19 الأميرة المفقودة

الفصل التاسع عشر:
(الأميرة المفقودة)

اعتلى الملك على جياده الأسود، ذو الملمس الناعم، وبرفقته جيشه الكبير الذي يصطف خلفه.

الملك بصوتٍ مرتفع:
_ هيا بنا، فلنحمي هذه البلاد من أي عدو أو خطر قد يهدد أمانها.

هتف الجيش بصوتٍ موحد ومرتفع:
_ فليحيا الملك، فليحيا الملك.

سار الملك في الأمام وهو متباهي بقوته وجيشه، ثم تمتم في نفسه بخوف: " اخشى بأني لن أستطيع مواجهتهم واحمي بلادي، و قد يحتلوها."

في الغابة، وحول الشجرة تحديداً، كان اندريه يدور في المكان ذهاباً وإياباً بقلق.

جاك: ألا تقف قليلاً؟ فلتهدأ، لقد أشعرتني بالدوار.

اندريه وهو يحاول إخفاء قلقه:
_ أحاول الانتظار فقط، ولكن لم أعد احتمل أكثر، أريد الصعود للأعلى.

جاك: على رسلك يا رجل، ما الذي تستطيع فعله لوحدك في الأعلى؟.

نظر إليه اندريه بنظرة غضب وقبل أن يتحدث، باغته جاك وقال:
_ ها، انظر لقد أتى الملك وجنوده.

اندريه وهو يفرك كفيه ببعضهما:
_ هذا جيد.

نزل الملك عن حصانه وتقدم لساق الشجرة وهو يتلمّسها، ويقول:

_ يا إلهي، ما هذه الشجرة؟!

ثم عطا أمر بصوتٍ مرتفع لجنوده كي يقطعوها:

_ هيا فلتتقدموا وتقطعوها، فلا أريد شيء يهدد أمن بلادي.

اقترب اندريه من الملك وهمس في أذنه:

_ ولكن مولاي هناك فتاة في الأعلى، وعلينا إنقاذها.

الملك بغضب: لا يهم، أن نخسر فتاة واحدة، أفضل من خسارة بلاد بأكملها.

اندريه وهو يبتلع لعابه، تحدث بقلق:
_ ولكن مولاي هي فتاة طيبة، ولا يمكن أن نتركها هكذا.

الملك نبرة حادة بعد أن عقد حاجبيه:
_ أنت تسمع ماذا تقول؟ ما نفع الطيبة لو نزل العمالقة على الأرض، هيا فلتخبرني.

اندريه: أرجوك اعطني فرصة لأشرح....

قاطعه الملك بغضب وقال:
_ ابتعد من أمامي، هيا فلتبدأوا.

بدأ بعض الجنود بضرب ساق الشجرة، واجتمعوا حولها أكثر من مئة جندي، إلا أن الشجرة لا تهتز أو تتأثر.

في الأعلى.

كان آيلا وجنيور يتمسكان بوبر الكلب الضخم الذي يسير وهو يحك جسده بين الحين والآخر.

جنيور بخوف: هذا الكلب شعر بأننا نتمسك به.

آيلا بقرف: أرجو أن يتوقف عن لعق جسده، فأكاد أتقيأ من رائحة فمه الكريهة.

جنيور: هل حقاً هذا ما يهم؟ أرجو ألا يبتلعنا.

فجأة قاطع حديثهم صوت عالي جداً وهو يقول:
_ ما بكَ أيها الكلب؟ لمَ تبدو غاضباً هكذا؟ هيا تعال لأعطيك قطعة لحم.

جنيور بقلق: من أين أتى هذا الصوت؟!

آيلا وهي تنظر بعينين تلبسهما الفزع، وتشير بأصبعها وتقول:
_ انظر للأعلى، أوه يا إلهي كم هو ضخم، هل جميع العمالقة هكذا؟

جنيور: هيا دعينا نعود، فلننفذ بأرواحنا، فأنا لم أعد أرغب بزوال اللعنة عني، أفضل أن ابقى هكذا على أن أكون لقمة سائغة.

آيلا: وكيف سنستدل على الطريق؟ نحن عالقان هنا.

جنيور وهو يكاد أن يبكي:
_ يا إلهي ما الحل الآن؟

ثم بدأ الكلب يركض بسرعة ليتبع صاحبه العملاق الضخم ويسير خلفه، إلى أن وصلوا لواحة كبيرة من المياه يحيط بها كهوف ضخمة للعمالقة.

نظرت آيلا بذهول:
_ انظر لتلك البحيرة الكبيرة.

جنيور بحماس: من الجيد أنه اوصلنا إلى هنا، هذه المياه الودية هي الحل، هيا فلننزل من على هذا الكلب ونذهب إليها.

آيلا وهي تنزل ببطء من على الكلب وتقول:
_ هل تعتقد أن الأمر بسيط لهذه الدرجة؟

تحدث جنيور بثقة وقال:
_ أجل، ولمَ لا، فهم لن يستطيعوا رؤيتنا بسبب صِغر حجمنا.

أخرجت آيلا من حقيبتها علبة فارغة، واتجهت نحو البحيرة.

جنيور: كوني حذرة فقط، فكل ما في هذا المكان سحريّ.

آيلا بقلق: لا أعلم لمَ أشعر بالخوف، هل يرانا أحد يا ترى.

استدار جنيور وهو ينظر حوله وللأعلى وقال:
_ هيا استمري بالمشي، لا يوجد أحد، ولكن كيف لم يشعر بنا الكلب؟


آيلا بقلق: تباً لك، لا تذكرني بذاك القذر، فأنا لا أعلم كيف تحملت الصعود فوقه وهو يقوم بلعقي بين كل حين.

جنيور: حسناً، لا تهتمي.

اقتربت آيلا كثيراً وبدأت ترى وجهها في الماء بصورة ملكة تلبس تاج، لذا نظرت بتعجب ثم قالت:
_ من هذه؟

نظر جنيور للماء ثم لها، وقال:
_ هذه أنت، أجل تشبهك كثيراً

كانت آيلا تبعد وجهها ثم تعيده وتنظر مرة أخرى باستغراب وتتلمس شعرها، وتقول:
_ ولكنني لا أرتدي تاج، ولا فستان مرصع بالذهب كهذا.


ضحك جنيور وقال:
_ أجل، تبدين ملكة، وفي الحقيقة يليقُ بكِ، ولكن كما أخبرتكِ كل شيء هنا سحري، فأشياء كهذه من المتوقع رؤيتها.

تنهدت آيلا، ثم أدخلت يدها بالمياه لتملأ القارورة، إلا أن المياه تجمدت عند يديها، ثم خرج صوت يوحي بتنبيه للعمالقة.

آيلا بخوف وهي تصرخ:
_ آه يدي، أنها عالقة.

جنيور بارتباك: هيا اسحبيها بقوة.

آيلا وهي تشد بقوة:
_ لا استطيع.

ثم ما لبثا إلى أن حاول العمالقة جميعهم البحيرة، ثم صرخ قائدهم وقال:

_ من الدخيل الذي تجرأ على لمس مياهنا؟


تحدث العملاق صاحب الكلب:
_ سيدي لقد شعرت بها من اللحظة الأولى، ولكن أردت أن أعرف إلى أين تنوي الوصول.

وفجأة خرج صوت قوي من المياه، يقول:
_ أنها أميرة، ودمها نقيّ، وذات قلبٍ صافٍ.

ضحك القائد ضحكة انتصار وقال:
_ كم هذا ممتع، ليس دخيلاً عادياً، بل أميرة.

ثم نظر لاتباعه وقال: هيا فلتجلبوها لكهفي، هيا بسرعة.


آيلا بخوف وهي تنظر لجنيور: عن أي أميرة يتحدثون؟ أنا لا أفهم.

جنيور: هل أنت حقاً أميرة؟!

آيلا باستغراب: تباً لك، كيف سأكون أميرة وأنا أعيش ببيت قديم؟ ثم أهلي كانوا أُناس بسيطين للغاية.

جنيور بارتباك: اسمعي سأبقى هنا وأحاول الاختباء بين الأعشاب، لعلي أجد أحد ينقذنا، يبدو أنهم لم يشعروا بوجودي.

آيلا وهي تحاول الصمود: حسناً، ابقى بمكان آمن.

اقترب العملاق من آيلا التي أغمضت عينيها بخوف، وقال:
_ أهلاً بكِ يا أميرة في جزيرة العمالقة.

فتحت آيلا عينيها ببطء لتجد نفسها بكف العملاق، وقالت:
_ أنا لست أميرة.

العملاق: لن تستطيع الكذب، فالمياه تقول الحقيقة.

آيلا بفزع: اتركني لست أميرة، هيا اتركني وشأني.

لم يكترث العملاق، وسار باتجاه كهف قائدهم، الذي كان يجلس على كرسيه وينتظر قدومها.

وصل العملاق بخطواته الضخمة لقلب الكهف، ثم انزل آيلا من على كفه، وتركها تسير.

كانت بكل خطوة تسيرها فوق الصخور الزجاجية تنير الأرض وتلمع، لذا كانت مصابة بدهشة جعلتها تنسى مخاوفها، وتمتمت في نفسها: " ما هذا الجمال؟!"

ضرب القائد على مقبض الكرسي، ثم قال:
_ من أنت؟ ولمَ أتيتِ إلى هنا؟

نظرت آيلا إليه ببراءة وقالت:
_ ادعى آيلا، وأتيت إلى هنا لأساعد أصدقائي لفك اللعنة عنهم، وأخبروني بأن هذه المياه...


القائد بغضب: وهل أخبروكِ بأننا لا نسمح بأن يمس مائنا المقدسة أحد؟


آيلا بارتباك: لا، لم يقولوا شيء كهذا، ولكن أرجوكم أحتاج المساعدة.

ضحك القائد بعد أن اسند ظهره للوراء، ثم قال:
_ أتعلمين؟! منذ زمن وأنا انتظر فرصة للتغلب على الملك، وها قد أتت ابنته لقدمي بنفسها.

آيلا باستغراب: ابنة الملك؟! أين هي؟ هل تحتجزانها حقاً.

ضج المكان بصوت ضحك الجميع، فقد كانت آيلا تعتقد بأنهم احتجزوا دريزيلا، لذا قال أحدهم بسخرية:

_ هل تظنين بأننا أغبياء؟ ولا نعرف من تكونين؟

نظرت آيلا لنفسها على الصخور اللامعة، ثم قالت بصدمة:
_ أتقصدون بأني أميرة؟ كيف؟ أنا حقاً أقول الحقيقة، لست أميرة، أنا فتاة عادية جداً.

القائد: لا، لست فتاة عادية، أنت المختارة لمنع السحر بالمكان، ولكِ تأثير قوي، لذا المياه كانت خائفة ومرتبكة.

ضحك أحدهم وهو يضرب على كرشه الكبيرة:
_ في العادة المياه تقول بابتلاع أي دخيل من السحرة الذي يحاولون السرقة، ونحولهم لطعام، أما بحضرتكِ فقد ارعبتِ المياه وجعلتها تتحدث للمرة الأولى.


ابتعلت آيلا لعابه ثم تمتمت بقلق: " حتماً أنني أحلم، ما هذا الذي يقولانه، كيف لفتاة بسيطة مثلي تكون أميرة؟!"

القائد بنبرة حادة: هيا قولي ما هي نواياكِ، وإلا كان العقاب قاسيٍ.

جلست آيلا على ركبتيها وهي تبكي وتتوسل:
_ أقسم بأني أقول الحقيقة، فأنا لا أكذب.

حينما سقطت دموعها على الأرض، تشربتها بسرعة، ونطق صوت عاليٍ وهو يقول:

_ أنها تقول الحقيقة، هي لا تعرف من تكون، ولا تعرف كم هي مهمة وقيمة.

آيلا وهي تحاول معرفة مصدر الصوت وتنظر يميناً ويساراً بخوف: " يا إلهي ما هذا المكان، ومن أين يأتي الصوت."

كان الملك يفرك بذفنه وينظر لآيلا، ثم قال:
_ يا اتباعي الأعزاء، كيف سنستفيد من أميرة؟


قال أقصرهم الذي يمتلك كرش كبيرة:
_ بالطبع بأكلها.

قال الآخر: نجعلها تمثال عند البحيرة.

القائد بامتعاض: يال غبائكم، هل هكذا نستفيد من بني البشر؟ البشر الذين طردونا من أرضهم، وها هم يقتحمون أرضنا.

آيلا وهي تهز رأسها:
_ لا، لم أقصد اقتحام مكانكم، أو ألحاق شيء سيء بكم، أخبرتكَ لمَ أتيت.

نهض القائد، وهو يشد على قبضة يده، ثم قال:
_ حسناً، هذا يكفي، مثيرة للشفقة، وغبية.

ثم نظر لحراسه وقال:
_ هيا علقوها بقفص في أعلى الكهف، لنرى من سيأتي من البشر ليبحث عنها.

همس أحدهم وقال:
_ سيدي ربما لن يأتي أحد، فهم لا يعرفون بأنها أميرة.

غضب القائد وعقد حاجبيه، ثم قال:
_ سيكون هناك مهلة لشهرٍ واحد، إن لم يأتي أحد ويتفاوض عليها، حينها سأعلم ماذا عليّ فعله.

كانت آيلا تصرخ كل الوقت وتقول:
_ دعوني وشأني أرجوكم، ماذا فعلت كي تتعاملون معي بهذا الشكل؟

نظر لها ألطفهم وقال حينما حزن عليها:
_ ذنبك بأنك بشر، ولكن من حسن حظك بأنكِ أميرة، وإلا كنت ستكونين طعام للكلاب الجائعة.

ابتلعت آيلا لعابها بخوف، ثم تمتمت في نفسها: " يا إلهي، لا زالوا يعتقدون بأني أميرة، حسناً، هذا أفضل من أكلي."

العملاق الطيف وهو يقترب منها:
_ أي شيء تريدينه فقط نادي عليّ، وسأتي على الفور.

اقتربت آيلا منه، وتحسست وجهه وهي تخرج يدها من القفص، ثم قالت:

_ ما هو اسمك؟

العملاق اللطيف: أدعى جون.

آيلا: وأنا آيلا.

جون وهو يبتسم: أجل أعرف.

آيلا: أرجوك ساعدني للخروج من هنا، فأنا لم أعد أريد أي شيء.

جون وهو يخفض رأسه: لا استطيع فأنت مهمة للغاية بالنسبة للقائد، فلو فعلت شيء كهذا قد يقطع رأسي.

تنهدت آيلا، ثم جلست بداخل القفص الكبير وهي تقول:
_ حسناً، سأنتظر.

في الأسفل

وبعد مرور ساعات من محاولة قطع الشجرة، لذا قال اندريه للملك:

_ مولاي، لقد حلَّ الظلام، فالجميع يعمل منذ ساعات ونقوم بالمبادلة، ولا نتيجة.

الملك بامتعاض: حسناً، دعهم يرتاحون ويوقدوا النار، في الغد سيكملون، ولكن لن ينام الجميع، فيجب أن يبقى قسماً منهم يراقب

اندريه وهو ينحني أمام الملك:
_ أمرك مولاي.

بنوا الخيام، وأوقدوا النيران، واجتمعوا ضمن دوار متفرقة حول الشجرة، وكان حديثهم حول البذرة السوداء وبما سمعوا عنها.

تحدث أحدهم وقال: لقد سمعت من رجلٍ عجوز أنها تجلب الحظ.

اندريه بامتعاض وهو يهز رأسه:
_ بل تجلب المصائب، عن أي حظ تتحدث، انظر لمَ نحن عليه.

حل الظلام بسرعة، واستلقى اندريه على الأرض وهو يتأمل السماء المظلمة، ولكن فجأة ظهر بريق أبيض ناصع ومتوهج.

فرك عينيه، ظناً منه بأنه يتوهم، إلا النور تضاعف، لذا صرخ:
_ انظروا إلى السماء، أترون ما أرى؟

خرج الجميع من خيامهم، وكانوا ينظرون بتعجب لهذا النور.

قال الملك باستغراب: هذه المرة الأولى التي أرى نوراً مضيء في السماء بهذا الشكل.

قال أحد الحرس: هل هذا نجم؟

قاطع حديثهم خروج امرأة ترتدي ثوب براق، وقالت:
_ أنها الأميرة.

استدار الجميع نحوها، وقالوا باستغراب:
_ ماذا؟!

تحدث الملك باستغراب وهو يعقد حاجبيه:
_ من أنت؟ وعن أي أميرة تتحدثين؟

انحنت المرأة، ثم قالت:
_ مولاي، أنها قصة طويلة، وكانت ستبقى سراً لولا تعرض الأميرة للخطر.

الملك بغضب: عن أي أميرة تتحدثين؟ أنت تثيرين غضبي، هل أنستازيا ودريزيلا بخير.

المرأة بعد أن تنهدت: أجل، هن بخير، ولكن آيلا الآن بخطر محدق بها.

الملك وهو يضرب بكفيه، ويصرخ:
_ ها قد عدنا لأمر آيلا، لم الجميع يحدثني عنها منذ الصباح؟ من هي؟!

المرأة: أنها ابنتك مولاي.

الملك وهو يرفع حاجبيه، ويتحدث بصدمة:
_ ابنتي؟! هل أنت تمزحين أم ماذا؟

هنا تذكر اندريه سر الملكة، لذا تمتم في نفسه بقلق: " هل يعقل بأن تكون آيلا هي الأميرة الضائعة؟!"

المرأة: لا مولاي، حاشا أن أمزح بشيء كهذا، أنا أقول الحقيقة، فطوال السنين الماضية وأنا أعتني بها، ولكن حدث شيء معها غير حياتها وجعلها تدخل القصر، وساعدتها في ذلك دون أن تعلم.

اندريه وهو ينظر لها بغضب:
_ هل كنت تعرفين ماذا فعلت بها كاترين وبقيتِ صامتة؟!

المرأة: أجل، فلم يكن هناك طريقة لدخول القصر إلا هكذا، فهي عنيدة، ولا تحب أن تدخل بالمشاكل، أو تقحم أحداً معها، ثم من بساطتها لم تتخيل أنها ستدخله.

فرك الملك جبينه بامتعاض وقال:
_ لحظة، لحظة، أنا للآن لم أفهم شيء

ثم نظر لاندريه، وقال:
_ ما الذي تخفيه عني أنت الآخر؟

المرأة بعد أن تنهدت: هل تسمح بأن نتحدث بمفردنا لأشرح لك الأمر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي