الفصل2

الفصل 2

كانوا يجتمعوا على مائدة الطعام في صمت، على غير العادة يجلس أثر بجوار أروى اخته التوأم، وجاسم في مقابل قاسم، بينما خالد وقمر على رأس الطاولة....

لكن كلا منهم في عالم مختلف، وكأن ذلك الصمت غلاف لحوار طويل في عقولهم لهم يظهر على السطح...

فلم يجرأ أحد منهم على الهمس..

قاسم يفكر في أمر يشغل عقله، لمَ عليه أن يبقى تحت المجهر "الميكروسكوب"؟ تحت التساؤل ونظرات الام والاب! أن رجع الى البيت في وقت متأخر فلم يعد طفلا...

هو يعرف سبب الصمت الذي يدور حولهما، والده يعلم بنزواته التي تأخذه إلى عالم مختلف، لم يكن ليقبله خالد أو قمر، ربما تكون قمر غافلة عما يحدث...

بينما خالد ينظر لأبنه كأنه يعيد تحليله وتركيبه، لكن الى متى سيظل قاسم يشعر بأنه مراقب؟

بعد وقت من الهدوء الذي لم يبدده سوى صوت أدوات المائدة التي يحركونها برتابة، وصوت همس اروى لأثر توأمها فهما أصغر من جاسم وقاسم بثمانية سنوات

أروي: ماذا هناك هل تعرف سبب هذا الصمت القاتل؟
أثر: ليس تماماً ولكني اعرف الي حد ما..
_ ماذا تعني؟
_ والدك تناوش مع قاسم؛ لانه لم يرجع إلى البيت بالأمس أخذ يسأل عن السبب..
_هل تشاجر معه حقا؟
_ ليس تماما ولكن...

صمت عندما ادرك ان جاسم ينظر لهم، وكأنه ينبههم أن الصوت يصل إليه، ومن السهل أن يصل الى والدهم وأخوهم الأكبر..

صمت أثر وهو يشير لها لتأكل دون ان تسأله عن شيء آخر..

بينما جاسم يعرف جيدا في ماذا يفكر قاسم؟ فهو يريد منفذ ليحلق الى تلك الحياة، التي لن تقبلها العائلة فهم من أصول ريفية، لن يقبلوا ذلك الانحلال الذي يعيش فيه...

لكن قاسم يجد لنفسه ثغره لم يتخيل جاسم انه قد يفعلها هو من كان يقول إلا المم، ها هو يبحث عن باب يدخل منه الى الشيطان..

بينما قاسم يرتب الكلام في عقله، لمَ لا يبحث عن حل أو حجه مقنعة سوف يقول لهم، انه يريد مكان خاص ليبدع فيه! فكان هو أول من بدد الصمت وقال:

قاسم: كنت أفكر في أمر اتمنى أن توافقوا عليه..

نظر له والده باستفسار، اما قمر شعرت بالخوف فما حدث في الصباح لم يكن هين..

قاسم: اني افكر من فترة في امتلاك شقة قريبة من الشركة


سؤال لم ينطق به أحد غير والده:

خالد: هل ستترك الفيلا لتعيش بمفردك؟ هل كل هذا لاني تناقشت معك في سبب تاخرك هل اصبحت كبير على التوبيخ ان اخطأت، هل تفكر في الأنقسام عنا؟

_ انا لم اقصد شئ مما تفكر فيه أبي

كاد ان يثور إلا أن قمر تدخلت..

قمر: بالطبع لا يا خالد قاسم لا يقصد، ما فهمت..

كانت تنظر له تتمني ان يأكد كلامها ولكنه أجاب...

_بالطبع أمي، أنى أقصد إن إتأخرت في الشركة أو أحتجت الى التركيز من أجل تصميم مجموعة جديدة..

نظر له جاسم دون أن يعقب فهو يعرف لما يريد شقة مستقلة؟
ليس هروب من أعين إخوته الصغار ولا بحث عن الإبداع بل من أجل نزواته!!

لقد تغير بعد أن كان لا يسمح لنفسه الانسياق وراء الرغبة، وجد ثغرة يحلل بها ما يفعله، فكل عارضة جديدة كانت صيد جديد! يضعها تحت ضغط دون أن يطلب منها شئ..

حتى تاتي إليه بإرادتها؛ وقتها كان الحل ورقتين يحتفظ بهما هو، إلى أن يمل والعائد مجزي فهو يملك الكثير..

ورغم عدم اقتناع والده ووالدته بكلامه، إلا أنه يعلم انه حسم أمره، خاصة بعد مناقشتهم صباحا، ومما يظهر علي وجه قاسم يعلم سيفعل ما يريد...

إذا عليه ان يتقبل ما يفكر فيه ابنه، حتى لا يجعله يخرج من السرب رغما عنه، عليه أن لا يتمادى في غضبه ولا يثور عليه امام الجميع، رغم أنه في هذه الحالة يوشك على الانفجار...

قاسم حضرتك فاهم ما اقصده حتى لا ارجع في وقت متأخر..
رفع خالد كوب الماء أرتشف منه القليل، دون أن يرد على ابنه، وهو ينهض عن المائدة

قمر: إلى أين أنت ذاهب يا خالد؟ لم تكمل طعامك بعد...

خالد: لقد اكتفيت..

ما أن ذهب، حتى توجهت الانظار صوب قاسم، الذي ترك الطعام هو الآخر هو يقول:

_انا ايضا لقد اكتفيت..

لم يكن الجميع يدري، إن كان كلمة اكتفيت تعني من الطعام ام من تحكم خالد فيه..

مرت الايام بعدها، ما بين العمل ورجوعه للفيلا اغلب الاوقات، حتى ظن الجميع ان كلامه عن بيت مستقل كان مجرد كلام...

إلا أن الأمر لم يستمر فها هو لم يمض شهر حتى كانت الشقة جاهزة على أفضل ما يكون...
حياته في الشقة كانت مزيج بين العمل، والمتعة التي استطاع ان يجعلها علاقات سرية تبدأ وتنتهي في الفراش. .

لقد. كان في علاقة مع إحدى العارضات منذ فترة، ولكنه اليوم يفكر في مجموعة جديدة من التصميمات؛ لذي لا يريدها هذه الأيام ولا حتي غيرها...

إلا أن قدومها اليوم لم يكن في الحسبان فهو بالفعل يحتاج ليبقي بمفرده..

كان يرتدي سروال مريح ولا شئ آخر، يترك عضلات جسده بارزة، تلفحها نسمات الهواء الآتي من الشرفة المفتوحة، فهو لم يتوقف عن ممارسة الرياضة، حتى بعد أن تخلى عن فكرة بطل العالم في الألعاب العنيفة وفنون القتال.

ها هو يتحرك إلى المطبخ الأمريكي المفتوح على الصالة ليعد كوب من القهوة عله يحصل على فكرة لتلك المجموعة الجديدة

وقف يمتص دخان السيجار الكوبي الذي يفضله، وهو يرتشف القهوة ينظر إلي الليل أمامه، يحتضن كل شيء إلا أنوار تأتي من بعيد، فهو علي علو شاهق لا يصل إليه صوت شئ

ولكن في لحظة كاد ينتفضَ! وهو يشعر بها تضمه ويدها تتحرك على عضلات صدره بنعومة ودلال

هو يذكر جيدا أنه بمفرده التفت ينظر لها ليجدها تتعلق برقبته تقترب من شفتيه وكأنها لم تعد تقوي على الصبر.... .

كاد ان يوقفها لكنها لم تترك له مجال وهي تلقي نفسها في حضنه وهي تهمس باسمه بشغف...

لؤلؤ : أشتقت اليك قاسم

كادت أن تقبله مرة أخرى! إلا أنه نظر لها بحاجب مرفوع وكأنه يعترض وقال :

قاسم: كيف دخلتي إلى هنا؟!

لؤلؤ: من الباب بالطبع فأنا لا زال معي مفتاح

قاسم: ماذا قلتي هل لا زال المفتاح معكي؟

لؤلؤ: لم أفهم ماذا تعني؟

قاسم وهو يسحب دخان السيجار قال :

_لم تفهمي أم لا تريدي الفهم؟ لقد اتفقنا آخر مرة كنا فيها معا أن الموضوع انتهى

لؤلؤ: اجل لكني لم استطيع ....

قاسم رجع خطوة يبتعد عن حصارها له، يدها التي تحط على موضع قلبه، وهي تحرك أناملها كأنها تعزف، ترك كوب القهوة من يده والسيجار في المنفضة وقال...

قاسم : لكن ماذا وما هو الذي لم تستطيعي فعله؟

لؤلؤ : البعد لقد اشتقت اليك واريدك

قاسم: هل تمزحين ماذا تعني بأنك تريدني
_ كما سمعت قاسم أريدك في الفراش كما كنا من قبل
_ لقد انتهى ما كنا عليه من قبل، مجرد اتفاق وانتهت مدته...

_ لمَ تتعامل معي بهذه الطريقة الفجاة وانت تعلم جيدا كم رجلا آخر يتمنى ان يكون مكانك !

نظر لها قاسم بغضب للوهلة الأولي وهو يقول:

_ لا حد يستطيع ان يكون مكاني، لكن إن كان الأمر أو ما تقصده ان يكون معك في الفراش، مثلما كنت انا، فلكي حرية القرار ، الأمر لا يعنيني..
_ لكتي لا أريد غيرك قاسم احبك

نظر لها بعدم تصديق وهو يفكر في التخلص منها .

لؤلؤ: لمَ لا تصدقني؟!

قاسم وهو يزفر أنفاسه، قال: الأمر ليس عدم تصديق بل هو اتفاق وانتهت مدته ولقد قبلتي بشروطه

لؤلؤ : أخطأت؛ لأني لم أدرك أن قلبي من سيكون في المنتصف، وها انا ضعفت، رغم تفكيري ان بمقداري النسيان والبعد عنك، لكني لم أعي وقتها أن ليلة واحدة معك بعمري

قاسم: وما هو المطلوب ؟

لؤلؤ رجعت خطوة كأنه صفعها ! وهو بالفعل يصفعها، لكن ليس على وجهها بل روحها التي تفتٌَتت، من كلماته القاسية ونظراته التي تحمل الاستهزء بها

التفتت لتذهب من حيث اتت؛ بعد أن شعرت أنها لا تزيد عن عاهرة بالنسبة له، فهو لم يتوان عن ان يوضح ذلك بطريقة مستترة..


لكن قبل أن تمر من أمامه، نظر لها بطريقة تحمل التقييم لمَ يظهر من جسدها، لكنها لم تتحمل نظرته، التي تشعرها بالرخص وبادلته بنفس النظرة...

أما هو قبض على ذراعها يجذبها؛ لترتطم به ما إن تلامس جسدهم انتفض قلبها الخائن وهي تذدرد لعابها وترفع وجهها لتنظر له...

لكن كل ما فكرت فيه تبدد عندما وجدته، ينظر إلى وجهها بحدة، ممزوجة بمشاعر لم تعرف سببها! ربما هو نفسه لا يعرفها، لم يريدها يشتهيها وينفر منها كأنه لم يكن يريدها أن تسقط في نظره...

أخذ يحركها بين يديه كأنها خرقة بالية، همس بصوت كفحيح الأفاعي:

_ كيف تستطيعين النظر لي بهذه الطريقة، من تظنين نفسك من الأساس؟ هل تدركي مع من تتعاملين، هل تعرفي من أنت بالتحديد بالنسبة لي؟

_انا لؤلؤ..

_ ومن هي لؤلؤ؟ انا من صنعتك! انت مجرد عارضة في جيش من العارضات، يعملون تحت اماراتي...

_ هل تمزح قاسم، انا لست كذلك فقط لقد كنت زوجتك...

_ يبدوا انك انت من تمزحين، أنا لم أتزوجك..

_ ماذا تسمي ما كان بين إن لم يكن زواج؟

_ أي شئ إلا ما تقوليه، أنا لم اتزوجك لقد أشتريت بعض من وقتك، اشتريت جزءا مما تعرضي، قبلتي أن تكوني سلعة وأنا استطعت شرائها..

نظرت له بصدمة، وجهها الجميل ذو البشرة الصافية الناعمة، اصبح ممتقع عينها التي كان تلمع ببريق الشوق واللهفة؛ الممزوجة بالرغبة صارت تلمع بغلالة من الدموع، تتراقص بين جفنيها تهدد بالنزول في أي لحظة...

صوتها الناعم الذي يحمل الدفئ، اصبح متحشرج! وهي تهمس بصوت تغص فيه الدموع..

_ ماذا تقول؟

_ كما سمعتي، لقد استمتعت بكي لبعض الوقت، وانتهى ذلك الإتفاق اخذتي المقابل مقدما، وانتهت المدة اذا عليك ان تذهبي...

_ حسنا سوف اذهب بعد ما قلته بالتأكيد لن أبقى لأستمع إلى اهانتي

_ لكن قبل ذهابك، عليك ان تتركي ذلك المفتاح، لأنه لم يعد يخصك...

_ وهل يعني ذلك أنه سوف يخص امرأة أخرى؟

_ ربما، هل تظني انني ساعيش راهباً؟

_ لا أظن إنك راهب، أو حتي تصلح لتمتنع عن فتن الدنيا، وأكبر دليل على ذلك إنك تزوجتني..

_ لبضعة أيام فقط وكنت موافقة أنها أيام وستنتهي.

_ لم أحسب أن الامر سيصيب قلبي، كنت اظنك ستكتفي بمتلاك جسدي؛ لتعطيني تلك الفرصة التي طالما حلمت بها..
نظر لها بسخرية وهو يمسك السيجار ينفثه مرة أخرى، في وجهها وكأنه يبدد تلك الصورة الملائكية، المرسومة علي وجهها الفاتن، لكن ذلك الجمال لم يشفع لها...

هي بالنسبة له، لا تزيد عن سلعة تعرض ما يرسمه من ملابس، لكنها تحولت من صورة مرئية للجميع إلى محظية له لبعض الوقت، وها هو يلقى بها خارج بيته، بالإضافة إلى أنه قد يلقيها إلى خارج الشركة..

هزت راسها وهي تخرج المفتاح من جزدانها، تضعه على تلك المائدة الصغيرة، وهي تقول:

_ ها هو المفتاح، هل تريد شيئا آخر؟

_ مثل ماذا؟

_لا أعلم أنا من إسأل..

_ان كنت تعني إنني سوف اطردك من العمل؟ هذا الامر راجع لك، لكن عليك أن تدركي أن علاقتنا لا تزيد عن عمل فقط، عليك أن تعلمي حدودك جيدا وتدرك أنني لن أتجاوز ان اخطات

_ حسنا قاسم كما تريد لقد فهمت

_ هذه أول الأخطاء..

_ ماذا تعني بأول الأخطاء انا لم افعل شئ

_بل فعلتي اسمي ليس قاسم، بل قاسم بك انت تعملي تحت امرتي

_ من أين لك بقدرتك على التحول؟ كيف تحولت بهذه السرعة؟ لم يمر إلا بضعة أيام فقط على تلك اللحظة، التي كنت تقول فيها انك تعشقني!

ضحك بصوت مرتفع وهو يمتص دخان السيجار، مما جعل شفتيها ترتجف، وهو ينظر لها بسخرية ويقول:
_ عليك أن تدركي إني في الفراش، قد أقول الكثير من الكلام، لكن في الواقع انت لا تعني لي شيء..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي