12 التهمة

الفصل الثاني عشر:
(التهمة)

ماري وهي تحاول إنهاء النقاش:
_ حسناً هذا يكفي، ولكن أنت لمَ تبدو مستاء؟ ماذا جرى؟ ولمَ أُلغيَ الحفل؟!.

اندريه: ستعرفون قريباً.

في هذه الأثناء أتى أحد الخدم راكضاً وهو يقول:
_ هل سمعتم؟! السيدة الجديدة حامل بأمير.

اندريه وهو ينظر له بطرف عينه:
_ اسمعتم؟ قلت لكم قريباً ستعرفون، ولكن كانت المدة اقصر مما تخيلت.

لملم الخادم فمه واخفض رأسه وهو يتنهد ويلتقط أنفاسه، ثم قال:

_ اعتذر لم أراك.

فتح اندريه يديه، ثم قال بامتعاض:
_ على ما يبدو لا أحد يراني أو يلاحظني هنا، تباً لكم جميعاً.

ثم خرج ليعود ويقف أمام غرفة الملك

ماري وهي تنظر لكلوي:
_ لقد أغضبتهِ بثرثرتك، ألن تنتظري حتى يحل المساء؟ ونتحدث لوحدنا.

كلوي: لا، لا أستطيع، حينها سأصاب بالشلل الفموي إن لم أتحدث.

قهقه الخادم ساخراً، ثم قال:
_ بالطبع إن تراكمت الأقاويل في فمها ستُشل.

ماري بسخرية: اصمت أنت الآخر، لقد بدوت كالمهرج حينما أتيت راكضاً تزف الخبر، ثم من قال بأنه سيكون أمير؟ ربما أميرة.

صمتت لثوانٍ، ثم قالت وهي تنظر لكليهما:
_ أتعلم؟ أنت تليق بكلوي كثيراً، كلاكما ثرثار ويحب التحدث عن الناس، أجد من الجيد أن تتفق معها وتتزوجا.

ابتسم "مارتن" وقال: لمَ لا، لنتفق، ثرثار وثرثارة وننجب....

عضت كلوي على شفتها السفلى، وبدأت بضربه بالمعلقة الكبيرة وهي تقول:
_ هيا اخرج بسرعة، هيا، هذا ما ينقصني، غبي.

ضحكت ماري وهي تضع يدها على فمها، ثم قالت باستهزاء:
_ لمَ لم تتركيه ليقول لنا ماذا سينجب.

نظرت كلوي بماري بنظرات غاضبة، ثم قالت:
_ هل أصبحتُ تسليتكِ؟ دعيني وشأني، فلتتزوجيه أنت، فقد بان عليكِ الكُبُر.

صُدمت ماري بكلامها، وجُرحت مشاعرها، لذا اكتفت بالاستدارة للجهة الأخرى، وهي تخفي دموعها.

كلوي وهي تشعر بتأنيب الضمير:
_ أنا اعتذر، لم أكن أقصد الإساءة، ولكنكِ اغضبتني كثيراً.

صرخت ماري بصوتها المتحشرج:
_ هيا اخرجا بسرعة من هنا.

تدافع مارتن وكلوي على البوابة على عجل.

كلوي وهي تدفعه من خاصرته:
_ هيا ابتعد.

مارتن: لمَ تدفعيني هكذا؟!

كان الجرذ يقف بجانب الباب: " آه، منذ متى وأصبح جميع من في القصر غبياً هكذا ."

وقبل أن تتحدث كلوي، صرخت وهي تضرب بقدميها الأرض، وتقول:

_ ييع، أنه جرذ، هيا اضربه.

استدارت ماري التي نست حزنها، وصعدت فوق بلاط المطبخ وهي ترفع ثوبها، وتقول:
_ أين؟ أين؟

كانت كلوي بحالة هيستريا، لذا همّت راكضة، وتركت مارتن الذي كاد أن يموت من الضحك على منظرهما.

مارتن بسخرية: هل حقاً تخافا من جرذ صغير؟

الجرذ بسخرية: " أنت الصغير يا هذا "

مارتن وهو ينظر لماري:
_ هيا اعطني المكنسة الطويلة.

ماري: اذهب وخذها أنت، لا استطيع النزول.

الجرذ بخوف: " هل قال مكنسة، أوه يا إلهي، لأعود لغرفة آيلا أفضل"

كان صراخ ماري وكلوي يملأ المكان.

آيلا بعد أن سمعت صوت الصراخ، همّت راكضة للمطبخ، وقالت:
_ ماذا هناك؟ ماذا جرى أيضاً.

ماري وهي تقف وتضم ركبتيها على بعضهما، وتشير بسبابتها للأرض:

_ لقد كان جرذ، سمين، قذر، يقف هناك.

عقدت آيلا حاجبيها، وتحدثت بقلق:
_ أين هو؟

مارتن: لقد هرب، لم الحق عل ضربه.

تمتمت آيلا بصوت منخفض:
_ هذا جيد.

مارتن باستنكار: هل قلتِ جيد؟

آيلا: قلت جيد لم تكن مصيبة كبيرة، هيا اذهب لعملك بسرعة، هل كل الصراخ لأجل هذا؟!.

نزلت ماري على الأرض وهي تُظهر الثبات، بعد أن نفضت ثوبها، وانتصبت وهي ترفع رأسها، قائلة:

_ وأصبحتِ تأمرين أيضاً.

آيلا بصرامة، دون جدال:
_ أرجو أن تهتمي بعملك يا سيدة فقط، ولا تشغلي نفسك بما أقول وأفعل.

استدارت آيلا وغادرت تتفقد الجرذ، أما ماري التي توسعت حدقتا عينيها، بقيت واقفة في مكانها بذهول.

ماري بتمتمة: "لقد أصبح للأفعى رأسين الآن، تباً لها، لقد كنت أنا الآمرة والناهية، ولكن سأسعى كي تغادر، فأنا لن أعتد على هذا الحال"

ثم عادت لعملها بامتعاض.

أما كاترين التي كانت تفيض من الغيض، وهي تفكر بحل أو بسحر يجعل الملك يرضخ لها من جديد.

كاترين وهي تحادث نفسها: " ما هو السبب الذي جعل الملك يغير رأيه بي، ويستغني عني؟ لقد كان يموت بي طوال الأيام الماضية، ماذا جرى له الآن؟!"

ثم وقفت على الشرفة، لعلها ترى الغراب، لتأمره من جديد.

أما آيلا، التي هرعت إلى غرفتها بقلق، وهي تنادي:
_ أين أنت؟ هل أنت بخير.

خرج الجرذ وهو يلف رجل على آخر، ويضع إحدى يديه على خاصرته، ثم قال:
_ هل تبحثين عني يا سيدة؟

التقطت آيلا أنفاسها ثم قالت:
_ لقد خِفتُ عليكَ كثيراً، لمَ ذهبت إلى المطبخ.

الجرذ بامتعاض: لم أتوقع بأنهم مجانين لهذه الدرجة، أردت أن أرى كيف أصبح القصر.

آيلا: هل اشتقت للعمل هنا؟

الجرذ: ليس كثيراً.

آيلا: لم تخبرني ما هو اسمك؟

الجرذ: اسمي جنيور.

آيلا وهي تبتسم: جنيور، اسمٌ جميل.

الجرذ: أجل، أفضل من مناداتي بالجرذ.

آيلا: سينتهي هذا الأمر، لا تقلق.

الجرذ باستغراب: ماذا؟ ما هو الذي سينتهي؟ لم أفهم!.

آيلا: ذات ليلة أتتني ساحرة جميلة وطيبة، وكنت أظن بأنني أحلم، وأخبرتني عن أمنيات ثلاث، ولكن لم أتوقع بأن الأمر حقيقياً.

جنيور بلامبالاة: أوه، هل صدقتي حقاً، بأن هناك ساحرة طيبة؟!

آيلا وعلى وجهها علامات السعادة:
_ أجل، لقد تمنيت أمنية وتحققت.

جنيور: لا أرى شيء تحقق.

آيلا: لقد تمنيت أن تُشفى الأميرة، وشُفيت حتى قبل دخول الطبيب.

جنيور بلامبالاة: أنت تبالغين، ربما السم لم يؤثر بها كثيراً.

آيلا بامتعاض: لمَ تُحبطني هكذا؟! لقد شعرت بالتفاؤل.

جنيور: لا أريد بأن تتأملي من فراغ.

آيلا بحماس: حسناً، ما رأيك أن اتمنى أن تعود أنت والرجل الغراب لحالتكما الطبيعية؟.

جنيور وهو يفكر بالأمر وينظر لآيلا بخوف:
_ لا، لا تتمني شيء كهذا، تمني أشياء لأجلكِ أنتِ، فإن تحققت هذا جيد، لا أريد الأمنيتان الباقيتان تذهب هباء.

آيلا بحزن: بقيت أمنيتان، واخشى بأن نحتاجهم لشيء مهم، ولا أعلم ماذا عليّ أن أتمنى؟! هل عودتي لطبيعتي، أم عوتكما، أم إظهار كاترين على حقيقتها، أجد الثلاثة مهمة.

جنيور: لا عليكِ، سنجد حلاً لكل شيء، ولكن ابقى على علاقتك الجيدة مع اندريه، فهو سيفيدنا كثيراً.

آيلا: أجل، أنني دوماً بقربه، ولكن أصبحت أشعر بأنني أتودد له.

قهقه جنيور، ثم قال:
_ وكلوي تكاد تنفجر كلما رأتكما معاً.

آيلا: تباً، لم أرغب بإغضابها، ولكن عقلها صغير للغاية، كيف تغار مني وأنا بهذا الشكل.

جنيور: كيف لو رأتكِ على حقيقتك، سأموت من الضحك حينها.

نظرا لبعضهما ثم ضحكا بصوتٍ مرتفع، وقالت:
_ أعتقد حينها سيغمى عليها.

جنيور: أو ترمي بنفسها من الشرفة.

صمتا للحظة، ثم قالت آيلا باستنكار:
_ أين هو الغراب؟ هل رأيته؟ فأنا لم أراه منذ يومين

جنيور: لا، آخر مرة رأيته فيها على الشجرة المطلة على شرفة الملك.

آيلا: أرجو بألا تراه كاترين، فهي الآن غاضبة بشدة، بالأخص بعد تأجيل حفل الزفاف.

جنيور بسخرية: ليتك رأيتِ وجهها حينما طردها الملك، إلا أنها لا تملك كرامة، وبقيت تتوسل، ثم أنني أعتقد بأن أمر الحمل كاذب.

آيلا: هل تستطيع أن تكذب بشيء كهذا؟

قهقه جنيور، ثم قال مستهزأً:
_ أنها تستطيع فعل أي شيء، ولا مشكلة لديها لو كذبت فهي تجد لنفسها مخرج.

في غرفة كاترين التي كانت تتألم، وتصرخ

كاترين وهي تمسك على بطنها، وتنادي بصوت مرتفع:
_ فليساعدني أحد، أنني أموت من الألم.

سمعت صوتها ماري، التي كانت تحمل المناشف، لوضعها في الخزانة، لذا هرعت مسرعة لغرفتها، وقبل أن تدخل نادت على الجميع بصوتٍ مرتفع

ماري بقلق: ماذا بك يا سيدة؟ ماذا جرى لكِ؟

كاترين وهي ترفع يدها نحوها:
_ تعالي وساعديني، أشعر بألم شديد في بطني.

ماري بامتعاض في نفسها: " أوه، يا إلهي، ماذا يحصل اليوم، ألن ينتهي بعد"

أمسكت ماري بيد كاترين التي كانت تجلس على الكرسي، وساعدتها للاستلقاء على السرير.

بهذه الأثناء أتت كلوي راكضة التي لا تحب تفويت أي خبر، لذا تحدثت بلا وعي:
_ ماذا جرى؟ هل سممت نفسها هي الأخرى.

عضت ماري على شفتها وهي تنظر إليها وترفع بحاجبيها لتسكتها، أما كاترين اكتفت بإلقاء نظرة غاضبة بطرف عينها.

كلوي بعد أن ادركت بأنها تحدثت على الملأ، لذا قالت بارتباك:
_ كنت أقصد ربما أكلتي شيء فاسد، لذا الجميع يتسمم.

هنا لمعت برأس كاترين فكرة، لذا وضعت يدها على بطنها وبدأت تصرخ وتقول:
_ أجل، ها أنت اعترفتِ، ربما الطعام مُسمم، وتحاولان قتلي وقتل طفلي.

وسعت كلوي عينيها بصدمة، أما ماري التي ضربت على وجهها، ثم قالت بامتعاض:

_ يا سيدة الطعام الذي يُجهّز يأكل منه الجميع، فكيف لم يتسمم غيركِ.

كاترين وهي تتظاهر بالألم:
_ لا أدري، ربما تتقصدان تسميمي أنا فقط.

ماري وهي تنظر لكلوي بغضب، وتمتمت بصوت منخفض:
_ آه يا غبية، الآن هيا اشرحي للملك الأمر لو عَلم.

كلوي وهي تبتلع ريقها:
_ أنا لم أقصد ذلك، كنت أقصد بأنكِ ربما أكلتِ شيئاً فاسداً.

كاترين بصراخ: اخرجي يا حقيرة، لن اصدق أحد بعد الآن، فالجميع يغار مني ومن جمالي.

كلوي وهي تفرك بيديها بارتباك:
_ أرجوكِ لا تفعلي هذا، أنا لم افعل لكِ شيئاً.

غمزت ماري بعينها لكلوي، ثم قالت:
_ أذهبي ونادي على اندريه، لنرى ماذا سنفعل.

ركضت كلوي بهلع وهي تتمتم في نفسها: " يا لي من غبية، هل كان من الضروري أنا أدخل وأتحدث، لقد جليت لنفسي مصيبة."

اندريه وهو يرى كلوي التي تركض من آخر الرواق:
_ ماذا حصل؟ لمَ تركضين.

تنهدت كلوي قليلاً، ثم قالت بصوت متحشرج:
_ لا أعلم كيف سأشرح الأمر.

اندريه بغضب: أوف، كم أكره هذا الأسلوب الذي تتبعه النساء من مقدمات، هيا تحدثي بسرعة.

كلوي بارتباك: السيدة الجميلة..

اندريه وهو يعقد حاجبيه:
_ هل أصبحت تنادى هكذا؟ ما بها السيدة ال...

كلوي: تقول أنها تتألم، وهي تصرخ الآن، و...

مسك اندريه طرف فستانها من كتفها، وجرها لبيتعد عن باب الملك، ثم قال:

_ وماذا تقول؟! هل قالت بأنها تسممت؟

كلوي وهي تخفض رأسها:
_ أجل.

اندريه بامتعاض: هذه الغبية تغار من الأميرة، وتقوم بتقليدها.

كلوي ومازالت علامات الخوف على وجهها:
_ ولكن هي تقول بأننا نحن من قمنا بتسميمها، وتريد إخبار الملك بالأمر.

اندريه بغضب وهو يزفر:
_ حسناً، تعالي معي لنرى ما وجعها.

كلوي بغباء: بطنها.

نظر إليها اندريه بطرف عينه، ثم هز برأسه يميناً ويساراً وهمس: "هل جميع النساء أغبياء هكذا يا ربي؟"

وصل اندريه لباب غرفتها، ثم قال بنبرة حادة:
_ يكفي صراخاً يا سيدة، أنت في قصر وليس على خشبة مسرح.

عبست كاترين بعد أن رفعت رأسها، وقالت بغضب:
_ هل تقصد بأنني أكذب؟.

صمت اندريه لثوانٍ، ثم قال:
_ سيحضر الطبيب بعد دقائق ونرى ذلك.

نظرت له كاترين والشرر يخرج من عينها:
_ سأجعلك تندم على قول هذا.

ماري وهي تنظرلاندريه : هل أُحضّر لها شيء؟

اندريه وهي يصك على أسنانه بغضب:
_ افعلي أي شيء يخفف ألم بطنها.

كاترين بتملق: لا أريد، لن اشرب شيء منكم، ربما تريدون أن تقتلونني، وتقتلوا طفلي.

اندريه وهو يعقد حاجبيه:
_ لا أحد يهتم لوجودك كثيراً كي نريدك أن تموتين، وجودك وعدمه واحد، يجب أن تعرفي.

كاترين باستنكار: أنت لمَ تتحدث معي بهذا الشكل؟ من سلطكَ عليّ؟! وماذا سمعت عني حتى تعاملني بهذا الشكل؟!.

اندريه: كيف أعاملك لم افهم؟ هذا أسلوبي مع الجميع.

كاترين بنفسها: " أقسم بأني سأجعلك تندم، وسأعلمك كيف تحادث ملكتك بأدب"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي