8 الخطة لسرقة البذور

الفصل الثامن:
( الخطة لسرقة البذور)

ماري: لم أرى امرأة ودودة للغاية في هذه المدينة كالملكة، لهذا سألتكِ.

آيلا بحسن نية: ألست من هذه المدينة؟!.

ماري وهي تعقد حاجبيها باستنكار:
_ أتقصدين بأني سيئة الطباع؟

آيلا بارتباك: لا، لم أقصد ذلك، أنه مجرد سؤال.

ماري بلا مبالاة:
_ بلى، أنني من هذه المدينة، قد أبدو حادة الطباع ولكن لم أكن هكذا إلا بعد أن خُذلت من أقرب الناس لي ، وعليكِ أن تعتادي بأنك لن تجدي هنا أحد ودود ومحب.

ابتسمت آيلا بطف:
_ وقالت في كل مكان يمكن الخير والشر، فليس الجميع جيدون أو سيئون، لربما أجد صديقة ما ودودة.

ثم غادرت دون أن تنظر لماري، وعادت لتفقد المكان بعد أن انهت عمل كلوي.

ماري في نفسها: " لا أعلم لمَ أشعر بالغضب منها، تستفزني كلماتها اللطيفة، هناك شيء ما يكمن بها لا يجعلني ارتاح لها، حتماً هناك قناع تخفيه."

أما كلوي التي أتت راكضة إلى المطبخ، ثم قالت بعد أن التقطت أنفاسها:
_ هل افتقدني أحد؟.

ماري بغضب وهي تلف رأسها للخلف:
_ ومن سيفتقدك أنت أيضاً؟!

كلوي: على الأقل هناك أحد ساندني، ودعمني.

ماري نبرة حادة: إذاً أذهبي إليها، هيا رافقيها بسرعة.

كلوي بلامبالاة: لمَ لا، هي أفضل منكِ، وقفت بجانبي دون أي مقابل.

ماري وهي توسع عيناها:
_ حسناً أنا السيئة، كما تريدين، ولكن اياكِ والخروج مرة أخرى من القصر، وإلا أخبرت اندريه.

كلوي وهي تخرج لسانها:
_ ننن، هذا لم يعد من شأنك، فالسيدة آيلا لن تقول شيء.

ماري: تباً لكِ ولها، ثم لمَ تركتها تقوم بعملك إن كنت ودودة معها؟ هل تحولتِ فجأة؟!

كلوي: في الحقيقة، لم أكن أتخيل بأنها هي من ستقوم بعملي، أعتقد بأنك أنت من ستقوم، لذا كانت صدمتي أكبر من صدمتك.

ثم استدارت لتذهب وتتشكر آيلا، أما ماري بقيت مصدومة من ردة فعل كلوي الغير متوقعة بالنسبة لها.

ماري وهي تبتلع ريقها بحرقة: " جعلتني أشعر بأني أحقر إنسانة على هذا الكوكب، رغم أنها تعرفني منذ سنوات ولطالما ساندتها ووقفت بجانبها تلك الناكرة، الآن أصبحت غير نافعة؟!."

في الغابة
حيث الجرذ كان مشغول البال، ينتظر أي خبر من الغراب ليطمئن على آيلا

الجرذ وهو يلوح بيده بتوتر:
_ ها هو قادم أخيراً، هيا تعال بسرعة.

حط الغراب على الأرض وهو يخفض رأسه

الجرذ وهو يعقد حاجبيه بقلق:
_ ماذا هناك؟ هل كشفتها كاترين؟ هل عاقبتها؟ ماذا حصل لها.

الغراب بصراخ: فلتصمت قليلاً، ما بك؟ دعني التقط أنفاسي على الأقل، لم يحدث كل هذا، ولكن أخشى أن يحدث الأسوأ.

الجرذ: وهل هناك شيء أسوأ من كاترين؟!.

الغراب: أجل، الجميع هناك سيء، فهي الآن محاطة بأشخاص سيئة بكل مكان.

الجرذ بحزن: هي بخير أليس كذلك؟

الغراب: أجل، ولكن لا أعلم لأي وقت ستبقى بخير.

الجرذ بحماس: سأذهب وأكون بجانبها.

الغراب بسخرية: وما الذي تستطيع فعله أنت بجسدك الصغير هذا؟

الجرذ: أستطيع التحدث على الأقل، واخبارها إن كان هناك خطر ينتظرها، ثم أنني أستطيع دخول الغرف، والخزن، و...

الغراب بدهشة مقاطعاً حديثه:
_ الخزن، أجل الخزانة المقفولة، هذا هو الحل.

نظرا لبعضهما وهما يبتسمان، ثم اطلقا ضحكة تُغمدها البهجة.

الجرذ: سأجلب تلك البذور وأقوم بإعطائها لآيلا، واختصر عليها عملها الشاق.

الغراب بحماس: وهكذا لن تضطر للبقاء في القصر، ولكن لمَ لم يخطر ببالك الذهاب إلى هناك قبل اقحامها بالأمر؟

الجرذ: لم يخطر في بالي ولو لم أكن أرغب بأن أكون معها لما قررت الذهاب، فأنت تعرفني بأني لم أعد أحب القصر

صمت لثوانٍ، ثم قال:
_ حسناً، هيا بنا إلى القصر، يكفينا تضييع للوقت.

الجرذ بامتعاض وهو يسير:
_أرجو بألا أرى كاترين.

الغراب: بالطبع ستراها، ولكن ليس كثيراً فهي الآن مشغولة بالملك.

الجرذ: لن يدم الأمر طويلاً وسترى.

وصلا للقصر عند حلول الظلام، ودخلا غرفة أيلا.

الجرذ وهو يهمس في اذنها:
_ أيلا، أيلا، استيقظي.

لفت أيلا وجهها للجهة الأخرى بعد أن حكت أذنها

الجرذ: يا إلهي، كيف استطيع أن اوقظها الآن؟

الغراب: تبدو متعبة، حسناً، دع الأمر يتم في الصباح، ابق بجوارها فقط.

الجرذ: أرجو بألا تصرخ حينما تراني على سريرها.

قهقه الغراب، وقال:
_ ربما سيحدث ذلك إن استيقظت قبلك.

حل الصباح بسرعة، واستيقظت أيلا وهي تمرخ جسدها يميناً ويساراً وهي تتمتم:
_ أوه، كم كان العمل متعب في الأمس.

الجرذ وهو يتثاءب: آآه، كم الساعة الآن.

صرخت آيلا بفزع للحظة، ثم استدركت من المتحدث، قائلة:
_ لقد أخفتني، تباً لكَ.

الجرذ: هذا ما كنت أخشاه، لم أود أخافتكِ، ولكن لا مهرب من صراخ الفتيات حينما يرونني.

ضحكت آيلا، ثم قالت وهي تفتح يدها:
_ تعال إلى هنا أيها الشقيّ.

تسلق يدها ثم جلس على كتفها، ثم قال:
_ ستخبرينني بكل ما جرى منذ أن أتيت.

نهضت آيلا لتفتح الستائر، ثم طُرق الباب.

ماري بامتعاض بعد أن فتحت الباب:
_ ألم تستيقظي بعد...

ثم ما لبثت إلى أن ملأت المكان بالصراخ وهي تُطبق ركبتيها على بعضهما وتقول:
_ انظري إلى كتفك أنه فأر، ييع.

فزع الجرذ من صراخها، وفرّ هارباً ليختبئ.

آيلا بنبرة هادئة: حسناً، فلتهدئي، أنه مجرد جرذ صغير وغير مؤذي.

ماري وهي تعقد حاجبيها: غير مؤذي؟! أنه كائن مقرف، ألم تخافي منه؟.

الجرذ بتمتمة: " يا لك من بغيضة، هل أصبحت مقرفاً؟!"

آيلا وهي تفتح النافذة وتستنشق الهواء:
_ لا، لا أخاف من الحيوانات.

القت ماري كلماتها قبل أن تغادر:
_ حسناً، هذا لا يهم، عليكِ أن تكوني مستعدة، فاليوم لدينا عملٌ كثير.

آيلا وهي تستدير نحوها:
_ ماذا هناك؟

ماري: ألا تعرفي بأن موعد الزفاف في الغد؟

آيلا بدهشة: ماذا؟! في الغد؟

ماري: ولمَ تبدين مستغربة؟ أجل في الغد.

آيلا بلامبالاة: أقصد أنه موعد قريب جداً، لذا كنت متعجبة، حسناً سأرافقكِ بعد أن أبدل ملابسي.

ماري: حسناً، لا تتأخري.

ركض الجرذ نحو آيلا بفزع، ثم قال:
_ يا إلهي، كيف سنستطيع تأجل الزفاف؟.

آيلا بحزن: لا أعتقد بأنه بمقدورنا فعل شيء، فقد فات الأوان.

الغراب بعد أن أطلّ من النافذة:
_ لم يفت بعد، يجب أن نتساعد للدخول لغرفة اندريه، لذا ستكون هذه مهمتك أنت.

الجرذ بحماس: حسناً، سأذهب.

الغراب: سأكون بانتظارك عند نافذته لالتقاط البذور.

الجرذ: حسناً.

آيلا بقلق: لا أشعر بالارتياح للأمر، أرجو بألا نواجه المشاكل.

في الطبخ

كانت ماري تقف شاردة الذهن

كلوي باستغراب: ما بكِ؟

ماري بغضب: هذا ليس من شأنك، فلا زلت غاضبة من حديثك يوم امس.

كلوي: أنا من يجب أن أغضب، فأنت تتدخلين في جميع شؤون حياتي، ولكن حينما أسالكِ عن شيء يخصك لا تجيبين.

ماري وهي تشد على قطعة القماش وتمسح الأواني:
_ لا شيء مهم، ولكن تلك الغبية غريبة الأطوار، تحادث الحيوانات، وتحبهم.

كلوي بتعجب: تقصدين آيلا؟!

ماري بنبرة حادة: ومن غيرها؟ أجل هي، في الأمس تحادث الغراب، واليوم رأيت جرذ يقف على كتفها.

كلوي بفزع بصوتٍ مرتفع:
_ ماذا؟ هل قلتِ جرذ؟

ماري وهي تضع يدها على فمها:
_ اخفضي صوتكِ يا غبية.

كلوي وهي تبتسم بسخرية:
_ ماذا؟! هل أصبحتِ تخافين منها؟.

ماري بلامبالاة: لا، ولكن تبدو غريبة أطوار، أخشى بأنها مشعوذة.

قهقهت كلوي وهي تلوح بيها، وقبل أن تغادر قالت:
_ يال خيالك الواسع، مشعوذة وتعمل مع الخدم؟ أنه مستحيل.

أففت ماري وقالت:

_حسناً، ربما، دعيني الآن أذهب واعطي الشمطاء الأخرى فنجان القهوة خاصتها.

ضحكت كلوي، وقالت: هل كاترين شمطاء؟! أنها جميلة.

ماري بامتعاض: ولكن ليست كالسيدة تريمين، ولن يأتي مثلها.

طرقت ماري الباب على كاترين، التي كانت تدور في المكان، وتتخيل وتبني أحلامها التي أصبحت حقيقة كما تعتقد.

ماري بعد عدة طرقات:
_ سيدتي، هل تسمحين لي بالدخول؟

كاترين بتعالي: ادخلي.

ماري: اعتذر على الازعاج ولكن هذه قهوتك.

كاترين وهي تعقد حاجبيها:
_ هل ناديتني منذ قليل بالسيدة؟ من تظنين نفسك كي تصّغرين مني؟.


ماري وهي تخفض رأسها بتوتر:
_ اعتذر، ولكن بما أناديكِ؟

كاترين وهي ترفع رأس أنفها للأعلى:
_ ألا تعلمين من سأكون؟

ماري بارتباك: بلى سيدتي، أقصد ...


كاترين بغضب: أنت تثيرين غضبي بشكلٍ كبير، أخبري الجميع بأن يناديني بالملكة من الآن، وحينما تطلبين أو تحادثيني تقولين مولاتي.

ماري وهي لا تزال تخفض رأسها وتضم يديها على بعضهما:
_ أمركِ مولاتي.

كاترين بصراخ: هيا اخرجي من هنا بسرعة، لا أريد أحداً يعكر صفو خلوتي في نفسي.

خرجت ماري وهي تشعر بالهلع، وما إن سألها أحد الخدم المارين ما بكِ إلى أن انهالت دموعها، وركضت مبتعدة.

كان الجرذ حاضراً وراقب ما حدث، ثم تمتم في نفسه:
" آه كاترين، إلى متى سيستمر تمردكِ وطغيانكِ هذا؟ عليّ أخبار آيلا بألا تدخل غرفتها."


ذهب مسرعاً باحثاً عنها، ووجدها في غرفة الطعام، أمسك بثوبها من الأسفل، وبدأ بشدها فجأة، كادت أن تصرخ.

الجرذ بعد أن حملته آيلا على يدها:
_ هل أفزعتكِ مجدداً؟

آيلا وهي تبتسم: اعتذر ولكنني لم اعتد بعد على الأمر.

الجرذ: بأنكِ تحادثي جُرذ؟

آيلا وهي تحاول تغيير الحوار:
_ لا، لا، ليس كما تظن، هيا أخبرني ماذا هناك؟

الجرذ: منذ قليل كاترين طردت ماري، وخرجت باكية.

آيلا بحزن: تلك المسكينة، كُسر خاطرها.

الجرذ: هذا ما تأكلين همه؟ أريدك أن تنتبهي لنفسكِ هنا، لا تشغلي نفسك بالخدم فالجميع يستطيع تفليت نفسه من أي مشكلة يمرها، ولكن أنت هنا وحيدة.


آيلا بابتسام: لا، فأنتما معي.

تنهدت ثم أردفت: لا تقلق، سأكون بخير، فقد أعتدت على المكان، بل أحببته.

الجرذ بصدمة: هل تنوين البقاء هنا؟

آيلا: ربما، ولكن ألم تدخل للغرفة بعد؟

الجرذ: لم استطع فعل شيء، لأن اندريه يحبس نفسه منذ الصباح بغرفته، أخشى بأن يشعر بوجودي؟

آيلا بتعجب: ترى مابه؟ حسناً سأذهب وأرى، لعلي استطيع اخراجه منها.

اتجهت آيلا لغرفة اندريه، وطرقت الباب طرقة خفيفة بالكاد مسموعة.

اندريه: من؟

آيلا: هل تسمح لي بالدخول؟

اندريه: أجل تفضلي.

آيلا بعد أن دخلت وأغلقت الباب خلفها:
_ سمعت أنك لم تخرج اليوم من غرفتك، ماذا هناك؟

اندريه بحزن: لاشيء.

آيلا: ألست حارس الملك الشخصي؟ ألن يحتاجك.

اندريه: بلى، كنت كذلك، ولكن لا أعلم لمَ ابعدني اليوم وذهب مع شخص آخر للصيد.

آيلا: لمَ ليفعل ذلك؟ هل عزلكَ من منصبك؟

اندريه بغضب: لمَ ليعزلني ماذا فعلت؟

ثم تدارك نفسه بأنه يصرخ في وجه امرأة كبيرة، لذا قال:
_ اعتذر، لم أقصد، ولكن هذا الأمر يثير غضبي.

آيلا: هيا تعال، دعما نسير قليلاً في الحديقة ونتحدث.

اندريه: لا، لا أريد، سأبقى هنا.

آيلا: أرجوك، فقط لدقائق فهناك أمر أود مناقشتك به، ولكن أخشى بأن يسمعني أحداً هنا.

اندريه وعلى وجهه علامات الفضول:
_ حسناً، اذهبي، سآتي خلفكِ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي