4 حفلة القصر

الفصل الرابع:
( حفلة القصر)

كانت آيلا تجلس وتضم ركبتيها، وهي ترتجف من الخوف والظلام المحيط بها.

آيلا: "كيف صدّقُت امرأة غربية؟ بالطبع لم يخطفانني لأجل خدمتهما فقط، آه يال غبائي"

تنهدت قليلاً، ثم تذكرت ما جرى لوجهها، وبدأت بالصراخ:
_ تباً لكِ ولغرابكِ اللعين، تباً لكما

علمت بأنه لم يسمعها أحد، لذا دمدمت:
_ لقد أصبحت عجوزاً بشعة، لمَ حياتي تسوء أكثر كلما حاولت التمسك بالحياة.

ظهر صوت بجانبها فجأة:
_ ربما لأنكِ لا تتصرفي بحكمة وعقل.

صرخت بفزع، ووقفت على قدميها، والتصقت بالحائط الذي خلفها:
_ من هناك؟ من المتحدث؟

ظهر الجرذ أمامها، ليزداد صراخها أكثر وهي تضرب بقدميها الأرض.

الجرذ: هل انتهيتِ؟

آيلا بفزع:
_ لست أنت المتحدث أليس كذلك؟

الجرذ: اسمعي...

ازداد صراخ آيلا التي بدأت تضرب بقدميها الأرض، وهي ترفع ثوبها، ثم تحدثت بصراخ:
_ يا إلهي، هل دخلت لمرحلة هلوسة؟ أو ماذا، حتماً أنا بحلم.

الجرذ: هييي، يا فتاة، فلتهدي، لن أكلكِ، فأنا معروف عني لا أكل لحم البشر.

آيلا بصراخ:
_ لحم البشر، أوه يا إلهي ساعدني، هذا المنزل مخيف للغاية.

الجرذ بامتعاض:
_ حسناً، فلتتابعي صراخك، ولكن لن يسمعكِ أحد.

وقبل أن يدخل إلى مخبأه أردف:
_ حينما تنتهين من الصراخ، واردتي التحدث معي سآتي مسرعاً.

لم تستوعب الفتاة ما جرى، فقد كانت تشعر بصدمة مليئة بمشاعر من الخوف والحيرة، والدموع تملأ عيونها، استمرت بالصراخ والضرب على الباب إلى أن تعبت وهدأت.

في صباح اليوم التالي

استقل اندريه حصانه وبدأ يوزع الدعوات على نساء المدينة، وآخر امرأة كانت كاترين.

نزل عن حصانه وهو يحمل آخر دعوة، لذا فتحت كاترين الباب على عجل، وقالت بلهفة:
_ وأخيراً،.. أقصد هل هذه لي؟

اندريه بتعجب:
_ هل سمعتِ بالأمر؟

كاترين بتوتر:
_ أمر؟ عن أي أمر تتحدث، لم أفهم.

اندريه وهو ينفث ويضمم شفتيه:
_ حسناً، هي لكِ، فلتأتي في الغد للحفلة.

كاترين: بالطبع سأتي.

استدار اندريه، وصعد على حصانه ووجهه يحمل ملامح الاستغراب.

كاترين: أوصل تحياتي للملك.

اندريه: لا داعي لذلك، ستوصلينه تحياتك في الغد.

كاترين في نفسه: " يا لك من متكبر ومغرور، سترى ماذا سأفعل بكَ حينما أصبح الملكة".

الغراب وهو على الشجرة:
_ ها قد اقتربتِ لنيل مبتغاكِ سيدتي.

كاترين بسعادة:
_ أجل، بات الاستيلاء على قصرهم قريباً جداً.

الغراب: وماذا عني؟

كاترين: لا تقلق ربما اصفح عنك، واتركك تعيش على طبيعتك.

الغراب بامتعاض: " ربما؟ ماذا سأفعل بعد كي تتركني هذه المتوحشة وحدي؟!"

كاترين وهي تنظر إليه بطرف عينها:
_ يكفيك تمتمة، هيا أذهب لتلك الفتاة، وضع لها بعض الطعام، ودعها تصمت فصراخها بات يزعجني، وبالأخص ليلاً وإن غضبت لا أعلم لأي شيء ممكن ستتحول.

هبط من على الشجرة وقال:
_ حسناً، سأذهب وأتحدث معها، ستكون تحت خدمتك بالطبع، ولكن قد تحتاج للوقت فقط.

اتجه مسرعاً للقبو، وحينما فتح الباب، ارتجف قلب اليزابيث، ثم علا صراخها حينما رأته وبدأت تضربه بقبضات يديها:
_ أنت أيها الحقير قمت باختطافي، لمَ فعلت هذا؟ هيا تحدث.

الرجل الغراب وهو يحاول الثبات:
_ اعذريني سيدتي، ولكن الأمر خارج عن إرادتي، فأنا أنفذ الأوامر فقط، تفضلي، هذا الطعام من أجلك.

آيلا بغضب:
_ لا أريد، هيا خذه، وأغرب عن وجهي، ستنالنا عقاباً تستحقانه بالتأكيد.

الرجل الغراب بعد أن وضع الطعام على الأرض، ألقى كلماته قبل أن يستدير:
_ في الأصل أنا معاقب، وربما أبقى هكذا، لذا أنصحكِ بالهدوء، ولا يجب أن تُغضبي كاترين، فهي امرأة عنيفة.

أغلق الباب بقوة، وتركها تفكر بحيرة، وتتحدث مع نفسها بصوت مسموع، باستغراب:
_ ما قصته هذا الرجل؟ فأنا حقاً لم أفهم من كلامه شيء، كيف هو معاقب وهو حر؟

ظهر الجرذ فجأة، وقال:
_ أنه يقول الحقيقة.

استدارت نحوه بقلق، وقررت الإصغاء، ثم قالت:
_ من هو؟

الجرذ: القصة طويلة يا سيدة، ولكن كاترين كانت زوجة دوق القصر، وهذا الرجل كان مساعده وحينما توفى زوجها في الحرب، حمّلته الذنب بأنه لم يحميه.

آيلا: حسناً، ولكن كيف هو معاقب؟

الجرذ: لقد لمسته لعنتها، وحولته لغراب، فتارة يتحول لرجل وتارة آخرى لغراب.

آيلا باستغراب:
_ ولمَ لا يهرب أن كان سجين عندها؟!

الجرذ: لا يستطيع، فعليه تنفيذ كل أوامرها، وإن لم ينفذ تزداد عليه اللعنة وقد تدوم للأبد.

آيلا وهي ترسم علامات الغضب على وجهها:
_ يا لهذه المرأة السيئة، كيف لها بأن تعيش بقلباً ميتاً.

صمتت للحظة، ثم قالت بتوتر:
_ هل أنت مصاب بلعنتها؟؟

الجرذ: أجل، بالطبع لن يكون هناك جرذ يتحدث.

آيلا: اعتذر لأنني لم أعطِ لك مجال للشرح.

الجرذ بحزن:
_ لا عليكِ، لم يكن بسببك.

آيلا: لمَ فعلت هذا بك؟

الجرذ: لقد كنت الحارس الشخصي للملكة، واكتشفت ألاعيب كاترين في القصر، لذا قامت بتحويلي لجرذ.

آيلا: هل هناك أشخاص أُخر لامستهم لعنتها؟

الجرذ: لا أعلم، ولكن ربما، فهي متى ما غضبت من أحد تحوله بدون تفكير، ولا ترحم أحد.

في القصر
بينما الجميع يستعد للحفل، ويتجهز، كان الحماس في نفس كاترين يزداد أكثر، واستطاعت من رونق جمال الفتاة، أن تصنع سحراً نادراً.

كاترين بحماس:
_ ها قد أصبحت العربة اللامعة جاهزة.

الرجل الغراب باستغراب:
_ هل عربتك مصنوعة من حبة يقطين؟!.

كاترين: أليست نادرة وجميلة؟.

الرجل الغراب: أجل، تبدو رائعة، ولم أرى مثلها قط.

في القصر
كان الملك مازال مضطرباً، ويحاول الثبات لأجل صمود البلاد وعدم تشتته.

الملك: اندريه، اندريه.

اندريه: أمركَ سيدي، ما الأمر؟.

الملك: هل أمور الحفل باتت جاهزة؟

اندريه: أجل سيدي، كل شيء بات جاهزاً، وثيابك قد جلبتها.

الملك: هذا جيد.

في غرفة الأميرات، كان النقاش حاداً.

دريزيلا بغضب وهي تعقد حاجبيها:
_ أرأيتِ؟ ها هو يتجهز لأجل حفل، ولم يمر عاماً على وفاة الملكة.

أنستازيا وهي تحاول تخفيف التوتر بقلبها:
_ القصر يحتاج لملكة، لا تتعاملي مع الأمور بعاطفة، عليكِ أن تتصرفي بحكمة، فأنتِ أميرة ولست فتاة عادية كي تغضبي من وجود ملكة آخرى، فهذا ما يتطلب.

دريزيلا بسخرية:
_ هذا ما يتطلب؟! لا أجد الأمر مهماً.

أنستازيا: سترين كيف سيتغير الحال للأفضل، هيا انهضي وجهزي نفسكِ.

قهقهت دريزيلا فجأة، ثم قالت:
_ هل تتخيلين بأن هناك امرأة أجمل من أمي؟

أنستازيا بلا مبالاة:
_ ربما، اليوم سنعرف إن كان هناك جمال لافت للأنظار.

دريزيلا بسخرية:
_ وهل القصر يحتاج للجمال؟ أم للقوة!.

أنستازيا بتأفف:
_ أسئلتكِ كثيرة ولن تنتهي، وأنا في الحقيقة لا أجد لها جواب، ثم من أين تجلبينها؟ أصبحتِ مملة للغاية.

حل المساء على عجل، وتجمعت وفود النساء في قاعة القصر الضخمة، بوجود الملك على كرسي الفخم المرصع بالذهب، وبقربه حارس الشخصي.

اندريه وهو يهمس بأذن الملك:
_ ما رأيك سيدي، انظر لتلك النساء البراقة يبدونّ كالأزهار، جميعهن جميلات.

الملك بسخرية:
_ براقات؟ لا أرى فيهن واحدة ملفتة للأنظار.

قاطعت حديثهم سيدة.

السيدة: عذراً، أنا...

اندريه: هذه السيدة ديميت، أنها من عائلة عريقة ووالدها كان مهماً في الجيش.

الملك: أهلاً بكِ.

احنت رأسها قليلاً وهي تمسك بثوبها المنفوش، بهدوء، ثم تراجعت للخلف ببطء.

اندريه: أنها جميلة أليس كذلك؟

الملك بتأفف:
_ أشعر بأنكَ تقدم لي أثوب، فلتصمت فأنا لست بسوق.

اندريه بعد أن أعاد رأسه للخلف، ثم تحدث بخجل:
_ اعتذر سيدي.

حوار بين سيدتان.

السيدة الأولى: انظري للملك يبدو شاباً، كنت أتخيل بأنه عجوز.

السيدة الثانية: أجل، أنه جذاب، ولكن هل تعلمين ما سبب هذه الحفلة؟

السيدة الأولى: لم يخبرا أحد عن سببها، ولكن أعتقد بأنه واضح.

السيدة الثانية: ما هو؟

السيدة الأولى: بالطبع سيختار ملكة له.

السيدة الثانية: لا، لا أظن، فلم يمر على وفاة الملكة الكثير، ونحن نعلم كم كان يحبها.

السيدة الأولى: الرجال جميعاً يشبهوا بعضهم، وحتى لو كان ملكاً ، فدوماً لديهم استعداد للتبديل والتغيير، والعيش مع آخرى.

قاطع حديثهم، دخول امرأة بفستان أبيض لامع مع كفوف طويلة براقة، وتاج مرصع باللؤلؤ، كان يبدو كالنجوم وسط شعرها الأحمر.

بُهر الجميع، ولفتت أنظار جميع من في الحفل من بينهم الملك.

اندريه: هذه هي سيدي، أنها .. عذراً.

الملك بعد أن نظر إليه عدة نظرات:
_ لن تصمت اليوم أليس كذلك؟ هيا أذهب ودع المرأة تأتي إلى...

وقبل أن يُكمل الملك حديثه، أشعلوا موسيقى الرقص، إلا أنهم لا زالوا ينظرون للمرأة الجميلة، ولم يدخل أحد للرقص، حينها نهض الملك، وأمسك يدها وبدأوا بالرقص.

الملك: من أنت يا سيدة؟

السيدة: حقاً لم تعرفني؟

الملك بتعجب:
_ أشعر بأنني أعرفكِ، ولكن لا أذكر أين رأيتك.

ابتسمت السيدة ثم قالت:
_ بالطبع تعرفني.

انتهت الرقصة وانظمت لباقي النساء، اللواتي بدأن يسألن عنها، إلا أن الملك استمر بالنظر إليها.

الملك: من تلك السيدة؟ هل تعرف؟

اندريه: لا يا سيدي، فهذه أول مرة أرى امرأة بهذا الجمال، ولكن ألم تسألها؟ انظر أنها تخرج.

الملك: الحق بها.

خرجت كاترين تركض على عجل، قبل حلول منتصف الليل؛ لأن سحرها ينتهي بداخل القصر، بينما الجميع ذُهل بخروجها بسرعة.

لم يحتمل الملك بأن يبقى جالساً، فهناك شيئاً يشده نحوها.

ركض ليجدها أسفل الدرج الكبير.

كاترين في نفسها: " لن أكون كتلك الغبية المتعارفة، وأترك حذائي خلفي، بل سأخذ الملك معي، وأوقعه بشباكي."

الملك بصوتٍ مرتفع:
_ انتظري يا آنسة، لمَ أنت ذاهبة؟!.

صعدت عربتها اللامعة، ولوحت بيدها وهي تبتسم للملك.

الملك بتوتر وهو ينظر لاندريه:
_ أحضر حصاني بسرعة، هيا.

أسرع الملك واتجه خلفها، وحينما وصلا لوسط الغابة، توقفت عربتها فجأة، ونزلت من عليها.

نزل الملك عن حصانها، وسار باتجاهها وهو يحمل علامات الاستغراب:
_ لمَ ذهبت بهذا الشكل؟!.

كاترين وهي تدير وجهها للناحية الأُخرى:
_ عذراً مولاي، ولكن الأجواء المشحونة بالناس تُشعرني بالحرج، بالأخص نظرات الجميع نحوي.

اقترب الملك منها أكثر، ووضع يديها على كتفيها، لتستدير نحوه ببطء، ثم قال:
_ لا أعرف لمَ شعرت براحة سَرَت في داخلي حينما كنت بجانبك، من أنت؟!.

ابتسمت كاترين، ثم مسحت على وجه الملك بباطن كفها بهدوء، ثم قالت:
_ كنتُ دوماً بجانبك مولاي، والآن أتمنى بأن أكون بجوارك دائماً.

الملك باستغراب:
_ كنتِ دوماً بجانبي؟ ولم الحظ؟ كيف حصل هذا؟.

قهقهت كاترين، ثم قالت:
_ يبدو أنكَ ملك يغويكَ الجمال، لذا تستغرب بأنكَ لم تلاحظني.

الملك وهو يبتسم:
_ألن تقولي من أنت؟


نعق الغراب من أعلى الشجرة بكلمات لا تفهمها سوى كاترين.

الغراب: سيدتي لا يجب أن تخبريه من أنتِ، عليكِ إقناعه بالزواج منك دون أن يعرفكِ كي يدوم أثر السحر، ويبقى رونق الجمال على وجهك.


كاترين وهي تشد انتباه الملك نحوها:
_ هيا أخبرني أيها الملك، لمَ تبعتني؟ ما الذي تريده مني؟


الملك: أريد أن أعرف من أنت، وأين كنتِ مختبئة؟

كاترين: هل حقاً يهمك من أكون؟

الملك بلامبالاة وهو مسحور بجمالها:
_ حسناً، في الحقيقة لا يهم، فأنتِ تروقين لي بكل الأحوال.

أمسك الملك بكلتا يديها، ثم قال:
_ هل تقبلين بالزواج بي؟

ضحكت كاترين وتمتمت في نفسها: " لم أتخيل بأن الأمر سيكون سهلاً لهذه الدرجة، لقد كان سريعاً."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي