6 البذور السوداء

الفصل السادس:
(البذور السوداء)

الجرذ: أنها قصة طويلة، ولكن لا أحد يستطيع الوصول إلى هناك، وإلا غضب الاقزام

الرجل الغراب بلا مبالاة:
_ فليغضبوا، أنهم مجرد أقزام ولن يقووا على فعل شيء.

ضحك الجرذ من استخفافه، ثم قال:
_ ليسوا قُصّر، أنهم عمالقة، يصل طول أحدهم بطول البرج ذاك.

الرجل الغراب وهو يعقد حاجبيه:
_ هذا يعني سأقف بين يدي أحدهم كالنملة؟

الجرذ: ربما أصغر.

الغراب بتعجب: ولمَ يسمون أنفسهم بالأقزام إذاً؟

الجرذ: لأن والدهم في الأصل كان قزم، وبدأ حياته بالأرض حينما تزوجا من امرأة.

الغراب: لم تكن من الأقزام؟!

الجرذ: لا، ولكن جميع أولاده كانوا أقزاماً قُصّر.

الغراب: أين هم؟! ثم للآن لم أفهم من أين اتوا العمالقة.

الجرذ: أهدأ قليلاً فأنت اشرح لك، الأقزام القُصّر لا أحد يعرف عنهم شيء، ولكن حينما تزوج والدهم فيما بعد من قزمة أنجبت عملاقاً ضخماً.

الغراف بقرف: يال هذه الفصيلة القذرة، أنا أكرههم بشدة.

الجرذ: ليس أنت وحدك، جميع من في الأرض لم تتقبل العمالقة، لذا قرروا العيش بعيداً عن البشر، وهكذا توافد العمالقة للأعلى من كل مكان.

الرجل الغراب بتأفف:
_ بات النقاش مملاً، هل عليّ معرفة كل سيرة حياتهم! هيا أخبرني كيف سأصل إلى هناك؟ فهذا هو المهم.

الجرذ: ألستَ خائفاً منهم؟!

الرجل الغراب: أنا أعيش بخوف كل يوم، لذا أعتدت عليه لا تقلق، فقط قل لي كيف سأصل.

الجرذ: هناك بذور خاصة، لونها أسود، لو تعرضت للماء ستنمو أشجار ضخمة للأعلى وتصل إلى جزيرتهم.

الرجل الغراب وهو مازال يتأفف:
_ ومن أين سأجلب تلك البذور؟ اياك وأن تخبرني بأني سأحفر قبور اجدادهم.

نفث غاضباً، ثم أردف: ثم كيف جزيرة ومعلقة بين السماء والأرض؟ ومن قام بصنع بذور سحرية كهذه، وما هو الغرض منها

الجرذ: ومن برأيك يا ترى؟ جميع السحرة، صنعوها لتهديد البشرية والضغط عليهم.

الرجل الغراب بغضب:
_ بالطبع، ومن غيرها "كاترين" في الأرجاء تحيك المكائد، ولكن ألم تبحث أنت عنها؟

الجرذ: بحثت في كل مكان، ولم أجد شيء، ولكن ذات مرة سمعت كاترين تتحدث مع رجلٍ عنها.

حينها تذكر الغراب مرور رجل من الغابة منذ فترة، لذا قال:
_ حسناً، سأتابع الأمر لأصل لتلك البذور، لا عليك سأفعل المستحيل.

الجرذ: وهل تعرف الرجل؟

الغراب: لا، ولكن سأبحث عنه.

وطار باتجاه القصر، يدوّر بين النوافذ لعله يسمع أو يفهم شي، لذا حط أولاً على شرفة الملك.

الغراب: "ها هي تلك الشمطاء، تجلس كما لو أنه بالفعل قصرها"

كانت كاترين تضحك وتتحدث بسعادة عارمة، إلى أن لمحت الغراب، فعقدت حاجبيها فجأة.

الغراب في نفسه: "أوه، لقد تعكر مزاجك يا سيدة أم ماذا؟، هل تخطط تلك الحقيرة أن تكون وحدها في القصر؟"

الملك باستغراب: لمَ صمتِ، هل هناك شيء أغضبكِ.

كاترني وهي تنظر للغراب وتعقد حاجبيها:
_ لاشيء مهم مولاي، ولكنني أكره الغربان.

الغراب: "أصبحتي الآن تكرهيهم! يا لكِ من لعينة."

الملك وهو يبتسم وينظر إليها:
_ لا تعكري مزاجكِ بشيءٍ كهذا، دعينا ندخل إن أردتي.

كاترين وهي تنظر بطُرف عينها للغراب بحقد:
_ أجل، هذا أفضل، أود أن أبقى سعيدة ولا يتعكر مزاجي.

الغراب وهو يُصغّر بعينيه:
" أخشى بأن تكون سعادتك قصيرة الأمد؛ لأنني سأسعى لتنتهي حينما أنجو وأتحرر منك، بكل الأحوال سأصل لتلك الجزيرة وأحرر نفسي وأحرر آيلا مهما كلفني الأمر"

دخلت كاترين، وبدأت تناقش الملك بأمور حفل الزفاف.

كاترين بحماس: ما رأيك بإرسال دعوات الحفل حتى للبلاد المجاورة؟.

الملك: ولمَ لا، سنفعل بالتأكيد.

كاترين بخبث وهي تحادث نفسها: " يجب أن يعلم الجميع بأن هناك ملكة جديدة ستستلم البلاد، ويرحبوا بقدومي بحفاوة."

ولكن عكر عليهم صفو جلستهم أكثر، طرق الباب.

الملك: من هناك؟

اندريه: أنه أنا مولاي، اعتذر ولكن هناك شيء مهم عليكَ أن تعرف به.

الملك: هيا أدخل بسرعة.

دخل اندريه وألقى التحية، ثم بدأ ينطق ببعض الحروف وينظر للملك ثم لكاترين.

الملك بغضب: هيا تحدث ماذا هناك.

اقترب اندريه من الملك كي يهمس له.

الملك: لا مشكلة هيا قل، فأنا لن أخفي عن آيلا أي شيء، ولتُعلم الجميع بأن الأمور في القصر ستتلقونها منها.

اندريه وهو يحني رأسه:
_ أمرك مولاي، سأخبر الجميع.

كاترين بحماس: " أجل، أجل، فلتخبرهم وأبدأ بخططي، التي أتوق لتنفيذها."

الملك: حسناً، هيا قل، لمَ تقف هكذا كالشجرة أمامي؟

رفع اندريه رأسه، ثم قال بتوتر:
_ مولاي لقد سمعت منذ قليل بأن الأميرة دريزيلا رحلت.

نهض الملك بغضب، ثم صرخ عالياً
_ كيف رحلت؟ وإلى أين؟ منذ متى والأمور تجري دون أن أعرف، ثم من سمح لهل بالخروج.

اندريه بخوف: مولاي لقد سافرت إلى قصر خالتها الأميرة أميلا.

علت صرخات الملك أكثر، وثار غضبه، إلى أن تدخلت كاترين.

كاترين بهدوء وهي تنظر لاندريه:
_ حسناً، فلتخرج أنت.

اقتربت من الملك وربتت على كتفه، ثم قالت:
_ لا عليك، دعها ترتاح قليلاً، لم يكن سهلاً ما مرّت به، ستعود لوحدها لا تقلق.

جلس الملك بعد أن تنهد، ثم قال:
_ أنا لم أعد أفهم على تلك الفتاة، لقد نفذ صبري حيال تصرفاتها، من المفترض أن تتصرف كأميرة.

كاترين بخبث: لا عليك مولاي، حينما تعود، سأعمل جاهدة على أن تكون أفضل أميرة.

نظر الملك لكاترين بحب، ثم قال:
_ شكراً على وجودكِ، أنت شخص جيد، أرجو أن تتصلح الأمور في القصر.

كاترين: بالطبع ستتصلح، وستحدث أشياء لم تكن تتوقع حدوثها حتى.

الملك بتعجب: لم أتوقع حدوثها؟!

قهقهت كاترين ثم قالت:
_ أنا أمزح فقط، هل حقاً تصدق كل شيء تسمعه؟

كان الغراب قد استدار نحو شرفة غرفة المطبخ، وكانت ماري لوحدها.

ماري وهي تحادث نفسها:
_ أشعر بأن اندريه يخفي شيء ما.

ثم دخل فجأة وهذا ما أفزع ماري.

ماري ودقات قلبها باتت ستسمع:
_ لمَ تدخل بهذا الشكل؟ لقد أفزعتني.

اندريه بتوتر: أنتِ لم تري منظر الملك وهو غاضب، لكنتِ علمت معنى الفزع الحقيقي.

ماري: هل أخبرته برحيل الأميرة؟

اتجه اندريه ليتناول كأس ويشرب الماء، ثم قال بعد أن ارتشف رشفة:
_ كان يجب أن يعرف مني، لو علم من غيري، ستحدث كارثة.

الغراب: " أنتم لم ترو الكوارث الحقيقة بعد".

ماري باستغراب: صحيح قبل أن أنسى، لقد وجدت في بنطالك بذور صغيرة ما هذه؟

اندريه وقد جحضت عيناه:
_ هل تفتشين بثيابي؟

ماري بامتعاض: تبدو لي غبياً أحياناً، لمَ سأفتش لها، لقد جلبته كلوي من غرفتك وقالت أنه للغسيل.

اندريه بغضب: تلك الأخرى لن تدعني وشأني.

ماري بتعجب: هل أنا الأولى؟!

صمت لثوانٍ، ثم تحدث بفزع:
_ أين هو البنطال؟ أقصد البذور؟ لا تقولي بأنكِ غسلتها.

ماري وهي ترفع حاجبيها:
_بدوت لي بآخر فترة غريباً بالفعل، لا لم اغسلها.

ثم فتحت إحدى خزن المطبخ، وكانت قد وضعتهن بقطعة قماش، ثم اردفت:
_ هاي هي بذورك، هل قررت أن تصبح مزارع أم ماذا؟ ولم مهتم وخائف عليها لهذه الدرجة.

الغراب: "هل يعقل أنها هي البذور نفسها الذي تحدث عنها الجرذ؟! ولكن لمَ هي مع اندريه؟".

أخذ اندريه البذور من يد ماري بقوة، ثم قال:
_ إياكن والدخول على غرفتي مرة أخرى، ونبهي كلوي وألا سأفتعل المشاكل بكن، هل فهمتي؟.

حينها دخلت كلوي للمطبخ وهي تنظر بتعجب لهما، ثم قالت:
_ تفتعل المشاكل بمن؟! هل حدث شيء جديد.

حينها خرج اندريه مسرعاً قبل أن يرسل لها نظرة حقد، وتابع سيره ولم يأبه لكلامها.

كلوي وهي تمسك ريشة الغبار، وتقف بصدمة:
_ ماذا جرى أيضاً؟

ماري بغضب وهي تستدير:
_ لا تدخلي لغرفة ذلك التافه مرة أخرى، هل فهمت؟ ثم أنني لا أفهم اهتمامكِ الزائد به! لمَ لتجلبي ثيابه المتسخة؟!.

كلوي بارتباك: أنا، أنا فقط مررت بالصدفة ووجدت ثيابه على الأرض فقلت اجلبها.

ماري بنبرة حادة: هييي، يكفيكِ كذباً، عليكِ أن تجدي شيء مقنع أكثر حينما تحاولي تأليف قصص.

كلوي وهي تعقد حاجبيها:
_أنا أفعل ما يروق لي، ليس من شأنكِ هذا.

ثم غادرت وهي غاضبة من ماري وتتمتم: " هذه الغبية تُشعرني بأنها أمي، فهي تتدخل بكل شيء أفعله، لقد تمادت كثيراً."

كان الغراب قد ذهب منذ أن غادر اندريه، ثم لحق به على نافذة غرفته.

اندريه وهو يجلس وينظر لتلك البذور:
_ عن أي حظ كان يتحدث ذلك الرجل، فأنا لا أرى أنها جلبت لي سوى المتاعب.

ثم لفها جيداً و ضعها بأحد رفوف خزانته، وأقفل الخزانة وغادر.

الغراب: " أوف، تباً لك، لمَ أقفلتها، الآن كيف سأستطيع أخذها؟".

عاد ادراجه للغابة، وأخبر الجرذ بما جرى.

الجرذ: لمَ لم تنتظر؟

الغراب بنبرة حادة: انتظر ماذا؟ ها؟ ليس هناك حل سوى دخولي على القصر كخادم فيه.

قهقه الجرذ، ثم قال:
_ كي تمزقك كاترين أرباً، هل تتحدث بجدية؟!.

الغراب: أجل، وهل هناك حل آخر لديك؟

الجرذ: انتظر ربما سنجد حلاً أفضل.

الغراب وهو يحط جسده المتعب على الأرض:
_ أوف، لقد تعبت حقاً من كل شيء.

الجرذ بحماس: اسمع ربما هناك حل.

الغراب: ماذا؟ هيا قل شيء جيد.

الجرذ: نستطيع إدخال آيلا للقصر بزيّ تنكريّ على أنها امرأة مسنة تجيد إدارة أعمال المنزل.

الغراب بسخرية: وبالطبع سينفذون رغبتها مباشرة.

الجرذ: سيقبلون بالتأكيد، فهم يحتاجون لخادمة مخلصة ومرتبة، لقد سمعت ذات مرة بأن الملك أراد تغيير طاقم الخدم جميعهم، ولكن لم أعلم ماذا جرى.

نهض الرجل الغراب من على الأرض، ثم قال بلهفة:
_ حسناً، سأذهب إلى آيلا وأخبرها بالأمر، وداعاً الآن.

الجرذ: منذ قليل قلت أنك متعباً، لمَ لا تُأجل ذهابك إليها للغد.

الرجل الغراب بصوتٍ مرتفع كي يسمعه:
_ لا، لمَ التأجيل، دعني اطلعها على الأمر أولاً.

غادر الرجل الغراب مسرعاً، إلى أن اختفى عن أعين الجرذ.

الجرذ وهو يبتسم: أنت لم تصدق بأنك وجدت شيء لتذهب لرؤيتها، يا لك من محتال، هيا فلتذهبا سوياً لذلك القصر المشؤوم وتفكا لعنتكما.

وصل الرجل الغراب بيت آيلا ووقف أمام منزلها يتنهد ويلتقط أنفاسه، ثم طرق الباب على عجل.

آيلا باستغراب: من هناك؟

الرجل الغراب: هذا أنا، فلتفتحي بسرعة.

فتحت آيلا الباب بتوتر، ثم قالت:
_ ما بك؟ هل ستأخذني لكاترين مجدداً؟!.

الرجل الغراب بخجل: لا، حسناً، ألن تنسي ماجرى؟

آيلا بحزن: أنسى؟ أنا قلت أنني سامحتك، ولكنني لم أقل بأنني سأنسى.

الرجل الغراب وهو يقترب منها:
_ اسمعيني أرجوكِ، لقد وجدت حل كي تتخلصي من هذه اللعنة، وهكذا سنكشف كاترين على حقيقتها قبل الزفاف.

آيلا وهي تخفض رأسها:
_ لا أريد فعل أي شيء، فقد أتركني وأذهب من هنا.

الرجل الغراب بتوسل: أرجوكِ أقبلي، إن لم يكن من أجلك، من أجل الملك والقصر والبلاد، فأنت لا تعلمين ماتنوي فعله كاترين.

آيلا بفزع: هل هي من ستتزوج الملك؟

الرجل الغراب وهو يضرب على وجهه:
_ أجل ومن غيرها، لقد تنكرت بشخصيتك وباسمكِ، لقد سلبتكِ وربما سلبت صفاتكِ لذا يجب أن تعودي كما كنت وتُكشف كاترين على حقيقتها.

استدارت آيلا بغضب، ثم قالت:
_ كان عليك التفكير بهذا الأمر قبل أن تقوم باختطافي، وليس بعد كل ما جرى.

الرجل الغراب: أخبرتك بأني مُجبر.

آيلا: والآن؟ هل أنت مجبر أيضاً؟

الرجل الغراب: لستُ مجبراً، ولكن أخجلتني كلماتك وتعاملك اللطيف، شعرت للمرة الأولى بأنني بشر، وأنني أستحق فرصة أخرى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي