2 الملك المضطرب

الفصل الثاني:

( الملك المضطرب)

سارع الرجل الغراب على تنفيذ الأمر، وانتظر حتى يتأكد بألا يراه أحداً، وسار الأمر كما خططت له كاترين.

كان الملك بغرفة ابنتيه، وهي يمسح على شعورهن الجميل.

أنستازيا وهي تخفض رأسها:
_ أبي، هل حقاً لم تعد تُحبنا؟

تحدث الملك باستغراب:
_ من قال لكِ هذا؟! بالطبع أحبكما، أنتن أغلى ما أملك.

دريزيلا بغضب:
_ هذا غير صحيح، فقد سَمعتُ الخادمة وهي تتحدث عن علاقتك مع امرأة.

صُدم الملك، وعلَت على وجهه ملامح التوتر، ثم الغضب:
_ عن أي خادمة تتحدثين؟! ومن تجرأ على اتهام الملك ها؟ هيا قولي من؟

شعرت دريزيلا بالخوف، ولم ترغب بأن يتضرر أحد، لذا قالت:
_ كنت أمزح، لم أسمع أحداً يقول ذلك، ولكنني أردت إلفات نظرك إلينا، فبأخر فترة لم تعد تسأل عنا.

ساير الملك ابنته، ولكنه تأكد بأن هناك من يتحدث عنه بسوء، لذا توعد في نفسه: " أياً كان من تحدث عني بأي شيء سينال العقاب، عن أي حب يتحدثان تلك الغبيات."

الملك وهو يضم ابنتيه:
_ حسناً، قد أكون اهملتكما قليلاً، ولكنني حزين للغاية ومشوش، أحتاج للوقت فقط اعذراني، ولكن أهتمن بأنفسكن الآن، فأنا أريدكن أن تكونا أميرتان تليقان بالمملكة.

ثم نهض، واتجه إلى غرفته وهو ينادي على حارسه الشخصي، هرول الخادم وراءه بخوف بعد أن شاهد الشرر الذي يخرج من عينيه.

الحارس: تفضل سيدي، بما تأمرني.

الملك بغضب:
_ بماذا آمرك؟! هل بدوتُ غبياً لدرجة بأنني أصبحت حديث الجميع؟

الحارس وهو يتصبب عرقاً ويبتلع لعابه:
_ عذراً سيدي، ولكن لم أفهم ما تقصده!.

الملك وهو يشد على قبضة يده:
_ بالطبع لن تفهم، فأنت لا تصلح لشيء...

قاطع حديثه الحارس الذي يرتجف، ثم قال:
_ لقد أخطأت بشيء ما يا سيدي؟ اعذرني فأنا أنفذ ما تطلبه مني فقط ولم أخالفك بشيء.....

الملك: حسناً فلتصمت، واسمعني، عليك معرفة من تجرأت من الخادمات والتحدث عني بأني أقيم علاقة مع امرأة، فأنا لا أصدق كيف لها أن تجرؤ على قول شيء كهذا.

صمت قليلاً ثم اردف:
_ اسمع، إن لم تعرف من تكون، سأطردكم جميعاً من القصر، وأجلب أُناس غيركم تُقدر النعم التي هي بها، وتحترم مبادئ القصر، لا أقبل بثرثار هنا، هل هذا واضح؟

تحدث الحارس وهو يرتجف، ثم قال بخوف:
_ بالطبع سيدي، سأستجوب الجميع وأعرفها بالتأكيد.

الحارس بخوف وهو يتمتم: " يا إلهي، أرجو بألا يكون هذا أخر يوماً لي هنا."

الملك بصراخ:
_ ما بكَ أيها المغفل، هيا اخرج وجد تلك اللعينة.

خرج الحارس على عجل، بعد أن انتفض قلبه خوفاً، ثم تحدث في نفسه وهو يركض باتجاه المطبخ: " أرجو بألا يكون قصده عن كلوي، تلك الغبية، ثرثارة بالفعل."

وقف وهو يتأمل الجميع ويتصبب عرقاً، فقاطعت تأمله كلوي، بعد أن نكشته بذراعها.

كلوي وهي تبتسم:
_ هيي، ماذا هناك؟ لمَ تقف كالأبله؟!

نظر لها الحارس "اندريه" وقال:
_ أبله؟! لا أجد أبله وغبياً غيركِ هنا.

وسّعت كلوي حدقة عينيها بقلق، ثم قالت:
_ لمَ تتحدث معي بهذه الطريقة؟

انضمت صديقتها " ماري" للحديث، ثم قالت:
_ ما الذي يجري؟ لمَ تتشاجران؟

اندريه: إياكنّ والكذب، لقد سمع الملك بأن إحدى الخادمات قد تحدثت عنه بكلام سيء.

كلوي بخوف:
_ عن أي كلام تتحدث؟

اندريه وهو ينظر إليها بطرف عينه:
_ أي كلام؟ هل تسألين أي كلام؟ هل هناك الكثير من الأقاويل التي قلتها؟ على أي حال، أعتقد أنك تعلمين تماماً بما سمع، هل يعقل بأن تتفوهين يا مجنونة بكلام كهذا؟

كانت ماري تنظر إليها نظرة لائم، ثم قالت:
_ لقد حذّرتها مراراً على عدم الثرثرة، إلا أنها تستمر في ذلك.

بكت كلوي، وتحدثت متوسلة:
_ أرجوكما ساعداني، فأنا لم أقصد اغضاب الملك.

اندريه: لكنه غاضب بشدة، وطلب مني جلبكِ إليه.

كلوي وهي تضرب على وجهها:
_ سيطردني بالتأكيد.

ماري وهي تهز برجلها:
_هذا إن لم تتعاقبي أيضاً.

كلوي وهي تنظر نظرات حزن:
_هل اتفقتما عليّ الآن؟ ألم نكن أصدقاء؟.

اندريه وهو يتنهد:
_ عليكِ أن تجدي حل لتتخلصي من هذه المشكلة، فلا يوجد أحد مستعد لتحمل نتيجة أخطاءك.

صُدمت بما سمعت، وغادرت المطبخ راكضة نحو غرفتها.

كلوي: يبدو أنكَ قَسوتَ عليها، لم أكن أتخيل بأنكَ ستتحدث معها بهذا الشكل.

اندريه وهو يحاول إظهار الثبات:
_ عليها أن تتعلم درس، وتهتم بعملها فقط.

كلوي: ماذا ستفعل الآن؟!

اندريه: لا أعرف، ولكن أرجو أن أجد حلاً...

قاطع حديثهم أحد الخدم، وقال:
_ اندريه الملك...

اندريه بخوف وارتباك:
_ ما به؟ هل طلبني؟ يا إلهي لم أجد حلاً بعد.

الخادم باستغراب:
_ ماذا هناك؟

دفع اندريه الخادم بكتفه، واتجه مسرعاً لغرفة الملك، وهو يُطَبق على كفيه، ثم طرق الباب بهدوء، ودخل بعد أن سمح له الملك.

اندريه وهو يخفض رأسه للأسفل:
_ سيدي، عذراً ولكنني أحقق بالأمر، ولم أجد الفاعلة بعد.

الملك باستغراب:
_ الفاعلة؟ عن ماذا تتحدث؟!.

اندريه في نفسه: "هل يُعقل بأنه نسيّ الأمر؟!"

اندريه بعد أن رفع رأسه، وتحدث بثقة:
_ سيدي أقصد أمر البرج، لم نعلم من قامت بإحداث حريق فيه بعد.

الملك بامتعاض:
_ أوف يا للسخافة، هل يجب أن أتحمل هم هذا الأمر أيضاً؟!

اندريه باستغراب:
_ سيدي، هل أنت بخير؟

الملك بعد أن نهض، تحدث بصراخ:
_ لا، لست بخير، أشعر كما لو أن شيء يقبض على قلبي بشدة، ويدفعني للجنون.

اندريه: هل أجلب لكَ الطبيب سيدي؟

الملك بنبرة حادة:
_ لا.

اندريه: لقد طلبتني سيدي، ماذا كنت تريد مني؟

الملك وهو يفرك جبينه بأصبعيه:
_ طلبتك؟! لا أذكر أني فعلت، أذهب واجلب لي كأس عصير هيا أذهب، أشعر بأن كل من حولي فاشلين.

خرج اندريه وهو يرفع حاجبيه: "فاشلين؟! لم يُقلل الملك احترامه من أحدٍ هنا، أو يتصرف بهذا السلوك من قبل، ترى ما الأمر؟"

في الغابة

كاترين وهي تجلس على كرسيها أمام باب منزلها، وتنظر للقلعة البعيدة، أمامها:
_ هل سار الأمر بشكل جيد؟

الرجل الغراب وهو يبتسم:
_ أجل سيدتي، الملك بات يشعر بالضيق، وسيُجنّ قريباً.

كاترين وهي تداعب إحدى خصل شعرها:
_ هل تتوقع بأن يطلب رؤيتي؟

الرجل الغراب:
_ لا أعتقد سيدتي.

وسعت كاترين حدقة عينيها وانتفضت نحوه:
_ ماذا قلت أيها اللعين؟

الرجل الغراب بارتباك:
_ سيدتي أقصد بأنه لن يستدعيكِ الآن، لأنه مضطرب، ولا يفكر بشكل جيد.

ضربت كاترين على جبينها، ثم قالت:
_ آه، يا لك من أبله، وكيف ليفعل ذلك وهو بكامل وعيه، فلطالما كنت أغويه ليأتي أليّ، لقد أتعبني كثيراً ذلك الملك.

الرجل الغراب: سيدتي....

كاترين: إن نطقت بأي شيء آخر يغضبني، سأقطع رأسك.

الرجل الغراب: سيدتي هناك رجل يمشي في الغابة.

كاترين بلامبالاة:
_ فليمشي، وليمشي بشكلٍ أسرع.

الرجل الغراب باستغراب:
_ لم تقبلي أن يمشي أحدهم بمنطقتك، كيف قبلتي الآن؟!.

كاترين: لأنه سيأتي ألي.

الرجل الغراب: هل أجلبه؟

كاترين: لا، هناك أشياء أهم الآن عليّ تحضيرها قبل قدوم الملك.

الرجل الغراب: ولكنه يسير باتجاه الق...

كاترين بلهفة:
_ من؟ هل الملك؟

الرجل الغراب: لا، بل الرجل، أنه يسير باتجاه القصر سيدتي

كاترين: حسناً، هذا ما أريده.

الرجل الغراب: هل اتفقتِ مع ذلك الرجل أم ماذا؟! ألم تعدِ تثقي بي؟

كاترين: أنا لا أثق بأحد يا أبله، ولكنه سيقوم بعمله بمقابل شيء يرضيه، وهكذا هي الحياة، تجعلك تستعد للقيام بأشياء لا ترغب بها، مقابل شيء يرضيك.

الرجل الغراب: وهل طلب المال بالمقابل؟

كاترين وهي تضحك:
_ لا، بل طلب حبسك بقفص.

الرجل الغراب بقلق:
_ ماذا؟ قفص؟ انتظري، أنتِ تمزحين أليس كذلك؟ فأنا عينيك الطائرة والتي تصل لأي مكان.

كاترين: أتبعني قبل أن أمزقهما لك، لأنك بآخر فترة بدوت لي غبياً.

وصل الرجل المنشود للقصر، وطلب رؤية الملك بعد أن استأذن، إلا أن الحراس رفضوا، ولكنه أصرّ على البقاء والانتظار، لذا أرسل الجنود أمر للملك.

اندريه بعد أن دخل غرفة الملك:
_ عذراً سيدي، ولكن هناك رجل مسن يريد رؤيتك.

الملك باستغراب:
_رجل مسن؟! حسناً، أدخله.

أدخل المسن على الفور، الذي يتوكأ على عكازه.

الرجل المسن وهو يحني رأسه للأمام:
_تحياتي لجلالة الملك.

الملك: من أنت؟ وماذا تريد.

الرجل المسن: أنا رجل دين، وأستطيع بعون الله أنا أساعد الناس، وسمعت بأنك تعيش بفترة قلقٍ وتوتر شديد، وجئت لأساعدك.

الملك: كيف؟

الرجل المسن: هل تسمح لي من الاقتراب منك قليلاً

الملك: حسناً، فلتقترب.

دنا الرجل نحو الملك ببطء، ثم وضع يده على رأسه، وقرأ بضع جمل غير مفهومة، وبعدها رفع يده ونفث فيها.

الرجل: سيدي يبدو أنكَ مسحور.

الملك باستغراب:
_ مسحور؟! حسناً، ألم تقل بأنك تستطيع المساعدة؟

الرجل وهو يمسح على لحيته البيضاء:
_ بالطبع سيدي، ولكن الحل هو الزواج من امرأة جميلة وذكية.

قهقه الملك، ثم نظر نحو اندريه، وقال:
_ اسمعت ماقاله، هه، أنه مضحكاً بالفعل، هيا اخرِج هذا الرجل الخَرف من قصري، واعطه بعض النقود لطرحه نكتة كهذه.

أطلق بضع ضحكات ثم أردف:
_ آه، كنت أحتاج لأن أضحك بالفعل أضحكتني بشدة.

الرجل المسن باستغراب:
_ ولكن سيدي....

اندريه: تفضل من هنا سيدي، لقد سمعت أوامر الملك.

لم يكن بوسع الرجل سوى المغادرة، وسار اندريه خلفه وهو يتمتم: "الملك ليس بوعيه بالفعل، يبدو غريباً، هل مايقوله هذا الرجل صحيح؟!"

اندريه: سيدي، أنت قلت بأنه مسحور، ولكن كيف؟ ومن قد يفعل هذا؟ ومن أجل ماذا؟

الرجل في نفسه:" هذه فرصة لأقنع خادمه بالأمر."

الرجل: اسمع، أنا أقول الحقيقة، وإن لم يُعجّل الملك بقراره ستسوء حاله أكثر، عليكم إقناعه بالزواج، وتتويج امرأة ذكية، ملكة.

اندريه: حسناً، سأحاول التحدث معه بالأمر، إن سمح لي.

ابتسم الرجل، ثم وضع في يديه بذور سوداء اللون، وقال:
_ خذ هذه، ستجلب لكَ الحظ.

اندريه وعلى وجهه علامة الدهشة:
_ وماذا أفعل بها؟

الرجل وهو يبتسم:
_ ستنفعك إن علمت كيف تحافظ عليها.

ابتعد الرجل الذي قد وصل لباب الخروج، ثم استدار نحو اندريه وقال:
_ إياك أن تضع تلك البذور في الماء، دعها تبقى بعيداً عن أي رطب.

لوح اندريه بيده، ثم قال:
_ حسناً، وداعاً.

اندريه: "وما الحظ الذي ستجلبه بذور صغيرة مثل هذه، يال السخافة."

ثم وضع الحبوب في جيبه، وعاد أدراجه أمام باب غرفة الملك، ولكن فجأة سمع صوت صراخ الملك، وركض مسرعاً.

اندريه: هل أنت بخير سيدي؟

الملك وهو يضع كلتا يديه على رأسه:
_ رأسي، رأسي، أشعر كما لو أنه يريد أن يتحطم، أجلب لي أي شيء لتخفيف الألم.

اندريه بهلع:
_ حالاً سيدي

ركض في الممر وهو يصرخ على الخدم وينادي

كلوي بغضب:
_ ماذا هناك؟ لمَ تصرخ كالمجانين؟

اندريه: الملك ليس بخير، أذهبي وأعدّي شيء لتهدأة ألم رأسه.

كلوي بقلق: حسناً.

كلوي في نفسها: "سأعاقبك أيها التافه، لكن الآن الوقت والظرف غير مناسبين."

سمعا ابنتيه بالأمر، وركضا باتجاه غرفته، وحاولا تهدئته، إلا أنه بدأ يُكسّر كل شيءٍ أمامه، مما زاد الخوف والهلع في نفس الفتاتين.

دريزيلا وهي تهمس بأذن أختها:
_ أرأيتِ لقد جُنّ أبيكِ، لا بد أن تلك المرأة هي السبب.

أنستازيا بتعجب:
_ أي امرأة؟ ألا ترين حاله التي يرثى لها؟! لمَ أنتِ مصرة على كرهه لنا.

دريزيلا بلامبالاة:
_ لم يكن هكذا قط، إلا بعد دخول....

أنستازيا: دخول الامرأة حسناً فهمت، ماذا نستفيد من حديثك الشيق الآن؟

دريزيلا وهي تقف لتغادر الغرفة بلامبالاة:
_ زوجيه إن أردتِ، وسترين كيف سيتحسن حاله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي