18 جزيرة العمالقة

الفصل الثامن عشر:
(جزيرة العمالقة)

في القصر
حينما هطلت الأمطار، شعر الغراب بالفزع وأصبح يدور فوق غصن الشجرة بقلق، ثم تمتم في نفسه: " يا إلهي، ستنمو البذرة بالتأكيد، ماذا أفعل؟".

ومن شدة المطر سقطت الرسالة التي كان يحملها على الأرض وابتلت بالمياه والطين.

الغراب بفزع: أوه تباً، ما هذا الحظ السيء؟ حتى إنني لا استطيع الطيران لأعود للغابة واطمئن عن آيلا.

ثم تذكر بأنه يستطيع أن يتحول لرجل، لذا تمتم في نفسه:
_ تباً لكِ يا كاترين، جعلتني أنسى من أنا، ولكن أرجو ألا تراني اليوم ويكمل حظي السيء بسوء أكثر.

دخل لإحدى الغرف، ثم تحول بها لرجل، وأصبح بداخل القصر، وبدأ يبحث عن اندريه.

اما في الغابة حيث كانت آيلا تجلس على كرسي خشبي قديم وتنظر منه للخارج من نافذة المنزل، ولكن لم تلبث حتى بدأت ترى الأشجار من قممها.

صرخت آيلا بهلع، ثم قالت:
_ أترى كما أرى أنا؟! أم أنني أتوهم؟

جنيور وهو يحاول فهم مايجري:
_ ما الذي جرى؟ لمَ أصبحت الأشجار أسفلنا؟

نظرا لبعضهما بصدمة ثم قالت آيلا:
_ هل نحن نصعد للأعلى؟

جنيور بنبرة هادئة مرتجفة:
_ هذا ما يبدو عليه.

كان الغراب ينظر من إحدى الشرفات المطلة على الغابة، ولاحظ نمو البذرة ذات الساق الغليظة والمتينة للأعلى ، لذا تمتم:

_ أرجو أن تكون آيلا بخير، فأنا لا أود بأن ألحق بهذه الفتاة أي مكروه آخر.

ثم ركض مسرعاً بين الأروقة وهو يتنهد ويلتقط أنفاسه بين الحين والآخر، وبكل مرور من نافذة ينظر للساق التي أصبحت تمتد فوق الغيوم.

وبعد عناء وجد اندريه وهو يحادث خادمة الأميرة كوزيت، لذا حمحم، ثم قال وهو ينظر لاندريه:

_ عذراً سيدي، ولكن هل أستطيع التحدث معك؟ الأمر هام للغاية.

عقدت الخادمة حاجبيها باستنكار وراودها الفضول، لذا قالت:

_ هل هناك شيء يخص الملك.

نظر لها اندريه بطرف عينه مستغرباً، لذا قال وهو لا يزال ينظر إليها:
_ سَنُكمل حديثنا فيما بعد، لذا عودي لغرفة الأميرة الآن.

ثم اردف بعد أن بقيا لوحدهم هو والرجل الغراب:
_ حسناً، هيا فلتقل، ما هو الأمر الهام؟

تحدث الرجل الغراب وعلى وجهه علامات الخوف:
_ آيلا...

شعر اندريه بالقلق، لذا قاطع حديثه بعد أن أصبحت دقات قلبه تتسارع حينما ذكر اسمها، لذا قال:

_ ما بها؟ هل حدث لها مكروه؟

الرجل الغراب بارتباك:
_ لا أعلم، ولكن الخطر محيط بها، وبنا جميعاً.

اندريه باستغراب: أنا لا أفهم من كلامك شيء أبداً، ثم من أنت؟!

الرجل الغراب: ستعرف من أكون فيما بعد، ولكن الآن أرجوك لننقذ آيلا، هيا بنا.

اندريه ولا زال مستغرباً:
_ إلى أين؟

الرجل الغراب: انظر خلفك وسترى.

استدار اندريه ببطء وهو يتخيل بأنه سيرى غولاً كبيراً إو وحشاً، ولكنه صُعق حينما رأى ساق يكاد عرضها يطبق حجم القصر، لذا شهق شهقة طويلة وقال:

_ ما هذه؟ أقصد كيف حدث هذا؟ وما علاقة آيلا بالأمر؟!


الرجل الغراب: أنها البذور السوداء اللعينة، لقد نمت إحداها في الغابة بعد ان أمطرت، ولم أعد أستطع العودة للغابة لأتفقد آيلا، لذا أحتاج لمساعدتك.

اندريه وهو يهز رأسه ويحاول فهم الأمر:
_ انتظر للحظة، أنا لا أفهم شيء حقاً، لقد كان بحوزتي بذور سوداء، هل هي نفسها التي تنمو بهذا الشكل؟

الرجل الغراب بامتعاض: أجل، ولكن هل سنذهب الآن أم ماذا، ففي الأعلى العمالقة وقد يلتهموا...


اندريه بغضب: حسناً، فلتصمت قليلاً، أنا أحاول فهم ما يجري، ثم أنني لا أستطيع الذهاب قبل أخبار الملك.

الرجل الغراب في نفسه: " أوف تباً، والآن سنمضي ساعات لنشرح الأمر للملك."

اندريه وهو يستدير وينظر للرجل الغراب:
_ هيا تعال، ألن تأتي؟

الرجل الغراب: بلى ولكن....

اندريه: تعال بسرعة، سنحل الأمر لا تقلق، ولكن ما هو اسمك؟!

الرجل الغراب: ادعى جاك.

اندريه: حسناً يا جاك، تعال وأخبر الملك بما جرى.

في الأعلى
بعد أن وصلت الشجرة الضخمة لجزيرة العمالقة، بدأت آيلا تسير وهي وجنيور ببطء وبقلق بتلك الجزيرة الضخمة.

آيلا بخوف: أشعر كما لو أنني حشرة صغيرة تسير بين هذه الأعشاب الضخمة.


جنيور: والآن، ماذا سنفعل هنا؟ وكيف سنستطيع النزول؟

آيلا: لن أعود حتى أجد الماء السحري الذي يعيدكم لطبيعتكما.


جنيور: يبدو أن الأمر سيطول لأيام، فخطواتنا بطيئة.


آيلا بحماس: انظر هناك حيوان يشبه الكلب، دعنا نتسلق عليه، علَّ التنقل يكون أسهل.


جنيور بقلق: لا أجد هذه الفكرة جيدة، فقط تلحقين بنفسك بالخطر إن شم رائحتك.


آيلا بشجاعة: سأحاول كل ما بوسعي لننهي ما بدأنا به، لذا لا تقلق سنكون بخير.


جنيور بتمتمة: " أرجو الغراب يطلب النجدة من أحد، ويتصرف بذكاء لو لمرة واحدة."

في القصر

في رواق المؤدي لغرفة الملك، كانت أصوات ركض أقدام اندريه وجاك تصدر ضجيجاً، يدعي للقلق.


كلوي وهي تنظر لهم من آخر الرواق:
_ ما بكم؟ لمَ تركضان؟ هل هناك حريق؟

جاك بقلق: ليته حريق، بل شيء أفظع من هذا.


اندريه بغضب: يجب أن تخبر الملك كل الحقيقة، هل تفهم، وتشرح كل شيء.


جاك: حسناً.

طرق اندريه الباب على الملك عدة طرقات قوية، توحي بالقلق.


نهض الملك من مكانه وهو يعقد حاجبيه، ثم قال:
_ من هناك؟

دخل اندريه على عجل، وهو يضع يديه فوق بعضهما عند سرته، ثم قال:

_ مولاي، هناك خطر مُحدق بالبلاد.


الملك بنبرة حادة: خطر؟ مثل ماذا؟


ثم نظر اندريه لجاك، وقال:
_ هيا أخبره ما بكل ما جرى، لحين نمو البذرة.


جلس الملك على كرسيه الخشبيّ الفخم، وكان يستمع بصدمة لكل ما يقوله، إلا أن صدمة اندريه كانت أكبر حينما علم بما حصل مع آيلا، وكيف كاترين استغلتها.



بعد أن انتهى جاك من الحديث، صرخ الملك بغضب، وهو يقول:
_ استدعوا كاترين إلى هنا.


جاك وهو يبتلع لعابه:
_ مولاي، أرجوك، لا أريدها أن تراني، لذا هل تسمع لي بالذهاب والبحث عن آيلا؟!


الملك وهو يشير له بيده اليمنى:
_ حسناً، فلتذهب.


اندريه وهو ينظر لجاك:
_ انتظر سأذهب معك.


ثم استدرك قوله، ونظر للملك وقال:
_ هل تسمح لي مولاي بأخذ بعض جنودنا للإحاطة بالشجرة.


الملك: حسناً، أذهبا، وسأرسل الجيش بأكمله ليعسكر هناك، لحين الاستطاعة الاطاحة بها، ولكن أرجو بألا يغضبوا العمالقة ويقرروا النزول.


اندريه بقلق، وهو يشعر بالخوف على آيلا:
_ نتمنى أن يبقى الجميع بخير.


ثم خرجا على عجل، وركب كلاً منهما على حصان، وسارعا باتجاه الغابة، وقبل المغادرة، طلب اندريه من الحرس القدوم معه.


واتجه معهم عشرين حارساً يرتدون الخوذات على رؤوسهم وصدورهم، ويحملون السيوف مع الدروع الصلبة.


اندريه بغضب وهو ينظر لجاك:
_ لمَ لم تخبرني من قبل؟ هل كان من المفترض بك سرقة البذرة؟


جاك: كنت مجبر، لم ترغب آيلا بإقحامك بالمشاكل.


اندريه وهو يهز رأسه:
_ وهل الآن الوضع أفضل؟ انظروا بما اقحمتم البلاد كلها.



جاك بتأفف: لمَ تلقي الوم علينا ها؟ ثم أنت من كنت تحتفظ بتلك البذور وقد تتعرض للماء او الابتلال بطريقة ما، وهناك لن تجلب المشاكل فقط للبلاد، بل كنت ستدمر القصر.


شعر اندريه بالذنب لاحتوائه على البذور، لذا قال دون أن يشعره بذنبه:

_ في كل الأحوال جلبت جميع البذور التي لدي، وسأحول التخلص منها بطريقة ما، ولكن ما يهم الآن هو سلامة آيلا.


جاك: لا أعلم لمَ لدي شعور غريب، بأنها أصبحت في الأعلى.


اندريه بحزم: سأرسل جميع جنودنا للبحث عنها في الأرجاء، وإن لم يجدونها، سأصعد للأعلى وانقذها.


وسع جاك عينه بصدمة، ثم تمتم في نفسه: " ألهذا الدرجة تهمك أيها الوغد؟ بكل الأحوال تليقان ببعضكما."


اندريه وهو ينظر إليه باستغراب:
_ ماذا هناك؟ لمَ تنظر الي وتبتسم؟! هل قلت شيء مضحك.

استدرك جاك حالته، لذا قال:
_ لا، ليس مضحكاً، بل معجب بقوة شخصيتك وإرادتك.


وصلا لساق الشجرة وهم ينظران لعلوها، ثم اردف:

_ الصعود إلى هناك هو معجزة بحد ذاته، أنها ضخمة لدرجة لا يمكنك أن تعرف نهايتها، أو ما ينتظرك هناك.


اندريه: أتقصد بأنك خائف؟


جاك وهو يحاول إظهار الثبات:
_ لا، لم أقل ذلك، ولكن لا يوجد بشر يستطيع التغلب عليهم.


اندريه: بكل الأحوال سننتظر أوامر الملك، لحين قدومه مع الجيش كله.


في القصر
حيث بدأت حالة من الاستنفار والخوف، وعلمت كاترين بما يجري، لذا وقفت على شرفتها وهي تبتسم:

_ سنرى الآن كيف ستخلصون أنفسكم من لعنة العمالقة، فبطبع لن يغفروا لتجرؤ أحدهم للوصول إلى جزيرتهم.


تحدثت كاريس وهي تنظر للشجرة بخوف:
_ هل حقاً سيأكلوننا؟!.


استدارت كاترين نحوها وقالت:
_ لا، لن يأكلوا أحداً يعمل بصفي، لا تقلقي، فهم لا يستطيعون إيذاءي أو إيذاء اتباعي.


ابتسمت كاريس، وقالت بتفاخر:
_ شكراً لوجودك مولاتي.


ولكن فجأة قطع حديثهم، بدفع أحدهم الباب بقوة.

الملك: لم أرى شخصية أحقر منكِ.


انحنت كاريس، وقالت بخوف:
_ مولاي.



كاترين وهي تبتسم:

_ماذا جرى؟ لمَ تبدو غاضباً هكذا؟ ثم ما الذي فعلته لكم؟ لم أفهم.


الملك بسخرية: بالطبع لن تفهمي يا مشعوذة، وكيف ستفهمين وأنت سبب كل المصائب التي تجري هنا؟



كاترين وهي تدّعي البراءة:
_ عن أي مشاكل، أنا حقاً لا أفهم، وكيف استطيع فعل المشاكل وأنا محبوسة هنا؟


الملك بصراخ وهو يدور في المكان:
_ لا تجعلني أصاب بالجنون، هيا قولي ما هي الطريقة للتخلص من تلك الشجرة؟


كاترين وعلى وجهها علامات الاستغراب:
_ الشجرة! آه الشجرة العملاقة، ولكن لا أعلم كيف حدث هذا، ولست أنا من فعل.


اقترب الملك منها وهو ينفث بغضب، ثم مسكها من ياقتها بكلتا يديه بقوة وجرها للشرفة، وقال:

_ لا تحاولي الكذب يا حقيرة، هيا تحدثي وألا رميتكِ من هنا.

كاترين بخوف: مولاي، أرجوك لا تفعل، أنا حقاً لا أعرف كيف، ثم أنني حامل، أرجوك لا تأذي طفلي، دعنا نعيش بسلام.


انزل يديه بغضب، وقال:
_ عن أي سلام تتحدثين، تباً لكِ أيتها الملعونة.

ثم غادر على عجل، وحين وصل الباب قال قبل أن يغادر غرفتها:
_ حينما أعود، سألقنكِ درساً لن تنسيه طوال حياتكِ، وستعاقبين على مل ما فعلته.


وأغلق الباب بقوة خلفه، وسارع يأمر الحرس بالقدوم.


أما كاترين التي عادت لابتسامتها الخبيثة وتمتمت بسخرية:
_ هذا إن استطعت العودة أيها الخرف، هيا فلتذهبوا جميعكم، وتتركوا لي العرش والقصر أتولى أمرهم.


أما الأميرة كوزيت، فقد وضبت أغراضها وقررت الرحيل بعد سماعها بقصة العمالقة، وقررت العودة لبلادها.


الخادمة: هذا أفعل قرار فعلتيه، انظري ماذا يجري هنا.

كوزيت بغضب: تباً لسوء حظي، كانت الأمور تسير كما يجب، وكنت سأكسب الملك لصفي.


الخادمة: الآن ما يهمنا هو سلامتك، كما يجب إخبار الملك انطونيوس بما يجري هنا، وتحذيره، ربما هبوط العمالقة على الأرض يلحق ينا الضرر أيضاً.


كوزيت: حسناً، هي فلنخرج بسرعة، ولكن هل أخذتِ كل ما طلبته منك؟


الخادمة وهي تحني رأسها:
_ أجل مولاتي، كل شيء جاهز في العربة، والسائق ينتظر نزولك فقط.


كوزيت باستياء: حسناً، هيا بنا.

ولكن حينما خرجت من غرفتها، وجدت في وجهها كاترين، لذا قالت وهي تضحك:

_ أجدكِ ذاهبة؟ ما هذه الزيارة السريعة؟


كوزيت بامتعاض: يجب أن أذهب ربما تُلحقون الضرر لبلادي، لذا سأحذرهم.


كاترين بتملق: على ما يبدو لم تسير خطتكِ كما يجب.


كوزيت بغضب: وما شأنكِ أنتِ؟ ثم من أنت كي تتحدثي معي بهذه الطريقة؟


كاترين بتفاخر: بالطبع بصفتي زوجة الملك، وابني سيكون وريثه.


نظرت كوزيت لبطنها، ثم نظرت إليها بغضب، وقالت:
_ ولكن لم يقل أحد بأنك زوجته، لقد أخبروني بأنكِ امرأة كاذبة ومخادعة فقط، ولم يقبل الملك بالزواج منك.



كاترين وهي لا تزال ترسم ابتسامة ساخرة:
_ وهل تتوقعين بأن يتزوج منك؟!


ارتبكت كوزيت، وبدأت تنفث غيظاً، لذا قالت الخادمة:
_ هيا مولاتي فلنذهب، فنحن نضيع الوقت فقط.

كوزيت بغضب: أجل، فليس هناك شيء مهم لإضيع وقتي لأجله، هيا بنا.


اسندت كاترين إحدى يديها على الحائط والأخرى وكانت تلوح بها لكوزيت.


شعرت كوزيت بالاستفزاز، لذا قالت بغضب:
_ سأعود قريباً لهذا القصر، وسترين أين سيكون مكانكِ.



قهقهت كاترين وقالت:
_ حسناً، إن وجدت قصر، فلتعودي.

ادارت وجهها، وسارعت كوزيت بخطواتها بعد أن احمر وجهها من الغضب، وتمتمت: " من تظن نفسها تلك الحقيرة، كي تحادث أميرة بهذا الشكل، ولكن لن أدعها وشأنها، وسترى ماذا سأفعل."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي