتماعات العشاء العائلية لعائلتيهما في نهاية الأسبوع، رغم أنّها لمحتْه سريعًا عدة مرات في صفوفهما المشتركة أو تدريبات كرة السلة، ولكنّه لمْ ينظر لها أبدًا.

حتى مرّ أسبوعان بالفعل، وكانت نائمةً على سريرها بغرفتها، تتقلّب بضيقٍ بسبب صوت ضوضاء الليل المزعجة.

فنهضتْ بغضبٍ تضع رداءً فوق قطعتيّ ثيابها الداخليتين اللتين نامت بهما، ثمّ خرجتْ من الباب الخلفي للمطبخ تجاه ملعب كرة السلة القديم خلف منزلها، لتجده هناك كما توقّعت.

كان جزءٌ كبيرٌ داخلها سعيدٌ لرؤيته بعد كل هذه المدة، ولكنّ قلبها اضطرب حينما وجدتْه عاري الصدر، لا يرتدي سوى سروالًا أحمر يصل لركبتيه، تاركًا صدره المليء بالعضلات للهواء الطلق.

فتحمحمت تقترب منه رافعةً صوتها:

«إلى متى ستستمر في إزعاج نومي الجميل؟»

«يمكنكِ وضع سدّادتين في أذنيكِ أو أخذ منوّم.»

«لا تكن باردًا لهذه الدرجة أيها الوغد، أنا لا أمزح هنا. أريد النوم.»

«إذًا نامي.»

صرخ بها ينظر لها أخيرًا، فانكمشتْ على نفسها تتراجع للخلف قليلًا جافلةً منه، وحينما رأى ملامحها الخائفة، لعن تحت أنفاسه يقترب منها فاركًا جسر أنفه بإصبعيه يعتذر بهدوءٍ نسبيًا:

«أنا.. أنا آسف. لمْ أقصد الصراخ بكِ هكذا.»

«لـ-لا بأس، لمَ.. أعني، لمَ تبدو مستاءً لهذه الدرجة؟ وأين اختفيت طوال الأسبوعين السابقين؟»

رفع حاجبه يسألها بابتسامةٍ جانبيةٍ: «إذًا، لقد لاحظتِ غيابي؟»

ابتلعتْ لعابها أمام نظراته المتفحّصة، ولكنها ردّته بسخريةٍ: «أعني، لا يمضي يومي دون إزعاحك لي، بالتأكيد سأشعر بغيابك.»

«كنتُ منشغلًا ببعض الأمور، كما أنّني كثّفتُ جدولي لدراسة مادة التاريخ.»

«هل ما زالت هذه المادة تسبّب لك إزعاجًا لهذه الدرجة؟»

«لسنا جميعًا معجبين للتاريخ والأرقام القديمة "چيلي بيلي".»

ابتسمتْ بخفةٍ حينما عاد لمناداتها بهذا لللقب الذي يجعل قلبها ينبض بعنفٍ، ولكنّها تجاهلتْ هذه الأفكار تسأله بجدّية:

«هل.. هل تحتاج للمساعدة؟»

«ما الذي تقصدينه بالمساعدة؟»

«يمكنني.. يمكنني تدريسك التاريخ، أعني، قد أساعدك في المذاكرة بما لديّ من ملاحظات، أنا أحبّ هذه المادة كثيرًا كما تعلم.»

«هل تعرض عليّ "إيزابيل كونكلين" أن تكون مُعلّمتي الخصوصية للتاريخ؟»

«لا عليك، أنا غبية عندما فكّرتُ بهذا الأمر.»

أجابته تقلب عينيها، ثمّ منحتْه ظهرها وكانت على وشك العودة لمنزلها، ولكنّ صوته الجادّ أوقفها:

«حسنًا، شكرًا لكِ على ذلك.»

«غدًا، في الثالثة بمكتبة المدرسة الرئيسية، سأنتظرك هناك.»

ألقتْ كلمتها عن موعدهما هذا دون النظر له، فابتسم بتوسُّعٍ مع عودتها لمنزلها، وقلبه ينبض بعنفٍ أكبر حاول تخطّيه خلال الأسبوعين السابقين بابتعاده عنها.

ولكن.. لا فائدة من الابتعاد، لمْ يزِدهما الأمر سوى… اشتياقًا.

****

اليوم التالي، الثالثة مساءً، في مكتبة المدرسة الرئيسية:

كانتْ "إيزابيل" قد وصلتْ للمكتبة باكرًا عن موعدها بالفعل لتقرأ قليلًا، ووصل "چيرمايا" في الثالثة إلا ستّ دقائق، وعلى عكس ما توقّعتْه.. كان "چيرمايا" مهتمًا بالدراسة بالفعل، بل صدمها بتركيزه وتفاعله مع شرحها وأسئلتها.

مرّت ساعةٌ ونصف وهما يدرسان معًا، هي تشرح، وهو يسجّل الملاحظات ويسألها عمّا لا يفهمه، حتى أخذهما الوقت لدرجة شعوره بالنعاس المفاجئ، وسقوط رأسه على كتفها أثناء اندماجها في الشرح، فقلبتْ عينيها تضع الكتاب على الطاولة وتنظر له على وشك تأنيبه.

لكنّها تصنّمتْ حينما وجدتْه نائمًا بالفعل، رأسه على كتفها، ويده على فخذها المغطّى بتنورةٍ ضيقةٍ من الچينز الأسود تصل لركبتيها، فابتلعتْ لعابها تراقب تفاصيل وجهه الجميلة من هذا القرب.

كان ناعمًا، وسيمًا، بريئًا، على عكس "چيرمايا" المنحرف ذي النظرات المتلاعبة والفتى ذي السُمعة السيئة، حتى وجدتْ نفسها تطبع قُبلةً على جبينه فجأةً متأثرةً بشعره البنيّ المائل للأشقر والمجعّد قليلًا كفراء الخِراف.

إلّا أنّ عينيها اتسعتا بصدمةٍ بعدما أدركتْ ما فعلته، وحينها فقط.. فتح عينيه يُبعد رأسه عن كتفها متثائبًا بقوةٍ يمطّ ذراعيه المُحمَّلين بالعضلات قائلًا:

«هل نمتُ طويلًا؟»

«لـ-لا، إنّها مجرّد عشر دقائق تقريبًا.»

«حسنًا، هل قبّلتِ جبيني للتو؟»

رمشتْ تكافح الصدمة قبل ظهورها على ملامحها، قلبها اضطرب بشدةٍ وبدأتْ أنفاسها تتهادى، ولكنّها هزّت رأسها باندفاعٍ تجيبه:

«با–بالطبع لا، ولمَ.. لمَ قد أفعل شيئًا كهذا؟»

«أوه، ربما أتوهَّم ذلك..»

هزّت رأسها بابتسامةٍ مرتبكةٍ توافقه على ما قاله، ثمّ غيّرتْ الموضوع تمامًا بسؤالها:

«هل اكتفيتَ اليوم أم ترغب في إكمال الدراسة؟»

«أعتقد أنّ لديّ اقتراحٌ لشيءٍ أفضل لنفعله.»

أجابها، ولمْ يمنحها الفرصة لالتقاط نَفَسها التالي حينما ألصق جسده بجسدها، يضمُّ وجهها بين كفّيه، واضعًا شفتيه على شفتيها، يُقبِّلها بلينٍ وعيناها متوسّعتين، حتى بدأت تذوب بلمساته مغلقةً عينيها والآخر مستمرٌ في تقبيلها باستمتاعٍ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي