21 خطة العمالقة

الفصل الحادي والعشرون:
(خطة العمالقة)

كان وجه جنيور يحمل علامات السعادة والفرح حينما رأى اندريه الذي يجلس بين الأعشاب الضخمة، لذا قال:

_ اندريه، هذا أنت؟

عقد اندريه حاجبيه، وأصبح يتلفت يميناً ويساراً باستغراب، وتمتم :
_ ترى من أين مصدر هذا الصوت؟!

ضرب جنيور على وجهه بامتعاض، وتذكر بأنه لا يعرف قصته، لذا قال بعد أن صعد على ركبته:

_ اندريه، هذا أنا، جنيور.

قرّب اندريه وجهه منه، ونظر له بغرابة وقال:
_ هل أنت المتحدث حقاً؟ أم أنني أتخيل؟!

جنيور: بلى هذا أنا، لقد حولتني كاترين لجرذ.

ضحك اندريه وقال بسخرية:
_ تبدو قذر للغاية.

جنيور بامتعاض: حقاً؟ وهل ترى الوقت المناسب للسخرية، ولكن حتماً سترى أشياء هنا أقذر.

حمحم اندريه ثم قال:
_ حسناً، هل تعرف أين هي آيلا؟

جنيور: أجل، لقد كنا سوياً، إلا أنهم أخذوها لكهف قائدهم.

اندريه وهو ينظر إليه بامتعاض:
_ حين ينتهي كل هذا، ستخبرني قصتك، وكيف توصلت أنت لآيلا أيضاً

جنيور بقلق: حسناً، ولكن هيا بنا لننقذها.

اندريه بعد أن سمعَ صوت:
_ اصمت قليلاً، يبدو إن هناك صوت صراخ.

رفع اندريه رأسه للأعلى، ووجد جيلر يصرخ وهو في قبضة العملاق الضخم.

اندريه في نفسه: " أوه يا إلهي ما أكبرهم! ولكن كيف رأوا هذا المغفل؟"

جنيور باستغراب: من هذا الرجل؟

اندريه: المنافس، أقصد أحد الجنود، لقد أتينا عشرة ولكن لم نصل ألى هنا سوى نحن الاثنين، ولكن الآن يبدو أنني بقيت وحدي وعليّ تخليصها منهم.

جنيور بتعجب:
_ منافسة؟! وعشرة؟! هل فقط لإنقاذها؟ منذ متى كانت مهمة لهذه الدرجة؟

أندريه وهو يهمس:
_ أنها أميرة، وقد توعد الملك لمن ينقذها سيتزوجها.

جنيور بحماس: هذا جيد، إذاً لإنقاذها أنا.

اندريه وهو يُصغّر عينيه وينظر له بسخرية:
_ تنقذ من؟ ثم كيف ستتزوج من جرذ؟

جنيور بغضب: يا لك من متكبر ومغرور، لن أبقى جُرذ طوال حياتي، وسأعود لمَ كنت، وسأتز....

نهض اندريه من مكانه بغضب وقاطع حديثه قائلاً:
_ لن يتزوجها أحداً غيري

جنيور بسخرية: لم أكن أعلم بأنك تملك قلب أو مشاعر.

نفث اندريه بغضب، وقال:
_ هل ستساعدني على تخليصها أم ماذا؟

ربع جنيور يديه الصغيرتان على بعضهما واستدار للجهة الأخرى وقال:
_ لا، أذهب لوحدك.

رمقه اندريه بنظرة حادة وقال:
_ جبان.

ثم سار باتجاه الكهف الذي أشار عليه جنيور، إلا أن المسافة بعيدة على قدميه الصغيرتان، لذا قرر الصعود على قدم أحد العمالقة المارين.

وتمتم في نفسه وهو يصعد: " أرجو بألا يراني أو يشعر بوجودي."

تمسك اندريه جيداً بثياب العملاق حتى توصل لجيب بنطاله وجلس فيه، وهو يترقب المكان حوله جيداً.

في الكهف الكبير
حيث القائد يجلس على كرسيه الضخم، والعمالقة يقفون على يمين ويسار المكان، ثم دخل العملاق الطويل الذي اختبئ اندريه بثيابه، فقال بصوتٍ مرتفع:

_ سيدي، لقد أتى رجلاً واحداً من البشر.

القائد وهو يضرب بقبضة يده الكرسيّ:
_ وأين هو؟ هل أتى رجلاً واحداً من بني البشر لأجل أميرة؟!

ثم نظر إليها وهي معلق بالقفص ويقول:
_ أترين كم أنت مهمة لهم؟

ثم ضحك ساخراً، ولكن الطويل قال:
_ سيدي أنه يطلب رؤيتك، ويقول هناك شيء هام يريد أن يخبرك به مقابل سلامته وبقاءه على قيد الحياة.

كان اندريه يرفع رأسه بين الحين والآخر وينظر بقلق لمَ يجري، ولكن أصيب بالحزن حينما رأى آيلا، ثم تمتم في نفسه: " كم عانت تلك الفتاة المسكينة، كيف سأستطيع الوصول إليها؟"


القائد بصوت مرتفع: هيا اجلبه، دعني اسمع ما يريد قوله.

اندريه في نفسه: " أرجو بألا يقول شيء قد يعرض آيلا أو الملك للخطر."

ذهب العملاق لجلبه، وعاد سريعاً وهو يحمله بأصبعيه من كنزته من الخلف، وكان جيلر يحرك بقدميه بخوف، وهو يخشى السقوط، لذا قال:
_ هيا انزلني، أرجوك أريد التحدث وأنا واقف.

نظر القائد إليه بقرف، ثم قال:
_ حسناً، فلتنزل هذه الحشرة.

جيلر وهو يحاول الثبات وعدم إظهار خوفه:
_ لست حشرة، بل قائد جيش، ومستعد لفعل أي شيء لإنقاذ الأميرة.

عم صوت الضحك بالمكان، والاستهزاء بكلامه، ولكن كانت آيلا تمسك بالقضبان الحديدية وتنظر إليه من الأعلى باستغراب.

اتكأ القائد على يده، ثم قال:
_ وما الذي تستطيع فعله ها؟ هيا أخبرنا.

جيلر: ولكن تعدني بعدها أن تتركنا أنا والأميرة وشأننا؟

نظر القائد إليه بنظرة امتعاض ثم قال:
_ أخبرني ما لديك أولاً، وبعدها أرى إن كان الأمر يستحق ذلك.

جيلر بحماس وهو يُخرج كيس قماش صغير من جيبه، ثم قال:

_ انظروا، هذه هي البذور السحرية التي سرقت منكم، وأنا أعيدها إليكم لتحافظوا على أمانكم.

تحسس اندريه جيوبه، ثم قال بغضب:
_ أيها الحقير، هل سرقتني؟


وسع الملك عينيه، ثم أمر أحدهم بجلبها منه، وبعدها قال:

_ في الحقيقة لقد كان العرض مغري للغابة، ولكن ليس بطبعنا الوفاء بالوعد، لهذا سنحتفظ بك.


أمسك به العملاق مرة أخرى ورفعه ببطء، وكان جيلر يحرك قدميه ويصرخ ويقول:
_ اتركني وشأني، هيا اتركني ماذا تريدان مني بعد؟

العملاق السمين وهو يمسح على بطنه:
_ تنفع بالطبع.

شهر جيلر بالفزع، واستمر بالصراخ، لذا قال اندريه وهو ينظر بعينين حاقدتين:

_ استمر بالصراخ كالنساء أيها السارق الحقير، ثم لا أعلم من أين جلب فكرة التفاوض معهم، يا لك من مغفل بالفعل.

وضعوا جيلر بنفس قفص الأميرة، ورموه بقوة داخله، لذا ركضت آيلا باتجاهه وهي تقول بخوف:

_ هل أنت بخير؟!

كان جيلر مستلقي وينظر لعينيها بتمعن، ثم قال وهو يتناسى وجع يده:
_ أنا بخير للغاية، ثم أغمض عينيه ونام من شدة تعبه.

آيلا بصراخ وهي تهز جيلر يميناً ويساراً:
_ هل أنت بخير؟ هيي، من أنت؟


فتح عينيه بصعوبة وهو ينظر إليها ويقول:
_ دعيني أنام قليلاً، فلم أنم منذ يومين.


أبعدت آيلا يديها عن وجهه بعد أن استدركت أنها قريبة منه كثيراً، وابتعدت عنه وهي تتمتم في نفسها بقلق:
" ترى لمَ أتى إلى هنا؟ وكيف حصل على البذور؟


كان اندريه لا يزال في جيب العملاق الطويل، وهو ينظر للأعلى للقفص ويفكر بطريقة للوصول إليها، لذا تمتم:

_ حسناً، حينما يقترب هذا الضخم من القفص سأنزل من عليه، وأصعد إلى هناك.


أما القائد فقد خرج ووقف أمام البحيرة وهو يصرخ:
_ هؤلاء البشر يسخرون مني بالتأكيد، فقد أرسلوا رجل واحد ومعه بذور أشجارنا السحرية.


قال أحدهم مؤدياً له:
_ إذاً هم من سرقوها، ويحاولون تصحيح خطأهم بجلبها.


كان القائد ينفث بغضب ويقول:
_ هذا لن يصلح شيء، فذنبهم أصبح كبير، ولن أعطيهم الأميرة إلا إذا أعطونا جزيرة على أرضهم.



العملاق الطويل: ولكن كيف نستطيع إيصال هذا الكلام لهم؟



رمقه القائد بامتعاض وهو يلملم فمه، ثم قال:
_ سنرسله مع هذا الرجل.


العملاق السمين بامتعاض:
_ ألن نأكله؟.



عقد القائد حاجبيه وهو ينظر إليه بتهديد، ثم غادر بدون كلام، لذا أخفض السمين رأسه من الخوف.



السمين وهو يهمس للطويل:
_ لمَ لا يسمح لنا بأكلهم كما في السابق؟ كان كلما أتى أحدهم نأكله.


الطويل: اصمت يكفي ثرثرة، عد لعملك هيا، أنت حقاً لا تشبع من شيء.


ابتعد السمين وهو يسير بخطوات متباطئة مع كرشه المهتزة بعد كل خطوة.


اندريه وهو يبتلع ريقه بقلق: " هل حقاً هؤلاء الأوغاد كانوا يأكلون البشر؟! أي مصيبة قد وقعنا بها الآن؟ وكيف سأخلص نفسي أو أخلص آيلا منهم؟!"


لاحظ العملاق الطويل، وجود العملاق الطيب بالقرب من القفص، لذا سار باتجاهه مستنكراً، لذا قال له:

_ ما الذي تفعله هنا؟


العملاق الطيب بارتباك: لقد جلبت لها بعض الطعام.


الطويل وهو يعقد حاجبيه:
_ وهل هذه مهمتك؟


ابتلع لعابه بارتباك ثم قال: أجل.


_ حسناً إذاً.


رمقه بنظره لازالت مستنكرة ثم غادر على مضض.




همس جون لآيلا وقال:
_ لن أستطيع البقاء طويلاً هنا، خذي هذه البذرة الصغيرة، حينما تحادثينها سأسمعك.


آيلا وهي تبتسم له: شكراً لك، ولكن هل تعلم ماذا سيجري لهذا الشاب؟


جون وهو يرفع كتفيه ويفتح بيديه، ويقول:
_ لا أعلم، ولكن لن يلحق به مكروه لا تقلقي.


تنهدت آيلا باطمئنان وقالت:
_ هذا جيد.


لاحظ اندريه بأنه يحاول مساعدتها، لذا قرر أن يصعد عليه ويطلب مساعدته، نزل ببطء من على الطويل، وسار يركض ليصل للعملاق جون.


اندريه: هذه فرصتي الوحيدة، أرجو بأن يستمع لي، ويساعدني.


وصل بعد مرور ساعة إلى قدم جون، وبدأ يتسلق عليه، لحين وصوله إلى صدره، ثم قال اندريه:

_ يا هذا.


هز جون رأسه يميناً ويساراً باستغراب، لذا أعاد اندريه كلامه وقال:

_ انظر هنا، أنا على صدرك.

اخفض جون رأسه الضخمة، وقال باستغراب:

_ من أنت؟! وكيف وصلت إلى هنا؟

اندريه بقلق: اسمع لقد جئت لإنقاذ الأميرة، فهي فتاة طيبة ولم تود إحداث المشاكل لأحد، هل تستطيع مساعدتي؟


ضحك جون وقال: يا ل شجاعتك يا هذا؟ كيف استطعت التسلق والتنقل وسط ازدحام العمالقة هنا؟!.


اندريه وهو يتنهد: الأمر لم يكن سهلاً، وعانيت بشدة حتى وصلت إلى هنا، هيا أرجوك فلتساعدني.


جون: حسناً، ادخل لجيبي الآن، سأخذ الأميرة عند المساء، واساعدكم على الهرب.

تنهد اندريه وتنفس بعمق، ثم قال وهو يبتسم:
_ شكراً لك، أنت طيب كما شعرت.


انتظر اندريه المساء بفارغ الصبر، إلا أنه مضت ساعات طويلة ولم يأتي المساء، لذا همس بصوتٍ منخفض:

_ يا هذا ألم يأتي المساء بعد؟ سأصاب بالاختناق من كل هذه الروائح الكريهة المحيطة بي.



جون: يبدو أن حلول المساء هنا أكثر طولاً، ولكن عليك بالصبر، فأنا لن أستطيع المساعدة إلا بعد أن ينام الجميع.


ولكن قبل حلول المساء صاح الملك على الجميع وعقدو اجتماعاً، ثم قال:

_ هيا اجلبوا لي ذلك البشريً الذي يدعى جيلر.


السمين بحماس: لنضعه على القدر؟

دفعه الطويل بقوة وهو يقول:
_ اصمت قبل أن يضعك القائد أنت بالقدر.


ثم سار لجلب جيلر من القفص.

وبينما هو يمشي إليهم، كان هناك حوار قد دار بينه وبين آيلا.


آيلا بقلق: هيا أخبرني لمَ أتيت إلى هنا وعرضت نفسك للخطر؟!


جيلر: أردت إنقاذكِ.

آيلا: لمَ؟! ثم كيف تستطيع فعل ذلك، ومن أرسلك؟

جيلر بخجل: الأمر شرحه طويل، سأشرح لك كل ذلك حينما نعود للأرض مع بعضنا.

آيلا: أرجوك أن نستطيع العودة قبل أن يلتهموننا.


جيلر بخوف: هل حقاً يأكلو البشر؟!


قاطع الطويل حديثهم وهو يمد يده بداخل القفص وقال:
_ نحن نأكل كل شيء وأي شيء أن أردت.


ابتلع جيلر لعابه بخوف ثم قال:
_ وهل ستأكلانني الآن؟!


لم يجيب الطويل على سؤاله، لذا صرخت آيلا بخوف، وهي تقول:
_ أرجوك لا تأكله، لقد قدم لأجل مساعدتي، ولم ينوي سرقة شيء منكم.


استمر في طريقه ولم يبالي لكلامها، وأخذ جيلر و ضعه أمام القائد، لذا قال جيلر وهو يرتجف ويتوسل:

_ أرجوكم اتركوني فأنا لم أفعل شيء.

القائد بغضب: أكره بشدة الرجال الذين يبكون بهذا الشكل، حسناً، فلتصمت، لن يحدث لك مكروه، ولكن ستنفذ ماذا سأقول لك.


جيلر بعد أن تنهد: أجل، قل لي، سأفعل كل تريده.


القائد بحزم: سنرسل لك رسالة للمك، وتخبره بما سأقوله وإلا سأحرقكم جميعاً.


جيلر: أجل، بالتأكيد.


القائد: ستخبره بأننا لن نعطيه الأميرة إلا أن اعطانا جزيرة على الأرض نعيش فيها بسلام.


جيلر بارتباك: ولكن....


قاطع كلامه القائد بصراخ وعينيه يخرج منهما الشرر:
_ ولكن ماذا ها؟

جيلر في نفسه: " لمَ أجادل، يجب أن أهرب من هنا فقط، فليحرقهم جميعاً ما شأني؟"


جيلر: حسناً، سأوصل رسالتك للملك، وأخبره ضرورة تنفيذ الأمر بسرعة.

ابتسم ابتسامة ساخرة وقال:
_ أراكَ بدأت تفهم جيداً.


ثم نادى على الطويل وهمس في اذنه وقال:
_ ضع في جعبته بذرة صفراء لنسمع ما يجري في الأسفل، ولنتأكد بأن هذا الغبي قد نفذ ما قلناه له.


الطويل: أمرك سيدي.

ثم اتجه نحو جيلر، واعطاه جعبته، وقال له:
_ إن أنزلت الحقيبة من على ظهرك، سأنزل على الفور وأقضمك.

جيلر وهو يبعد رأسه عن أنفه الكبيرة، وقال وهو يبتلع لعابه:

_ حسناً، لن أرميها، ولكن لماذا؟


الطويل: لقد سقيت بماء أرضنا، ولو لامست ارضكم ستنمو اشجار كثيرة إلى هنا.



جيلر بخوف: حسناً، فهمت، لن تلمس الأرض.

ضرب الطويل على رأسه بامتعاض وقال وهو يهز رأسه:
_ يا لك من غبيّ، حسناً، هيا بنا لأخذك وتعود من المكان الذي أتيت منه.

جيلر: أليس لديكم طريقة أفضل لوصولي للأسفل؟

الطويل وهو يبتسم ابتسامه ساخرة:
_ بلى، وهي أن أرميك للأسفل، ولكن أشك بأنك ستصل قطعة واحدة.


جيلر وهو يحرك له بيديه ويقول:
_ لا، لا، سأنزل من على الشجرة أفضل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي