16 ضياع البذرة

الفصل السادس عشر:
( ضياع البذرة)

بعد أن عَجِزَ اندريه من البحث، عاد ادراجه للقصر، وحمل حذائها، ليدخل فناء القصر، إلا أنه وجد كلوي تقف على الباب وتربع يديها وتنظر له بغضب.


اندريه وهو يتأفف:
_ خيراً؟ لمَ تقفين هكذا؟!.


كلوي وهي لا تزال تنظر بغضب:
_ من تلك الفتاة التي ركضت خلفها؟


نفث اندريه بغضب، ثم قال بنبرة ساخرة:
_ وما شأنك ها؟ ثم لمَ أجدكِ دائماً في وجهي؟ متى ستعتقينني؟

كلوي باستغراب: أعتقكَ؟! وهل أنا مقيدتك؟



ضرب اندريه على جبهته وهو يهز رأسه بامتعاض، ثم قال:
_ ابتعدي من وجهي.


كان لا يزال يحمل الحذاء الزجاجي اللامع، لذا قالت كلوي وهي تحاول إزعاجه:

_ يا ل جُبُن الرجال ألم تخبرها بحبك كما فعل الملك، ثم هل هذا كل ما استطعت الحصول عليه؟


اندريه وهو لايزال يدير رأسه للجهة الأخرى، ويحاول تمالك أعصابه، لذا قال نبرة حادة:

_ إن نطقتِ بكلمة أخرى، سأغرز هذا الحذاء في رأسكِ القاسي الذي لا يفهم.


ابتعلت كلوي لعابها، وهمّت هاربة لتبتعد عنه، وتمتمت في نفسها: " تباً له، لم يعطني الفرصة لأسأله لمَ يحمل الحذاء، تباً له ولها."


ثم صُدمت بمارتن وهي شاردة الذهن.


مارتن بازدراء: ما بكِ؟ هل أنت عمياء أم ماذا؟


كلوي بسخرية: لا لم أراك.


مارتن بتملق: أتقصدين أني كالهواء؟ أدخل للقلب بدون إذن.


نظرت له بطرف عينها بقرف، ثم قالت:
_ بل تشبه غاز الكربون السام، هيا ابتعد فلم يعد ينقصني غيرك.


مارتن وهو يربع يديه على بعضهما، ويُقرّب فمه من إذنها ويهمس:

_ ألا تريدين معرفة هوية تلك الفتاة؟



بدأت نيران التشوق تجوب في نفس كلوي فجأة، لذا حممت وقالت:

_ هيا أخبرني من هي؟ ولمَ تَبعها اندريه؟ هل هي حبيبته؟ ومنذ متى وهو يعرفها؟.



مارتن بتأفف: هل ابتلعتِ راديو أم ماذا؟ كيف لي بأن أعرف كل هذا.


كلوي بامتعاض، وهي تكاد أن تنفجر:
_ هيا أخبرني ما تعرفه بسرعة إذاً.


أشار مارتن بسبابته وهو يطبطب على خده الأيمن، ويقول:

_ أولاً قُبلة هنا، وسأقول.


وسعت كلوي حدقتا عينها بصدمة، ثم قالت بغضب وهي تقوم بضربه:
_ أنت وقح للغاية، هيا أذهب من هنا أيها اللعين، لا أعلم من أين أتتك الجرأة لطلب شيء كهذا.


مارتن بخوف وهو يركض وينظر لها:

_ حسناً، أنا ذاهب، ولكن فكري جيداً بالأمر.


خلعت كلوي حذائها، ورفعته للأعلى ولوحت له، ثم تحدثت بصوتٍ مرتفع:

_ إن طلبت شيء كهذا مرة أخرى، سأطبع هذه القُبلة على وجهك.



مارتن وهو يركض وينظر للخلف ويتمتم لنفسه: " من الجيد بأنها لم تلحق بيّ، إنها حقاً مجنونة، ماذا قلت كي تنفعل بهذا الشكل؟ ولكن لن استسلم سأحاول دوماً."


أما كلوي التي استمرت تنظر للفراغ للحظات وهي تعقد حاجبيها، ثم تفرّد وجهها وهي تتذكر طريقة مارتن بالكلام، ثم تمتمت وهي تبتسم باللاوعي: " ذلك المغفل حقاً يُضحكني، ليت من طلب أن يقبلني هو اندريه بدلاً منه ذاك المهرج الغبي."


في الصالة
أعلن الملك فجأة عن انتهاء الحفل، وقبل أن ينهض طلب من كاترين الدخول لغرفتها ودون أن تخرج الخروج منها.

الملك وهو ينظر للخدم:
_ ابقوا أمام غرفتها، ولا تسمحا لها بالخروج إلا بعد إذنٍ مني.



الخادمات: أمرك مولاي.



عقدت كاترين حاجبيها بغضب، ثم قالت:
_ هل تأمرهم باعتقالي أم ماذا؟ كيف سأبقى طوال الوقت في غرفة؟


الملك بغضب: اصمتِ قبل أن أجعلهم يضعونك في البرج المظلم، هناك لن تجدي شيء سوى الفئران.


كاترين وهي تبتلع لعابها:
_ حسناً، سأبقى في غرفتي.

رمقها الملك بنظرات حادة، ثم غادر لبحث عن ابنته، التي كانت تقف على شرفة القصر الكبيرة، المطلة على الحديقة السرية.


حطت يدك الملك على كتفها، وقال:
_ ماذا تفعلين هنا حبيبتي؟


استدارت أنستازيا، ثم قامت باحتضان والدها دون أن تنطق بشيء


لذا اردف الملك مستغرباً:
ماذا هناك؟ هل حزنتِ بسبب الحفل.


رفعت أنستازيا رأسها، وقالت:
_ لا، لا يهمني الحفل، ما يهمني سعادتك، وأنا لا أراك سعيد للآن.


مسح الملك على شعرها، وقال:
_ ستزول ضبابة الحزن عن قلوبنا يوماً ما، ولكننا نختاج للوقت وبأن نكون بجانب بعضنا، ليت أختكِ كانت معنا أيضاً.



أنستازيا: لا عليك، حتماً ستعود.


حمحم أحد الخدم بالقرب منهم، وقال:
_ المعذرة مولاي.


الملك باستنكار: ماذا هناك؟!


الخادم: هناك أميرة تدعى كوزيت، تريد رؤيتك.

الملك بتعجب: هل هي ابنك الملك انطونيوس؟!.


الخادم وهو ينحني:
_ أجل سيدي.

الملك: حسناً، استدعها لغرفتي، سأكون هناك بعد دقائق.


قبل جبين أنستازيا، وقال:
_ أتمنى أن تكوني سعيدة أنت أيضاً، فابتسامتك تُجلب الفرح في النفوس، لذا لا تدعيها تغيب عن وجهكِ الجميل.



ثم غادر إلى غرفته ليرى الأميرة



أما في الغابة
كانت آيلا وجنيور، لا زالا يختبئا، وهذا ما جعل جنيور يشعر بالخوف.

جنيور بقلق: ألم تختاري غير هذا المكان؟ من الممكن أن يأتي ذئب ويأكلنا.


آيلا بامتعاض: أوف، هل تذكرني بأشياء مخيفة أكثر، فأنا في الأصل أشعر بالخوف والقلق، من أين جلبت قصة الذئب.


جنيور: من قصة ليلى والذئب.


آيلا بتعجب: وهل أكلها حقاً.

جنيور باندفاع: أجل، أكلها هي وجدتها.


آيلا بخوف: تباً لك وله.


جنيور وهو يضحك: ولكن استطاعا الخر....


ثم صدر صوت غريب لذا اشارت له بسبابتها كي يصمت.

همس جنيور بصوت منخفض:
_ من هناك يا ترى؟

آيلا وهي ترتجف:
_ هل أتى الذئب؟!

جنيور بصدمة: لقد كنت أمزح بشأن الذئب.

صمت للحظة ثم اردف بقلق:
_ هل يعقل هذا؟

آيلا وهي تضع يديها على عينها بخوف:
_ سيأكلنا حتماً، لا أريد أن أرى شكله.

تشجع جنيور وخرج من الجحر، ليستكشف المكان، ويرى من أين مصدر الصوت.


آيلا بخوف: هل ستذهب وتتركني هنا؟


جنيور: أبقي بمكانكِ، سأعرف مصدر الصوت وآتي مسرعاً.


بدأ يتحسس جنيور الأرض بيديه الصغيرتان، ويحاول التركيز بالصوت، إلى أن توصل إليه، ووجد الغراب يدور في المكان ويبحث في الأرض.


جنيور بصدمة: هذا أنت؟


الغراب: تباً لك، أفزعتني.


جنيور: وتتحدث عن الفزع، أنت لا تعرف ماذا فعلت بنا بإحداثك الضجيج هذا.


الغراب بتعجب: بكم؟! أنت ومن؟


جنيور: آيلا معي.


الغراب: هذا جيد.


جنيور باستغراب: ما هو الجيد؟ ولمَ اختفيت فجأة عن القصر، فلم نعد نراك منذ أيام.


الغراب: أخبرني الآن أين هي آيلا، وسأخبركما بما جرى.


جنيور وهو يركض: هيا اتبعني، فهي خائفة للغاية.


وقفا أمام الجحر، وكانت آيلا تضم ركبتيها وتضع ذقنها فوقهما وهي ترتجف.

دخل جنيور إليها مسرعاً وقال:
_ إهدائي، لم يكن ذئباً، أنه الغراب.

آيلا باستنكار بعد أن توقفت باهتزاز جسدها:
_ الغراب؟! أين كان؟


دخل الغراب إليها وقال:
_ لقد حدث معي شيء، ولكن لا أعلم إن كان جيد أو سيء.


جنيور: بالطبع لن يكون اسوأ مما حدث.


آيلا بفضول: دعنا نسمع ما جرى معه أولاً.


الغراب وهو يخفض رأسه:
_ لقد بحثت عن تلك البذور طويلاً، وبقيت أراقب اندريه، وبليلة مضت، رأيته يمسك ببذرة ويتأملها، وقبل أن ينام وضعها تحت وسادته.


آيلا وجنيور بصوتٍ واحد:
_ أين هي؟



الغراب بارتباك: أخذتها وأنا سعيد بها، ومن شدة خوفي عليها، دفنتها بالقرب من شجرة كي لا يراها أحد.


جنيور بصدمة: دفنتها؟!



آيلا: وهل تعرف أين دفنتها؟


الغراب بحزن: مضى أيام وأنا أبحث عنها، ولكن لم أجدها.


جنيور بغضب: ألم تجد مكان أفضل من دفنها؟!


الغراب بنبرة حادة:
_ ماذا أفعل إن كنت لا استطيع طمر شيء إلا بالدفن، فهذا سلاك الغربان.

جنيور بامتعاض: تباً، وكيف سنجدها الآن؟


آيلا بخوف: ما يقلقني بالأمر، بأن هذه البذور لا يجب أن تتعرض للماء وإلا نمت، ونحن لا نعلم أين هي لنراقبها.




الغراب: لهذا بقيت في الغابة لأيام، كي أراقب، أنا حقاً اعتذر لمَ جرى، فلم أكن أقصد، خبأتها وعدت للقصر لأخبركم بالأمر، إلا أن يومها كان عاصف وتوقعت هطول المطر لذا عدت للغابة، إلا أنني نسيت المكان.


جنيور بامتعاض: يال سوء الحظ.

صمت لثوانٍ ثم اردف: ثم أننا لم نعد نحتاجها، فآيلا عادت لطبيعتها.

الغراب بصدمة: كيف حصل هذا؟

آيلا: إنها قصة طويلة، سأخبرك بها لاحقًا، الآن دعونا نجد حل.



جنيور: ألا يجب أن نجد مأوى نجلس فيه أولاً ؟ ثم نتحدث عن جميع الأمور سوياً.


آيلا: هيا لنذهب لمنزلي، ليس بعيداً كثيراً من هنا.

الغراب: حسناً، وأنا سأراقب الطريق.


جلسا حول الطاولة الخشبية القديمة، المستديرة، وتحدثا مع بعضهم عن كل ما جرى


تحدث جنيور بحماس: ترى ماذا جرى لكاترين؟


الغراب بسخرية: بالطبع سيطردها الملك.


آيلا: لا أعتقد، فهي تحمل بابنه، ولن يتخلى عنها حالياً.


جنيور: أنت قلت حالياً، وهذا الحال لن يدوم بالطبع.


آيلا: حسناً، دعونا نخلد للنوم، وفي صباح الغد نذهب للبحث عن البذرة.


جنيور وهو ينظر لآيلا:
_ لو أنكِ طلبت البذرة من آندريه، لمَ وصلنا لهذا الحال؟


آيلا وهي تعقد حاجبيها:
_ هل أصبحت أنا السبب الآن؟ قلت لك لا أريد اقحامه بمشاكلي.


الغراب: حسناً هذا يكفي، لا تتجادلا، المسبب بكل هذه المشاكل هو أنا، أنا أسوأ مخلوق على الأرض، وربما أسوأ من كاترين.


آيلا: لا، لست كذلك، وسنجد البذرة وتعودا لطبيعتكما، لا تقلقا.


آيلا بنفسها: " لمَ اشعر بأنني أنانية؟ لمَ لا أتمنى أن يعودا لطبيعتهم؟ ولكن البذرة، البذرة قد تنمو وتصل لتلك الجزيرة."


ثم تحدثت بصوت مسموع:
_ هل أتمنى أن أجد البذرة، أم أن تعودا لطبيعتكما؟


الغراب: لا تتمني شيء الآن، دعينا ننتظر ماذا سيحل بتلك البذرة.



جنيور: أجل، إن وجدنها قبل أن تنمو فهذا جيد، ولكن إن لم نجدها، فستحل علينا لعنة أسمها العمالقة.


في القصر
وبغرفة اندريه تحديداً، الذي كان مستلقي على جنبه فوق سريره، ويتأمل الحذاء الزجاجي ويقول:

_ ترى ما قصة الحذاء؟ يبدو كما لو أنه للعبة وليس لفتاة.


رفع رأسه وتحدث بغرابة:
_ ترى من الملكة؟ هل حقاً الملكة من تترك حذائها في فناء القصر وتهرب؟


ثم هز رأسه ويده وتحدث وهو يسخر مما يقول:
_ لا، لا ما هذه السخافة، ثم لمَ هذه الأفكار برأسي، بكل الأحوال سألقن كاترين درساً لن تنساه، تباً لها ولمَ فعلته بآيلا.



قاطع شرود تفكيره عدة طرقات على باب غرفته.

اندريه بامتعاض: من هناك؟!


ماري: هذه أنا، هل تسمح لي بالدخول؟ أريد التحدث معك.

اندريه: حسناً، ادخلي.

فتحت ماري الباب ببطء، وجلست على أحد الكراسي التي بجانبه، وقالت:

_ تبدو تعيساً، ماذا يجرى؟


اندريه بنبرة حادة: هل أرسلتك كلوي لتعرفي ماذا جرى؟


ماري: لا، هي لا تعرف بقدومي، ولكن أردت أن أعرف منك ماذا جرى بالحفل، لأنني لم أفهم شيء.


اندريه: ولن تفهمي، الأمر مقعد للدرجة التي يصعب شرحها.


ماري: أنا حقاً أشعر بصدمة، حينما علمت بأنها زوجة الدوق سابقاً، فنحن أذقنا منها ذرعاً، وشعرنا بسعادة حينما غادرت.

اندريه: لا عليكِ سينحل كل شيء، ولكن انتظري فحسب، وسترين ماذا سيجري لها.

ماري: اخشى بأنها ستقوم بطردنا جميعاً.


انديه بنبرة حادة: لا، لن يحدث هذا أبداً، الملك لا يستغني عنا مهما جرى، كما أن الملكة ديميت أوصته بنا، وان نبقى بالقصر ونحمي عهدها، لذا لن أدع القصر يضيع بسبب هذه الجاهلة المتمردة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي