7 اعتراف كلوي

الفصل السابع:
( اعتراف كلوي)

تنهدت آيلا، ثم قالت:
_ حسناً، لأجل الملك، ماذا تريد مني أن أفعل؟.

أخبرها بأنه عليها إقناع اندريه بتوليها إدارة الخدم في القصر، وهذا لسبب ظهور تقدم العمر على وجهها، فوافقت بعد عناء، واتجهت للقصر في اليوم التالي.

آيلا: وماذا سيكون اسمي حينها؟!.

الغراب: سيبقى اسمك كما هو، لا تقلقي، لن أجعلها تُحرمكِ منه طويلاً.

آيلا: ألن يشكو بالأمر؟ ظهور امرأتان فجأة يحملن نفس الاسم! أليس عجيباً؟!.

الغراب: لا، فأنت ستحرصين على ألا تراكِ كاترين، وأن ينادوكِ بالسيدة.

آيلا: حسناً، سأفعل، لم اعتد بعد على أني مسنة.

الغراب: أنت جميلة، حتى وأنت هكذا.

اتجهت آيلا للقصر وصعدت خلف إحدى عربات الخضراوات والورود، مختبئة بينها، ونزلت قبل أن يلاحظها أحد، متخفية بشعر أبيض مستعار ورداء أحمر طويل.

آيلا وهي تسأل المزارع الذي يقف في الحديقة:
_ عذراً سيدي، ولكن أين يمكنني أن أجد اندريه؟

حك الرجل رأسه بتعجب، ثم قال:
_ ليس لديه مكان واحد، ولكن ربما تجدينه في رواق الملك أو في الغرفة الكبيرة للخدم.

آيلا وهي تبتسم: حسناً شكراً.

كانت آيلا تيسر في أروقة القصر بدهشة، فهذه المرة الأولى التي تراه فيها.

آيلا بإعجاب: يال جمال هذا المكان، محظوظاً من يعيش فيه.

خرج صوت من خلفها فجأة:
_ بل محظوظ الذي لا يعيش فيه.

استدارت ببطء، لترى رجلاً طويل، عريض المنكبين، ملتحي أسمر اللون، يقف بانتصاب، لذا قال:
_ من أنت يا سيدة؟

آيلا: أنا، أنا أبحث عن اندريه؟

اندريه بتعجب: ماذا تريدن منه؟

آيلا بارتباك: أردتُ أن أسأله إن كان بالإمكان أن أعمل هنا، فأنا امرأة وحيدة وأحتاج للمساعدة.

اندريه باستغراب: سيدتي هنا الأعمال شاقة، ولن تقوي عليها.

آيلا بإصرار: أرجوك جرب عملي، وسترى بأنني أستطيع فعل أي شيء.

حك اندريه أنفه، ثم تمتم في نفسه: " ربما ستكون أفضل من الخدم الذي في القصر، وإن رأيتها جيدة سأقوم بطرد كلوي الثرثارة."

كانت آيلا تنظر إليه بخوف، لذا قالت:
_ حسناً، سأذهب.

اندريه: انتظري سيدتي، حسناً فلتتفضلي، وأوضح لكِ تفاصيل العمل، ستكونين المشرفة مبدأياً.

آيلا بسعادة: شكراً لك يا ...

اندريه وهو يبتسم: اسمي اندريه.

آيلا وهي تضع يدها على فهما:
_ أوه، هذا أنت!

اندريه: هل تعرفينني؟ من أرسلكِ ألي؟.

آيلا وهي تفرك كلتا يدي بتوتر، ثم قالت:
_ لقد سمعت من حديث الناس عن نُبل أخلاقك، لذا قررت البحث عنك وأطلب المساعدة للعمل هنا، وها أنت لم تردني، أنا حقاً أشكرك.

علمت آيلا بأن البذور في غرفته، ولكنها ليست جريئة لدخول غرفته، لذا تأكدت بأن هذا الأمر سيتطلب الكثير من الوقت.

ادخل اندريه السيدة إلى المطبخ، وصاح للجميع، ثم قال:
_ منذ الآن، هذه السيدة ستكون المشرفة لأعمال الجميع، فقد باتت الفوضى واضحة بالفترة الأخيرة.

ماري بصدمة: ولكن أنا من يستحق منصب كهذا، لأنني أعرف كل شيء عن القصر، وما الذي يجب أتباعه.

اندريه بسخرية: لقد رأينا ما يفعله الخدم أمام ناظريكِ، ثم أنكِ لم تَحلّي أي مشكلة فيه، لذا يكفي مناقشات بهذا الأمر، ورحبو بالسيدة.

لم يأبه أحد لآيلا، التي شعرت بالحرج؛ لذا بادرت وعرّفت عن نفسها بتواضع:
_ مرحباً، ادعى آيلا، أتيت كي أعمل فقط، ولم أطلب أن أكون مشرفة أو ما شابه، ولا أريد أن أكون عدوات مع أحد، أرجو أن تتقبلو وجودي.

ماري بغضب: يال السخرية، هذا الخطاب نسمعه دوماً كلما أتت خادمة، فهو ليس جديد، وأجد فيه الكثير من المراوغة.

ثم دفعت بقوة قماش المسح من يدها إلى الأرض، وغادرت، أما ماري على غير العادة كانت هادئة، تفكر بصمت.

ماري: " هل يعقل بأنه يفكر أن يستبدلني بهذه المرأة المسنة؟! لا لا، من المستحيل أن يفكر بشيء كهذا، ثم أنه لن يستطيع طردي."

ربت اندريه على كتف آيلا، ثم قال:
_ هم في أول يوم هكذا، لا يستأنسوا للغرباء، ولكن حينما يتعرفون عليكِ ستتغير طباعهم حيالكِ، لا تقلقي.

آيلا وهي تبتسم: لا مشكلة، أنا أعمل لأؤمن لقمة عيشي، لن أسبب المتاعب لأحد.

فجأة صفق اندريه بيده معلناً انتهاء الاجتماع، ثم قال:
_ هيا فليذهب كلاً إلى عمله.

اندريه وهو ينظر لآيلا:
_ اسمعي يا سيدة، منذ الآن أنت مسؤولة عن الخدم وتصرفاتهم وأخباري بما يجري، فهذه ليست مهتمي ولكنني قمت بالأمر من بعد وفاة الملكة، حينما عمّت الفوضى المكان.

آيلا: حسناً، لا تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام.

لم يكونا ماري وكلوي ودودتان معها، ولم يحبا حتى سماعها، ومع هذا لم تمتعض آيلا، بل بقيت هادئة تسعى لهدفها الذي أتت من أجله.

آيلا في نفسها: " حتى ولو وجدت تلك البذور، سأبقى هنا، فقد أعجبني المكان، أكون خادمة بقصر ضخم وجميل، أفضل من العيش في منزل مهترئ وقديم، هذا غير الأيام التي لا أجد فيه طعام."

ماري بغضب: يبدو أنك شاردة الذهن كثيراً، ماذا هناك؟

آيلا بارتباك: لا، أنا فقط أحاول حفظ التعليمات، ومعرفة كل غرفة لمن.

قهقهت ماري، ثم قالت:
_ بالطبع ستنسين، ولن تركزي بكل هذا، فأنت امرأة كبيرة بالعمر، ولن تستطيعي حفظ كل شيء بأيام.

نكشت كلوي ماري بساعدها، وهمست في أذنها:
_ لمَ تقسيّنَ عليها؟ ما ذنبها؟

ماري بصراخ: ربما هي من أقرباءه، من يدري! فمن المستحيل بأن يقوم بتوظيف شخص لا يعرفه ذلك اللعين.

آيلا: هو لا يعرفني بالفعل، وأنا من طلبت منه أن أعمل هنا، ولكن لم أطلب أن أكون المشرفة، وهذا لا يهمني في الأصل.

ماري: يكفيكِ تصنع البراءة، فلطالما أتين الكثيرات بهذا الشكل الودود، وحينما تمكنّ انقضا علينا، وتسببا بالكثير من المشاكل.

لم تبالي آيلا بكلامها، وخرجت تدور في الأروقة، وتحفظ الغرف، والأعمال التي يجب أن تراقبها.

ماري بغضب وهي تنظر لكلوي:
_ هل رأيتي كيف خرجت، كما لو أنني لم أهز من جسدها شعرة.

كلوي: كان من المفترض أن أغضب أكثر منكِ، ولكن صدمتني ردة فعلك، والصراخ في وجهها، أنها امرأة مسنة، أرجوكِ لا تقسي كثيراً.

ماري وهي تنفث غيظاً:
_ سترينها بعد شهر كيف تتحول لعجوز شمطاء متآمرة مع ذلك الثعلب.

كلوي: هل تقولين عن اندريه ثعلب!

ماري بسخرية: وهل أغضبك هذا؟ فهذا أكثر لقب يناسبه.

صمتت لثوانٍ، ثم اقتربت من كلوي وهي تُصغّر بعينيها، وأمسكت أذنها، ثم اردفت:

_ ثم ما كل هذا الاهتمام الزائد به؟! دخولك لغرفته! وجلب ملابسه! هذا إن لم تقومي بشمها، هل شممتها أم لا؟ لأن رائحة ثيابه تشبه البيض الفاسد، إن لم تشمي، لأساعدك.

كلوي وهي تحاول إبعاد يد ماري عنها:
_ ابتعدي أنت تؤلمينني، تساعديني على ماذا؟ أستطيع الشم، ثم أن رائحة ملابسة جميلة.

ماري وهي توسع عيناها:
_ أها، لقد أمسكت بكِ، وتحدثتِ لوحدك، هيا قولي لمَ شممتها؟ لا تقولي أنك...

كلوي بتوتر: حسناً، فلتبتعدي، لا، لا أحبه.

ماري وهي مازالت تحمل علامات الصدمة:
_ ومن تحدث عن الحب ها؟ اسمعي يا غبية، لا يجب أن تقتربي من حارس الملك، ثم أنه..

كلوي بحزن وهي تخفض رأسها:
_ هي قولي، لمَ صمتِ، هو بالتأكيد لن يتزوج من خادمة بسيطة وثرثارة، وماذا أيضاً أحمل صفات سيئة بنظركم؟! هيا تحدثي، دعيني أعرف ما الذي تحصرانه داخلكم.

كانت ماري تنظر لكلوي، ولكن ما إن رفعت رأسها، حتى وجدت اندريه يقف بذهول أمام الباب، ولم تستطع إخبار كلوي التي دخلت تسرد.

كلوي وهي تبكي وتصرخ:
_ من أنتِ كي تحاسبينني أن أُحب أم لا، ثم أنني منذ أن دخلت القصر وأنا أهتم به، وأحاول إلفات انتباهه، إلا أنه دوماً يحاول تصغيري وابعادي كما لو أنني نكرة.

ماري وهي تبتلع ريقها:
_ اصمتِ، أنا لم أكن أقصد الحب، في الأصل لم أتوقع ذلك.

كلوي بصراخ: بالطبع لن تشعري، فهو كالحائط، لا يعطي أي ردة فعل، أو يشعر بشيء، أو يبدي أي اهتمام.

حمحمت ماري بعد أن صُدمت بكلامها، إلا أن كلوي لم تفهم بأن هناك أحد يقف وراءها.

اندريه بصدمة في نفسه: " هل قالت بأني حائط؟!"

ماري وهي تحاول تهدئة كلوي، كي تسكت:
_ حسناً، لا عليكِ، أنا اعتذر لتدخلي بحياتك الخاصة، ولكن اصمتي.

أبعدت كلوي ماري عنها بقوة، ثم قالت بحرقة قلب:
_ حتى أنت لم تُحبينني قط، دوماً تنتقدين تصرفاتي، ولم أستطع حتى الإفصاح لكِ عن حبي له، كي تساعدين...

وضعت ماري يدها على فم كلوي، وقبل أن تتحدث قامت بعضها

ماري: أوه، لقد ألمتني، فلتصمتي قليلاً، وأنظري خلفكِ يا غبية.

عقدت كلوي حاجبيها فجأة، واستدارت ببطء، لتجد اندريه يقف يستمع للحديث، وهو يربع يديه على بعضهما.

شعرت كلوي بالخجل الشديد، لذا نزلت على الأرض بسرعة، وجلست القرفصاء، ثم نظرت إلى ماري وهي تقول:
_ هل سمعَ كل شيء؟ لمَ لم تنبهيني؟

ماري بقهقه: أجل يا غبية، حاولت شرح الأمر لكِ، ولكن البركان الذي بداخلك كان لا بد له أن ينفجر.

كلوي بصوتٍ منخفض: يا ويلي، ليت هذه الأرض تبلعني.

ماري: يا ليت.

كلوي وقد احمر وجهها خجلاً:
_هل ما زال واقفاً؟

ماري: أجل، هل تودين أن تضيفي شيء آخر قبل أن يذهب؟.

كلوي: تباً لكِ، قفي معي ولو لمرة، ماذا أفعل الآن؟.

كان اندريه يقف وهو يكتم ضحكاته على الحوار الذي دار أمامه، لذا قرر أن يغادر قبل أن يفجرها.

اندريه وهو يسير في الرواق:" هه، تلك الفتاة مجنونة بالفعل."

صمت لثوانٍ وهو يتخيل منظرها حينما رأته خلفها، ثم اردف في نفسه:" هل حقاً تحبني؟ لمَ لم ألاحظها؟! هل أنا حائط حقاً؟!".

في المطبخ
حيث كانت كلوي تطمر وجهها المحمّر بين يديها.

ماري وهي تضحك: هيا انهضي، هيا، لقد ذهب.

تنفست كلوي الصعداء، ثم وقفت ببطء، وقالت:
_ حسناً، سأخرج قليلاً من القصر، أحتاج لتنفس الهواء بعيداً عن هنا، أخبريه إن أردتِ.

ماري بامتعاض: أذهبي وأخبري المشرفة الجديدة، لعلها تسمح لكِ بذلك.

كلوي بسخرية: نننن، حسناً سترين بأنها أفضل منكِ حتى.

ماري بنبرة حادة وقبل أن تخرج كلوي:
_ لم ينتهي حسابكِ بعد، سنجلس ونتحدث بما فجرتيه بوسط النهار أمام حبيب قلبك.

تحولت ملامح كلوي الخجلة، لغضب حاد، ثم قالت:

_ تباً لكِ، فكل ما جرى بسببكِ، ثم أنني لن أقول لكِ شيء بعد الآن، هل فهمتِ، يكفيكِ استهزاء بيّ، من أنت حتى تفعلي ذلك؟! أم بدوت لكِ أضحوكة؟.

وخرجت وهي تنفث غيظاً على عجل، وتركت ماري خلفها وهي توسع عينيها بصدمة، واتجهت تبحث عن آيلا التي كانت تقف في الحديقة تتأمل تمثال الملكة.

كلوي: يا سيدة، لقد كنت أبحث عنك.

استدارت آيلا ثم قالت:
_ هل هناك شيء عليّ فعله؟

كلوي في نفسها:" تبدو مغفلة، ولا تدري صلاحيات مهنتها، بأنها تستطيع أن تأمر الجميع."

كلوي بحزم: اسمعي، أنا سأذهب لساعتين خارج القصر، عليكِ أن تغطي مكاني وتعملي الأعمال التي أقوم بها في غيابي، كي لا يكتشف أحداً خروجي.

آيلا بود: حسناً، سأفعل ذلك لا عليكِ.

كلوي: إن أردتِ شيء فأسألِ ماري، ولا تسألي اندريه عن شيء، هل هذا واضح؟

آيلا: أجل، بالطبع.

دخلت آيلا المطبخ لتنجز عمل كلوي بكل حب.

الغراب بعد أن راقب ما يجري في القصر: " أرجو بألا أكون قد ورطت تلك الفتاة أكثر، فكلما حاولت إنقاذها من شيء، تغرق بمشكلة جديدة، لمَ حظها متعثر لهذا الحد؟!"

ثم حط على النافذة وبدأ يطرق بمنقاره الزجاج.

آيلا: هل هذا أنت؟

هز الغراب رأسه، ثم قام بأعطاءها ورقة كتب عليها

" اعتذر لأنني اقحمتُكِ بالمشاكل، إن كنتِ مستاءة لما يجري، فتستطيعين الانسحاب، وأنا سأجد حلاً آخر."

مسحت آيلا علي ريشه وهي تبتسم، ثم قالت:
_ لا تُشعر نفسك بالذنب، أنا سعيدة، لا تقلق، فهذه الحياة أفضل من حياتي القديمة البائسة.

دخلت ماري فجأة، لذا رفرف الغراب بعيداً.

ماري باستغراب: هل كنت تُحادثين نفسكِ، أم تحادثين الغراب؟

آيلا بارتباك: لا، كنت أحادث نفسي، لطالما أتناقش الأمور مع نفسي.

ماري بتعجب في نفسها: " هل هي مجنونة أم ماذا؟"

آيلا وهي تشعر بالحرج لعدم إقناعها لها:

_ ربما ظهرت حمقاء أمامك، ولكنني أحب جميع الحيوانات، وحينما حط ذلك الغراب اقتربت منه وحاولت التحدث معه، هذا كل ما في الأمر.

ماري بهدوء: حسناً، ولكن لمَ أنت هنا؟ ألا يجب أن تشرفي على أعمال الخدم بأنحاء القصر؟

آيلا: أنا أقوم بعمل كلوي، ريثما تأتي.

ماري في نفسها: " تلك اللعينة، كنت أخشى من هذه المرأة، أرى أن كلوي هي التي قامت باستغلالها، أوف، تبدو هذه المرأة طيبة بالفعل".

ماري: هل أنت من هذه المدينة؟

آيلا: أجل، وأحبها كثيراً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي