11 الخبر المفاجئ

الفصل الحادي عشر:

(الخبر المفاجئ)

شدّت كاترين على قبضة يديها بقوة، ثم عادت لغرفتها وهي تتمتم: "لن يمرّ اليوم دون حفل الزفاف المنتظر، وسأسحق كل من وقف في طريقي."

كان الملك في غرفة ابنته، يشعر بالأسى عليها، لذا تحدث بنبرة حانية:
_ لمَ فعلتِ هذا بنفسكِ يا ابنتي؟! هل تودين أن أموت قهراً بعد فراقكِ؟

أنستازيا وهي تنظر إليه بعينها المتعبتين:
_ أمد الله بعمركَ يا أبي، ولكن شعرتُ بأن لا أهمية لوجودي هنا معكم.

الملك بصدمة: ماذا؟! من قال لكِ بأن ليس لكِ أهمية وأنت كل الوجود بالنسبة لي؟!

لم ترد أنستازيا واستمرت بالتحديق به فقط، لذا اردف الملك بحزم:
_ حسناً، سألغي حفل الزفاف بما أنكن لا ترغبن به، فأختكِ سافرت وتركت القصر دون إخباري، وها أنت وددت مفارقة الحياة.

أنستازيا بقلق: أرجوك لا تلغيه، ليس الزفاف ما يزعجني، وأنت تعلم بأن سعادتك تهمني.

الملك بحزن وهو يمسك يدها:
_ اسمعي يا أميرتي، أنا أيضاً تهمني سعادتك، وهذا القصر يحتاج لكنّ أيضاً، ستكون إحداكما الملكة يوماً ما وتقود البلاد.

أنستازيا بلامبالاة: في الحقيقة لا أهتم لذلك، ولكنني سأبقى بجانبك وادعمك بالتأكيد.

قبل الملك يدها، ثم طبطب عليها وقال:
_ هذه هي ابنتي.

أنستازيا: هيا أذهب لتحضير نفسك للحفل، فالضيوف بالتأكيد بدأت تتوافد....

الملك: لا مشكلة يتم تأجيله ريثما تتحسنين.

أنستازيا: أنا بخير، وسأكون معك في الحفل الليلة، لا تقلق، أرجوك لا تأجله.

قُطع حديثهم حينما طَرق اندريه الباب

اندريه بعد أن احنى رأسه بلطف:
_ مولاي، اعتذر ولكن هناك أمر هام يجب أن تراه.

الملك باستغراب: ماذا هناك أيضاً؟ هل نُشبت حرب أم ماذا؟

اندريه وهو يتمتم في نفسه: " بل أفظع من ذلك."

استمر ينظر للملك وهو يقف في مكانه وينتظر خروج الملك من غرفة الأميرة.

الملك بتعجب: لمَ تقف كالأبله؟ هيا قُل.

اندريه بارتباك: مولاي، أردت إخبارك بأن جميع مدعوي الحفل قد أتو.

الملك: وإن يكن..

اندريه وهو يخفض رأسه:
_ كاترين.

الملك: ما بها هي الأخرى؟ هل قذفت نفسها أم ماذا؟ لا أعلم لمَ الجميع يتصرف بغرابة اليوم.

ثم خرج من الغرفة بغضب

اندريه في نفسه: " ليتها فعلت ذلك."

تبعه اندريه، وسار خلفه وهو يقول:
_ مولاي، لم تقذف نفسها ولكنها اقتحمت صالة العرض وهي تتباهى بثوبها وبجمالها أمام الناس، وهذا ..

قاطعه الملك بغضب:
_ هذا أسخف ما سمعته، لا يجب أن تخرج الآن، أوه، يا للحماقة، كنت أود تأجيل الزفاف، وربما ألغيه تماماً.

اندريه: أرى بأن هذا أفضل حلاً، فنحن لا نريد أن يسوء حال الأميرة أكثر.


اتجها للصالة، ووقفا عند بابها وهم ينظرون لتصرفات كاترين المُخجلة.

ضرب الملك على وجهه وقال:
_ أنها تدور بين الطاولات وترحب بالضيوف، أوه يا إلهي سأفقد عقلي، هيا أذهب وأخبرها بأن الملك يريد رؤيتكِ، هيا بسرعة.

سارع اندريه بالسير باتجاهها، وحينما أصبح بقربها، تصنع ابتسامة وقال:

_ المعذرة، ولكن الملك يريد رؤيتكِ.

كاترين بتباهي وهي ترفع يديها:
_ أرأيتم؟! لا يستطيع مفارقتي

استدارت كاترين، وحملقت بطرف عينها، ثم قالت:
_ ماذا هناك؟! ماذا يريد مني الملك؟

اندريه بنبرة حادة: من طلب منكِ أن تَجهزي، وتدخلي الصالة؟

كاترين بعجرفة: أفعل ما يحلو لي، هذا ليس من شأنك يا متطفل.

اندريه: هل تتوقعين بأنكِ ستَلقينَ احترام الجميع بتصرفاتك الخفيفة هذه؟ الملكة لا تدور بهذا الشكل ولا تدخل إلا باحتفال ومراسم استقبال.

كاترين بلامبالاة: حسناً، حينما أدخل مرة أخرى مع الملك أفعلوا ذلك بأكمل وجه.

زفر اندريه بامتعاض، ثم قال بصوتٍ منخفض:
_ هذا إن دخلتِ مجدداً.

كاترين بغضب: ماذا قلت؟

اندريه: قلت بأنه ينتظركِ في شرفة الحديقة، هيا اذهبي.

كاترين بسعادة وهي تمشي بتباهي:
_ حسناً، وداعاً.

لوحت كاترين له بأصابع يدها بسخرية، ثم ذهبت على عجل.

اندريه وهو يكاد أن ينفجر: " تظن بأنها تستطيع أن تكون ملكة بسهولة تلك الغبية، وهي لا تصلح حتى أن تكون خادمة."

بعد لحظات ضُرِبت عينه على كلوي التي تنظر إليه

لذا اردف: " وهذه المجنونة الأخرى لا أعلم كيف استطيع التخلص من نظراتها، وملاحقتها لي، كما لو أنني متفرغ للحب ودخول بعلاقة، اوف، لمجرد التفكير بالأمر مرهق."

ظهرت أيلا من خلفه، وحطت يدها على كتفه، فشعر كما لو أنها وضعتها على قلبه، ادار رأسه ببطء، ثم قال:

_ هذه أنت؟!

آيلا بابتسام: بما كنت تفكر؟ تبدو منزعجاً.

اندريه وهو يستدرك وقفته المثيرة للشك، بوسط الصالة:
_ لا، لا شيء مهم، دعينا نتحدث في مكان آخر.

جُنّت كلوي، التي ترتب الطاولات، لذا وقع من يدها طبق، وأحدث فوضى وضجة بالمكان بعد أن رأتهم يتحادثان.

ضرب اندريه على وجهه بامتعاض، وقال:
_ انظري للغبية الأخرى ماذا فعلت، أشعر بأنه حفل عزاء لا زفاف.

آيلا: تباً، أنه يوم تعيس بالفعل، أرجو بأن يمر على خير.

ركض اندريه باتجاهها، ثم قال بصوتٍ منخفض:
_ ماذا جرى لكِ؟ هل الجميع يتقصد إحراجي اليوم؟

كلوي بارتباك، وهي تقف بخجل:
_ اعتذر لم أقصد، ولكن كنت شاردة الذهن قليلاً.

اندريه بتأفف: ولم الشرد إن كنت تعملين ها؟ هي اجمعي الفوضى التي احدثتها، ودعي ماري تُكمل ترتيب الطاولات.

كلوي وهي تنظر لآيلا بنظرات غضب:
_ حسناً، سأذهب.

في الشرفة التي تطل على الحديقة، كان الملك يدور في المكان بغضب.

توقف حينما رأى كاترين، وقال وهو يعقد حاجبيه:
_ من سمحَ لكِ بدخول الصالة ها؟ ألا تعلمي بأن لا شيء يحدث هنا بدون أمراً مني؟!.

كاترين وهي تخفض رأسها:
_ اعتذر مولاي، أتينّ صديقات لي مُهنئات، لذا اضطررت للدخول والترحيب بهنّ.

الملك بصراخ وهو ينفث غيظاً:
_ ولكن الملكة لا تفعل ذلك، بل لها قيمتها...

صمت لثانية ثم اردف: تباً، إلى من أتحدث؟! أنت حقاً لا تصلحين بأن تكوني ملكة.

رفعت كاترين رأسها ونظرت بنظرات حادة، وحاولت تمالك نفسها، وقالت:
_ ماذا تقصد؟!

الملك وهو يشير لها بسبابته:
_ هيا عودي من حيث أتيتِ، لن يكون هناك زفاف أو غيره.

توسعت حدقتا عين كاترين، وصُعقت مما قاله، لذا تمتمت في نفسها: " هل زال السحر عن هذا اللعين أم ماذا؟ ماذا جرى له؟!."

ركعت كاترين على ركبتيها متوسلة، ثم قالت:
_ أرجوك مولاي، فأنا أحبكَ كثيراً، ولن أستطيع العيش بدونكَ.

الملك وهو ينظر للجهة الأخرى:
_ قلتُ لكِ ما لدي، هيا اخرجي، فقد بدأت اشعر بالغيض منكِ.

نهضت كاترين وهي تمسح دموع التماسيح التي أنزلتهما بصعوبة، ثم قالت بنبرة حادة:

_ الآن اصبحت تشعر بالغيض مني؟ وأنت طوال السنة الماضية تترد وتأتي ألي، وفي حفلة القصر تبعتني وتوسلت ألي بالمجيء.

عقد الملك حاجبيه، ثم تحدث باستغراب:
_ هل كنت آتي إليكِ، أنت مجنونة بالفعل، ثم أنني مغفل بالفعل لأني تبعت امرأة مثلك.

كاترين: أجل، وآخر مرة كانت منذ شهرين، أتيت واستمتعنا بوقتنا كثيراً.

حينها استذكر الملك أنه سار باتجاه الغابة دون وعي، وفي الصباح يجد نفسه بالقرب من النهر.

الملك: هل كنتِ ترميني قرب النهر؟!

كاترين: لا، أنت من كنت تذهب لوحدك، ولا أعلم لمَ.

شوشت تفكير الملك، ومع هذا كان مصراً على كلامه، لذا قال:

_ وإن يكن، لم أعد أرغب بكِ، هيا اذهبي، انتهى النقاش.


كاترين: لا، لم ينتهِ بعد، ولن اسمح بذلك أن يحدث، طالما سأخرج ولن أراك مجدداً.

صرخ الملك، ونادى على اندريه الذي يقف عند مدخل الشرفة، وقال:

_ أذهب وأخبر الحضور بأن حفل الزفاف قد تأجل.

اندريه وهو يخفض رأسه ويطبق يديه فوق بعضهما:
_ هل تأجل كثيراً؟ لأن أغلب الضيوف أتوا من أماكن بعيدة.

الملك: لا أعلم، سيتم ريثما أجد ملكة مناسبة.

رفع اندريه طرف عينه وهو ينظر لكاترين التي تفيض من الغيض، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة توحي بالنصر.

كاترين بغضب: هل أنتَ سعيد الآن أيها الحقير؟

الملك باستغراب وهو يصرخ:

_ كيف تجرأتِ على تهزيئ حارس الملك؟ من أعطاكِ الحق في ذلك؟

ثم نظر لاندريه وقال: هيا تعال وأخرج هذه المرأة من أمامي.

كاترين: انتظر هناك أمر هام عليك معرفته، قبل أن أغادر.

الملك وهو يعقد حاجبيه: ماذا؟! هيا قولي بسرعة.

سالت دموعها على وجنتيها وقالت بتوسل:
_ أرجوك لا تتركنا، فنحن بحاجتك.

الملك باستغراب: اترككم؟! هل تتحدثي بالجمع؟!

أشارت كاترين إلى بطنها وهي تظهر الضعف.

صُدم الملك، ووضع يده على فمه، ثم قال:
_ هل...

كاترين: أجل، لقد حَمِلت، وقد يكون صبياً جميلاً يحمل اسم الملك عالياً، ويكون عوناً لك في إدارة شؤون البلاد.

رفع اندريه رأسه وباتت علامات الصدمة على وجهه، ثم تمتم في نفسه: " يا إلهي، أرجو بألا يكون هذا صحيحاً"

لم يعلم الملك ما يقول فقد صدم بشيء لم يكن يتوقع حدوثه، ولكنه قال:
_ حسناً، اذهبي الآن لغرفتكِ، سنتحدث فيما بعد.

مسحت دموعها بسرعة وشعرت بأن هناك أمل بأقناع الملك بالزواج منها.

اندريه: ماذا عن الحضور، ماذا أقول.

الملك بغضب: قل لهم ما تشاء فقط اتركوني لوحدي.

القى التحية اندريه وخرج مسرعاً.

وصل إلى الصالة، والقى خطاباً باسم الملك، وتعذر من الجميع قائلاً:

_ المعذرة سيداتي سادتي الأكارم، ولكن حفل الزفاف تأجل اليوم بسبب سوء حالة الأميرة.

كثرت الهمسات بين الجميع، وازداد الضجيج، لذا اردف:
_ سنعلن عن حفل الزفاف قبل يوم، نعتذر عما جرى.

إحدى السيدات وهي تتحدث مع صديقاتها:
_ هل يعقل بأن الملك لم يعد يرغب بتلك الفتاة؟!

سيدة آخرى: ولكن لم يكن لجمالها مثيل.

زوج السيدة: أجل، أنها جذابة.

السيدة الأولى: اسمعتِ زوجك ما قال؟!

_ لأيهم، بالطبع لن تنظر إليه، لذا مطمئنة.

قهقهوا فيما بينهم، ثم خرج الجميع من القصر باستغراب.


في المطبخ
حيث دخلت كلوي وهي تبكي بحُرقة، وتتنهد بين الحين والآخر.

دخلت ماري صدفة، ورأتها بهذا الحال، لذا قالت:

_ ماذا جرى؟ لمَ تبكين؟

كلوي: ذلك الحقير يسير ويتحدث مع آيلا بكل احترام، ومعي يتحدث بعجرفة.

ماري: أوف، ها قد عدنا لذات الأمر، متى ستعتادين عليه؟ نحن هنا منذ سنوات.

كلوي وهي تمسح دموعها:
_ ولكن كان يتعامل مع الجميع بلئم، لمَ اللطف مع آيلا؟

ماري: ربما لأنك كسرتٌ الطبق أمام الضيوف، واحدثتِ فوضى، فهو يحب الانضباط والترتيب.

كلوي: لا، أشعر بأنه يتودد لها، لقد كان يحتضنها في الأمس، واليوم هي من تضع يدها على كتفه.

ماري: اوف، لا أعلم متى سننتهي من هذا الأمر، ألم تجدي من تحبين سواه؟

كلوي بامتعاض: أوف، تباً لكِ أنت أيضاً، لا أحد يفهمني، هل أنا من اخترت من أحب؟ سأدع ذلك الحقير يحب عجوزه لنرى ما النهاية.

دخل اندريه المطبخ فجأة وقال:
_ اليوم سمعت هذه الكلمة ثلاث مرات.

ماري بغباء: ما هي؟

اندريه: ألم تعرفي بعد؟

ماري: ماذا؟

دفعت كلوي ماري من ساعدها لتصمت، ولكن لم تفهم.

اندريه: ألم تسمعي صديقتك ما تقوله؟ هل حقاً أنا حقير؟

كلوي بارتباك: لم أكن أتحدث عنك.

أخذ اندريه نفساً عميقاً، ثم زفره بقوة محاولاً التماسك، لذا قال وهو ينظر لكلوي:

_ ابحثي عن شيء آخر تتسلين به غيري هل فهمتي؟ لأنني إن سمعتكِ تتحدثين عني...

كلوي بسخرية: ماذا ستفعل ها؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي