10 تسمم الأميرة

الفصل العاشر:
(تسمم الأميرة)

لم تلحظ كاترين وجود آيلا، لأنها تمنت أول أمنياتها، بألا تلحظ وجودها أبداً، فتحققت.

آيلا في نفسها وهي تبتسم: " ما رأيته في الأمس لقد كان حقيقة بالفعل، أعتقدت بأنني أحلم."

تابعت كاترين صراخها في وجه الخدم وهي تأمر وتطلب أشياء صعبة لتنفيذها.

اندريه بعد أن فقد صبره:
_ هل هذا تعجيز أم ماذا؟ بالنهاية هم بشر وليسوا آلات لتعمل كل هذا بيوم واحد.

كاترين بتكبر: إذاً اجلبوا الكثير من الخدم، أريد أن يتحدث عن هذا الزفاف كل من في الأرض.

اندريه: " أصبحت أشعر بالقرف كلما تحدثت، كيف سأستطيع إفشال حفل الزفاف؟"

ثم نظر إلى آيلا التي تقف في الخلف، ثم همس بصوت غير مسموع: " سأطلب مساعدتها."

كاترين بسخرية وهي تنظر لاندريه بطُرف عينها:
_ ألم تكن تنوي المغادرة؟! هيا فلتنصرف.

جحضت عيناه، واحمر لونه، وذهب مسرعاً باتجاه الحديقة وهو يتنفس الصعداء، علّه يجد حلاً قبل حلول الظلام الدائم في القصر.

اندريه وهو ينظر إلى السماء:
_ فلترشدني يا إلهي، فأنا أشعر بالاختناق بالفعل هنا.

ثم حطت يد حانية فجأة على كتفه

آيلا: تبدو حزين، ما بك؟

استدار اندريه نحوها، ثم قام باحتضانها بقوة، توسعت حدقتا آيلا من الصدمة، وشعرت بالحرج، فهي بالنهاية فتاة وليس امرأة عجوز.

كانت كلوي تنظر إليهما من الأعلى، مما أثار غيرتها وغيظها.

كلوي: هل استبدلتني بامرأة عجوز الآن؟! يا لك من حقير

ماري وهي تنظر للأسفل لترى عن ماذا تتحدث:
_ أنت بالفعل غبية، ألهذه الدرجة أخذ كل عقلك؟ وإن احتضنها ماذا يعني هذا؟

كلوي بامتعاض: أوف، ليته يحتضنني هكذا.

قهقهت ماري وقبل أن تغادر، قالت:
_ سيحدث هذا عندما تصبحين مسنة، لأن اندريه لا يألف الفتيات.

كلوي بغضب، وهي لا تزال تحدق بهما:
_ تباً لكم جميعاً.

كان قلب آيلا يكاد أن يتوقف من شدة نبضه، ثم حاولت ابعاده ببطء عنها، وقالت:

_ ما بكَ؟ أخبرني لعلّي أستطيع مساعدتك.

اندريه وهو يتمتم في نفسه: " لقد شعرت براحة رهيبة بين احضانها، ترى من تكون هذه السيدة؟!".

اندريه: كنت أشعر بالاختناق، ولكن أصبحت أفضل الآن.

آيلا في نفسها: " بقي لدي أمنيتان فقط، وأنا بحيرة من أمري، هل أتمنى إنهاء الزفاف، أم عودتي لطبيعتي، أم فك اللعنة عن الغراب والجرذ، أم تخليص اندريه، يا إلهي، ماذا أفعل؟"

آيلا وهي تربت على كتفه، وتحاول أخذ دور المرأة العجوز:

_ لا عليكَ بني، سيمر كل هذا.

اندريه وهو يلف يديه خلفه:
_ أرجو أن يمر بسلام، لأنني بدأت أشعر بأن الحرب قد بدأت هنا.

آيلا باستغراب: حرب؟! عن ماذا تتحدث؟

اندريه: منذ زمن طويل، ولكن ليس ببعيد، حينما ولدت الملكة، وحطت فتاتين جميلتين، أخبرت العرابة الملكة بأنهما لو بقيا كلاهما في القصر فستنشب الحرب داخل القصر.

آيلا باستغراب: وماذا حدث؟ هل بدأت الحرب؟

اندريه: لا، فهناك سر كبير تركته الملكة لي.

آيلا وهي ترتجف: هل قتلت ابنتها؟ أم ماذا؟

اندريه وهو يبتسم وينظر لها بغرابة:
_ يال خيالك الواسع، لا، كيف سأقتل أميرة، كانت كالقمر تشعر بأنها تنير في الظلمات، أتذكر حينها كنت بعمر الثامنة عشر، حينما أمرتي الملكة بأخذ إحدى الفتاتين....

آيلا بذهول: أين؟

اندريه: آه، لقد تركتها أمام إحدى المنازل.

آيلا بتعجب: حسناً، ولكن يوجد أميرتان في القصر، كيف حصل هذا؟

اندريه: كي لا يشك الناس، أو الملك بالأمر، طلبت الملكة أخذ فتاة ولدت في نفس ذلك اليوم، وكان بالطبع بالاتفاق مع أم الفتاة، وقبلت وكانت ممنونة لهذا الأمر.

آيلا: بالطبع، ومن لا يرغب بالعيش مع ملكة حكيمة ومنصفة، وبقصر فخم.

اندريه: هل حقاً ترين هذا جميل؟ فأنا أشعر بأن أسواره تكبت على نفسي، وجدرانه العالية تسبب لي التعاسة، لم أجد فيه أي أمل.

آيلا: هذا لأن قلبكَ لم يخفق بعد، دعه يرفرف، ولن تشعر بالضيق.

اندريه بصدمة: يرفرف؟!

ابتسمت آيلا، ثم غادرت، بعد أن اردفت:
_ هيا، أمامنا عملٌ كثير اليوم.

اندريه وهو يعود لعبوسه:
_ أوه، عدنا لتلك المرأة اللعينة.

اتجهت آيلا إلى المطبخ للإشراف على العمل، ولكنها كانت طوال الوقت شاردة الذهن، فقد انزرع بقلبها الشك فجأة.

آيلا في نفسها: "من هي الأميرة المفقودة ياوترى؟ وكيف هي حياتها الآن."

بعد لحظة تحدثت بصوتٍ مرتفع دون أن تدرك:
_ أوه، يا إلهي، لمَ لم أسأله أين وضعها؟!

ماري وهي تعقد حاجبيها:
_ وضع ماذا؟ ومن تسألين؟

آيلا وهي تبتلع ريقها، بعد أن استدركت كلامها:
_ لا، لا شيء مهم، كنت أحادث نفسي فقط.

كانت كلوي تشير لماري وهي تقف خلف آيلا، بيدها على أنها جَنت، وهذا بسبب انزعاجها من الموقف الذي جرى في الحديقة.

كلوي بسخرية: بالطبع ستحاثين نفسك، بعد الاحتضان الحميم ذاك.

آيلا بخجل، بعد أن احمرّ وجهها:
_ أي احتضان؟

كلوي وهي تضحك بسخرية وتنظر لماري:
_ انظري، وتتظاهر بالغباء أيضاً، تظن بأن أمرهم مخفيّ.

ماري بهمس بعد ان اقتربت من كلوي:
_ أخبرتكِ بأنها خبيثة، لم تردي، تستحقي هذا.

كان الشرر يخرج من عينا كلوي، لذا استمرت بالحديث وهي تحدق بآيلا التي ارتبكت ولم تعد تعلم ماذا تقول:

_ ماذا هيا قولي؟ هل أنتما بعلاقة أم لا؟

وسعت آيلا حدقتا عينياها، ثم قالت:
_ عن أي علاقة يا مغفلة وأنا بعمر أمه، تباً لكِ ولصُغر عقلكِ، لقد كان حزين و...

كلوي بسخرية: واشتاق لأمه فاحتضنكِ، هل هذا ما أردتِ قوله؟.

آيلا بغضب، وهي ترمي المعلقة الكبيرة من يدها:
_ تباً لكما، هيا اعملا لوحدكم.

ثم غادرت مسرعة، ودخلت غرفتها

رمت جسدها على السرير، وقالت:
_ أشعر بأن عقلي منهك أكثر من جسدي.

خرج الجرذ من مكانه على عجل وانضم إليها:
_ ماذا هناك؟

آيلا بتأفف: اتعلم؟! منذ أن دخلت القصر وأنا اشعر بالغرابة والحيرة، وكل يوم يحدث شيء جديد يجعلني أقف بطريق مسدود.

الجرذ: حسناً، فلتهدئي قليلاً، لأنني لم أفهم شيء بعد.

رفعت آيلا جسدها ببطء، ثم قالت:
_ لقد رأيتُ في الأمس...

قاطع حديثها أصوات صراخ، وأقدام تتراكض في أروقة القصر.

شعرت آيلا بالهلع، وركضت معهم لترى ماذا يجري.

آيلا وهي توقف أحد الخدم:
_ ماذا هناك؟ لمَ تركضون هكذا؟ هل حدث مكروه للملك؟

الخادم: لا، ولكن سمعت بأنهم يقولون بأن الأميرة سممت نفسها.

آيلا بهلع وقلبها يزداد نبضاً:
_ يا إلهي، هيا أذهب وأجلب حقيبتي، واتبعني.

ركضت آيلا لغرفة الأميرة، ووقف الخادم باستغراب:

_ولم الحقيبة؟! حسناً سأجلبها على الفور.

تخلل الخوف جسد آيلا المرتعش، وركضت باتجاه الأميرة المستلقية على الأرض.

ثم قالت بخوف: فليبتعد الجميع عنها، هيا ابتعدوا، دعوها تأخذ نفساً.

وضعت رأس الأميرة على فخذيها وهي تمسح على رأسها.

آيلا بصراخ: ألم يأتي بالحقيبة بعد؟

تراكض الخدم وتزاحمت الأقدام على الباب ومنهم من ركض ليخبر الملك، والآخر ليبحث عن الحقيبة التي تريدها آيلا

حينها جلب الخادم الحقيبة، وأعطاها اياها، ثم قال:
_ هل هذه هي؟

لم ترد آيلا، وفتحت الحقيبة على عجل، واخرجت علبة فيها أعشاب مطحونة، ووضعت منها في الماء.

الخادم بهلع: هل ستجعلينها تشربه وهي بهذا الحال؟!

آيلا: اصمت، وأجلب لي قطعة قماش.

بلت آيلا القماش بالماء المنقوع في الأعشاب، ومسحت فم الأميرة من داخله، كي تتقيأ ما بداخلها، إلا أنها لم تستجب.

وصل الملك راكضاً وهو يصرخ:
_ ابنتي، حبيبتي، ماذا جرى لها؟

آيلا وهي تنظر لأحد الخدم:
_ فلتساعدني لوضعها على سريرها.

كان الملك يشعر بالصدمة، ولم يعرف ماذا يفعل، ثم تبعته كاترين التي أظهرت الخوف.

كاترين: أوه يا إلهي، ماذا فعلتم بالأميرة؟

آيلا بامتعاض وهي تتمتم في نفسها: " إن كنت وراء ذلك فسأقتلكِ."

جلس الملك قرب ابنته وهو يمسك يدها ويقبلها، ويقول:
_ لمَ فعلتي هذا يا حبيبتي؟ كيف لتتركيني وحيداً.

كاترين بصدمة وهي تتمتم: " وحيداً أيها الناكر؟! في الأمس كنت أغلى ما لديك، اتركها فلتمت، وليموت معها كل أثر للملكة السابقة، في الأصل لن أدعهم يعيشوا بسلام"

آيلا بنبرة حادة: فليخرج الجميع، ودعوا الملك مع ابنته فقط، فهي تحتاج للوقت والراحة لتستجيب.

الملك بقلق: هيا فليخرج الجميع، هيا اتركوني معها لوحدنا.

كاترين: دعني أساندك هنا.

الملك بصراخ: اخرجوا جميعاً، هيا

لم تستطع كاترين أن ترى آيلا بصورتها الظاهرة للجميع، فقد كانت بشخصية مختلفة ولم يستطع سحرها كشفها.

ولكنها خرجت وهي غاضبة، بعد أن قام الملك بطردها.

كان اندريه يقف على الباب وهو يبتسم، وكاد أن ينفجر من الضحك، لولا مصاب الأميرة.

كاترين وهي تنظر لاندريه بغضب:
_ تبدو سعيد أيها الحقير، ولكن أعدك بأنه لن تدوم طويلاً ابتسامتك الخبيثة هذه، وسترى ماذا سأفعل.

اندريه بسخرية: أرى ماذا؟ فلتريني الآن، ثم أني لا أجد هنا أخبث منك.

زفرت بغضب وهي تُصغر بعينها وتشد على قبضة يديها ثم عجّلت خطواتها ودخلت غرفتها وهي تحطم كل شيء حولها بغضب:

_ هذه الأميرة اللعينة، تقصّدت إفساد حفل زفافي، ولكن لن ينتهي الأمر إلى هنا.

خرج الجميع من غرفة الأميرة، ولكن بقي اندريه وآيلا يقفان على الباب.

آيلا بخوف: لمَ فعلت هذا بنفسها؟

اندريه: بالطبع بسبب وجود تلك الأفعى، فمنذ أن أتت والملك يسكن غرفتها، ولم يسأل عن ابنته.

آيلا: ألهذا تركت القصر الأميرة دريزيلا؟

اندريه: أجل، لم تود أن تكون هناك ملكة بعد أمها.
ثم خطر على بال آيلا القصة التي رواها اندريه لها، لذا قالت:
_ هل تعرف من بينهما الأميرة الحقيقة؟


اندريه: أجل أعرف، ووظيفتي حمايتها، فهي أمانة الملكة، وحتماً ستكون ملكة كأمها يوماً ما عادلة ومنصفة.

آيلا: بالطبع لن يأتي ملكة بعد الملكة تريمين، فالجميع يشهد على نُبل اخلاقها ونزاهتها.

اندريه بامتعاض: آه، اخشى بأن يكون زمن النزاهة يتلاشى مع الوقت، ولكن أرجو بألا تموت الأميرة.

تحدثت آيلا بفزع، لذا قالت بللاوعي:
_ أتمنى أن تُشفى الأميرة سريعاً، وتبقى بخي...

قاطع الملك حديثهم وهو يفتح الباب ويصرخ:
_ ألم يأتي الطبيب بعد؟ حرارتها باتت ترتفع.

دخلت آيلا على عجل، لتتحسس جسدها، وبدأت تضع كمادات باردة على وجهها وقدميها بين الحين والآخر، وهي تدعي في سرها بشفائها.

حضر الطبيب الذي يحمل حقيبة سوداء وهو يركض في الرواق، إلا أن الأميرة بدأت تسعل وتتقيأ السم.

آيلا بسعادة: لقد صحيت، أوه يا إلهي، الحمد لله، لقد عُدتِ إلينا.

كانت الأميرة متعبة، ولم تقوى على الكلام، ولكنها استمرت بالتحديق بآيلا.

الملك وهو يمسك يدها: حبيبتي، نحمد الله على سلامتك، أبقي بجانبي يا بنتي أرجوكِ.

آيلا بنبرة هادئة:
_ إن سمحت مولاي، دعونا نتركها كي ترتاح، سيتأكد الطبيب من سلامتها ويخبرنا.

الملك وعلى وجهه علامات الحزن:
_ حسناً.

كان يسير وينظر للخلف بعد كل خطوة، فهو يخاف كثيراً من خسارة آخرى.

دخل غرفته وأخبر الجميع بأنه لا يرغب برؤية أحد، إلا أن كاترين لم تنتظر حتى تهدأ الأوضاع، أتت تتمختر وهي تقول:

_ ابتعد من أمامي، أريد الدخول لغرفة الملك.

اندريه وهو ينتصب وينظر للأعلى دون أن يعطيها أي اهتمام:
_ الملك لا يرغب برؤية أحد.

كاترين: ولكنه قال لي متى ما شئت أستطيع الدخول.

اندريه وهو لايزال على حاله:
_ ولكن ليس بظروف كهذه، عودي لغرفتك، وحينما يهدأ الملك سأخبره بقدومك.

كان الشرر يخرج من عينيها الواسعتين، لذا قالت بغضب:
_ اكرهك بشدة يا هذا.

اندريه بتمتمة: " كما لو أنه يهمني، في الأساس لا أحد يحبكِ أنت يا لعينة، فمنذ أن أتيتِ والمصائب تنزل علينا."

استدارت كاترين بعد ان مشت قليلاً، وقالت:
_ هل قلتَ شيء؟

اندريه بسخرية: أجل، قلت اذهبي، وارتاحي بغرفتك، لأن الحفل تأجل.

كاترين وهي تلملم بشفاهها:
_ لا، لن يتأجل، وسترى ذلك.


اندريه بلامبالاة: حسناً، لنرى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي