17 المؤامرة القادمة

الفصل السابع عشر:
( المؤامرة القادمة)

تنهدت ماري قليلاً، ثم قالت بحسرة:
_ الأكثر إيلاماً هو عدم وجود ملكة كالملكة ديميت، ثم إن هدف كاترين واضح..

قاطعها اندريه بانفعال:
_ أجل واضح، وهو الوصول للعرش فقط، ولكن ما يعزيني بأن الملك لم يتزوجها، ولم يعلنها ملكة.

ماري وهي تطبطب على يده:
_ أجل هذا جيد.

صمتت لثوانٍ ثم اردفت:
_ هل رأيت كلوي؟ لم أراها منذ أن انتهى الحفل.

اندريه بسخرية: ربما وصلت للغابة تبحث عن الفتاة.

ماري باستغراب وهي تعجب حاجبيها:
_ ماذا؟!

ضحك اندريه وقال:
_ أمزح فقط، أين ستذهب، بالطبع تسير كعادتها في رواق المطبخ المطل على الغابة.

نهضت ماري وقالت:
_ أجل، هذا ممكن، حسناً سأذهب لأراها.

غادرت ماري مسرعة تاركة اندريه ليعود في تفكريه بما جرى

تمتم اندريه في نفسه: " أين قد أجدها؟! يجب أن أعرف ما جرى بينها وبين كاترين."

في غرفة الملك
حيث تقدمت فتاة ترتدي ثوب أخضر مزخرف عليه نقوش ورود حمراء، ثم انحنت للأسفل ببطء وهي تمسك ثوبها بكلتا يديها، وتقول:

_ مولاي

الملك: أهلاً بالأميرة، تفضلي.

كوزيت: شكراً لحسن ضيافتك مولاي، ولكن أتيت أطلب المساعدة منك.

الملك باستنكار: بشأن ماذا؟

كوزيت ببراءة:
_ بالطبع وصلتكم أخبار الجوع والمعاناة التي يعيشها شعبنا، لذا لم نعد نقوى على تأمين احتياجاتهم.

الملك: أجل، بالطبع سمعت بالأمر، نحن نأسف لمَ جرى لبلادكم، ولكن كيف استطيع المساعدة؟

كوزيت وهي تبتسم ابتسامة خفيفة:
_ نحن نحتاج دعم لموانئ السفن في بلادك، لتصدير البضائع، وأخذ عوضاً عنها مواد الغذائية اللازمة.

الملك وهو يقضم على باطن شفته السفلى، ويفكر بالأمر، ثم قال:

_ ما هي المدة التي تحتاجوا فيها الموانئ والسفن؟!

كوزيت: مدة شهور فقط، لحين تحسن حال البلاد

الملك بتفاخر: حسناً ليس بطبعي أن أرفض طلب أميرة، لذا لكِ ما طلبتِ.

كوزيت بعد أن انحنت مجدداً:
_ أشكركَ مولاي لعدم ردي خائبة، فقد صدقوا حينما تحدثوا عن كرمك وحسن تعاملك.

غادرت الأميرة وهي تُبطن ابتسامات خبيثة، وقبل أن تصل الباب، قال الملك وهو يأمر الخدم:
_ جهزوا للأميرة جناح لتبقى فيه ريثما تعود لبلادها.

كوزيت في نفسها: " اخشى أن الإقامة ستكون طويلة."

في غرفة كاترين

كانت تجلس على الشرفة وهي تتوعد بالجميع، وتحادث خادمتها.

كاترين وهي تشد على قبضة يديها:
_ سترين ماذا سأفعل بهم، حينما أكون ملكة لهذا القصر.

كاريس: بالطبع مولاتي، ستكونين الأفضل والأقوى هنا.

ابتسمت كاترين ابتسامة خبيثة وقالت وهي تقف على حائط الشرفة وتضع كلتا يديها عليه:
_ ما أجمل هذا المكان، من الجيد بأنه لا يوجد هناك منافسة.

كاريس: مولاتي، لقد قدمت اليوم أميرة للقصر.

صرخت كاترين باستنكار:
_ ماذا؟! أميرة؟ من؟


كاريس: أنها الأميرة كوزيت، ابنه الملك انطونيوس.

كاترين بامتعاض: وماذا تريد هذه الحقيرة؟

كاريس: لا أعرف.

كاترين بغضب: هيا أذهبي بسرعة، عليكِ أن تعرفي لمَ قدمت إلى هنا.

كاريس بعد أن انحنت:
_ أمركِ مولاتي.

ثم غادرت مسرعة، لتفهم الأمر من الخدم وما تناقلوه عن الأمر.

أما كاترين التي نشبت في داخلها نيران الحقد والكره أكثر، بدأت تفكر بكل الأمور وكيف ستسيطر على جميع البلاد، لذا قالت بغضب:

_ هل كان ينقصني وجود أميرة هنا، أوف تباً، سأجعلها تغادر بالإجبار.

حلّ الصباح على البلاد.
استيقظت آيلا باكراً، وارتدت وشاحها كي لا يعرفها أحد، وأخذت معها مؤنة، واتجهت مع الغراب والجرذ إلى الغابة للبحث من جديد عن البذرة الضائعة.

الغراب وهو يحلق عالياً:
_ يبدو أن الجو جميلٌ اليوم.

جنيور: أرجو أن يبقى هكذا لأيام.

كانت آيلا سارحة الذهن، لذا اردف جنيور قائلاً:
_ بما تفكرين؟!

آيلا: لا أعلم ما جرى في القصر، أخشى بأن كاترين اكتشفت أمري.

جنيور بتملق: لا أعتقد أن هذا ما يهمكِ، بل تفكرين باندريه أليس كذلك؟.

ابتسمت آيلا وقالت:
_ ولمَ قد أفكر فيه؟

صمتت لثوانٍ ثم اردفت:
_ أجل، أنني أفكر بأمره، فهو بالطبع سيستمر بالبحث عني.

جنيور: أجل بالطبع سيبحث عنكِ، أنت مهمة بالنسبة له.

آيلا باستغراب: كيف عرفت هذا؟

الغراب: أعتقد كلامه صحيح، ولا داعي للتأكد، فتصرفاته وطريقة كلامه كانت تتحدث، فهو لم يكن لطيفاً مع امرأة قط.

فجأة سمعا صوت عربة، لذا قال جنيور بقلق وهي يشير لآيلا:
_ هيا بسرعة اختبئي، اخشى بأن كاترين عادت لمنزلها.

الغراب: لا، ليست هي، بالطبع لن يسمح لها الملك بالخروج.

اختبأت آيلا خلف صخرة كبيرة، وهي تنظر للعربة وتقول:
_ تبدو أنها أتت من القصر، ترى من بداخلها؟

الغراب: حسناً، سأذهب لأعرف من فيها.

آيلا: حسناً أذهب، ولكن لا تتأخر فوراءنا يوماً طويل من البحث.

حلق الغراب فوق العربة، وظلَّ يوازيها بالطيران إلى أن توقفت قرب بحيرة.

وقف الغراب فوق الشجرة وهو ينظر للمرأة الفاتنة باستغراب:
_ ترى من هذه المرأة؟ تبدو من طبقة ملكية.

ثم اقترب منها ليسترق السمع.

كوزيت بإعجاب: انظري لجمال هذه المدينة، تبدو حقاً رائعة كما وصفها أبي.

الخادمة الخاصة بها: أجل يا أميرتي، أنها خلابة، وأجو أن يتحقق ما تطمحين به، ولكن حقاً موافقة على الزواج من رجلٍ سيصل عمره بالخمسين؟

تحدثت كوزيت وهي تبتسم ابتسامة خبيثة، وتنظر للطبيعة حولها:

_ ألا يكفي بأنه ملك؟ وليس أي ملك، بل ملك قوي يحكم معظم البلدان الجميلة، فتخيلي معي ماذا سيحدث لو تم الزواج.

الخادمة وهي تبتسم:
_ بالطبع ستزداد هذه البلاد جمالاً لجمالكِ.

الغراب وهو يتمتم في نفسه باستغراب: " هل هناك مؤامرة تُحاك أم ماذا؟"

اقتربت كوزيت من البحيرة، وجلست القرفصاء، وقالت وهي تحرك بيدها الماء:
_ في البداية عليّ معرفة كل ما يجري في القصر، لذا عليكِ إيجاد أفضل خادمة قديمة، وسنعطيها كل ما تريده، مقابل معلومات هامة عن الملك.

الخادمة: بالطبع سأبحث، وسأطلعكِ على كل شيء.

زاد امتعاض الغراب، وعاد لآيلا مسرعاً.

آيلا وهي تنظر للأعلى :
_ انظر، ها قد أتى.

جنيور: هيا أخبرنا بسرعة من تكون؟

الغراب: يبدو أنها أميرة، ولكن لم أفهم من تكون، ولكنني سمعتها تقول الزواج من الملك وتحقيق مبتغاها.

آيلا بقلق: أوه، يا إلهي، ألا تكفيه كاترين؟ لتأتي أخرى تحيك مكائد.

جنيور بقلق: ماذا نفعل الآن؟!

الغراب: وما الذي نستطيع فعله؟ ثم من سيصدقنا؟

آيلا بحماس: اندريه.

الغراب باستغراب: من؟! هل قلت اندريه؟

آيلا بلهفة: أجل، سيصدقك، أذهب وأخبره بما سمعت.

الغراب: ولكن البذرة....

آيلا: نحن سنبحث عنها، ولكن حاول أن تأتي قبل حلول المساء.

الغراب: أرجو أن تتيح لي الفرصة بالتحدث معه وحده.

آيلا: لا تأتي قبل إخباره، أو اسمع، سأرسل له رسالة تضعها في غرفته، وتترقب بأنه استلمها، يجب أن بعرف ماهية المرأة ونواياها كي يبعدها عن الملك.

الغراب وهو يتنهد:
_ حسناً، هكذا أفضل من حوار مطول للشرح، كيف استطيع الكلام، ولم أتيت له تحديداً، والكثير من علامات الاستفهام.

جنيور وهو يصغر عينه بامتعاض:
_ هيا أذهب بسرعة، فقد بدوت ثرثار وعديم الفائدة، بل واضعت..

آيلا مقاطعة الحديث:
_ حسناً، فلتهدأن سنحل كل شيء أعدكم بذلك، ولكن الآن كلاً لعمله.

كانت آيلا تبحث بين الأشجار كالذي يبحث عن إبرة بكومة قش.

جنيور بامتعاض بعد مرور ساعة:
_ لا أعتقد بأننا سنجدها.


آيلا بعد تعب:
_ ماذا سنفعل الآن؟

اسندت ظهرها على إحدى الأشجار، بعد أن يئست من إيجادها، لذا اردفت:
_ دعني ارتاح قليلاً، ثم نعاود البحث.


في القصر
وصل الغراب إلى هناك وهو يحمل الرسالة في قدمه، وينظر إلى غرفة اندريه.

الغراب: تباً، لم النافذة مغلقة؟ كيف سأدخل الآن؟ حسناً، في كل الأحوال سأنتظر، فقد أعتقدت بأن الأمر سهل.

في المطبخ، كانت ماري وكلوي مستغربتان لغياب آيلا، لذا تحدث ماري بامتعاض:

_ أين هي تلك العجوز؟ ألم تستيقظ بعد.

مارتن: لا، لم نراها منذ الأمس.

كلوي وهي تصفق بفرح:
_ هل تركت القصر؟

ماري بسخرية: لمَ تبدين سعيدة؟

كلوي وهي ترفع بشعرها:
_ الآن لن يشاركني أحد باندريه.

قهقه مارتن ساخراً، ثم قال:
_ وهل هو من أدواتك الخاصة كي لا تتشارك.

حمتت اندريه من خلفهم، وعلى غير العادة ضحك وقال:

_ كالعادة، دائماً أكون حديثكم، كأنما ليس هناك شيء هام.

مارتن بمباغتة: أين هي آيلا؟ لم نراها منذ الأمس.

اندريه: لقد تركت القصر.

هتفت كلوي بلاوعي، وهي تُخبط بقدميها الأرض، ثم استدركت نظرات الجميع نحوها، وقالت:

_ ما بكم؟ أنا سعيدة فقط لأنه لن يكون هناك من يأمرني.

همست ماري في إذنها:
_ يا لك من كاذبة.

اندريه بامتعاض: وهل كان آيلا تأمركِ، أنه لطيفة للدرجة التي لا ترفع فيه صوتها.

كلوي وهي تهمس لماري:
_ انظري كيف تبرق عينيه حينما يتحدث عنها.

اندريه: بكل الأحوال ربما لن تأتي، لذا ستتولى الأمور ماري مؤقتاً.

ماري وهي تنتفش وترفع بثيابها بتباهي:
_ بالطبع استطيع تولي الأمور، ثم إننا لا نحتاجها لقد كان باردة للغاية وغير نافعة.

كلوي وهي تحاول تأكيد الأمر:
_ أجل، بالطبع لم تنفع لشيء.

اندريه بسخرية: وأنتن جداً نافعات؟ وثرثرتكن الزائدة هي الدليل.

صمت للحظة ثم صرخ في الجميع وقال:
_ لقد سمعت من سخرية بما يكفي، معكم دقيقان إن لم أجد كل شخص في عمله سأرميه من هذه النافذة لتأكله الذئاب.

همست كلوي بخوف: " لا، كل شيء ألا الذئاب."

تراكض الجميع بعد سماع صراخه.

ماري وهي تبتلع لعابها: " لقد أعتقدت للحظة بأنها أحبنا ذلك اللعين، ولم اتخيل بأنه يجارينا فقط."


دخل اندريه لغرفة الملك وقال:
_ مولاي، أردت اعلامك بأن الأميرة قد ذهبت في نزهة.

الملك وهو يعقد حاجبيه:
_ لمَ لم تأخذ الإذن.

احنى اندريه رأسه وقال:
_ مولاي لقد كنت نائم، ولم نرغب بإزعاجك، ثم إنها كانت مصرة على الذهاب.

الملك: حسناً، أين ذهبت.

اندريه: لبحيرة البجع الكبيرة.

الملك وهو يسرح في خياله ويتمتم بصوتٍ منخفض:
_ بحيرة البجع؟! لمَ ذهبت إليها، ما السر في ذلك.

اندريه باستغراب:
_ هل قلت شيء مولاي؟

الملك: لا شيء اذهب ودعهم يستدعونها للقصر.

خرج اندريه من غرفة الملك، إلا أنه رأى الأميرة "كوزيت" في وجهه.

اندريه وهو يبتسم:
_ أهلاً يا أميرة.

كوزيت: شكراً، ولكن أريد رؤية الملك.

اندريه: حسناً، فلتدخلي، فهو أيضاً يرغب برؤيتك.

ابتسمت ابتسامة خفيفة، ثم دخلت وتركت خادمتها تقف على الباب وتترقب الحال.

حلَّ الغروب سريعاً

وبدأ جنيور يوقظ آيلا بفزع، وهو يقول:

_ آيلا، هيا فلتنهضي، كم تحبين النوم يافتاة.

نهضت آيلا وهي تتثاءب وتمرخ جسدها وتقول:
_ أخ، أشعر أن جسدي محطم.

جنيور بسخرية: هذا لأنكِ نمتِ لأربع ساعات.

آيلا بصدمة: أنت تبالغ أليس كذلك؟! فما زلت أشعر بالنعاس.

جنيور بقلق: انظري للسماء فالجو بات ضبابياً، أخشى بأن تهطل الأمطار.

آيلا بتعجب: وهل تهطل في فصل الربيع؟

جنيور: وما الذي يمنعها؟! هيا انهضي يكفيكِ كسلاً.

آيلا: حسناً، تعال لأغسل وجهي من البحيرة أولاً.

بعد مرور لحظات، بدأت الغيوم تتكاثف بالقرب من بعضها، وتحولت السماء للون الأسود الرماديّ.


توقفا بعد أن نظرا للسماء، ثم نظرا لبعضهما بنظرات خوف، وقالت آيلا:
_ لقد انتهينا، بالطبع ستمطر.

جنيور: أجل، هذا ما يبدو عليه.

بدأت السماء تهطل أمطارها بغزارة، لذا ركضا آيلا وجنيور وجلسا بقرب أحد المنازل القديمة، والمهجورة في الغابة.

آيلا: أرجو ألا يطول هطول الأمطار.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي