15 حفل الزفاف وهرب آيلا

الفصل الخامس عشر:
(حفل الزفاف)

حلَّ الصباح باكراً، وبدأوا بتجهيزات الحفل، فقد استيقظ الجميع على أهبة الاستعداد، لذا كانت الأروقة متزاحمة بصوت الأقدام الراكضة والمستنفرة بالقصر.

في غرفة كاترين، كانوا الخدم يجهزونها بأكمل وجه.

كاترين بعجرفة، وهي تنظر لنفسها بالمرآة:

_أريد أن يبقى شعري الأحمر الجميل متدلي، لا ترفعانه للأعلى.

الخادمة: أمرُكِ مولاتي.

كاترين وهي تبتسم ابتسامة خبيثة:
_ أنت تروقين لي، سأعينكِ خادمتي المخلصة، إن استمريتِ على هذا الحال.

ابتسم الخادمة، وقالت:
_ هذا شرف كبير بأن أتولى خدمتكِ مولاتي.

كاترين وهي تنظر لها من المرآة:
_ ما هو اسمك؟

الخادمة: كاريس.

اهتز قلب كاترين فجأة، ثم قالت:
_ اسمٌ جميل، حسناً يا كاريس، منذ اليوم أنت خادمتي المخلصة.

في هذا الوقت كانت آيلا في غرفة الأميرة، تسرح شعرها، وتحادثها.

آيلا وهي تبتسم: أنت جميلة جداً، فشعرك الأشقر البراق هذا يجعلني أشعر بأن ما بين يدي سلاسل ذهب، وليس خصلات شعر.

ضحكت أنستازيا وقالت:
_ أنت تبالغين كثيراً، بالطبع كي تجعليني أنسى ما يحدث.

وضعت أيلا كفيها على وجه الأميرة، وقالت:
_ أجعلكِ تنسين ماذا؟! بأنكِ الأميرة الجميلة الوحيدة، والمحظوظة هنا؟ أم أنك ابنة ملكة ذات جمال وسيط عطر.

تنهدت أنستازيا، وقالت:
_ لا أعلم ما ستجلبه هذه المرأة للقصر، أرجو بألا تسبب المشاكل للملك، أريده أن يكون سعيداً فقط.

آيلا وهي تنظر لها بحب:
_ كم أنت معطاءة ومحبة للغير.

استدارت أنستازيا نحوها، وقالت:
_ أتعلمين؟ أشعر بأنكِ تشبهينني كثيراً، وقريبة للقلب، لذا أحببتكِ، ولكن لا أعلم لمَ لم أحبها.

آيلا وهي تتمتم في نفسها: " آه لو أستطيع إخبار الجميع بهويتها، في كل الأحوال لن يهم كلامي بعد حملها تلك اللعينة"

أنستازيا باستغراب: لمَ بدوت شاردة الذهن؟ هل هناك شيء سيء خطر لكِ؟

آيلا وهي تهز رأسها:
_ لا، ولكن كنت أفكر بما يجب أن ارتدي، فليس لدي ثوب جميل ومناسب لحفل كهذا.

أنستازيا باندفاع: اسمعي، لدي ثوب أزرق لامع جميل جداً، أعتقد بأنه سيناسبك، لأننا بنفس الطول تقريباً.

آيلا بمباغتة وهي تصغر بعينيها:

_ لا، أنا أطول بالطبع، لأنني الأكبر.

أنستازيا: وما دخل العمر بالطول؟!

ثم نظرا لبعضهما وانطلقت أصوت ضحكاتهن.

أنستازيا: قد تكونين كبيرة، ولكنك جميلة أيضاً، لذا هل تسمحين أن أصفف شعرك.

آيلا باستغراب: أسمح؟! شعري أنا؟! العفو يا أميرتي ولكن لا أريد أن تتعبي به.

أنستازيا: أجل، هيا فلتفرديه، دعيني أرى طوله، يكفيكِ دلالاً.

كانت آيلا تربط شعرها على شكل كعكة منذ أن أتت القصر، كي لا تلفت جماله، وحينما بدأت بفرده، صُعقت أنستازيا.

أنستازيا باستغراب بعد أن شهقت شهقة طويلة:
_ لمَ تخبئين كل هذا الجمال؟!

آيلا بخجل: عيناكِ الجميلتان، شكراً لك.

مسكت أنستازيا خصل شعر آيلا بأصابعها الناعمة، وهي تتأملهن، ثم بدأت بتصفيفه والمدح فيه بعد كل خطوة تفعلها.

أنستازيا: حسناً، ها قد انتهينا.

آيلا وهي تنظر لنفسها بالمرآة، وتتنهد:
_ شكراً لكِ، لقد أصبح جميلاً للغاية.

أنستازيا: هيا فلترتدي الثوب، لأرى كيف سيكون عليكِ.

تجهز الجميع، وبدأوا الضيوف بالتوافد حتى مُلئت الصالة، بينما كانت كاترين تجلس على كرسيها الفخم بالقرب من الملك بسعادة عارمة، وسط أنظار الجميع التي تنظر لها بفضول.

كاترين في نفسها: "أجل، هذا اليوم الذي كنت أتوق للوصول إليه منذ سنوات، فأنا لا أعلم لمَ تزوجت ذلك الدوق الأبله."

اصطف الخدم على حائط الصالة بشكل موازي، وكان اندريه يقف على البوابة ويرحب بالضيوف.

بينما آيلا كانت تقف بالقرب من الباب الداخلي للصالة، وتنظر إلى الناس بخجل.

جنيور: هيا فلتدخلي.

آيلا وقد احمرّ وجهها:
_ لا، لا أستطيع، انظر للكم الهائل من الناس، ثم أني بهذا الثوب لا أعرف لمَ اشعر بالغرابة.

جنيور بحزن: أنت جميلة للغاية، ولولا وجود التجاعيد التي في وجهك لكنتِ ملكة الحفل.

تراجعت آيلا بخطواتها للوراء، بعد أن تحسست وجهها بحزن، ثم قالت:

_ أشعر بالخجل كثيراً، فهذا الثوب لا يتناسب مع وجهي هذا.

جنيور: أرجوكِ فلتدخلي، ولا تهتمي لأحد.

أخذت آيلا نفساً عميقاً، ثم سارت بخطوات بطيئة باتجاه الصالة، ووقفت عند إحدى الطاولات.

آيلا بحزن: أتعلم ما الأكثر إيلاماً بالنسبة لي؟

جنيور: هل وجودكِ هنا؟

آيلا: لا، بل تعرضي للاستغلال، انظر لكل تلك الفتيات الجميلات، لمَ لم تختر إحداهن؟! لمَ أنا بالتحديد؟!

جنيور: لأنك الأجمل على الإطلاق.

تحدثت آيلا في نفسها بلاوعي: "أوف، لقد مَللت من كوني عجوز، أتمنى لو أعود كما كنت".

خلال ثوانٍ، عادت آيلا لحالها الطبيعي، وظهرت شخصية كاترين على حقيقتها دون أن تدرك.

كان الملك ينظر للناس، وفجأة نظر لكاترين وشهق شقهة طويلة كادت أن تقطع أنفاسه، ثم قال بعد أن سعل عدة مرات:

_ هل هذه أنت؟!

كاترين باستغراب: لم أفهم؟!

الملك بغضب وهو ينظر إليها:
_ كيف تحولتِ هكذا؟ هل أنت حرباء أم ماذا؟.

صمت للحظة وهو يتأملها ثم اردف بنبرة حادة:
_ هيا انهضي واتبعيني.

شعرت كاترين بالغرابة، وسارت خلفه لغرفته.

أما آيلا التي استمرت بالوقوف بخجل وهي تُخفض رأسها، إلا أنها رفعته حينما سار باتجاهها اندريه.

اندريه بغرابة: من أنت يا سيدة؟!

آيلا بتعجب وهي تعقد حاجبيها، ثم ضحكت وقالت:
_ بالطبع لم تعرفني بهذا الفستان الجميل.

اندريه: لا، أنا حقاً لا أعرفكِ، هل أنت....

آيلا باستغراب: أنا آيلا، ما بك؟!

اندريه: ولكن وجهك.

حينها تذكرت بأنها تلفظت بالأمنية الثانية، لذا شعرت بالخوف وهمّت راكضة وخرجت من القصر.

ركض اندريه خلفها، وهو يقول:
_ انتظري، إلى أين أنت ذاهبة؟.

كانت آيلا تركض مسرعة بخوف، وتتمتم: " الآن ستراني كاترين، وبالطبع ستحل عليّ اللعنة."

خرج جنيور من جيبها، وصرخ بصدمة حينما رآها:
_ ماذا جرى؟ كيف عدتِ كما كنت؟

آيلا وهي تركض وتتنهد:
_ هل كنت نائم حينما حادثني اندريه؟!

جنيور: أجل، ولكن ماذا جرى؟ ولمَ تركضين هكذا؟.

آيلا وهي تنظر خلفها:
_ لمَ يتبعني؟ أوه، أرجوك أن يعود للقصر.

ثم وصلت للدرج الكبير، ونظرت إلى قدميها، واردفت:
_ لن أستطيع الركض به.

رمت حذائها البراق، ونزلت وهي تركض مسرعة لتختبئ.

حينما وصل اندريه لبداية الدرج، تلفت يميناً ويساراً، وهو يقول:
_ أين ذهبت، تباً، ثم لمَ تركت حِذائها؟ هل تظن سأبحث عنها من خلاله أم ماذا، يا ل النساء وكيدهن.

ثم صرخ: لمَ تهربين؟ أريد أن أساعدكِ لا أكثر.

آيلا في نفسها: " لا لن تستطيع."

في غرفة الملك، أدخل الملك كاترين بسرعة بعد أن جرها من يدها، ودفعها بقوة باتجاه المرأة.

كاترين بغضب: ماذا جرى لك؟

بعد ثوانٍ صمتت، وهي تنظر للمرآة وتتحسس وجهها.

كاترين وهي تبتلع لعابها، وتحادث نفسها: " كيف حصل هذا؟ لقد كان السحر أبديّ، أوف، تباً، ليته حصل بعد حفل الزفاف."

الملك بغضب: هيا فسري لي ما يحدث، كيف تحولتِ هكذا؟

فكرت كاترين لثوانٍ وهي تنظر إليه، ثم قالت بتملق:
_ اسمع، أنا في الأساس ذاك هو شكلي الحقيقي، ولكن أصابتي لعنة وأصبحت هكذا.

الملك بصراخ: هل تستغبينني يا امرأة؟ هل حقاً ترينني غبياً كي تسير علي لعبة كهذا

كاترين في نفسها: " بالطبع غبياً."

تنهد الملك ثم أردف:
_ هذه المرة الثانية التي تضعينني بموقف محرج أمام الناس.

كاترين بارتباك: أرجوك أنا حقاً أحبك، ولأنك لم تحبني كما أنا، لذا اضطررت لتغيير وجهي لعلك تختارني، وحقاً حصل ذلك.

الملك وهو يعقد حاجبيه:
_ أنت تسمعين ما تقولينه؟ لقد كنتِ زوجة لأفضل رجالي وأكثرهم قوة، كيف استطعتِ أن تفكري بهذه الطريقة؟

كاترين: ولكنه مات، ماذا أفعل؟ هل أبكي كل يوم على فراقه؟

الملك وهو يزفر:
_لا، لم أقل ذلك، ولكن على الأقل لا تكذبي، وتتحايلي كالحرباء على الملك، أنا حقاً لا أفهم من أين جلبتِ كل هذه الثقة.

كاترين بقلق: من حبي الأعمى والكبير لك.

الملك بامتعاض: يا ل السخرية.

كاترين بلامبالاة: ماذا بشأن الزفاف؟!

ضرب الملك يديه بجبينه، وتحدث بنبرة حادة:

_ أنا أتحدث بشيء وهي تتحدث بشيء آخر، أنت حقاً غريبة، ثم لمَ مصرة على الزواج مني؟! هل تعتقدين بأنكِ ستصبحين ملكة من خلال الكذب؟

كاترين بتملق: لا، ما يهمني هو حبك، وأن أكون بجانبك، لن يهم كوني ملكة.

فكر الملك قليلاً ، وبعدها نادى على الخدم، وقال:
_ حسناً، سيحدث هذا.

دخل الخدم بعد أن انحنوا، لذا اردف الملك:

_ اذهبوا وارفعوا الكرسيان للطابق العلوي، كي لا يرونا الناس بوضوح، هذه المرأة تريد جلب العار لي وللقصر.

الخدم: أمرك مولاي.

كاترين بسعادة: هل حقاً سنكمل المراسم؟

الملك بلامبالاة: أمام الناس فقط، ولكن لن تكوني زوجتي، ولا ملكة أو ما شابه، وبعد وضعك للطفل سيتم طردك من هنا.

ركعت كاترين على ركبتيها، وأمسكت بيده بكلتا يديها، وهي تقول:
لمَ تفعل هذا بي؟ ما هو جرمي مولاي؟ هل لأنني أحببتك؟ هل أستحق كل هذا منك؟

سحب الملك يده بقوة، ثم قال:
_ يكفيكِ مراوغة وتصنع، هذا يكفي.

ثم خرج من الغرفة والشرر يخرج من عينيه، ثم صعد للأعلى ليجلس على كرسيه.

كانت كاترين تشعر بالغضب، إلا أنها تمالكت نفسها، وتمتمت قبل أن تخرج: " إن بقيت معاملتك معي هكذا، فسأقتلك قبل أن يأتي طفلي أيها الملك الخرف.

خرجت بهدوء وهي تتنفس ببطء، ثم جلست بجانب الملك دون أن تتحدث معه بشيء.

في الصالة
حيث جميع الخدم لاحظ ما جرى، وعلموا الحديث الذي دار بين كاترين والملك من كلوي، التي همّت راكضة بعد سماع خطوات الملك.

كلوي: انظروا، لقد جلسا في الأعلى، كي لا يراهم أحد، ولكن لم أفهم من الحديث شيء.

ماري: أتقصدين بأنها كانت تتمثل بهيئة فتاة أخرى؟

شهقت كلوي، ثم قالت:
_ لقد عرفتها، أجل أني أعرفها.

مارتن: من؟

كلوي وهي تضع يدها على فمها:
_ أنها كاترين، زوجة الدوق.

صدم الجميع، ثم قالت ماري بصدمة:
_ كيف حدث هذا؟ فأنا لا أفهم؟! ثم أين هو اندريه ألم يرى ما جرى فهو يكرهها؟!

كلوي بامتعاض: زير النساء ذاك، كان يركض خلف فتاة ترتدي فستان أزرق لامع، ولكن لم أعرف لمَ، أو حتى من هي!.

ضحك مارتن، وقال بسخرية:
_ منذ متى واندريه يركض خلف النساء؟!

كلوي بغضب: يا ل وقاحته، حينما يأتي سيرى.

ماري بسخرية: هل ستلقنينه درس عن الخيانة أم ماذا؟! إياك والتدخل بحياته لأنه قد ضاق ذرعاً منك.

كلوي وهي تشير بيديها:
_ أتمنى لو استطيع تمزيقه لنصفين ذلك اللعين.

مارتن بسخرية: نصف لكِ ونصف للنساء الباقون.

ثم قهقه هو وماري بسخرية، وهذا ما تسبب بغضب كلوي، التي خرجت لتبحث عن اندريه لتسأله.

بأول الغابة
وصلت إلى هناك آيلا تختبئ بجحر شجرة عميقة

جنيور: إلى متى سنبقى على هذا الحال؟

آيلا بحزن: ربما للصباح، فلم نعد نستطيع الابتعاد أكثر، فأنا خائفة.

جنيور: لا تخافي أنا معكِ.

آيلا: ليت الغراب هنا أيضاً ليرشدنا للطريق

بعد ثوانٍ، سمعت صوت اندريه، لذا اردفت:
_ اصمت، إنه قادم.

اندريه بصراخ: آيلا، أين أنت؟ هل تسمعينني؟ سأحميكِ يا فتاة، هيا اخرجي، فأنا فهمت كل ما جرى.

جنيور: ربما يساعدك بالفعل، لمَ لا تواجهيه.

آيلا: لا أريد اقحامه بمشاكلي، يكفيه ما يعاني منه في القصر من مسؤوليات ومهام.

جنيور: أوف، بدأت امتعض من طيبة قلبك الزائدة هذه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي