3 الغبار الأزرق

الفصل الثالث:

(الغبار الأزرق)

أنستازيا بتعجب:
_ أُزوجه من؟ لم أفهم من تقصدين!.

ابتسمت دريزيلا ابتسامة خبيثة، ثم قالت:
_ كاترين.

أنستازيا بعد أن شهقت:
_ هل تقصدين زوجة الدوق سابقاً.

دريزيلا: أجل هي.

أنستازيا: هل لديكِ....

دريزيلا: أجل لدي دليلاً، ذات مرة وجدت رسالة مكتوبة بخط الملك لها، لذا ربما جُنّ بعد أن غادرت القصر.

أنستازيا: هل أطلب منها العيش هنا إذاً؟

وسعت دريزيلا عينيها باستغراب، ثم قالت:
_ يا لكِ من غبية وساذجة، لن يأخذ أحداً مكان أمي، هل فهمتِ؟.

لم تبالي أنستازيا بكلامها، وركضت نحوها أبيها وحضنته بقوة.

نظرت أنستازيا بعينيها الجميلتين بعيون أببها، ثم قالت:: أبي، أرجوك أخبرني ماذا أفعل من أجلك لتخرج من حالتكَ هذه؟ فقلبي بات يؤلمني وأنا مربوطة اليدين.

تنهد الملك المتألم، ومسح على رأسها، وقال:
_ لطالما كنتِ شبيهة أمكِ، طيبة ومعطاءة وتحب الناس.

دريزيلا وهي تتمتم في نفسها باستهزاء، ونيران الغيرة التي تكاد تلهب من عينيها: " طيبة ومعطاءة، وأنا ماذا؟ هل أصبحت الساحرة والمشعوذة؟ تباً لهذا القصر الذي باتت الحياة فيه مزعجة."

استدارت للخروج، إلا أنها صُدمت حينما نادى عليها الملك.

الملك: ألن تأتي لمواساتي؟

دريزيلا بلامبالاة:
_ مواساتك على ماذا؟ فجميعنا نشعر بالحزن، إلا أننا لم نتصرف مثلك، لقد جعلت منا أضحوكة، فالجميع يتحدث عن تصرفاتك المضطربة.

أنستازيا وهي تنظر لأبيها بحب:
_ أبي ما تقوله دريزيلا صحيح، الجميع أصبح يتحدث بضعفك، لم أكن أتخيل بأن أرى الملك الصلب ينهار بهذا الشكل.

الملك وهو ينظر إليهن بحزن، ويحادث نفسه: "أنا حقاً لا أعرف ما الذي جرى لي، لا أبدو بخير حقاً."

دريزيلا وهي تنظر لأختها:
_ أعرضي على الملك الشيء الذي قلته لكِ، فقد تبرد نيران قلبه الموقدة.

الملك وهو يعقد حاجبيه:
_ هل تهزئي مني يا فتاة؟ أنا حقاً لا أعلم تشبهين من بعجرفتك هذه.

كانت دريزيلا تنظر لهما بلؤم وتحادث نفسها: " بالطبع أشبهك، ومن سأشبه."

أنستازيا: دعكَ منها أبي، أنها حزينة لما يجري أيضاً، ولكن أريد أن أعرض عليك شيء، وأتمنى أن توافق كي يعود القصر لقوته، فأنا أخشى أن يهتز بنيانه.

الملك: و ما هو عزيزتي؟!

أنستازيا بعد أن نظرت على أختها وهي تلملم شفتيها، ثم نظرت لوالدها، وقالت:
_ القصر يحتاج لملكة قوية تدير شؤونه، وتعينك عليه.

الملك بتعجب:
_ هل تريدين مني أن أتزوج؟!

قهقه الملك، ثم قال مستغرباً:
_ هذه المرة الثانية التي يعرض عليّ الزواج.

دريزيلا: ومن الأولى؟! هل..

قاطعت أنستازيا حديثها، ثم قالت:
_ بالطبع سيختار الملك أفضلهن، وأجملهن، ها قل ما رأيك؟

الملك: حسناً، سأفكر بالأمر، الآن دعوني ارتاح قليلاً.

غادرا غرفته، وبدأ يفكر بالأمور في نفسه باستغراب.
الملك: "لم يكن هذين اليومين طبيعيين أبداً."

ثم نادا على خادمه.

اندريه: أمركَ سيدي.

الملك وهو يشير إليه بكفه اليسرى:
_ هيا اقترب، أريد أن أسألكَ عن شيء.

دنا اندريه الذي يحني رأسه ويضم يديه على بعضهما من الملك، ثم وقف بقربه ليصغي.

الملك: من برأيك التي تليق بأن تكون ملكة وتليق بملكٍ مثلي؟

اندريه في نفسه: " هذا جيد، لم أعاني لأقناعه بالأمر."

اندريه بثقة:
_ سيدي، من تليق بالملك والمملكة عليها أن تكون جديرة بجمل المسؤولية وجميع المهام، لذا ما رأيك بأن نقول بحفلة نستدعي بها جميع النساء الأفاضل، ومن تروقك بينهن وتنجذب لسلوكها ستكون الملكة.

الملك بحماس:
_ حسناً، هذا جيد، وزع بطاقات دعوة لجميع النساء، ذوات المراتب المرموقة والأصول المعروفة التي تشهد بها البلاد.

اندريه وهو يهز رأسه معلن الطاعة:
_ بالطبع سيدي، سينفذ الأمر منذ الصباح الباكر.

الملك وهو ينظر للملأ:
_ هذا جيد، لنرى إن كانت هذه المملكة بالفعل تحتاج لملكة أم لا، فأنا لم أحب امرأة كما أحببت زوجتي، ولا أعتقد بأنني سأُحبُ إحداهن مهما كانت.

اندريه: سيدي، يجب أن تختار لأجل البلاد..

صمت للحظة ثم أردف وقال:
_ ولأجل الفتاتين، علّها تعوضهن عما مضى.

الملك بقناعة:
_ أجل بالطبع، الفتاتين، ولكن لا أعلم لمَ سلوك دريزيلا متغير، فلم تعد شخصٍ لبق، فهي ليست كأختها.

اندريه: أنها فقط حزينة، غداً ستأتي لأجلهن معلمة تساعدهن على معرفة إخراج مهارتهن، ورغباتهن، وستنفع بالطبع من الجانب النفسي، لا تقلق ستكون الأمور أفضل.

الملك: أرجو ذلك.

لف الملك يديه للخلف، ثم سار باتجاه الشرفة، بينما كان الرجل الغراب ينعق ويراقبه من أعلى الشجر.

الرجل الغراب بحماس: " سأذهب لأخبر كاترين، ربنا يسعدها هذا الخبر وتحقق لي ما أريده."

طار باتجاهها، إلا أن كاترين تشعر بما تحمله الريح لها
كاترين وهي تفرك يديها:
_ أشعر بأن هناك أمر جميل سأسمعه.

طرق الرجل الغراب الباب عدة مرات متتالية وبقوة، ثم تحدث بلهفة:
_ سيدتي، سيدتي، هذا أنا.

فتحت كاترين بسرعة، ثم قالت:
_ ومن سيأتي ألي بهذا الوقت غيرك، هيا قل ماذا هناك بسرعة.

ابتلع الرجل الغراب ريقه، ثم رُسمت ابتسامة عريضة على وجنتيه، وقال:
_ الملك...

كاترين بلهفة:
_ هل سيستدعيني؟

الرجل الغراب:
_ ربما، ولكن....

كاترين بغضب:
_ لكن ماذا؟

الرجل الغراب: أنت تقاطعيني، اسمعي الأمر ليس كما خططتِ له، لن يستدعيكِ وحدكِ.

كاترين وهي تعقد حاجبيها بغضب:
_ سيستدعي من أيضاً؟!.

الرجل الغراب: سيُقيم حفلة كبيرة، يستدعي فيها جميع النساء، ومن تكون الأفضل والأجمل والأكثر إثارة بالحفل ستكون زوجة الملك.

كاترين بخبث:
_ هكذا إذاً، لابد أن الغبي اندريه هو من عرض عليه ذلك.

الرجل الغراب: أجل سيدتي، هو من أقنع الملك بالأمر.

غضبت كاترين في البداية، ثم ما لبثت إلى أن ابتسمت وهي تفرك يديها بحماس، ثم قالت:
_ حسناً، بالطبع سأكون أنا المختارة، ومن غيري!.

الرجل الغراب: أرجو ذلك، ولكن هناك نساء...

صرخت كاترين في وجهه، ثم قالت:
_ هل تقصد أجمل مني؟

الرجل الغراب: لا، لا، بالطبع أنت الأجمل.

كاترين بعجرفة:
_ أذهب وابحث عن أجمل فتاة في الجوار، وأجلبها إلى هنا.

الرجل الغراب بتعجب:
_ ألم تقولي بأنك الاجم...

كاترين وهي تمسكه من ياقته بقوة، وتقول:
_ أشعر أنكَ بالفترة الأخيرة تنتقي الكلمات التي تغضبني وتقولها، ما الذي يجري ها؟ هيا تحدث.

الرجل الغراب بخوف:
_ لا شيء سيدتي، أنا فقط أود التحرر ولا أريد أن أبقى بهذا الزي الأسود، والريش السخيف.

أنزلت كاترين يدها عنه، بعد أن قامت بدفعه، ثم قالت:
_ سأحررك حينما أحصل على ما أريده، أما الآن فستبقى خادمي، وعليك أن تكون مخلصاً كي أوافق على تحريرك، هل هذا واضحاً لك؟.

الرجل الغراب وهو يكمن الذعر والامتعاض:
_ حسناً سيدتي، كما ترغبين.

كاترين بعد أن استدارت:
_ هيا أذهب بسرعة وأبحث عن أجمل فتاة الآن.

الرجل الغراب: وكيف لي بأن أعرف من هي أجملهن بوقت قصير.

كاترين: هل تحتاج لعام؟ هيا اذهب، وخذ معك هذا الرماد ورشه من السماء على اغلب البيوت، سيلمع إحداهن.

الرجل الغراب: حسناً، فهمت التكملة، سأذهب.

كاترين: هذه المرة الأولى التي تفهم بها.

ذهب الرجل الغراب بامتعاض وهو يعقد حاجبيه، ويتمتم في نفسه، قائلاً: " لا يكفيها بأنني مقيد بسحرها، بل مستعبد ومضطهد وعليّ التنفيذ فقط، تباً لها".

ثم نظر من السماء على البيوت الصغيرة في الأسفل، وبدأ بنثر الغبار الأزرق على جميع البيوت، وانتظر يتأمل.

الرجل الغراب: " أنا لا أرى شيء يتلألأ، تلك اللعين...

"أوه، ها هو، حسناً هذا جيد".

هبط مسرعاً على إحدى نوافذ البيت المتلألئ، ووجد فتاة تعيش وحدها نائمة.

الرجل الغراب وهو يحادث نفسه ويشعر بالذنب: " عذراً أيتها الفتاة، ولكنني مجبر".

تمثل بهيئة رجل، ووضع الفتاة النائمة بكيس قماش كبير، وحملها وأسرع بها إلى كاترين.

فتح الكيس، لتخرج منه فتاة بغاية الجمال، تحاول التقاط أنفاسها.

الفتاة: من، من...

كاترين وهي تبتسم بخبث:
_ لا تتعبي نفسكِ عزيزتي، أنت ضيف شرف لدي الآن.

الفتاة بخوف وقلق:
_ من أنتما؟! وماذا تريدان مني؟

كاترين وهي تيسر حول الفتاة وتتأملها:
_ أحتاج لشيء بسيط منك.

الفتاة باستغراب:
_ مني؟ هل أنت مجنونة، هيا فكا يداي، ليس لدي شيء لأعطيكما إياه، فأنا فتاة فقيرة ولا أملك شيء.

كاترين بعد أن جلست القرفصاء امامها، وضعت يدها تحت فكها، ثم قالت وهي تتحسس وجهها:
_ في الحقيقة لديك الكثير لتقدميه، ولأنكِ فقيرة لن تنفعي بشيء بالطبع، ولكن دعينا نعقد اتفاق يرضي كلينا.

الفتاة بغضب:
_ لا أريد أن أتفق معك أبداً.

كاترين: حتى ولو كانت هناك لكِ نقود كثيرة؟.

الفتاة بعد أن هدأت:
_ ولمَ ستعطيني النقود؟ ماذا تريدين مني.

نفضت كاترين ثوبها بحماس، ثم قالت:
_ ها قد وصلنا للشيء المرضي، ستعيشين هنا معي وتعملين على خدمتي، وأنا سأعطيك كل ما ترغبين به.

وسع الرجل الغراب عينيه، ثم همس بأذن كاترين:
_ لن تحولي الفتاة لغراب أليس كذلك؟

ابتسمت كاترين ابتسامة خبيث، وهمست بأذنه بضع كلمات أرعبته، لذا همَ راكضاً للخارج.

كاترين: حسناً، أين كنا؟ آه عند عقد الاتفاق، اسمعي يا فتاة لن تندمي أبداً فأنا أستطيع فعل أي شيء لأجلك.

الفتاة بعد تفكير:
_ حسناً، قبلت، وماذا سأعمل.

كاترين: هذا سهل وبسيط، جلب الأعشاب التي أحتاجها من الغابة، مع أعمال المنزل.

الفتاة بحماس:
_حسناً، هذا سهل، سأفعل ولكنني أريد العودة لمنزلي، لا تقولي بأني سأعيش هنا!.

كاترين وهي تميل برأسها وتنظر إليها بخبث:
_ أعتقد بأنكِ لن تحتاجي لمنزلك القديم، ستسعدين هنا، اذهبي إلى الغرفة واجلبي لي المرآة الكبيرة ذات الإطار الذهبيّ.

الفتاة: حسناً سيدتي.

ذهبت باتجاه الغرفة، وما لبث أن مسكت المرآة، حتى سلبت تلك المرآة شباب وجمال الفتاة، وتحولت لعجوز يملأ وجهها التجاعيد، ويملأ شعرها الشيب.


صرخت "آيلا" بصوتٍ مرتفع، وهي تتلمس وجهها، ثم قالت:
_ ما الذي فعلته بي؟.

نزلت دموعها، ثم أردفت بحرقة قلب:
_ سأذهب وأشتكيكِ للملك، بالطبع سيقمعكِ، ويعيد لي ما سلبته مني.

كاترين بسخرية:
_ وهل تتخيلين بأنه سيصدق امرأة خرفة؟ ثم أنك لو أخبرته ستزداد لعنتك، فالخيار لكِ.

قهقهت كاترين، التي عادت نظارة بشرتها وتجدد جمالها أكثر، وتلون شعرها باللون الأحمر النحاسيّ، الجميل.

آيلا: أنت شريرة، ماذا فعلتُ لكِ كي أستحق هذا الشيء منكِ؟

كاترين: ذنبكِ الوحيد بأنكِ جميلة، وهذا لا يتناسب مع عالمي، لا يجب أن تكون هناك امرأة أو فتاة أجمل مني.

آيلا: أنت مجنونة ومريضة بالتأكيد، وستنالين عقاباً تستحقينه.

ضحكت كاترين ساخرة، ثم قالت:
_ ومن سيعاقبني إن كنت سأكون زوجة الملك؟.

جحضت آيلا عينيها بخوف، ثم قالت:
_ بالطبع لن تكونين بمقام الملكة، ولن يتزوج الملك بامرأة مشعوذة مثلك.

كاترين بلامبالاة:
_ أريدك أن تكوني مطمئنة فقط، بأن سيدتكِ ستكون الرابحة.

آيلا بامتعاض:
_ لن تكوني سيدتي بعد الآن، سأذهب وأخبر الملك.

نادت كاترين بنبرة حادة على الرجل الغراب، وقالت:
_ تعال وأحبس هذه الغبية في القبو السفلي، علّها تفكر جيداً حينما ترى الجرذ الذي سينهش جسدها البالي.

آيلا بخوف، وهي تصرخ بهلع:
_ الجرذ، لا أرجوكِ أخاف منه كثيراً.

لم تبالي كاترين بكلامها، بل استمرت بالنظر لنفسها بالمرآة بفخر، ثم تحدث مع مرآتها:
_ يا مرآتي العزيزة، بالطبع أنكِ ترين بأنني الأجمل، أليس كذلك؟

المرآة: بالطبع أنت الأجمل سيدتي، ولكن..

كاترين: ولكن ماذا؟!.

المرآة: سيدتي، نظارة وجهك لن تدوم سوى يومين، وستنتهي في اليوم الثاني عند منتصف الليل.

صرخت كاترين بغضب، وقالت:
_ لمَ فقط يومين؟ هذا لا يكفي.

المرآة: ولكن ربما يدوم إن طلبك الملك للزواج.

كاترين: تباً، أرجو بأن يكون موعد الحفلة قريب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي