22 الهبوط للأرض

الفصل الثاني والعشرين:

(الهبوط للأرض)


كاد قلب جيلر يتوقف من شدة التهديد التي تعرض لها، ولم يصدق بأنهم تركوه ينزل بسلام، وحينما وصل الشجرة تمتم في نفسه:

" فلتذهبوا للجحيم أنتم والأميرة، أنا ما شأني بها لإنقاذها، من الأفضل إنقاذ نفسي والهرب من هذه البلاد كلها."


كان اندريه يشعر بالقلق مما جرى حينما سمع اتفاقهم معه، لذا تمتم في نفسه: " أرجو بأن يعرف هذا الغبي كيف يتصرف، وألا سيعرضنا للخطر أكثر."

انتهى اجتماعهم، وغادر الجميع للنوم، بعد تناولهم العشاء، وكاد أن ينفذ صبر اندريه الذي يفرك وجهه من العرق بين الحين والآخر.

جون بهمس: حسناً، اهدأ لقد حان الوقت.

اندريه: اوف، هذا جيد، لأنني أشعر بالاختناق هنا.


سار جون على أطراف أصابعه، وفتح القفص، واخرج الأميرة ووضعها بنفس الجيب الذي يكمن به اندريه على عجل

لذا وقعت آيلا فوقه فشعرت بالخجل واحمرّت وجنتيها وهي تقول:

_ أنت هنا أيضاً؟

كان اندريه يحاول ترتيب شعره، فقال بارتباك:
_ أجل، أنا هنا منذ أيام، وأتيت لأخذكِ.

ابتسمت آيلا، ثم قرصت خده وهي تقول:
_ أنت شجاع للغاية، و..

احمرت وجنتي اندريه الذي لا يزال يحاول ترتيب نفسه، ثم تمتم في نفسه: " تباً لكَ، هل كان من الضروري أن تضعها معي بنفس المكان، وأنا في هذا الحال؟"

ثم قال لها: و ماذا؟!


كانت آيلا لا تزال تبتسم وهي سعيدة بقدومه، لذا قالت:
_ ووسيم أيضاً.


انظريه بارتباك، وهو يحاول أخذ نفس عميق، وبعد قال:
_ أنا؟! هل أنا الوسيم؟


ضحكت آيلا وقالت: أجل، وشكراً لقدومك، لقد شعرت الآن بالأمان بجانبك.


ابتلع اندريه لعابه، ثم تمتم في نفسه قائلاً: " أنا حتماً أحلم، آيلا التي أعرفها خجولة للغاية، هذه الفتاة أشعر بأنها تريد تقبيلي."

حاول اندريه الابتعاد عنها قليلاً وقال بخجل:
_ رائحتي كريهة أليس كذلك؟ فقد تعبت وأنا انتظر في جيبه.


كانت آيلا تُقرب وجهها منه تكاد تُسمعه أنفاسها، وقالت:
_ لا، ليست كذلك، بل أنت جميل للغاية.


ازداد تعرق اندريه من الخجل، وعاد يتمتم في نفسه بغرابة: " ما بها هذه الفتاة؟ هي حتماً ليست بوعيها، أعتقد بأنهم قاموا بإعطائها شيء."


قهقهت آيلا ودموعها سالت من الضحك، وهي تنظر إليه كيف يحاول أن يلملم نفسه من الخجل، لذا قالت مبررة:

_ كنت أمزح معك فقط، ولكن رائحتك بالفعل كريهة.


انظريه وهو يحك رأسه:
_ أه حقاً؟ أجل، هذا ما أردت شرحه منذ البداية.


قاطع حديثهم صوت جون الذي قال:
_ سنصل قريباً، فلتجهزوا.


تذكرت آيلا حينها جنيور، والماء، لذا قالت:
_ انتظر صديقي هنا، عليّ إيجاده، ثم أني لم أخذ شيء من الماء.



اندريه بامتعاض: إياك أن تقولي لي بأن ذاك الجرذ هو صديقكِ الضائع.


آيلا بقلق: أجل هو هل رأيته؟


اندريه وهو ينفخ الهواء من فمه ثم يخرجه:
_ أجل رأيته في أول وصولي إلى هنا، ولكنني لم أراه بعدها.


آيلا بخوف: أوه، يا إلهي أين سأجده.


جون: عليكم الذهاب وإلا حدثت مشكلة لي، ثم أنني لن أستطيع إيجاد جرذ صغير، ولكن أعدك إن وجدته سأساعده، هيا فلتذهبوا قبل أن يستيقظ أحدهم.



آيلا وهي تعقد حاجبيها:
_ لا، لن أذهب بدونه، لقد أتيت إلى هنا لمساعدته، فكيف لي أن أتركه.


اندريه: عليكِ العودة، فالملك قلق للغابة، والجميع ينتظركِ في الأسفل.


نزلت دموع آيلا، وقالت:
_ أذهب أنت، وسأبقى أنا هنا.


ضرب اندريه على وجهه ثم قال بغضب:
_ هل أنت مجنونة؟ كيف أنزل لوحدي؟ لقد أتيت لمساعدتكِ، هيا فلتنزلي أنت وأنا سأبقى وأبحث عن الجرذ خاصتك.


آيلا وهو تعقد حاجبيها وتستدير للجهة الأخرى:
_ هل تسخر مني؟


اندريه وهو يحاول التحدث بلطف:
_ لا، لم أقصد شيء، هيا فلتذهبي أرجوكِ.


أعادت نظرها إليه وقالت بنبرة حانية:
_ لا، لن أتركك أيضاً.


صمت اندريه للحظات وهو يتأمل وجهها الملائكي، وتمتم في نفسه: " وجهاً كهذا يستحق أن يموت أحدهم لأجله."


كانت آيلا تلوح بيدها أمام عينيه وتقول:
_ بما أنت شارد الذهن؟


اندريه بلاوعي: بكِ.

احمرت وجنتيّ آيلا، وقالت وهي تبتسم:
_ بما؟!



حمحم اندريه، وقال بصوت مرتفع وهو يحادث جون:
_ أرجوك أخرجني من هنا، فأنا لم أعد احتمل أكثر.

قام جون بإخراجهم من جيبه، ووضعهم فوق صخرة كبيرة، ثم قال:
_ حسناً، ماذا الآن؟


آيلا وهي تتحدث بلطف:
_ أرجوك هل تستطيع أن تنادي عليه.


جون وهو يفكر بالأمر، ثم قال على مضض:
_ حسناً، ما هو اسمه؟


بدأ جون يصرخ باسمه عدة مرات، وعن بعد أمتار سمعه جنيور، لذا همّ راكضاً باتجاه الصوت.


ولكن ما لم يكن في الحسبان، بأن العملاق السمين كان يراقبه طوال الوقت، وحينما أخرجهم من جيبه واستدار وهو ينادي، ركض باتجاه آيلا واندريه ليأكلهم.

آيلا وهي نحتضن اندريه وتصرخ:
_ سنموت الآن بالتأكيد.

اندريه وهو ينظر إليها: حسناً فليكن ذلك معك.


لم تنتبه لكلامه أو تركز فيه، فقد كانت خائفة.


استدار جون ورأى السمين وهو يحملهم، لذا صرخ في وجهه وأخذهم عنوة، ثم وضعهم فوق شجرة عالية، ودار بينهما عراك قوي.


السمين بغضب: سأشكيك للقائد أيها الخائن، هل تقوم بمساعدة البشر على الهروب؟


جون وهو يبادله نظرات الغضب:
_ وماذا فعلوا لنا كي لا نساعدهم؟ إياك والاقتراب منهم وإلا قتلتك.


السمين بسخرية وهو يضحك:
_ هيا اقتلني إن استطعت.


نفذ صبر جون، وازاد غضبه، وحينما اقتربا من الحافة، قام جون بدفع السمين للأسفل.

بدأ ينفث ويتنهد وهو ينظر للأسفل، وينفض بكفيه، ويقول:

_ هذا جزاء سخريتك مني أيها الأحمق.


شهقت آيلا وكانت لا تزال تحتضن اندريه بشدة، وهي تقول:
_ هل سيموت؟


اندريه وهو يمسك خديها ويحاول تهدئتها:
_ لا، لن يحدث له شيء إهدائي.


في الأسفل، ارتطم جسد العملاق السمين بالأرض وكاد أن يقتل بعض الناس لولا شعورهم بقدوم شيء ضخم للأسفل.

صُعق الجميع من كبر حجمه، وكثرت الصرخات والهمسات عنه، وحينما خرج الملك، شهق بخوف، ثم قال:
_ يا إلهي، ما هذا؟


تحدث أحد الجنود بصرامة:
_ مولاي، يبدو أن أحدهم قد دفع هذا الضخم للأسفل.


الملك وهو يحاول الثبات وعدم ظهور الخوف:
_ هل هو ميت؟


الجندي: لا أعلم، ولكنه لا يتحرك.


الملك وهو يصرخ بصوت مرتفع:
_ هيا قوموا بربطه جيداً وجروه بعيداً من هنا، وجهزوا رامية السهام وضعوها فوق الجبل.


تراكض الجميع لتنفيذ الأوامر، وشعروا بالخطر المحدق بهم حينما رأوا ضخامة العملاق.



في الأعلى

تذكر اندريه أمر البذور لذا قال بانزعاج:
_ هؤلاء العمالقة لن يتركاننا وشأنا، وسيستطيعون النزول للأرض بواسطة البذور.


جون وهو يخرج كيس صغير من جيبه، ويقول:
_ ها هو ذا، هيا اذهبا بسرعة.


آيلا: ولكن....


خرج جنيور من بين قدميه وهو يتنهد ويقول:
_ أنا، أنا.


نظر إليه اندريه بغضب، وقال:
_ أنت احمق وجبان للغاية، أين كنت؟ ألم تكن تنوي مساعدتها؟

جنيور وهو يرتجف: لقد خفت منهم كثيراً.

ثم استدار وهو يرى بقربه قدم ضخمة، لذا صرخ وهو يختبئ بجحر آيلا ويقول:
_ هيا قولي بأنه ليس عملاقاً.


ضحك اندريه بسخرية وقال:
_ تباً لك، أتمنى لو تبقى جرذاً فمن المعيب أن يكون رجل جبان.


جنيور بغضب: حسناً، يكفيك تفاخر أيها اللعين.


اقتربوا من الشجرة العملاقة، ثم قال اندريه الذي أحب احتضانها:
_ هيا اقتربي، يجب أن تتمسكي بي جيداً.


وقبل أن تنزل، قال جون:
_ خذي هذا يا أميرة، هذا هو الماء الذي طلبته.


نظرت إليه آيلا بحب، وقالت:
_ أشكرك على كل ما فعلته لأجلي، يا بطلي.


انظريه وهو يصك على أسنانه بامتعاض ويحادث نفسه: " هل أصبح هو بطلكِ، يا ل النساء الناكرة للجميل."

ثم نزلت وتمسكت باندريه، الذي أمسك بحبال الشجرة الضخمة، وبدأ التأرجح عليها للنزول.

آيلا وهي تغمض عينيها:
_ هل وصلنا.

اندريه وهو ينظر إليها ويبتسم:
_ أجل.

فتحت آيلا عينيها، ثم نظر للأسفل لتجد نفسها لا تزال مرتفعة، لذا صرخت وهي تقوم بشد اندريه نحوها.

ضحك اندريه وقال: لم أعرف بأنك جبانة لهذه الدرجة.

آيلا وهي تقوم بضربه: وهل يجب أن تكون النساء جريئات أيضاً؟


نظر إليه بحب، ثم وضع يده خلف ظهرها وشدها نحوه، وقال:
_ النساء من أمثالك، يجب أن تبقى بقربي بهذا الشكل.


انزلت آيلا عينها وهي تشعر بالخجل، لذا اردف اندريه:
_ استمري بالتحديق بي، كي لا تشعري بالخوف.




وبعد ساعات من هبوطهم، وصلوا عند طلوع الفجر.

كان الحرس الذين يسهرون للمراقبة يهتفون بفخر:
_ اندريه، اندريه.


لقد شعر اندريه حينها بالاعتزاز بنفسه.



استيقظ الملك على صوت هتافهم، وركض باتجاه ابنته، ويتلمس وجهها، ثم قال:
_ كم تشبهينها، ليتها لم تفرقني عنكِ يا ابنتي.


سالت دموع آيلا سهواً، وشعرت برابط المودة بينها وبين الملك، لذا قامت باحتضانه بقوة.


اندريه وهو يبتسم ويهمس في نفسه: " هذه الفتاة تعاني من جفافاً عاطفياً بالتأكيد، فأنا اشعر بأنها تريد احتضان الجميع."


قبل الملك رأسها ويديها، وهو يتأملها جيداً، ثم نظر لاندريه بإعجاب، وقال:
_ أشكركَ كثيراً على ما فعلته لأجل ابنتي.



بعد أن ارتاحوا ودخلت آيلا للخيمة، اقترب اندريه من الملك وسأله:
_ هل رأيت جيلر؟ لقد سمحوا له بالنزول على الأرض.


الملك وهو يعقد حاجبيه:
_ لا، لم أراه، وكيف تركوه ومقابل ماذا؟


اندريه: أنها قصة طويلة، ارتاح الآن، وفي الصباح سأخبرك بكل ما جرى.


حلّ الصباح باكراً، وكانت سعادة الملك لا توصف، لذا قرر العودة للقصر مع ابنته، واعطى تولي المهام لاندريه.


وقبل أن يذهبوا، اقترب اندريه من آيلا وقال:
_ انتبهي لنفسك، واحذري من كاترين.


كانت آيلا تبتسم وهي تنظر إليه، فقالت:
_ لا عليك، اعتني أنت بنفسك جيداً.



في الأعلى وقبل بزوغ الضوء بساعتين.

استيقظ القائد وهو يتثاءب ويدور في المكان بقلق، ثم اتجه للقفص ليسأل آيلا سؤالاً راوده، إلا أنه صُدم حينما لم يجدها.


لذا ارتفع صوت صراخه، وهو يقول:
_ أين الفتاة يا حمقى؟

توافد الجميع على صوت صراخه، واستيقظ كل من كان نائماً، وتجمعوا حول القفص يسألوا بعضهم.


القائد بغضب: هيا اخبروني أين هي، وإن لم أجد إجابة واضحة، سأقتلكم جميعاً.



شعر جون بالارتباك، وكاد الخوف يظهر عليه لولا أن تمالك نفسه، ولكن العملاق الطويل قال وهو يشير إلى جون:
_ سيدي، لقد رأيت جون يتحدث معها في الأمس بلطف.

وأيده بعضهم وقالوا:
_ أجل، كان لطيفاً للغاية.


القائد وهو ينظر إليه بغضب:
_ أين هي الفتاة؟ هيا قل بسرعة.


ابتلع جون لعابه، ثم قال بخوف:
_ لا أعلم أين هي، فأنا اعطيتها في الصباح فقط طعامها، ولم أحادثها بشيء.


الطويل والشرر يخرج من عينه:
_ أنه يكذب، لقد رأيته أكثر من مرة يزورها ويحادثها.



حاول جون الصمود والدفاع عن نفسه، لذا قال بحزم:
_ لمَ لا تكون أنت، وتحاول إلصاق التهمة بي، أنا ما شأني بها.


كثرت الجدالات بينهم، والصاق التهم بين بعضهم، واستطاع جون إضاعة التهمة عنه



لذا صرخ القائد بغضب:
_ اصمتوا جميعكم، اصمتوا.


عم الصمت واتجهت الأنظار نحو القائد، ليستمعوا لمَ سيقوله.


القائد وهو يضرب بقبضة يده على الحيط، وقال:

_ جهزوا أنفسكم، سننزل للأرض، ونريهم كيف يكون اقتحام مكان خاص بالعمالقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي