14 اقتحام غرفة اندريه

الفصل الرابع عشر:
(اقتحام غرفة اندريه)

فتحت آيلا باب غرفة اندريه ببطء، ثم اغلقته خلفها بحذر، ودخلت وهي تمشي على رؤوس أصابعها

وتحادث نفسها وتقول: " أين قد يُخبئها يا ترى؟!".

بدأت تبحث في مكتبته، وبين أوراقه، ثم جلست على كرسيه، ووجدت ورقة على طاولته مكتوب فيها

" يا من ملكتِ القلب والروح معاً.."

ولكن قاطع تركيز قراءتها، دخول جنيور فجأة، لذا تحدثت بفزع:
_ ماذا؟ هل أتى أحد؟

جنيور: لا، ولكن أردت أن اطمئن، هل وجدتِ شيئاً.

آيلا: أوف، لقد أفزعتني، لا، لم أجد بعد.

جنيور: حسناً، ولكن استعجلي.

آيلا: حسناً، هيا أذهب وراقب.

استمرت بالبحث، واقتربت من خزانته وهي تتأملها وتقول:" والآن كيف سأفتحها؟"

وبعد لحظات همَّ جنيور راكضاً، مما أفزع آيلا.

جنيور: هيا اختبئي بسرعة، أنه قادم.

آيلا بارتباك: أين سأختبئ؟ أوه يا إلهي.

جنيور: الشرفة، هيا ادخلي واختبئي فيها.

آيلا بقلق: ولكن....

جنيور: لقد وصل، هيا.

اتجهت آيلا إلى الشرفة واختبأت خلف إحدى الكراسي الكبيرة.

دخل اندريه ليبحث عن المكتوب الذي قدم من الوزير.

اندريه وهو يحادث نفسه بحيرة بصوت مسموع :
_ أين تركت ذلك المكتوب؟ تباً، ليتني تركت المرسال يوصلها للملك، فالمشاكل التي فوق رأسي تكفي.

فتح دروج طاولته، ثم هتف بسعادة:
_ ها هو، الحمد لله بأنني لم أفقده.

ثم خرج على عجل، وهو يتجه لغرفة الملك، أما آيلا التي نهضت من مكانها حينما أخبرها جنيور بما جرى.

آيلا بتعجب: لقد قال مكتوب أليس كذلك؟

جنيور: أجل، يبدو أنه أتى للملك.

عادت آيلا ونظرت للطاولة، ووجدت المكتوب لازال متواجد، لذا تمتمت: " ظننت بأن هذا ما يبحث عنه."

جنيور: ما بك؟ أراكِ قلقة، هل هناك شيء بالمكتوب الذي تقرينه؟

آيلا وهي تبتسم: أعتقد بأن هذا المكتوب لكلوي، ففيه كلمات حب.

قهقه جنيور بسخرية، ثم قال:
_ لا أعتقد ذلك، فهو لا يحبها ابداً.

آيلا: إذاً لمن هو؟

جنيور: ربما ليس هو من كتبها، ولكن لمَ أنت مهتمة بها؟

آيلا وهي تحاول إظهار اللامبالاة:
_ لا، لست مهتمة، ولكن شعرت بالغرابة، لأن اندريه ليس من النوع الرومانسي.

ضحك جنيور وقال:
_ أجل، فأنا لن أصدق حتى ولو رأيته يحب ويواعد فتاة.

آيلا: هيا دعنا نخرج قبل أن يأتي أحد.

وحين خروج آيلا، صدفت على الباب كلوي، التي كانت تنوي الدخول لغرفة اندريه خلسة، إلا أن اللقاء كان صادم بينهما.

كلوي بصدمة: أنت؟!

آيلا: أنا لم..

كلوي بغضب: هل أصبحت تدخلين غرفته أيضاً؟ هل تتواعدان، هيا ابتعدي دعيني أرى.

دفعت آيلا بقوة، ثم دخلت وقد أصابتها هيسترية، وبدأت تصرخ:
_ أين أنت؟ هل اختبأت يا جبان؟

تحدث جنيور الذي دخل لجيب آيلا:
_ انظري لتلك الغبية، تظن سيخاف منها كي يختبأ.

آيلا وهي تحاول شرح الأمر:
_ اسمعي، الأمر ليس كما تخيلتِ...

قاطعت حديثها مجدداً بصراخ، وهي توسع بعينيها، قائلة:
_ وكيف هو الأمر؟ هيا حدثيني لمَ دخلتِ غرفته؟

آيلا وهي تبتلع ريقها: " يا إلهي كيف سأشرح لها الأمر؟ "

آيلا بارتباك وهي تفرك جبينها:
_ لقد كنت أبحث عن ، عن...

كلوي وهي تهز برأسها:
_ عن؟!

آيلا بهمس: "ماذا أقول لها؟"

كلوي وهي تنفث بغضب:
_ لقد بات الأمر واضحاً، فمنذ أن أتيت كنت ترسمين عليه.

آيلا بتأفف: أوه يا إلهي، أتعلمين أنا حقاً لم أرى فتاة ساذجة مثلك، لست أواعده أو ما شابه.

كلوي بصراخ: إذاً ماذا تبررين دخولك لغرفته ها؟

كان اندريه يتجه لغرفة الملك، إلا أنه عاد أدراجه لغرفته، لأنه أخطأ بالمكتوب.

وحينما اتجه للرواق الذي تكمن فيه غرفته، عقد حاجبيه، حينما سمع صوت صراخ كلوي.

اندريه باستغراب: ماذا هناك؟ لمَ كل هذه الضجة؟ ثم لمَ تقفان أمام غرفتي؟

كلوي وهي تنظر لآيلا بكره:
_ أسأل هذه اللعينة هذا السؤال.

ثم اردفت وهي تهز رأسها وتبتسم بخبث:
_ هيا، فلتخبريه لمَ دخلتي!.

زفر اندريه قبل ان ينظر إليهن بتملق:
_ هذا ما كان ينقصني الآن، أن استمع لقصصكن.

ثم نظر لآيلا باستغراب:
_ وأنت لمَ دخلت؟

جنيور بهمس: اهربي.

آيلا بعد أن أخذت نفساً عميقاً:
_ لقد أضعتُ شيئاً، لذا بحثت بكل الأماكن عل أحداً وضعه في مكانٍ ما.

جنيور: ألم تجدي شيء مقنع أكثر.

كلوي وهي توسع عينها:
_ أنت تكذبين، هيا قولي أيتها المرأة الخرفة ذات التجاعيد، لمَ تخلين غرفته.

جنيور بامتعاض: تتحدث هذه الحقيرة كما لو أنها حبيبته.

غضب اندريه بشدة، ثم قال:
_ كلوي أذهبي من هنا بسرعة قبل أن أفص رأسك عن جسدك، من أنت كي تحاسبين الناس لمَ دخلوا؟ يال وقاحتك، هيا اغربي عن وجهي.

ابتلعت كلوي ريقها، وهرعت راكضة بعد أن رأت الشرر يخرج من عينيها.

جنيور: هيا اهربي أنت أيضاً، قبل أن يأكلكِ.

آيلا بصوت منخفض: فلتصمت أرجوك.

اندريه: ماذا قلتِ؟

تدفع عرقها أكثر، وارتفعت حرارتها وهي تقف أمام غرفته بشكل يدعو للغرابة، لذا قالت:

_ لا، لا شيء، كما قلت لك كنت أبحث عن شيء.

اندريه: ما هو؟

آيلا بتوتر: هل تسمح لي بشرح الأمر لكَ لاحقاً، لأنني مرهقة الآن.

اندريه: حسناً، سأنتظر شرح مقنع منك، لأنني لم أقتنع بالشيء الذي قلتيه، لأنني لا اسمح بأن يدخل أحد غرفتي.

آيلا بخجل وهي تخفض رأسها:
_ حسناً، واعتذر لدخولي غرفتك.

ثم استدارت ببطء، وهي تحاول أخذ نفساً عميقاً، وتحاول الابتعاد بسرعة عن مرأى عينيه.

دخل اندريه غرفته وهو يتمتم:
_ لا أعلم ماذا يجري للنساء؟! يا ل غرابتهن، لا يعرفن التحدث بوضوح.

ثم تذكر أمر المكتوب، لذا أردف:
_ أوف، أين هو ذلك اللعين.

جلس على كرسيه الخشبيّ المنقوش بالزخارف، ثم رأى مكتوب على طاولته، لذا نظر باستغراب وهو يُصغر بعينيه:

_ ماذا؟ يا من ملكتِ القلب والروح معاً؟! هل هذا عنوان قصة أم ماذا؟ لم اكتب شيء كهذ، ترى من وضعها؟!

في المطبخ
وصلت كلوي وهي تكاد أن تنفجر وهي تزفر مرة وتتنهد تارة أخرى.

ماري بسخرية: ما بك الآن؟ فقد بدت صوت أنفاسك كفحيح أفعى تشعر بالحر.

كلوي بغضب: أنت هذا ما تفلحين به، تسخرين مني فقط، أذهبي واسخري من تلك العجوز، فهي أكبر أفعى هنا.

ماري وهي لا تزال تضحك:
_ وأنت الأصغر؟.

رمقتها كلوي بنظرات امتعاض، لذا اردفت قبل أن يزداد غضبها:

_ حسناً، ماذا فعلت اليوم؟ فعلى ما يبدو، ستكون قصص حياتنا اليومية كلها عنها.

كلوي: لن تصدقي هذا، ولكن رأيتها تخرج من غرفة اندريه

ماري بامتعاض: ها قد عدنا لأمر اندريه، أنت متى ستُخلق لديكِ كرامة؟ هذا الرجل لا يحبكِ.

كلوي بغضب: حتى ولو ذلك صحيح، لا أريدها أن تقترب منه.

ماري: ماذا فعلتِ بالرسالة التي أخبرتني عنها بالأمس؟ هل أعطيتها له.

كلوي: لا، بل وضعتها على طاولته.

ماري: حسناً، هذا جيد، حينما يقرأها سيعرف أنها منك.

كلوي: لا أعتقد ذلك، فبعد دخول آيلا سيتعقد بأنها هي من كتبتها.

ماري وهي تستدير، وتتحدث بلا مبالاة:
_ كلاكما غبيتان، أنا حقاً لا أفهم لمَ تدخلوا لغرفته، ما السر فيها؟!.

في غرفة الملك
طرق اندريه الباب بهدوء، ثم دخل باحترام بعد أن القى التحية.

الملك: ماذا هناك؟

مد اندريه يديه للأمام وهو يحمل المكتوب، ثم قال:
_مولاي، لقد وصلك هذا المكتوب، أنه من معسكر جيشنا.

أخذ الملك المكتوب وفتحه، ثم نهض وعلى وجهه علامات السعادة، ثم قال:

_ أوه، لقد نجحوا بالتفاوض مع جيش البحر الأسود، سيتم تسليم بلادهم تحت شعار دولتنا.

اندريه وهو يخفض رأسه:
_ مبارك النصر مولاي، وهنيئاً لنا ولبلادنا.

الملك: لمَ لا زلت واقفاً؟ هل هناك شيء آخر تريد قوله؟!.

اندريه: أردت أن أسألك بشأن حفل الزفاف.

الملك: ما به؟ فلتتعجلوا بالاستعداد له، يجب أن يتم الأمر.

اندريه: أمركَ مولاي.

اندريه في نفسه: "تباً، كيف سأطلب من ملك تأجيل الزفاف على الأقل، ثم أنه لم يعطيني فرصة للشرح؟"

في غرفة الأميرة
دخلت آيلا إليها، وطلبت مجالستها.

ثم قالت: هل تسمحين لي؟

أنستازيا: أجل، فلتتفضلي.

جلست آيلا بقربها، ثم قالت وهي تداعب خصل شعرها:
_ كم عمركِ

أنستازيا وهي تبتسم: خمسة عشر عاماً.

آيلا بسعادة: أنه مثل عمري.

أنستازيا بغرابة: مثل عمرك؟! لم أفهم.

آيلا وهي تدرك ما تقوله:
_ كنت أقصد بأنكِ تشبهينني، حينما كنت بعمرك، ولكن التعبير خانني، فلتعذريني.

أنستازيا بتنهد: أتعلمين؟ أشعر بأن فراق الملكة كان في الأمس، لا أعلم كيف مرت السنين هكذا بعيد عن أمي وعن أختي أيضاً.

آيلا: ألن تأتي للقصر؟

أنستازيا بحزن: أرسلت لها الرسائل بين الحين والآخر، ولكنها دوماً تخبرني بأنها لن تعود إلى هنا.

ربتت آيلا على كتفها بيد حانية، ثم قالت:
_ لا عليكِ، سأكون بجانبكِ متى أردتِ.

تلمست الأميرة وجه آيلا، وهذا جعلها ترتبك، وتحاول ابعاد وجهها عنها.

أنستازيا: أشعر بأمان بوجودكِ، أمان لم أشعر به من قبل، أنت دافئة للغاية.

آيلا وهي تبتسم: وأنت جميلة جداً، أرجو بأن تكونين خليفة أمكِ، وتكونين أنت الملكة.

أنستازيا: لا أعتقد بوجود زوجة أب الآن، هذا غير خبر حملها، قد تنجب أميراً وسيحكم هو البلاد بعد أبي، أما نحن لن يكون لنا أهمية.

آيلا: لا تفكري بشيء كهذا عزيزتي، فأنت الأهم هنا، يجب أن تعلمي ذلك، لذا ارتاحي الآن واخلدي للنوم.

خرجت آيلا من غرفة الأميرة، بعد أن حطت عليها غطاءها، وأغلقت الباب ببطء، ولكن حينما استدارت رأت اندريه فجأة.

آيلا بفزع: لقد أخفتني.

اندريه: ألم تنامي بعد؟

آيلا: لم استطع النوم، لذا ذهبت لأطمئن عن الأميرة.

اندريه: هل تأتين لنجلس بشرفة الحديقة قليلاً.

آيلا وهي تهمس في نفسها: " بالطبع سيسألني عن سبب دخولي لغرفته."

آيلا: اعتذر منك، ولكنني متعبة، وأريد أن ارتاح، وفي الغد يجب أن نستيقظ باكراً لأجل الحفل.

حاول اندريه إطالة الحديث لذا تحدث بغضب:

_ كلما ذكر أحد هذه الكلمة، تتوتر أعصابي، أرجو ألا يتم.

آيلا: مما أنت خائف؟ دعه فليتم وتظهر كاترين على حقيتها أمام الملك، لتخرج من هنا مطأطأة الرأس، تلك الساحرة.

اندريه: ساحرة؟!

آيلا: أجل هي ساحرة، واريدك أن تكشف جميع ألاعيبها، ولكن كن حَذر أرجوك.

ثم تذكر اندريه أمر دخولها لغرفته:
_ ألن تخبريني عن ماذا كنتِ تبحثين في غرفتي؟

جنيور: ها قد عدنا لنفس الأمر، فلتخبريه.

آيلا بارتباك: لا شيء مهم صدقني، دعني أذهب لأنام.

اندريه: انتظري، هل أنت من وضع تلك الرسالة؟!.

وسعت آيلا حدقتا عينيها، وشعر بحرج ملحوظ، لذا قالت:
_ لا، أقصد عن أي رسالة تتحدث؟ لم أفهم.

اندريه: هناك رسالة حب تركت على مكتبي، ولم أفهم منها شيء.

جنيور: أريت؟! حتى كلمات الحب لا يفهمها.

وضعت آيلا يدها في جيبها لتشير لجنيور بأن يسكت، ثم قالت:

_ بالطبع لست أنا؟ هذا لا يليق بامرأة عجوز، لتفعل شيء كهذا، ربما...

قاطع حديثها بامتعاض:
_ بالتأكيد كلوي، تلك الفتاة لا تفهم أبداً، ستجلب لي الجنون يوماً ما.

آيلا وهي تربت على يده:
_ لا تكن قاسياً بهذا الشكل، اعطها فرصة ولو لمرة.

ثم غادرت وهي تبتسم، متجهة لغرفتها، وفي الطريق دار بينها وبين الجرذ حديث.

جنيور: لمَ لم تخبريه عن البذور، تستطيع أن تسأليه عنها بشكل غير مباشر.

آيلا: لا أعلم لمَ لم أستطع، أشعر بالارتباك بجانبه.

جنيور بتملق: هل أحببت شخصيته؟

آيلا بغضب: لم أتخلص من كلوي واتهاماتها، بدأت أنت.

جنيور: حسناً، اعتذر لم أقصد ذلك.

آيلا بامتعاض: ثم لمَ تتحدث وتقاطعني في كل مرة أكون فيها بموقف صعب، أنت تزيد توتري؟!.

جنيور: لم أستطع السكوت، فالمواقف الصعبة التي تقعين بها تجعلني ارتبك أكثر منكِ.

تنهدت آيلا، ثم قالت:
_ لا تقلق، كل شيء سينحل، دعنا ننام، لنرى ما سيخلفه لنا الصباح.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي