20 كشف السر للملك

الفصل العشرين:

(كشف السر للملك)

دخل الملك على خيمته الكبيرة، وجلس على كرسيه وهو ينتظر الشرح.

انحنت المرأة مجدداً، ووقف بقربها اندريه الذي كان يشعر بالارتباك، لذا قالت:
_ مولاي لقد أخبرتك بأنه سراً قد أُتمنت عليه.

الملك وقد نفذ صبره:
_ هيا قولي بسرعة، لقد أتعبتِ أعصابي بتلميحاتك السخيفة هذه.

المرأة: حينما حطت الملكة ابنتين، ظنت بأن اللعنة ستحل في القصر، لذا طلبت من اندريه أخذ إحدى الفتيات واستبدالها بأخرى.

عقد الملك حاجبيه، وهو ينظر لاندريه:
_ هل كنت تعرف طوال هذه السنين ولم تخبرني؟ هل أخذت ابنتي بعيداً عني؟

المرأة: لقد كان مجبر على كتم الحقيقة، فهذه وصية الملكة، وأوصتني أنا بأن أعتنيّ بها.

نظر لها اندريه بحقد، وقال:
_ ألهذا السبب كانت تعيش بكوخ قديم؟ هل هذا هو اهتمامكِ؟


نهض الملك وهو يضرب على رأسه ويقول:
_ أنا حقاً لا أستوعب ما تقولانه، هل أخذتما ابنة الملك وتركتماها تعيش بكوخ؟ هل هذا ما تريدان بأن تخبرانني به.

اندريه بخوف، وهو يحاول الشرح:
_ مولاي أنا حقاً لم أعرف بأنها كانت تعيش بكوخ، بل تركتها أمام بيت أناس أعرفهم، وهو ذو خلق، وكانت حالتهم جيدة جداً، وكنت إضافة إلى هذا أترك بعض النقود والمؤن أمام منزلهم مع رسالة، توحي بالشرح بأن الفتاة مهمة.

المرأة بحزن: لقد باعوا الفتاة بسب كرمك الزائد هذا، ومن بيت لبيت، لحين وصولها لعائلة احتوتها بكل حب، ولكن كانوا فقراء للغاية.


الملك بغضب: يا إلهي، كيف لابنة ملك أن تعاني لهذه الدرجة.

همس اندريه للمرأة وقال:
_ لا تخبريه بما فعلته كاترين بها أيضاً، أو أنها كانت خادمة في القصر، لأنه حينها سوف يُجن.

المرأة بصوت منخفض:
_ لا، لن أقول.

الملك وهو يدور في المكان، ثم نظر إليهما بامتعاض:
_ هل هناك شيء آخر عليّ معرفته؟ أشعر بأنني سأموت من الصدمة.


لم ينطقا بشيء، وكان ينظر اندريه للمرأة بحقد طوال الوقت، لذا اردف الملك بغضب:

_ هيا اخرجا من هنا.


خرج اندريه مسرعاً لينتظر شرح منها، لذا جرها من وشاحها بعد أن خرجت، وتحدث بغضب وقال:
_ يا لكِ من عديمة الضمير، لم قبلتِ بإقحامها بكل هذه المشاكل.

المرأة وهي تنظر إليه بطرف عينها:
_ كان عليك التفكير بهذا قبل أن ترميها، هيا اغرب عن وجهي، ودع المواعظ هذه لنفسك، علّ الضمير يعمل عندك، فهو يعمل بشكل جيد لدي.

اندريه وهو يمسك على قبضة يده بغضب:
_ تباً لكِ ولضميرك.


غادرت المرأة وهي تتمتم في نفسها وتقول: " أرجو أن تتمنى آيلا أمنيتها الأخيرة بأنهاء كل هذا والعودة بخير، فأنا لم أعد أستطيع فعل شيء لها."


كانت ليلة عصيبة على الملك واندريه، الذين لم يناما من شدة القلق، وبعد تفكير طويل قرر اندريه التحدث معك الملك.

دخل وهو يخفض رأسه، ثم قال:
_ مولاي، هل تسمح لي بالتحدث.

الملك وهو يضع يده على رأسه وينظر للأرض بحزن:
_ ماذا هناك، هل جلبت لي مصيبة جديدة؟.

اندريه باندفاع: سأصعد للأعلى لأنقذها.

الملك بسخرية: وكيف ستفعل هذا؟ هل لديك قوة خارقة أم ماذا؟


اندريه وهو يتحدث بشكل جديّ:
_ مولاي سأحاول كل ما بوسعي كي أعيدها، ليس لدي أي قوة ولكنني مصمم على الصعود إن سمحت لي.

نهض الملك ثم وضع يديه خلف ظهره، وخرج وهو ينادي على الجميع ويقول:

_ فليسمع الجميع، من يتشجع على الصعود ومساعدة الأميرة كي تعود سالمة، سأزوجه إياها.

كَثُرت الهمسات والمشاحنة، فالجميع يتمنى بأن يتزوج من أميرة.

اندريه في نفسه: " لن تكون تلك الفتاة لغيري ما دمت على قيد الحياة."

كانت المرأة تنظر وتتأملهم من بعيد ثم نظرت لاندريه الذي ينظر للسماء بين الحين والآخر ، وقالت في نفسها: "ستكون من نصيبك بالطبع، فقط عليك الصبر قليلاً، فلو نلتها لن تنل بعدها شيء أفضل من ذلك."

اندريه بحماس وهو ينظر للملك:
_ هل تسمح لنا بالصعود الآن؟

الملك: تمهل قليلاً، على الأقل للصباح، فالجميع يحتاج أمتعة للصعود، كالحبال والأربطة وغيرها.

اندريه بامتعاض وهو يتمتم بصوت منخفض:
_ حبال، تباً.

الملك وهو يعقد حاجبيه:
_ هل قلت شيئاً؟

اندريه وهو يبتلع لعابه، ويخفض رأسه بخجل:
_ لا، أقصد كنت أقول لننتظر للصباح.

ابتسم الملك حينما شعر بقلقه، ثم عاد لخيمته كي يرتاح

في الأعلى
كانت آيلا تصرخ وتنادي:
_ أين أنتم هل من أحدٍ هنا؟

ظهر العملاق صاحب الكرش السمينة، وقال وهو يكشر عن نابيه:
_ ماذا هناك يا دخيلة؟

آيلا بخوف: أريد العودة لدياري، لم أعد أريد شيئاً منكم.

العملاق السمين بغضب:
_ كان يجب أن تفكري بهذا قبل أن تأتي إلى هنا، لأنك لن تخرجي أبداً.

تراجعت آيلا لآخر القفص بخوف، وهي تنظر لعينيه المتوحشتين، ثم لعق لسانه، واردف:
_ لا أعلم لمَ أشعر بأنكِ ستكونين وجبة رائعة، وليست كأي وجبة.

ابتلعت آيلا لعابها بخوف، ثم قالت:
_ لا أعتقد بجسدي الصغير هذا سأنفع كوجبة، أرجوك لا تأكلني.

اقترب السمين أكثر كي يمسك بها، فهو لم يعد يحتمل رائحتها العطرة، لذا مد يده وقال:
_ تعالي ألي، فرائحة دمائكِ تناديني من أمتار، فلم أعد احتمل.

كانت آيلا تصرخ وتتوسل، إلا أنه أخرجها من القفص وكان يأكلها، لولا قدوم العملاق اللطيف جون.

تحدث جون بصراخ وهو يركض:
_ اتركها أيها المغفل.

أخذها بقوة من يديه، ثم اردف:
_ سيعاقبك القائد على فعلتك هذه، ألم يقول بأنها مهمة؟

العملاق السمين بامتعاض:
_ يا ل السخرية، وماذا ستنفع فتاة بحجم أضفر إصبعي الأصغر؟!

جون بغضب: هيا اغرب عن وجهي، وعد لعملك.

غادر بامتعاض، أما آيلا التي كانت ترتجف وتبكي، لذا قال جون وهو يطمئنها:
_ لا تقلقي، لن يستطيع أحد إيذائك.

آيلا ودموعها تنسكب على خديها:
_ ولكنه حاول أكلي.

جون: هذا المغفل لا يفهم من تكونين، لذا لا تهتمي كثيراً بالأمر، سأحميكِ

آيلا وهي تمسح دموعها، وتنظر إليه:
_ هل تعدني بذلك؟

جون وهو يهز برأسه:
_ أجل، فهذه مهمتي هنا.

آيلا باستغراب: مهمتك؟! ألست مثلهم؟

جون وهو يتنهد: بلى، ولكن مهمتي حماية الأميرات وليس قتلهن.

لم تشعر آيلا كثيراً بالراحة، لذا تمتمت في نفسها: " أرجو أن يكون صادقاً معي، فأنا لا أريد أن أكون في أمعاءهم القذرة".

جون وهو يبتسم: أنت لا تصدقينني أليس كذلك؟

آيلا: أصدقك إن ساعدتني على الهرب من هنا.

نظر إليها لدقائق وهو يتأملها مما ازداد القلق بداخلها، لذا اردفت قائلة:
_ لمَ تنظر إليّ هكذا؟

جون بنبرة هادئة بعد أن ازاح نظره عنها:
_ سأساعدكِ بالطبع، أخبرتك بأن هذه هي مهمتي.

آيلا بسعادة: حقاً؟! إذاً دعني أذهب.

جون: لن تستطيعي السير وحدك في جزيرة كبيرة وسحرية كهذه، ولكن حينما تسنح الفرصة سأوصلك للشجرة التي أتيتي منها.

تذكرت آيلا حينها قصة البذور السوداء، لذا قالت:
_هل تعلم من صنع البذور السوداء؟

جون بعد أن تنهد: في الحقيقة لا أعلم أي رواية هي الأصح، ولكن قيل بأنها صنعت من مياه هذه الجزيرة، ولكن لا نعلم كيف ومن صنعها، ولأجل ماذا.

آيلا باستغراب: وكيف وصلت لأيدي البشر.

جون: لقد كان للسحرة فضول للوصول إلى هنا وسرقتها، ولكن كل من أتى كان يلقى حتفه، إلا أن هناك رجل عجوز استطاع النزول بهن للأرض.

آيلا: وكيف استطاع ذلك؟!

جون وهو يهمس بصوتٍ منخفض:
_ أنا من ساعدته على الهرب، ولكن لم أكن أعلم بأنه استطاع سرقتهن، والآن بعد أن رأيتك علمت لمَ حدث كل هذا، فكل شيء مترتب لأجل قدومك إلى هنا يا أميرتي؟

آيلا: هل أنت تصدق أني أميرة؟! فأنا لا أعلم من أين أتيتم بهذا الأمر.

جون: ستعرفين قريباً كل شيء، ولكنكِ الأميرة التي فقدتها الملكة منذ سنوات، وأصابها المرض من شدة حزنها على فقدك.

آيلا باستغراب: أنت تمزح أليس كذلك؟ هل تقصد بأني ابنة الملكة ديميت؟

ثم ضحكت ساخرة وهي تضع يدها على فمها، ثم اردفت:
_ وكيف فقدتني لو كان صحيحاً؟

جون: لقد أرسل إليها السحرة نبدأ بأن وجود أميرتين في القصر سيجلب الحرب.

آيلا بحزن: وهل حقاً كان سيحدث ذلك؟

جون وهو يبتسم: لا، بل كنت ستجلبين القوة، فبداخلك طاقة عالية تبث الأمان في الأرجاء، لذا كنت المختارة.

آيلا بسخرية: المختارة بالعيش بعناء؟

جون: بل تحدي أي صعب، انظري لمَ أنت عليه، لقد أوصلتي نفسك للقمم دون أن تعلمي.

آيلا بلا مبالاة: لا يهمني أي قمم، أريد فقط تحرير أصدقائي.

جون: حسناً، فلتهدي، وإياكِ أن تُغضبي القائد، وحينما يحين الوقت سآخذكِ لبر الأمان.

آيلا بنبرة هادئة: حسناً.

ابتعد جون، واتجه لخارج الكهف، وقبل أن يغادر اردفت وهي تقول:
_ جون، أنا أثق بك.

استدار نحوها وقال: وأنا أيضاً.

ابتعد عن انظارها وهو يسير بخطوات كبيرة، لذا تمتمت في نفسها: " هل يقصد بأن يثق بي؟ أم أنه يريد مني فعل شيء يثق بأني أستطيع فعله؟ ولكن في كل الأحوال يبدو طيباً"

ثم جلست وهي تتذكر حياتها وكيف بدأت بحزن.

حل الصباح على البلاد، وكان اندريه ينتظر ظهور الشمس بفارغ الصبر.

استعدوا عشرة جنود وكان بينهم اندريه، الذي كان يجهز منذ المساء، ثم انطلقا بعد أن أذن لهم الملك.

ولكن سقط ثلاثة بعد الوصول لعدة أمتار، وثلاثة أخرون بعد وصول الغيوم وتبقى أربعة

صمدوا لبعد الغيم بمسافة، إلا أن اثنان زلت قدمهما وسقطا للأسفل، وتبقى فقط اندريه ومعه جندي، يحاولان الوصول.

في القصر
كانت كاترين تسمع ما يجري من الحرس والخدم، وكانت تجلس بمكان الملك بغيابه بفخر وهي تقول:

_ ذلك الملك الهرم يعرف كيف يختار الكراسي التي تليق بمملكته، فجميع كراسيه مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة.

انحنت خادمتها كاريس وقالت:
_ مولاتي.

رفعت كاترين رأسها بعجرفة، ثم قالت بنبرة حادة:
_ ماذا هناك؟ هل حدث شيء جديد؟

كاريس: أجل مولاتي، لقد سمعت بأن هناك عشرة جنود صعدوا للأعلى.

كاترين باستنكار: لأجل ماذا؟ هل تتوقعين لأخذ من البذور السحرية؟

كاريس: لا، فقد سمعت بأنهم يقولون بأن هناك فتاة عالقة في الأعلى.


كاترين بسخرية: يا ل السخافة، وهل يخاطر الملك بجنوده لأجل فتاة؟ لم أعرفه وهو نبيل الأخلاق لهذه الدرجة.

ثم ضحكت بصوت مرتفع واردفت:
_ لا أعتقد العمالقة سيتنظرون لحين وصول الجنود للأعلى، بل حتماً سينزلون، وفي الحقيقة أتمنى حدوث هذا سريعاً.

كاريس بارتباك ولكن تحاول الثبات أمام كاترين لذا قالت بخوف:
_ هل يأكلون البشر؟

عادت كاترين لقهقهتها العالية والمخيفة، ثم قالت:
_ وما الذي يمنعهم؟ أعتقد يحتاج كل واحداً بهم الآلاف ليكفيه وجبة واحدة.

ارتجف قلب كاريس، وخرجت مسرعة لتخبر الخدم بالأمر.

في غرفة الخدم الكبيرة والطويلة ، دخلت كاريس تصرخ بهلع وهي تقول:

_ هل سمعت ماذا سيجري إن نزل العمالقة على الأرض؟

ماري بغضب: بماذا أخبرتكِ سيدتكِ المنبوذة.

عقدت كاريس حاجبيها، ثم تحدثت بنبرة حادة:
_ سأجعلك تندمين على قول هذا على مولاتي، فهي الملكة هنا، وكل ما تأمر به ينفذ.

ضحكت كلوي ساخرة وقالت:
_ فلتصمتِ يا فتاة فلا أحد يهتم لوجودها.

مارتن بخوف وهو يفكر بأمر العمالقة، لذا قال:
_ حسناً، هذا يكفي، هيا أخبرينا ماذا سيحصل؟!

كاريس وهي تبتسم ابتسامة خبيثة:
_ وماذا برأيكم؟ بالطبع سيأكلونكم جميعاً ولن يبقى هناك قصر أو مملكة وبلاد.


ماري بغضب: ولمَ تبدين سعيدة هكذا؟!

ضحكت كلوي بسخرية وقالت:
_ هذه لحمها سام لذا لن تؤكل.

علّت أصوات ضحكات جميع الخدم في المكان، وهذا ما تسبب لكاريس بالحرج، لذا غادرت وهي غاضبة لتشتكي لكاترين بما يقولونه.



في قصر الملك انطونيوس

كانت الأميرة كوزيت قد وصلت، وهي تشرح للملك ماجرى.


الملك انطونيوس باستغراب:
_ وماذا سيحدث الآن؟


كوزيت وهي تسير في الصالة بانزعاج:
_ لا أعلم ماذا سيحدث، لكن ما يغضبني بأن خططي قد فشلت.


الملك انطونيوس: لا عليكِ، سنأخذ بلادهم بالتأكيد، فالعمالقة لن يترك أحداً منهم.


كوزيت بقلق: وماذا لو قرروا الاعتداء علينا أيضاً؟


الملك انطونيوس: لا، لن يتجاوزا اي بلاد لم تتعدا عليهم.


كوزيت باستغراب: ولكن الشجرة نمت لوحدها، ماذا لو نمت هنا أيضاً.


نهض الملك انطونيوس من مكانه وهو يعقد حاجبيه، ثم تحدث بقلق:
_ ليس في أرضنا سحرة، لذا لن تنمو، ولكن سنكون حذرين في كل الأحوال.



جلست كوزيت وهي تلملم فمها وتنظر للفراغ بامتعاض وهي تربع يديها على بعضهما، وقالت:
_ أرجو بأن استطيع أن أكون ملكة في قصرهم.


الملك انطونيوس بخبث:
_ لا عليكِ يا ابنتي، إن لم يكن هو، فهناك الكثير من البلاد والملوك، الذين قد تمشي عليهم خطتنا.


في أعلى الشجرة
حيث توصل إلى هناك اندريه والجندي جيلر.


جيلر وهو ينظر لاندريه بغضب:
_ لن تنال الأميرة حتى ولو انقضت حياتها، فلن تعود على الأرض إلا معي.

اندريه بلامبالاة: حسناً، لنرى.


ثم ابتعد عنه، وسار بطريق الأعشاب وترك جيلر الذي ينظر للأشجار الضخمة ويقول:

_ حسناً، هذا جيد فلتذهب بطريق غير طريقي.


اندريه وهو يهز برأسه ويتمتم في نفسه: " يا ل حماقتك يا هذا، لنرى ما تقوى على فعله."

كان اندريه يسير وهو يحاول قطع العشب الذي أمامه بسيفه الحاد.


وبعد مرور ساعات من المشي، قرر الجلوس ويرتاح.


لذا قال بامتعاض بصوتٍ منخفض:
_ كيف استطيع أن أجدها بجزيرة ضخمة كهذه؟.


سمع صوته الجرذ جنيور، لذا همَّ راكضاً باتجاهه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي