5 تحرير آيلا

الفصل الخامس:
( تحرير آيلا)

الملك وهو لا يزال ينظر إليها بدهشة:
_ ماذا؟

كاترين وهي تخفض رأسها:
_ ومن يستطيع رفض طلب كهذا للملك؟.

الغراب في نفسه: " لم أعرفكِ وأنت تذوبين خجلاً."

عمت السعادة في نفس الملك وكاترين، إلا أن الملك لايعلم بأن المكائد تحاك له.

الملك وهو يمسك يدها:
_ ما اسمك يا سيدة؟

كاترين: اسمي آيلا، وأعيش هنا بالقرب من الغابة منذ زمن.

الغراب بسخرية: " لا تقل بأنكَ صدقت هذا أيضاً."

الملك: آيلا، اسم جميل للغاية.

الغراب: " يال السخرية، هل يعقل بملك أن يكون مغفل لهذه الدرجة؟ ألم يعرف بأنها كاترين حقاً؟! أووف، لقد انتهينا."

كاترين والسعادة تعم وجهها:
_ في الحقيقة أحب اسمي، فله نغم جميل.

الغراب وهو يهز برأسه: "أجل، وسنستمتع بالأنغام القادمة، ونتسلى كثيراً."

صعد الملك على حصانه، وأدلى يده لكاترين كي تصعد معه.

الغراب وهو ينعق بصوت مرتفع:
_ وماذا عن العربة؟ ألن تأخذاها؟! أنها جميلة.

كاترين في نفسها: "سأمزقك أرباً أيها الغبي، فقط انتظر."

صعد على الحصان وركض بها للقصر، وظن بأنه الصائد ووجد غنيمته، إلا أنه الفريسة دون أن يدرك.

الغراب بسعادة:
_ حسناً، فلتأخذها بعيداً عنا، فقد تعبت من تلقي أوامرها، وصوتها المزعج.

كان الجرذ يستمع للحديث، لذا قال:
_ وهل تظن بأنكَ تخلصت منها ومن أوامرها؟

الغراب بصراخ:
_ لمَ أنت نكديّ ها؟ أعلم بأننا بدأنا الآن، ولكن دعني على الأقل أنعم براحة هذه الليلة.

تنهد الجرذ، ثم قال:
_ لمَ خطفت الفتاة بسببها، أنها لا تستحق ماجرى لها.

الغراب بقهر:
_ لا أستطع عدم التنفيذ، فسحر تلك الشمطاء قوي، يجبرني على التنفيذ، هذا غير تهديداتها المرهقة لي.

الجرذ: إلى متى ستبقى تعيش تحت رحمتها؟!.

الغراب بحزن:
_ أخشى أن أعيش طوال حياتي خادماً لها، وأن يتلون قلبي بلون الريش المظلم هذا.

الجرذ: حسناً، على الأقل أفعل شيء جيداً.

تحدث الغراب متعجباً:
_ مثل ماذا؟

الجرذ: حرر الفتاة المسكينة.

الغراب: لا، قد أتعاقب.

الجرذ: أرجوك، افعلها ولو لمرة في حياتك، ألا يكفي بأن اسمها وشبابها قد سُرقا؟

الغراب بتعجب:
_ لمرة واحدة؟ هل تظن بأنني سعيد بما أفعله؟

الجرذ: أعلم هذا، لذا أتبع قلبك، فحال الفتاة يزداد سوءاً.

الغراب: حسناً، سأحررها وأعيد لها شبابها، ولكن أحتاج للوقت لفعل ذلك، دع كاترين تنعم قليلاً بما هي فيه، ولكن أعدك بأنه لن يدوم.

حرر الرجل الغراب الفتاة، وأعادها لمنزلها، وقبل أن يغادر، قال:
_ اعتذر لكِ آيلا، ولكن أعدكِ بأن كل شيء سيعود لسابق أوانه.

آيلا وعينيها التي تحمل الحزن:
_ أعلم بأنه ليس ذنبك ما جرى، وأنا أسامحك.

جُحظت عينا الرجل الغراب، وبدا متعجباً:
_ هل قلتِ تسامحينني؟

آيلا: أجل، أسامحك، وحتى وإن لم أعد كما كنت عليه، فهذا قدري.

زادت علامات الصدمة على وجه الرجل الغراب، لذا قال:
_ هذه المرة الأولى التي يسامحني فيها أحد على خطأ أرتكبه، عِشت طوال حياتي أعاقب لو أخطأت أو ارتكبت أي ذنباً بسيط.

صمت للحظة وهو يحاول استيعاب ما قالته، ثم أردف:
_ وأنا دمرت حياتك، وتقولين لي أسامحك!! أجد هذا كثير على شخص مثلي.

آيلا وهي ترتب الأواني:
_ ربما ستجد نفسك يوماً ما، فأنت لست عبداً لتلك المرأة، أرجو أن تتحرر قبل أن تُهلك.

خرج الرجل الغراب من منزلها وهو مذهول بهدوئها، وقبلوها بما جرى لها، ثم تمتمت باستغراب: " لا يعقل بأن تكون هذه الفتاة بشراً، فلم أرى من البشر سوى الأوامر والمكائد، وتوجيه التعليمات، فلم يرحمني أحدهم"

عاد أدراجه وهو يتمتم طوال الطريق لحين وصوله للمنزل، ووجد الجرذ أمام الباب.

الجرذ: لقد تأخرت.

الرجل الغراب: أجل، فقد كان النقاش معها مشوقاً.

الجرذ: أجل، أنها فتاة نادرة، فلو لم أعرف منها بأنها تعيش بمنزل بسيط لقلت بأنها أميرة.

الرجل الغراب بتعجب:
_ أتعرف؟! لم أسألها عن عائلتها، هل يعقل....

الجرذ: بالطبع لن تكون ابنة الملك وتعيش في منزل كهذا.

تنهد الرجل الغراب، ثم قال:
_ ربما، ولكن أشعر بأن هناك سر يمكن بتلك الفتاة.

في القصر، حيث كان جميع الخدم مستنفراً، لتجهيزات حفلة الزفاف التي ستكون بعد أيام، بينما كان لدريزيلا رأي آخر.

دريزيلا وهي تتحدث مع الخادمة كلوي:
_ لقد سمعتكِ منذ فترة بأن أبي مرتبط بامرأة، هل كانت هذه هي المرأة؟

كلوي بامتعاض تحادث نفسها: " إذاً أنت من أخبر الملك، تباً لكِ."

كلوي بعد أن سعلت عدة مرات، ثم قالت:
_ لا يا أميرة، ليست هي، هذه أجمل.

دريزيلا بغضب:
_ هل كل يوم يختار امرأة أم ماذا؟

أنستازيا بتأفف:
_ أنا لا أعلم لمَ تشغلين نفسكِ بهذا الأمر؟ بماذا سيهمكِ؟

دريزيلا بغضب:
_ عندما يُهدم القصر ويتغير نظامه، حينها ستعرفين لمَ يهمني.

ثم غادرت وهي غاضبة، وقبل أن تخرج اردفت:
_ أنا لن أبقى في هذا القصر بتاتاً، وسأذهب لقصر خالتي أميلا.

أنستازيا: انتظري، لماذا؟ هل ستتركينني وحدي هنا؟

دريزيلا: إن أردتِ فلنذهب سوياً.

أنستازيا: لا، لن أستطيع ترك الملك وحده.

غادرت دريزيلا على عجل وتركت أنستازيا حزينة.

ربتت كلوي على كتفها ثم قالت:
_ لا تقلقي، جميعنا نحبك وندعمكِ، ربما هي لم تتقبل فكرة وجود ملكة غير أمها.

أنستازيا: لم تكن طباع أمي هكذا، لا أعلم من أين اقتبست أختي تلك الصفات.

كلوي: لا عليكِ، دعيها تذهب وترتاح قليلاً، ولكنها حتماً ستعود.

أنستازيا بحزن وهي تخفض رأسها:
_ أرجو ذلك.

وبينما الحزن يسري بقلب بناته، كان الملك في القاعة الكبيرة مع آيلا كما تزعم، والسعادة والسرور تعم قلوبهم.

الملك بسعادة: أعتقد بأن القصر سيكون أفضل بوجودك، وستديرينه بأفضل شكل.

كاترين: بالطبع مولاي، سأكون تحت أوامرك، ومصلحة القصر.

كاترين في نفسها: " فلتضحك كثيراً الآن، ولكن لا أعتقد بأن نهايتك ستكون جيدة مع الأسف، لم أتخيل بأنكَ مغفل وساذج، منذ متى والملوك تبحث فقط عن الجمال؟!".

الملك: لقد أمرتهم بتجهيز جناح خاص بكِ، حيث الخدم دوماً بجانبك، وكل ما تحتاجينه سيكون حاضراً.

كاترين وهي ترسم الابتسام:
_ هذا لطفاً منكَ مولاي.

قهقه الملك من سعادته، وقال:
_ بل أنت ألطف ما رأيت.

كانت بتلك الليلة تبدو ملاكاً بالفعل، لذا لم يلحظ أحداً عليها شيء.

ومرت تلك الليلة كما خططت لها، ونامت والسعادة تغمرها.

في صباح اليوم التالي، غادرت دريزيلا القصر باكراً مع حارسها، ولم تودع أبيها، فهي لم تكمن له حباً قط.

الحارس: سيدتي، ألن تخبري الملك؟

دريزيلا: لا، اياك أن تخبره.

الحارس: ولكن...

دريزيلا: لن تُعاقب؛ لأنك ستبقى معي، ثم أنه مشغول بأمور أهم؛ لذا لا تهتم، وهي دعنا نذهب بسرعة قبل أن يلحظ غيابي.

سَعِدَ الحارس بما قالت، وصعد على الحصان، بعد أن ساعدها على صعود العربة، واتجها لقصر خالتها آميلا المتواجد في اسبانيا.

لم يلحظ الملك غياب ابنته، بل استيقظ بكامل نشاطه، وهو يحادث حارسه:
_ أوه، لم أنعم بنوم كهذا منذ مدة، أشعر بأنني نمت لمدة عام.

اندريه: تبدو بحال جيد مولاي.

الملك: أجل، أجل، هيا أحضر لي قهوتي للشرفة، واستدعي آيلا أليّ.

اندريه بعد أن احنى رأسه:
_ أمركَ مولاي.

اتجه الملك نحو الشرفة وهو يمرخ جسده المتعب ويشد يديه للأعلى بقوة، ثم جلس بعد أن استنشق الهواء.

الملك في نفسه: " بالطبع هناك سر بتلك المرأة، فمنذ أول يومٍ لها هنا، أدخلت السكينة على قلبي وعلى قصري."

أما اندريه الذي همَ لينفذ أوامر الملك، وطرق باب غرفتها، إلا أنها لم تجب.

اندريه بصوتٍ مرتفع:
_سيدتي، سيدتي، هل استيقظت؟

كاترين بغضب في نفسها: "من هذا المزعج؟ من يتجرأ على إيقاظي".

ثم صرخت بلاوعي:
_ لمَ توقظني أيها الغبي؟ ألم أخبركَ بألا تفعل ذلك.

صُدم اندريه بصراخها، لذا قال بهدوء بعد أن تنحنح:
_ يا سيدة، الملك في انتظارك في غرفته، لذا أردت إعلامكِ، فقط، اعتذر لإزعاجك.

كاترين وهي تعقد حاجبيها، ثم لتتحول عقدتها لصدمة وتتمتم: " يا إلهي، هل قال الملك، أوه لقد نسيت أنني أصبحت في القصر، يجب أن أعتد على الأمر، وألا كُشفت، تباً لي."

كاترين بنبرة هادئة:
_ لا، لا، إي إزعاج تقول عنه، سأكون برفقة الملك بعد دقائق، شكراً لك.

رفع اندريه حاجبيه، وعاد ادراجه إلى المطبخ ليأمرهم بتجهيز قهوة الملك.

ماري: ما بك؟ تبدو باهتاً، ألم تنَم؟!.

اندريه: لا، بلى نمت.

كلوي بتعجب: ماذا هناك؟

اندريه في نفسه وهو ينظر إليها: " إن تحدثت بشيء أمام هذه الثرثارة فسيُفضح الأمر، وبالتأكيد هذه المرة سأُطرد."

اندريه وهو يهز برأسه:
_ لا شيء، فقط رأيت بعض الكوابيس في أحلامي.

ماري بسخرية وهي تضحك:
_ حتماً رأيت كلوي وهي تنثر الأقاويل.

كلوي بغضب:
_ يكفيكِ سخرية، هل أصبحتُ كابوساً لكما، ثم أنني لم أعد أقول شيء؟.

قهقهت ماري وهي تضربها على كتفها:
_ أنني أمزح فقط، أنتِ أفضل أصدقائي، ولكن أردنا أن نعطيكِ درساً كي لا يُعاد الأمر.

اندريه وهو يحاول الابتعاد عن التحدث عنها:
_ هيا يكفيكما حديثاً، اذهبا وجهزا قهوة الملك.

ثم غادر، ليعود لمكانه أمام باب الملك

كلوي باستغراب: لقد كان غريباً أليس كذلك؟

ماري: أجل، ربما هناك شيء يشغل تفكيره.

كلوي وهي تداعب شعرها وتبتسم:
_ هل تعتقدين أنا؟

ماري باستغراب:
_ أنت ماذا؟

لملمت كلوي ابتسامتها بسرعة، ثم قالت:
_ أقصد أنا، سأبقى هنا؟

ماري وهي تحرك القهوة:
_ ستبقين إن توقفتِ عن الثرثرة.

كلوي: أنا لم أثرثر، ولكن الأميرة دريزيلا كانت تنقل كلامي بشكلٍ خاطئ، علمت بالصدفة بالأمر.

ماري وهي تضرب على وجهها:
_ ها أنت توقعين نفسك بمشكلة أكبر، هل تقولين عن الأميرة بأنها تكذب؟

كلوي بتوتر:
_ لا، لا، لم أقل، حسناً لا تنظري لي هكذا، أشعر بأن عينيك سيخرجان من مكانهما، ثم أنها غادرت القصر، وهذا أفضل لي.

ماري بصدمة؛
_ غادرت؟! هل علمَ الملك بالأمر؟

كلوي: لا، فقد ذهبت منذ الصباح الباكر كي لا يراها، كم هي مغرورة ومتكبرة تلك الفتاة، أشك بأنها اختاً لأنستازيا.

ماري بامتعاض:
_ ها قد عدنا للثرثرة، حسناً إن انتهيتِ، خذي القهوة لغرفة الملك، وإياكِ وأن تسكبيها عليه.

أمسكت كلوي صينيِة القهوة المزخرفة، والفضول يأكل جسدها، لذا تمتمت: " حسناً، سأذهب وأرى ما هو السر وراء تلك المرأة، علّي اسمع شيء".

ماري بصراخ:
_ لمَ لا زلت منتصبة أمامي، هي فلتذهبي.

فُزعت كلوي، ثم قالت:
_ حسناً، سأذهب، لمَ تصرخين في وجهي، أوف، تباً.

ماري بخوف:
_ ماذا؟ هل سكبتها؟

قهقهت كلوي، ثم قالت:
_ لا، ولكن ما رأيك بطريقة أفزاعك هذه؟ اعتمديها.

ثم غادرت مسرعة، بينما تركت ماري تفيض غضباً.

ماري: هذه الفتاة ستجعلني أُجن.

في الغابة، كان الرجل الغراب يجلس حزيناً.

الجرذ: ما بك؟!. هل تفكر بالفتاة؟

الرجل الغراب: أجل، لقد أثّرت بيّ كلماتها، أشعر بأنها انطبعت بعقلي بعمق، فهي لا تفارق مخيلتي.

الجرذ: لا تقل أنك أحببتها!.

الرجل الغراب: لا تكن سخيفاً، وهل أستطيع أن أُحبُ أو يحبني أحد؟ ولكن أريد مساعدتها، هل تعرف كيف؟


الجرذ: بالطبع لكل شيء هناك حل، ولكن حل هذا الأمر صعب.

استدار الرجل الغراب نحوه بحماس، ثم قال:
_ ما هي، هيا قل بسرعة.

الجرذ: سمعت بأن هناك جزيرة للأقزام الضخمة، يتواجد فيها ماء ورديّ، يعيد للفتاة رونقها.

الرجل الغراب: وكيف استطيع الوصول إليها؟

الجرذ وهو ينزل رأسه للأسفل:
_ أصبحت أشعر كم ترغب بمساعدتها، ولكن الوصول لتلك الجزيرة صعب، لأنها فوق الغيوم.

الرجل الغراب وهو يحمل علامات الاستغراب على وجهه:
_ ماذا؟ فوق الغيوم كيف حصل هذا؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي