9 الأمنيات الثلاث

الفصل التاسع:
( الأمنيات الثلاث)

خرجت آيلا تنتظره أمام شجرة السرو الكبيرة والعالية، وهي تشد وشاحها بين يديها بقوة، وتتأمل المكان.

تنفست الصعداء وتمتمت في نفسها: " ماذا سأقول له الآن؟ أرجو بأن يمر هذا اليوم على خير، ويستطيع الجرذ إخراج البذور دون أن يُكشف أمرُنا".

اندريه: هل تأخرت عليكِ؟

آيلا: لا، كنت أستمتع بهذا المنظر.

اندريه وهو يلف يديه للخلف:
_ أتعلمين؟ كنت أحب هذا المكان لدرجة لا تتصورينها، أتيت وأنا في قمة سعادتي، وشعرت بأن محياي ومماتي هنا.

آيلا: أتقصد سأكره المكان بعد فترة؟

اندريه: ربما، لا أعلم، حسناً، ماذا أردتِ أن تقولي؟!.

آيلا وهي تبتلع لعابه، تمتمت في نفسها: " أنقذني يا إلهي"

ثم خطر ببالها، أن تسأل عن الملكة.

آيلا بعد أن حمحمت:
_ أردت أن أسألك عن الملكة.

اندريه: مَن بينهما؟

آيلا بتعجب، وتحدثت دون أن تدرك:
_هل أصبحت كاترين ملكة؟

اندريه وهو يعقد حاجبيه بتعجب:
_ هل قلتِ كاترين؟! أتقصدين أن هذه المرأة المغرورة والتي قلبت القصر منذ أن أتت، هي كاترين؟

آيلا بتوتر: لا، أنا أخطأت باسمها فقط، اسمع أرجوك، اهدأ فقط.

كان اندريه يضرب على رأسه ويدور في المكان من شدة صدمته، ثم قال:
_ قلتِ كاترين أليس كذلك؟ حسناً ستأتين معي للملك وتخبرينه من تكون، لأنه لو عَلِمَ بأنها زوجة الدوق سابقاً، لما اختارها.

آيلا بفزع، وهي تتمتم: " لقد أوقعت نفسي بورطة أخرى، كيف سأستطيع التخلص من هذا الموقف الآن."

آيلا وهي تمسك بساعد اندريه وتتوسل إليه:
_ أرجوك لا تخبر الملك بشيء، ربما أكون مخطئة....

اندريه بغضب وهو يقاطعها:
_ لا تكذبي يا سيدة، فأنا شعرت منذ اللحظة الأولى بأن هناك شيء غريب خلفها، ولكن لم أتخيل بأن تكون هي، كما أنه أليس غريباً أن يكون كلاكما يحمل نفس الاسم؟

آيلا باستسلام: حسناً، ماذا تعرف عنها؟

اندريه: أنها شخص سيء ودوماً تحيك المكائد، كما أن زوجها توفيّ بسبب مخططاتها الفاشلة التي كانت ترشده عليها، إلا أنه لقيّ حتفه.

آيلا: وهل طُردت من القصر؟

اندريه: لا، هي التي غادرت، ولكن حتماً لتعود بشكل أقوى، وها هي تعود، ولكن أنت كيف عَرفتها؟

آيلا: لقد اشتريت منها بعض التفاح، الذي تبيعه من مزرعتها.

قهقه اندريه، ثم قال:
_ أنت لا تعرفين كيف تكذبين، ولكن لا يهم كيف عرفتها، ما يهم كشف حقيقتها أمام الملك.

آيلا: قد لا يصدقك، أرجوك لا تخبره...

اندريه بجدية: لستُ شخص متهور، لن أخبره بشكل مباشر لا تخافي، ولكن سأجعلها تندم على دخولها بزيها الجميل، تلك الحرباء.

ضحكت آيلا ثم قالت:
_ تبدو شخص قاسي من الخارج، ولكنني متأكدة بأنك طيب من الداخل.

اندريه: وما مناسبة هذا الكلام؟!

نظرت آيلا إليه وابتسمت، ثم قالت:
_ أريدك أن تحن على القلوب الذائبة، وترحمهم قليلاً.

اندريه بصدمة: لم أفهم، هل تقصدين كلوي؟ هل أخبرتكِ عن شيء تلك المغفلة؟.

ضحكت آيلا، ثم قالت قبل أن تغادر:
_ هي لم تخبرني بشيء، ولكنك انت من فعلت الآن، وهذا يعني...

قاطعها بنبرة حادة: هذا لا يعني شيء، ولست أفكر بها، فهي ثر...

آيلا: أنها ليست كذلك، ولكنها تختلق الحديث لأن حياتها باتت مملة، وتخبرك بأشياء قد لا تبدو مهمة؛ لأجل التحدث معك ليس أكثر.

استدارت آيلا واتجهت إلى غرفتها، لترى ماذا فعل الجرذ، أما اندريه الذي فك عقدة حاجبيه بعد أن غادرت آيلا، ثم ابتسم وهو يفكر بالأمر.

وتحدث بتمتمة: " هل حقاً أنا من أفكر بها؟ أوه تباً، أنها فتاة سخيفة، هل يُعقل أن أُحبها؟!"

فتحت آيلا غرفتها، وصدمت بوجود الجرذ ينتظرها، لذا قالت بلهفة:
_ هيا أخبرني، هل نجح الأمر؟ هل جلبتها؟

الجرذ بعد أن تنهد:
_ بحثت في كل خزانته، ولم أجدها.

الغراب وهو يقف على الشباك ويتحدث بغضب:
_ أين سيضعها ذلك اللعين؟ لقد رأيت بأنه وضعها في الخزانة.

آيلا بحزن: ألم تبحثا في غرفته؟

الجرذ: بحثنا سوياً، ولم نجد، يبدو أنه سيتم أمر الزفاف، وسيُقضى علينا.

الغراب بسخرية: تتحدث كما لو أنه لم يقضى علينا منذ زمن.

آيلا بارتباك: اسمعا، يكفيكم جدال هذا لن ينفع.

الغراب باستنكار: ما بكِ؟ هل حدث شيء سيء؟

آيلا وعلى وجهها علامات القلق:
_ لقد عَلِمَ اندريه بأمر كاترين، ولا أعلم إن كان هذا شيء جيد أم سيء.

الجرذ بحماس: هذا جيد بالطبع؛ لأنه سيوفر علينا عناء البحث عن تلك البذور اللعينة.

الغراب بنبرة حادة:
_ وكيف ستخبره؟ لو أخبرته ستصبح أكبر سناً وقد تدوم اللعنة عليها.

آيلا بحزن: أنا حقاً خائفة، أنا الآن بوجه عجوز ولكنني لازلت بقوتي، لذا أخشى أن أخسرها أيضاً، وبالنسبة لاندريه سيكتشف الأمر لوحده.

الغراب بغضب: سأذهب لغرفة تلك اللعينة الأخرى لأرى ما تحيكه.

آيلا بقلق: انتبه كي لا تراكَ، فأنا لازلت خائفة من أن تراني، لا أعلم ماذا ستكون ردة فعلها حينها.

لم تهتم كاترين بتلك الأيام سوى بالملك وترويضه لصفها، فمن خلاله تستطيع الوصول لمبتغاها.

الغراب وهو يتمتم على الشجرة المطلة على غرفتها: "مهما تعاليت وكَبُرتي هنا، حتماً ستحترقين بنار حقدك وكرهك يوماً ما."

كانت كاترين تضحك وتُظهر الخجل والأدب أمام الملك الذي لم يفارقها منذ أن أتت.

الملك بحب: أتعلمين؟

انحنت كاترين نحوه وأمسكت يده وقبلتها، ثم قالت:
_ أجل، أعلم بأنك أعظم ملك في هذه الأرض.

قهقه الملك، ثم قال:
_ فاتنة، وأنيقة، ومنمقة الكلام، لن أحتاج أكثر من ذلك لامرأة قد تكون ملكة لهذه البلاد.

ابتسمت بلطف وهي تضع سبابتها على أنفها، وتظهر الخجل، ثم قالت:

_ هذا لطفاً منك، ولكنني لا أطمع بشيء سوى بقلبك.

الملك وهو يبتسم: أعتقد بأنكِ حصلتِ على أكثر من ذلك.

الغراب بتمتمة: "أوه، يا لك من مغفل، حقاً لم تتعرف على المرأة التي كانت تستغلك منذ سنوات، إن لم تعرفها من شكلها، ألم تتعرف على صوتها؟!"

ثم غادر وعاد لآيلا، التي كانت مستلقية وتتأمل السقف من فوقها، ولكنها نهضت حينما أتى الغراب.

قائلة: هل هناك شيء؟

الغراب بامتعاض: لا شيء مهم، ولكن أمعائي كانت سَتُفرغ ما بداخلها إن بقيت انظر كيف يغازلها، وهي تمثل دور الخجولة و الملاك البريء.

قهقه الجرذ بسخرية: هل قلت أنها تبدو خجولة؟ أنها لحظات لا تعوض للضحك.

الغراب: أذهب وانظر إذاً، قد تموت من الضحك، بالأخص إن رأتك اللعينة.

ابتلع الجرذ لعابع، ثم قال بنبرة حادة:
_ لا، لا أريد سأبقى مع آيلا، ومهمتي حمايتها، أنت مهمتك مراقبة الأفعى.

الغراب بسخرية: هل أصبحت الفارس النبيل الآن؟

الجرذ وقد اعتصر قلبه:
_ أجل، لقد كنت كذلك، ولكن...

الغراب وهو يحاول تغيير سير الحديث:
_ حسناً، لا داعي لتلك الدراما الزائدة، كنت أمزح، سأذهب وأراقب أنحاء القصر، وأنتما فكرا بحل لإيجاد تلك البذور.

آيلا وقد تحطمت معنوياتها:
_ في الغد سيكون حفل الزفاف، هل لا زلت متأمل بقصة البذور تلك؟.

الغراب بنبرة حادة:
_ لن استسلم وسأحاول تصليح كل ما أفسدته، حتى ولو كلفني ذلك حياتي.

استلقت آيلا مجدداً في سريرها وهي تفكر بكل ما جرى، ثم غطت بالنوم بعد جهد، ولكن فجأة سطع ضوء قوي بالقرب منها.

السيدة: آيلا، تسمعيني عزيزتي؟

نهضت آيلا التي لم تستطع تفتيح عينيها من شدة الضوء الذي يصدر من تلك السيدة ذات الفستان الذهبيّ المنير.

آيلا وهي تضع ساعدها فوق عيناها:
_ من أنت؟

السيدة: أنا ساحرة الخير، أتاني نداء من النجوم لأساعدكِ، هيا اطلبي مني ما تشائين، وسأحققهُ لكِ.

آيلا باستغراب: لم أفهم، ما الذي تستطيعين فعله؟

السيدة قبل أن تختفي:
_ فكري جيداً عزيزتي، فقط اطلبي، وسأحقق لكِ ثلاث أمنيات فقط.

اختفى النور فجأة، وحل الظلام في الغرفة، لذا عادت آيلا للنوم من شدة نعاسها وتعبها على الفور.

حلَّ الصباح باكراً، واستيقظت على صوت الجرذ وهو يصرخ:
_ هيا انهضي، كاترين استَدعت جميع الخدم، ويجب أن تكوني هناك.

آيلا وهي تفرك عينيها:
_ أين هناك؟! لم أفهم من يريدني؟

الجرذ: أوه، هل أنتِ بوعكِ أم ماذا؟ هناك مصيبة ستحل وأنت لازلت نائمة.

آيلا: حسناً فلتحدث، لا يهم.

نهضت من سريرها ثم ذهبت لتغسل وجهها بدون مبالاة بكلام الجرذ، إلا أنه تبعها وهو يركض، وينتابه الفزع مما سيجري.

الجرذ بخوف: هل أنت على ما يرام؟ بدأت أنا من أخاف منكِ، ألم تستوعبي بعد ما قلته؟!.

نظرت آيلا إلى وجهها في المرآة وهي تتمتم بصوت منخفض:
_ هل أتمنى أن يعود وجهي؟ أم أن أتعرف على أهلي الحقيقين، أم البعد فقط عن كل شيء سيء والهرب فقط.

الجرذ وهو يرسم على وجهه الصغير علامات الاستغراب:
_ وتتحدثين مع نفسك أيضاً، أوه يا إلهي، حتماً جَنّت هذه الفتاة.

نظرت آيلا إليه وهي تبتسم، ثم قالت ببرود:
_ هيا بنا لنذهب ونرى ما تريده كاترين.

الجرذ بفزع: ماذا؟ نذهب؟ انتظري أنا....

تنهد الجرذ، ثم وقف في مكانه بعد أن اختفت آيلا عن ناظريه، ثم تمتم في نفسه: " ماذا جرى لها؟ تبدو غريبة أطواراليوم، لم افهم من تصرفها شيء."

بعد لحظات من تفكيره، قرر اللحاق بها، واختبأ خلف إحدى أعمدة الصالة الكبيرة حيث الخدم يصطفون بجانب بعضهما البعض.

كانت نظراته التي تتناقل يميناً ويسرا مليئة بالقلق، ولكن سرعان ما اختفت حينما رأى آيلا تقف بالصف الخلفي.

الجرذ وهو يتنهد: هذا جيد، قد لا ترى وجهها، أرجو أن يمر اجتماعها على خير.

دخلت كاترين الصالة وهي ترتدي فستانها الأحمر المنفوش المرصع بالذهب، مع تاج ضخم تملأه الجواهر الثمينة

ووقفت منتصبة الرأس، ثم قالت:
_ هل جميع الخدم هنا؟

اندريه وهو يخفي غضبه:
_ أجل، الجميع هنا، ماذا تريدين؟

كاترين وهي تعقد حاجبيها، وتحادث نفسها وهي تنظر لاندريه بغضب:
" هذا اللعين في الأمس كان خائفاً، ودخل متوسلاً، أجده اليوم ينظر بوقاحة، هل يعقل بأنه عَلِمَ من أكون؟ وإن يكن، هذا لا يهم، فقد فات الأوان على فعل أي شيء، فالملك لن يستغني عني."

كاترين وهي تنقل نظراتها بين الخدم بعجرفة:
_ فليسمع الجميع، أي خطأ أو أي نقص تفتعلانه في حفل زفافي ستكون عقوبته وخيمة، لذا كونوا حريصين على فعل كل ما طلبته.

همست إحدى الخدم للأخرى:
_ ومن أين سنجلب لها ورد الليلك الآن؟

الخادمة الأخرى: لا أعلم، ولكن أعتقد بأنهم قد تدبروا أمره، فلا شيء يصعب على مزارعي القصر، ولكن هل هذا ما يشغلك؟ ألا ترين كيف تتعامل معنا.

الخادمة الأولى: بلى، أنني أرى بأن جميع الأيام القادمة ستكون مريرة، تملئها عجرفة هذه المرأة اللعينة.

الأخرى: اصمتي قبل أن تسمعكِ.

كاترين بغضب: هل انتهيتما من الحديث؟ أم ماذا؟ ألا ترون بأن الملكة تتحدث؟ ألم يُعلّمكم أحد في هذا القصر كيف تحترمون الملكة؟.

الخادمة بتوسل: عذراً سيدتي لم نقصد، كانت تسأل نتأكد من جلب الورود.

كاترين وهي تلملم فهمها بامتعاض وتنظر لاندريه بخبث:
_ علّمهم كيف يتعاملون مع الملكة، فأنت لا تجيد شيء سوى الكلام، لذا سأدع هذا الأمر لك.

اندريه وهو ينظر إليها بنظرات حادة، تمتم في نفسه: " وقحة، ومستبدة أيضاً، سترين ماذا سأفعل."

كاترين بغضب: لمَ لا زلت تنظر أليّ، هيا أذهب وجهّز كرسيّ الملكة وقم بتزيينه.

اندريه بلا مبالاة: هذا ليس من مهامي يا سيدة، ولكن سأخبرهم ليحضّروه من أجلك.

كاترين بغضب وهي تشد على قبضة يدها:
_ أنت حقاً لا تفهم، لمَ لا زلت تقول عني سيدة؟ ألم...

قاطع اندريه حديثها، وقال بهدوء:
_ حينما تتوجين الملكة، سيكون لكِ احترام وتقدير ملكة، أما الآن لا زلتِ مجرد سيدة لم نرى أي وجهها الحقيقي.

كاترين بتعجب: وجهها الحقيقي؟! ماذا تقصد؟

لم يرد على كلامها، لذا استدار وغادر، وتركها وهي تنفث غيظاً
واردفت بنبرة حادة مليئة بالغضب:
_ سترى ماذا سأفعل بكَ حينها.

توقف اندريه وهو يعطيها ظهره، ثم تمتم في نفسه: " لن أسمح في الأساس أن تكوني ملكة، ولو أصبحتِ فسيكون هذا المكان هلاككِ، وليس شيء آخر."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي