23 التحول

الفصل الثالث والعشرين:

( التحول)

بعد دقائق تذكر القائد "العملاق السمين"،  لذا اردف:
_ أين هو ذاك البدين؟ لم أره، ألم يستيقظ بعد؟.


أحدهم: سيدي لم نجده في مكانه.

القائد بنبرة حادة: ابحثوا عنه ذلك الغبي، واستعدوا للنزول.

الطويل: سيدي، ولكن كيف سنستطيع الصعود بعدها؟

القائد وهو يصك على أسنانه ويبتسم بخبث:
_ ربما لن نعود، سنحتل أرضهم وتصبح لنا، وسيكونون خدماً لنا.

بادله الطويل ابتسامته الخبيثة، وقال:
_ أجل من حقنا العيش على الأرض، فأجدادنا كانوا أقوى البنى التي خُلقت فيها.


في الأسفل، أوقد اندريه ناراً حول الشجرة، وبدأت تتصاعد رويداً رويداً، ثم أمر الجيش قائلاً:

_ هيا بنا فلنعد ونحمي قصر الملك، فقد انتهينا من لعنة العمالقة.

كان الجميع سعيد بهذه النهاية، وكان أهل المدينة يترقبون ما جرى، لذا بدأوا بنثر الورود على طريق الجنود، ويهتفون باسم اندريه.


شعر اندريه بالفخر، لذا كان يسير فوق حصانه ويرفع سيفه للأعلى ويقول:
_ فليحيا الملك، وتحيا مملكتنا العظيمة.


وقبل وصولهم للقصر، أتى رجل يركض وهو يحاول إلتقاط أنفاسه، وعلى وجهه علامات الذعر، قائلاً:


_ انتظروا، انتظروا...


اندريه باستغراب: ماذا هناك؟ ما بك يا هذا؟

لقد تعنه الكلمات على الشرح، لذا اشار بسبابته للخلف بإحدى يديه والأخرى يضعها على ركبته وهو لا يزال يحاول أخذ نفساً عميقاً.


استدار اندريه للخلف ببطء، وهو يتمتم في نفسه: " أرجو بألا يكون صحيحاً ما أفكر به."


ولكن ما إن استدار حتى رأى العمالقة يتوافدون على الأرض، وهذا ما تسبب بالذعر للجيش بأكمله، لذا لاذ جزء منهم بالفرار، وجزء بقي وافقاً مع اندريه، الذي بُهت ولم يعد يعرف ما يفعل.


في القصر، كانت آيلا تنظر من النافذة المطلة على الغابة تترقب اندريه، إلا أنها صُعقت حينما رأت العمالقة، لاذ همت راكضة برواق القصر وهي تقول:

_ العمالقة، لقد أتوا، يا إلهي.



كان الملك يحاول أن يستدرك ما تقوله، لذا خرج وهو يشعر بالهلع، ويلحق بها.


ركبت آيلا على حصانها، واتجهت نحو اندريه وهي تقول: " لن أسمح لهم بتدمير بلادي."


تبعها الملك وكل من في القصر، إلا كاترين التي كَبُر بطنها بعد مرور شهور من حملها، وكانت تترقب ما سيحل بهم بمتعة، ولم تهتم لمَ سيجري


لذا حادثت خادمتها وهي تجلس على كرسيها في الشرفة:
_ انظري لمَ سيحدث، لن يتبقى منهم أحد.



كاريس وهي تنظر للعمالقة وترتجف من الخوف:
_  هل أنت متأكدة بأنهم لن يأكلوننا؟.


ارتشفت كاترين رشفة من فنجانها وقالت:
_ لا، لن يستطيعوا الاقتراب من السحرة.


وسعت كاريس عينيها بصدمة، وقالت:
_ وهل أنت ساحرة؟!


انزلت كاترين فنجانها من يدها على عجل، ثم نهضت وهي تقول بغضب:
_ هييي، لقد عكرت مزاجي بأسئلتكِ السخيفة، هيا اغربي عن وجهي، ودعيني استمع بهذه المشاهدة.


نظرت كاريس إليها بغرابة، ثم غادرت على عجل وهي تتمتم في نفسها: " هذه المرأة غريبة للغاية، لن أستمع لكلامها، وسأذهب من هنا وأنفذ بروحي."




وصلت آيلا إلى اندريه الذي لم يكن يبعد إلا أمتار، لذا قال بقلق:
_ لمَ أتيتِ؟ هيا اذهبي، وعودي للقصر.


آيلا بحزم وهي تنظر إليه:
_ لا، لن أذهب وادعك تصارعهم لوحدك.


اندريه وهو يهز رأسه بامتعاض:
_ وما الذي تستطيعين فعله؟ نحن لا نقوى عليهم، وقد نموت.


صمتت آيلا لثانية، ثم قالت وهي لاتزال تنظر بعينيه:
_ إذاً لنموت سوياً.

فرك اندريه جبينه، محاولاً إخفاء ابتسامته، ثم مد يده نحوها، وجرعا نحوه ووضعها فوق جيده.


كانت خصلات شعرها تداعب وجهه، وهو يسير متعجلاً، لذا قال وهو يكتد يفقد تركيزه:
_ والآن ماذا سنفعل؟!


آيلا بحزم: هيا باتجاههم، أريد محادثتهم قبل دخولهم المدينة.


اندريه باستغراب: أتقصدين العمالقة؟


آيلا: أجل، هيا بسرعة.

اخرجت آيلا من جيبها البذرة الصفراء، وبدأت تحادثها وتقول:

_ جون، جون، هل تسمعني؟


كان جون يدور في المكان وهو يبحث عنها، ظناً منها بأنها بجانب، ثم تذكر البذرة، وقال:
_ أجل، اسمعكِ، اعتذر لمَ يجري، ولكن كل شيء صار فوق أرادتي.



آيلا: لا عليك، كنت أعلم بأن هذا سيجري، لذا أريد منك أن تلهيهم بشيء ريثما أصل إليكم.


جون بتعجب: حسناً، ولكن...


آيلا: هيا أسرع، ليس لدينا وقت.

جون: حسناً.


ثم جلس جون فجأة على الأرض وهو يصرخ ويقول:
_ انتظروا، لا تسيروا أكثر، يبدو أن هذه الأرض سحرية، فلم أعد أشعر بقدماي، يبدو أنني أصبت بالشلل.


نظر إليه القائد باستغراب وقال:
_ ما الذي تقوله؟! كيف حدث هذا؟

ثم نظر للستة الأخرين الذين معه وقال:
_ هل شعر أحدكم بشيء؟


هزّ الجيمع رؤوسهم للنفي، لذا قال وهو ينظر لجون:
_ إن كنت تكذب وتتصنع هذا الأمر سأقتلك...


قاطع جون حديثه وهو يمسك ببطنه ويصرخ، ويتظاهر بالألم، وهذا ما جعل القائد يشعر بالفزع

جون بصراخ: أيها القائد لا تتحرك، فأنا أشعر بأن شيء سام قد سرى في جسدي فجأة.


القائد وهو يحاول عدم تحريك قدميه من مكانهما:

_ تباً.


الطويل وهو ينظر بامتعاض:
_ ماذا الآن؟ ما الذي نستطيع فعله؟ فقد علقنا هنا.


اشاح جون بنظره للجهة اليسرى و جد السمين مستلقي على الأرض، لذا ازداد صراخه وهو يقول:

_ انظروا هناك، انه السمين، يبدو أنه ميت، لقد أخبرتكم بأن هناك شيء غير طبيعي في هذه الأرض.


نظروا إلى السمين بفزع، كان أشبه بكومة قمامة تدور حولها الحشرات والطيور الضارية.

القائد بغضب: ذلك المغفل متى نزل على الأرض؟


جون بمباغتة: أعتقد بأنه هو من أخذ الفتاة، وقرر النزول إلى هنا كي يأكل المزيد.


كان يبدو كلامه مقنعاً بالنسبة لهم، لذا لم يشعروا بشيء.

وصلت آيلا واندريه، ونزلا من على الحصان على عجل واقتربا منهم، لذا صرخ القائد بغضب:


_ كيف استطعت الهرب؟ من أنقذك؟!


كان جون ينظر إليها بعينين مليئتان بالقلق، لذا قالت بعد أن سمعت كذبة جون بواسطة البذرة:
_ هذا البدين لقد فك أسري، واتفقت معه بأن يتركني لو أخبرته أين يكمن بيت جده.


صَغرّ القائد عينيه اللتين يملاهن الغضب، ثم قال:
_ كيف تكذبين عليه بشأن هذا؟


آيلا وهي تلوح بيديها: اسمع، أنني لا أكذب، ولكن هذا البدين تعجل بالأمر، ورمى بنفسه من ثقل وزنه، وارتطم جسده بالأرض وحدث له ما حدث.


وصل الملك وهو يشعر بالخوف، ولكن حاول الثبات وهو يقول:
_ كيف تجرأون على اقتحام بلادي؟

أشار العملاق بسبابته باتجاه الملك وهو يضحك بشدة، لذا تتابعت ضحكات الجميع ساخرين، وقال:

_ هل أنت الملك حقاً؟ هه، تبدو مضحك وصغير للغاية، ترى ماذا تستطيع فعله لبلادك؟ فأنت مجرد من القوة.


الملك بنبرة حادة: أملك العقل، وهذا ما أنتم تفقدونه.


القائد بغضب: يا لك من وقح، انتظر لترى كيف سأطحن لك هذا العقل السخيف.

حاول أن يسير باتجاه الملك والإمساك به، إلا أن آيلا اوقفته وهي تقول:

_ ما رأيكم أن نعقد اتفاقاً؟


آيلا: ألستم أخوة؟


نظروا لبعضهم، وتذكروا من يكونوا، لذا قالوا:
_ أجل نحن إخوة.


القائد بامتعاض: وما نفع هذا بالاتفاق؟!

آيلا: أنتم تريدون العيش هنا أليس كذلك؟


نظر إليها الملك باستغراب ثم همس:
_ ماذا تقولين أنت؟ هل جُننتِ.


لم يكن لدي آيلا الفرصة لشرح الأمر للملك، لذا قالت بصوت مرتفع:

_ حسناً، بصفتي أميرة لهذه البلاد أمنحكم مساحة تعيشون بها، ولكن هناك شرط.


القائد وهو يسخر: وإن لم ننفذه ماذا ستفعلين؟

آيلا وهو تحاول التودد له:
_ اسمع، أنت تسمي نفسك القائد لأنك أكبرهم، ولكن من حقهم أن يعيشوا كما يرغبون، وشعرت بأنهم يرغبوا العيش في بيت والدهم في السابق، لذا عليكَ احترام مايرغبون.


نظر القائد إليهم وهو يعقد حاجبيه، فقال:
_ هل حقاً هذا ما تتمنونه؟


اخفض الجميع رأسه، ولم ينبس أحدهم بشفا كلمة، لذا شعر بالأسى بداخله لأنه حاول أن يسيرهم كما يرغب هو فقط، لذا قال:

_ حسناً، ما هو الشرط.


آيلا: يجب أن تعودوا أقزام كما كان والدكم، فمن الصعب التعايش معكم بأجسادكم الكبيرة هذه.


القائد وعلى وجهه علامات الاستغراب:
_ وهل نستطيع أن نكون أقزام؟! لو كنا نستطيع لما نُبذنا من البشر وتهجرنا من أرضنا.


آيلا وهي تبتسم: أتقول بأنك موافق إذاً؟


صرخ الجميع بحماس: بالطبع نوافق.


اغمضت آيلا عينيها، وهي تُطبق يديها على بعضهما، ونطقت بأمنيتها الأخيرة على الملأ وهي تقول:

_ أتمنى أن يعود العمالقة لأصلهم أقزام، وأن يدوم السلام بيننا.


بلحظات قليلة، صُغر حجم العمالقة وتحولوا لأقزام أقصر من البشر إلا أنهم أضخم بقليل.


كان الجميع ينظروا لأنفسهم بسعادة، لذا بدأن جون يقفز ويهتف:
_ هيي، لقد عدت لأصلي، وسأعود لأرض أجدادي.

خنصر القائد يديه، وقال هو ينظر له بطرف عينه:
_ ألم تصاب بالشلل منذ قليل؟!


جون وهو يحاول الثبات على الأرض وإخفاء سعادته:
_ بلى، لقد كنت ذلك حينما كنت عملاق، أما الآن أشعر بأنني بخير.


قهقه الجميع لارتباكه، لذا اردف:
_ أنا حقاً سعيد لما أنا عليه الآن، أشكركِ آيلا، أنت ملاكنا ومسبب نجاتنا من ظلمتنا.

حمحم القائد الذي لا يجيد قول الكلمات الجميلة، لذا قال وهو يعقد حاجبيه:
_ أجل نشكركِ.


ثم همس لأخيه الذي بجانبه:
_ ماذا أقول أيضاً؟


_ أذهب وقبل يدها فهي أميرة.


نظر إليه بامتعاض، ثم اتجه نحو الأميرة ليقبل يدها، وقبل أن يصل ضحك اخيه وهو يقول:
_ لقد كنت أمزح معك.


_ تباً لك أيها الوغد.

تعاركا عراكاً يملأه الضحك، وكان الجميع سعداء

أما اندريه الذي لم يستطع إبعاد ناظريه عن آيلا، انحنى فجأة على إحدى ركبتيه، وأمسك بيدها وهو بقول:


_ هل تقبلي بالزواج مني يا أميرتي؟


ابتسمت آيلا بخجل، ثم قالت وهي تشد على يده:
_ أجل، بالطبع سأقبل.


صفق الجميع لهم، وبدأ جون بنثر بعض أوراق الأشجار فوقهم وهو يقول:
_ لا يوجد ورود هنا، ولكن سنعوض الأمر في الزفاف.


وقف اندريه وهو يحتضنها ويقول:
_ بالطبع، سيكون زفاف جميل يليق بها، فقد وهبتنا السلام.


نزلت دمعة من عيني الملك سهواً، وهو يقول:
_ وأخيراً سأفرح بإحدى ابنتاي وتصبح عروساً بمحياي.




في غرفة كاترين التي لم ترى تحول العمالقة، لذا نظرت فجأة من نافذتها وهي تقول:
_ إلى أين ذهبوا يا ترى؟


ثم صرخت بصوت مرتفع وهي تنادي خادمتها.

كاريس: أمرك مولاتي.


كاترين: هل رأيتِ أين ذهبوا العمالقة؟


كاريس وهي تنظر من النافذة:
_ لا، فقد كنت أغسل الثياب.


كاترين بغضب: تباً لكم، هل حقاً لازلتم تعملون في ظل هذه الظروف؟

كاريس: أجل، وما الذي نستطيع فعله سوى العمل؟


كاترين بامتعاض: حسناً، هيا اذهبي واجلبي لي كأس عصير، لا تفقهوا شيء بالفعل، أغبياء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي