الفصل19

الفصل 19

كان يتحرك بسيارته إلى بيته، عيناها تلوح في خاطره، همسها يرن في أذنيه، شفتيه تهمس باسمها كأنه يستسيغها في فمه، يتذوق واقع حروف الأسم في فمه…

وصل إلى الفيلا، حيث كانت ابتسامته لازالت تداعب محياه، وهو يترجل من السيارة، يسير بخطوات سريعة على غير العادة، كأنه في عالم موازي غير هذا العالم، الذي نحن فيه..

يشعر بأن هناك مزيج من الأفكار والمشاعر مختلطة في قلبه، تموج في خاطره ألقى السلام وردت عليه أمه وهي تنظر له بابتسامة..

كانت ترفع خصلات شعرها، تعقده فوق رأسها بطريقة عشوائية، ابتسمت له، وهي تقول:

_ تأخرت يا جاسم عن موعد الطعام، هل أعده لك الآن ؟

_ لقد تناولت الطعام في الخارج.

_ تقصد في الشركة؟

_ ليس تماما، بجوار الشركة إحدى المطاعم هناك

تركت ما في يدها ورجعت لتنظر له، تنتظر أن يكمل حديثه فقال:

_ تقابلت مع لينا.

_هل خرجت معك؟

_ أجل بعد أن أخبرتها أنه غداء عمل.

ضحكت قمر بصوت مرتفع، وهي تقول:

_ هل كان غداء عمل حقا؟ أم كانت خدعة من أجل أن تتناول الطعام معها، لتبقى معك بضع لحظات.

_ الامر ليس خداع، لكني أردت أن اخبرها بما أشعر به، أحتاج إلى مكان خاص لكي نتكلم بهدوء ، وما إن اتفقت معها على بعض النقاط..
و كان قاسم يدخل إلى المكان.

_ وماذا حدث؟

_ تبدوا موافقة، ولكنها قالت تحتاج لبعض الوقت حتى تفكر.

_ هل تمزح؟ هل هناك من لا تقع في غرامك من أول نظرة أيها الوسيم؟!.

_ يبدوا انك تستعجلي الأمر

وضعت يدها على وجنتيه، وهي تنظر له بمحبة خالصة وهي تقول:

_ أنا انتظر هذه اللحظة منذ سنوات طويلة، منذ أن تجاوزت العشرين، ومع ذلك لم تأت يوما و تخبرني أن هناك من تشغل فكرك ، وعندما أتكلم معك في الأمر، تخبرني أن الوقت لا يزال باكراً، سرت في طريق يحتاج إلى التركيز رغم إلحاحنا عليك لتتزوج..

جاسم: قلت أن البطولات تاخذ كل وقتي، والتدريب
يأخذ جزء كبير من حياتي، ولا أريد أن أظلم من أتزوجها بسبب حياتى..

قمر: أذكر ذلك جيدا

_ لكن الموضوع ليس كذلك فقط يا امي، لو كنت وجدت من تشغل قلبي؟ و تسكن روحي ما كنت تردد، لو وجدت تلك المرأه التي أستطيع أن أرى فيها وجهك الجميل، وقلبك الكبير ما كنت انتظرت..

_ لو تعرف كم أحبك يا صغيري.

_ آه يا أمي! لم أعد صغير بعد، لقد صرت أطول منك.

_ هذا صحيح، ولكنك ستظل في عيني ذلك الطفل الذي حملته بين يدي، الذي أخترت أسمه بنفسي، رغم أني قد لا أكون…

صمتت لم تستطيع الكلام، فماذا تقول قد لا أكون أمه، إلا أنه ضمها وهو يقول:

_ أنت أمي، حتى لو لم تكوني أمي البيولوجية، لكني سمحت لنفسي أن اخبر لينا الحقيقة، أرجو أن لا تغضبي من ذلك..
ارتبت على كتفه وهي تقول:

_لا يوجد شئ تقوله يغضبني، أنت تعرف ذلك.

أبتسم لها وهو يحرك كفه الضخم على وجهها العذب وقال:
_ ولو تدركين مقدار الصدمة على وجهها، وعدم تصديقها إنك لست أمي الحقيقية، كنت أدركتِ انك اديت الدور على أكمل وجه.

اقترب ليقبل جبينها في اللحظة التي كان فيها خالد، يقف بباب المكتب، ينظر لهما ولذلك الحوار الذي يدور امام عينيه، وهو يبتسم لم يتخيل أن جاسم استطاع الرد بطريقة لا تجرحها..

فهي كانت لهم نعم الأم، منذ أن ضحت من أجلهم بالكثير، لقد تنازلت عن حق الإختيار، رغم أنه يكاد يجزم أنها تحبه، هو أيضا يعشقها يذوب فيها حتى النخاع، لكن هل الحب الذي يكنه لها كان كافيا لها ..

وتنسيها ما حدث في أول حياتهما، لقد كان لها درع على مدار تلك السنوات، فهل الدعم الذي قدمه لها يستحق أن يفقدها حق الاختيار في بادئ الأمر؟

ربما عوضها بكثير من الأشياء التي فعلها في حياتهم، ربما ذلك العرس الأسطوري الذي لا زالت مصر تتحاكا عنه إلى الآن، يكون هو غصن الزيتون الذي ألقى به إليها، ربما وقوفه أمام الجميع من أجلها وطلبه منها أن تختبئ خلفه..

رغم كل ما يشعر به لها، كان يظهر انه يدعمها فقط، لأنها ابنة عمه الصغيرة الموهوبة، أما هو لا يريد منها شيء، كما يحدث بين أي زوجين، زواجهم كان صوري فقط..

وما ان لمحت أنه قد ينسى وعده ، سخر منها ومن خوفها الفطري، وأخبرها بثقة ممزوجة بكبرياء، أنه أن نظر إلى إحداهن ستذوب فيه عشقاً، وتلقي بنفسها بين ذراعيه، وهي تقدم فروض الولاء والطاعة..

رغم أنه يثق في وسامته وجاذبيته الطاغية، وأيضا في مكانته وذكائه، إلا أنه يدرك ما كان يفعلها وقتها، يرد لها الجرح، يجرحها رغم انه يدرك مقدار الظلم الواقع عليها، فليس ذنبها ان ماتت زوجته، ليس ذنبها أن العائلة تراها مناسبة له..

ما ان سألت: هل يعني كلامك أن زواجنا سيكون على الورق فقط؟

خالد: هذا هو الحل الوحيد المتاح الآن، فإن رفضت طلبهم، قد يمنعك جدي من إكمال تعليمك و يمنعك من السفر إلى ميلانو، لدراسة تصميم الأزياء كما تحلمي..

قمر: كلامك صحيح، ولكن ماذا قد يحدث إن راودتك فكرة إتمام الزواج؟ أو خلفت وعدك معي، واستجبت لإلحاههم ..

_لن يحدث شئ من هذا

_ حقا؟

_ ماذا تعني؟

_ لا شئ، ولكن دعني أوضح أمراً.
لأني لا أعرف ما يخفيه الغد، قد يحدث الكثير، إفرض أنه قد يحدث أن أقابل رجلاً وأحبه ، فماذا افعل؟

رغم أن كلامها صدمه، تأكد أنها لا تفكر فيه، ولن تقبل به، ولن تنساق للوضع الراهن، لذا تحلى بالبرود وهو يقول:

_ وقتها سوف ننفصل و تتزوجي حبيبك..

_انا لا يوجد حبيب لي، لكني اتكلم في افتراض قد يحدث أو لا.

حينما وجد قلبه ينتفض وعقله يثور، ودمه يفور وهو يجمع شتات الغضب الذي يحاط به، وتكلم ببرود يوازي جليد القطبين، وقال:

_ كفيتي ووفيتي يا ابنة عمي، فلست انا من يفرض نفسه على إمرأه، فهناك بدل الواحدة ألف وكلن منهم تتمنى فقط نظرة مني..

وقتها أدرك أنه صفعها، لكنها ردت له الصفعة في وقتها واخبرته بكل هدوء!.
أنها لا تهتم أن كان هناك مائة إمرأة أو ألف يسعين خلفه، كل ما يهمها أن تكمل تعليمها..

خالد: حسنا سوف يحدث ستكملين دراستك في الخارج..

دون أن يختلط عليك الأمر وتتلبس بدور الزوج الغيور، المحب..

خالد: سأكون غيوراً شئتي أم أبيتي فأنت عرضي، حتى إن لم تكوني زوجتي بالفعل،
فأنت أبنة عمي!!.

رجع بذاكرته إلى ذلك اليوم الذي فرض عليهم الزواج، رغم أنه كان مرحبا به كل الترحاب، إلا أنه أنساق لقراراتها، ظل معها بضع شهور، إلى آن سمح لنفسه أن يتجاوز خطوة توصله إليها..

أول قبلة بينهما كانت شيء مختلف، كأنه لم يتزوج من قبل، كأنه لم يعش الحب ولم يجربه، كأن حياته مع لينا كانت في بعد زمني أخر، أو في عالم مختلف..

أما حياته مع قمر كانت رحلة من المفاجأت، يقترب منها بخطوات حذرة، مشاعره التي انجرفت منه إحدى المرات، وهي تناديه بلقب لا يصلح أن تنادي به الزوج، كأنها تخبره أنه أخوها الأكبر، لأنه أبن عمها الذي يكبرها ب 15 عاما..

كل ذلك تبدد أمام عينه، وهو يراها تحتوي جاسم، وجاسم يحتويها بحب طفولي، لا زال يسير في قلبه، لم يختلف عن أول يوم ضمتهم فيه بين يديها، هي من عاشت معهم كل صراعات الالم والحزن..

شعرت بوجع على فراق زوجته، بردت على قلبه باحتوائها أطفاله الصغار، واحتوائه هو نفسه، رغم أنها انصاعت لأمر العائله من أجل الأطفال..

خالد: ماذا تفعل يا فتى؟ كيف تسمح لنفسك بأن تضم زوجتي؟

__أنا أضم أمي يا أبي

الا تخجل من نفسك؟ لقد صرت أطول منا نحن الاثنين!

_ وحتى إن صرت عجوزا ستظل امي إلى أن أموت!!

ابتسمت قمر وهي تقربه منها اكثر تقبل وجنته وتقول:
_ بارك الله فيك حبيبي، اطال الله عمرك يا بني؛ والآن ما هي المدة التي اعطتك اياها لينا لتفكر؟

خالد: عليك أن تخجل من نفسك لم تقتنع بك وأظهرت تمنعها.

_ من قال لك ذلك؟ لقد كادت أن تهيم في حبي.

_ لا يبدوا كلامك صحيح.

_ ألا تعلم يا أبي أن النساء يتمنعن وهنا الراغبات؟

_ ماذا تقول يا جاسم ؟!

_ لا شيء يا امي، لكنها أبدت موافقة مبدئية، نظرة تحمل الدفء، حتى بعد أن اعترضت على عملها عارضة..

قمر: ماذا حدث هل وافقت..

جاسم: أجل لقد ناقشتها في بعض الأمور، وفي طريقنا اخبرتني انها ليست بحاجة لتفكر، وأنها لو خيرت بين الدنيا وبيني سوف تختارني

ابتسمت قمر وهي تنقل نظرها من جاسم إلى خالد، عينها تقول نفس الشيء، لو كان الاختيار بينك وبين الدنيا سأختارك، همس بدون صوت أحبك أما جاسم أكمل حديثه فرد والده وقال:

خالد: ومع ذلك لم توافق..

جاسم: أبدت بعض التمنع.

قمر: سوف أذهب لأراها في الغد

_ حقا أمي؟!

_ أجل حبيبي، ولكن لا تخبرها أنني ذاهبة من أجلها

_ لن افعل

قمر: حسنا سوف أذهب لأتعرف على تلك التي جعلت جاسم. يعشقها ويطلبها للزواج.

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي