الفصل13

الفصل 13

في اللحظة التي كادت فيها أن ترد على قاسم بالرفض، كانت تفكر أنها منذ أن قامت بالعمل لدي جاسم وهي لا تريد أن تبتعد عنه، لا تتخيل يومها دون أن يتحدثان معا..

إلا أنها تحفظت على رد الجاسم، الذي لم تتوقعه منه، لم يعطيها فرصة لتقرر، وكأنه حسم قراره:
« لن تعمل في ذلك المجال مرة أخرى»

لا يدرك أنها سوف تعتبر ذلك تحكم منه، وهى لن تقبل تحكمه، أو تقبل أن يتحكم في مسيرتها العملية كما يريد، حتى لو خرج قلبها من مكانه ليعلن عن عشقها له، عليه أن يدرك أن لها شخصية وكيان مستقل..

وضعت يدها أسفل وجهها الفاتن وهي تزم شفتيها التي تأثره، وتنظر له باستفسار، وتتساءل:

_ هل انتهيت من حديثك؟ هل قررت أنه يتحتم علي أن أسير خلف تحكماتك؟

كل ذلك كان مكتوب في عينيها، لكن شفتيها اكتفت بقول:

_ ماذا تعني؟

التفت ينظر لها، بعد أن كان يوجه كلامه ونظره لأخيه، لكنه لاحظ عبوسها، نظرة الرفض في عينها، التي تخبره دون صوت أن هذا الأسلوب لن يجدي نفعاً معها، لن تنساق إلى قراراته لمجرد أنه يريد..

جاسم: ليس تحكم!

عدم التصديق في عينها، جعله يكمل:

_ لن يأتي اليوم الذي أحدد فيه مسيرتك في الحياه وأقرر نيابة عنك..

_ ماذا تفعل الآن؟

_هذه إحدى النقاط التي يجب أن نتناقش فيها..

_ وهل هذه طريقتك في النقاش؟

_ بالطبع لا، لكن لن اقبل ان تمتهني تلك الوظيفة..

_ حقا؟

الغيرة التى ظهرت على وجهه كانت واضحة، الغضب الذي يغلفه العشق، كان يقول أنه يعني كلامه، لن يتدخل فيما تريد، لكنه لن يقبل أن تكون محط أنظار الجميع لذا قال:

_ لن اقبل ان تتمايلي أمام الجميع..

كادت أن ترتجف على نظرة الغيرة التي استحوذت على عقله، وهو يتكلم مبرر ما يشعر به..

لكنها نظرت له بهدوء مغاير لم يعتمل بداخلها وقالت:

_كان يجب عليك أن تسألني اولاً، ربما كنت أرفض، أما الآن عليّ أن آخذ وقتي في التفكير؛ لأن حياتنا لن تسير بقرارك فقط..

طريقتها وهي تتكلم لتضع خطوط عريضة، لن تقبل أن يحيدوا عنها، كما لن تحيد عنها هي الأخرى، جعلت قاسم لا يستطيع أن يواري ابتسامته، لم يستطع أن يسيطر على أفكاره أو يتحكم فيه…

ذلك الإعجاب الذي يطل من عينيه، وهو يتذكر كيف كانت اول مواجهة بينهم، ما أن وضعها في الزاوية، ليرى مقدار الضغط اللازم لاخضاعها..

ها هو الآن يقول لنفسه «ليتني لم أفعل» وقتها ما كانت رأت جاسم او عملت معه، ليتني لم أنتظر ف الكتاب يتضح من العنوان، لقد كانت مختلفة! ومع ذلك لم أغتنم الفرصة، والآن علي حذف اسمها من عقلي، ومحو ما أشعر به..

إلا أنه قال:
‌_يبدوا إني تسببت في سوء تفاهم، دون أن اقصد

جاسم: الامر ليس كذلك، لا شأن لك بالأمر، لقد أظهرت نقطة هامة حتى أوضحها لها .

لينا: ربما، لكن قراراتنا المستقبلية، ستكون بمشاركة بيننا، ليس قرارات فردية

جاسم: لن أعترض على هذا الأمر، لكن بعض الأمور سيكون القرار فردي، وتقبلين قراري فأنا رجل شرقي، لن اقبل ان ترتدي تصاميم أخي، التي أعرف جيداً إلى أي منحدر تسير..

الدهشة على وجهها تضاعفت وهي تسمعه يقول:
_ أن كان لابد فلا بأس أن ترتديها لي انا..

هنا تحولت الدهشة إلى خجل على وجهها، وهي تنقل نظرها بين الإثنين، لترى الدهشه بوضوح مرسوم على وجه قاسم، الذي لم يتخيل أن يكون أخاه متورطاً في حبها إلى هذه الدرجة..

أما هي همت لتنهض، عليها أن تذهب من هذا المكان؛ قبل أن يتضخم قلبها من فرط ما تشعر به من مشاعر مضطربة، رغم ثورتها اللحظية إلا أنها شعرت بدفء يحاوط قلبها، وهي تراه يبرر رد فعله النابع من غيرته وتملكه..

ولكن هل ستقبل ان تكون الغيرة مبرر لأشياء كثيرة قادمة، إلا أن جاسم أبقى يدها في راحته، وهو يقول:

_ ليس تملك او تعنت، لكن قلبي لن يتحمل نظرات الرجال لكِ، ولن أكون رجل في نظر نفسي أن قبلت هذا الأمر..

لينا: أنا لا يرضيني أن تشعر بالإهانة بسببي.

_ الأمر ليس إهانة، لقد سألتك مرة واثنين وعشرة هل لازلت تريدين أن تكملي في ذلك الطريق؟ أخبرتك أني أستطيع أن أتوسط لك ان اردتي، لكنك رفضت، اذا ما المشكلة في ان أرفض أنا ما رفضته أنت من قبل؟

_ فقط طريقتك قرارك الحاسم، كأنك لن تنتظر أن افكر
_ هل تريدين وقتا لتفكري
_ لا
_ حسنا اخبريني ما تريدين؟

_ وهل يترتب على هذا الأمر خطوبتنا؟
_شيء من هذا القبيل انا اخبرتك ما لا أستطيع عليه صبرا، وأنت من عليه الاختيار.

_ وانا ساختارك

احتضن كفها بيده، وهو يقربها من فمه، وينظر لها وعينه تحمل المزيج من المشاعر، وكأنها بحر متلاطم الأمواج، ما بين العشق والغيرة المغلفة بالدفء..

إلا أنه التفت ينظر إلى قاسم، الذي كان يحاول أن يظهر هدوءا، لا يشعر به، برود يغلف مارد يخشى أن يخرج من عقاله، وخوف من أن يهمس حتى لا يقول شئ يندم عليه..

فكما يري هي تبادله المشاعر، لكن كيف تشعر بالعشق، الذي يعلن نفسه بوضوح في عينها، وفي كل همسة منها لجاسم، وما أن تلتفت لتنظر إلى قاسم الذي يعد صورة طبق الأصل من جاسم، يتحول العشق بكل عواصفه إلى هدوء..

تتحول الغيرة إلى برود، رغم أن الاثنين نسخة واحدة، إلا أن قلبها يعلن انتمائها إلى جاسم..

أم جاسم كان ينظر له يحاول لفت انتباهه، أو أعادته من ذلك البحر المتلاطم الأمواج الذي جرفه وهو يقول:
_ إلى أين شردت افكارك؟ أين ذهبت؟
_ ليس لأي مكان انا لازلت معكم
_ ربما

ورغم عدم التصديق الظاهر على وجه جاسم إلا أنه لم يكن ليتخيل سبب شرودة، لم يتوقع أن يصل به الأمر، إلى التفكير في سبب حب لينا له، أو انه يجري مقارنة في عقله..

قاسم: ماذا تريد؟
_ سوف أذهب حتى أوصلها

قاسم: بالطبع يمكنك الذهاب، لا تقلق بشأن الحساب سأقوم أنا بالدفع..

ابتسمت لينا علي اسلوبهما معا فلم تتخيل ان من يتكلم هو قاسم، الذي تسبب في بكائها، أما جاسم أربت على كتفه، ويقول:

_ سوف اقوم برد العزومة لك، حينما تجد من تستحق أن تحمل اسمك امام الله..

نظرة عين جاسم كانت تعني أنه لن يكمل لأنه لا يريد ان يفتح الكلام أمام لينا..

لم يدري قاسم هل عليه أن يشكره لأنه أعفاه من نظرة لا يريد أن يراه في عينيها، رغم أنه يراها في عين الجميع..

إلا أنه كان ينظر في أثرهما وهما يذهبان..

جاسم: حسنا حبيبتي يمكنك أن تحددي لي ميعاد مع والدك..

نظرت له بمشاكسة، وهي تدخل إلى السيارة قبل ان يغلق الباب، وهي تقول:

‌_ ألم تخبرني ان امامي اسبوع كامل لأفكر؟

_هل ما زلتِ بحاجة لتفكير يا لينا؟
_ ربما لا، لكن مع ذلك عليك ان تنتظر.
_ألم أخبرك منذ لحظات إني على أتم الاستعداد أن انتظر باقي عمري، من أجل أن تكوني لي..

ابتسمت له وهي تمد يدها لتضعها على كفه، وهي تهمس
_لن أكون لأحد غيرك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي