الفصل 20

الفصل 20

في اليوم التالي كان الارتباك هو سيد الموقف، بالنسبة إلى لينا، التي لا تعرف ماذا عليها ان تفعل؟ وهي تقف أمام خزانة ملابسها الخاصة ، تنتقي ما ترتديه، ورغم الكم الوفير من الملابس الراقية أمامها، لكنها لم تدري ماذا تختار..

وماذا يحدث لها؟ فهي لا ترى شيء مناسب، كأنها لا تريد أن يرى في صورتها وطلتها شيء خاطئ، نفضت أفكارها وهي تجذب بدلة رسمية ارتدتها تحتوي جسدها المتناسق، الذي لا تشوبه شائبة..

وقفت أمام المرآه تصفف شعرها، وهي تنظر لنفسها برضا وضعت بعض المساحيق على وجهها، نثرت عطرها بسخاء، يسبقها ليعلن قدومها، ويتبعها كأنه حارس شخصي..

خرجت من غرفتها، نظرت لها أمها باستحسان فهي تراها بطريقة واضحة، ومع ذلك ترتدي شيء عادي، لكن ما الشيء الذي سيكون عادي عليها..

ثريا: صباح الخير حبيبتي، لقد اعددت لك الفطور
_ لا أريد شيئا أمي، أخشى أن أتاخر على العمل

_ أم على صاحب العمل؟

_ لا تخجلينني أمي.

_ لم أفعل شيء من الأساس

_ وما شأني أنا بصاحب العمل.

_ لا شأن لك، ألم يتقدم لخطبتك ألم يعلن عن حبه؟

ارتبكت لينا وظهر الخجل على وجهها كموجة اكتسحتها، وهي تقول:

_ سوف أذهب.

وقف والدها في طريقها، وهو يقول:

_ لن تذهبي قبل أن تتناولي طعامك، مازال الوقت باكراً، أم أنك متلهفة على العمل..

أبتسمت لوالدها فهو لا يريد أن يحرجها، يعلم أنها ليست متلهفة على العمل، بل متلهفة على صاحب العمل، يبدو أن أبنته تكن لجاسم مشاعر قوية، لذا لن يقف في طريق حبها له..

ابتسم لها وهو يهز رأسه، ضمت نفسها له وهي تقول:

_ أحبك أبي.

_ أكثر من جاسم؟
نظرت اليه مطولا وهي تقول:

_ هل تسأل؟ لا يوجد رجل في هذه الدنيا يقارن بك حبيبي، انت حبيبي دون شبهه، صديقي دون مصلحة أول من نصحني وأول من احتواني أحبك دكتور مهران.

_ أنا أيضا أحبك يا قلب دكتور مهران..

تناولت الفطور مع عائلتها، وبعدها قام والدها بتوصيلها إلى مقر الشركة، نظر لمقر الشركة من الخارج، وهو يفكر قال:

_ يبدوا أن المكان راقيا، والاسم ذو مكانة ووضع عالمي..

_ أجل أبي وإلا ما كنت سعيت للعمل هنا.

ابتسم لها وهو يفكر دون أن يقول لها شئ، جاسم نفسه يبدوا محترم يتعامل برقي فماذا عنده لأعترض عليه؟

مضي والدها في طريقه، بينما هي تحركت إلى مقر العمل، وفي طريقها كانت تلقي التحية على من يقابلها من الموظفين..

وصلت لمكتبها وضعت متعلقاتها، وجلست تنظر إلى ذلك البريد أمامها، ترتب ماذا سيري جاسم أولاً؟ وما الذي يجب عليها ترجمته؟ وبعض الأمور المكتبية..

أرسلت فاكس وجدته على المكتب، ومع تنبيه منه أن تتعامل معه أول شيء، بعد وقت من اندماجها في العمل، شعرت برائحة عطر مميزة تداعب أنفها رفعت عينيها لتراه يقف بباب مكتبها..

ينظر لها بدفئ ممزوج بالعشق، ازدردت لعابها وهي ترفع عينها لتنظر له، كأنها تسأل همس باسمها:

_ صباح الخير لينا

ورغم موجة الخجل التي عصفت بقلبها، وظهرت معالمها على وجهها، إلا أنها ردت عليه تحية الصباح:

_ صباح الخير سيد جاسم

اقترب خطوة وقف أمام، المكتب مباشرة وهو ينظر في عمق عينيها، وقال:

_ ماذا قلتي؟

_ لقد رددت عليك تحية الصباح.

_ أجل سمعت أرجو أن تعيدي ما قلتيه مرة أخرى

_ صباح الخير سيد جاسم

_ لم اسمع جيداً، من الممكن أن تعيديها مرة أخرى..

ظلت تكرر إلى آن شعرت بالملل، رفعت عينها ونظرت له وهي تقول:

_ ماذا هناك جاسم؟

_ أجل هكذا تنطقيها صحيحة، جاسم فقط..

كادت أن تضحك، ولكنها نظرت له بجدية وقالت:

_ سيد جاسم نحن في العمل، يجب أن ألتزم حدودي معك في الكلام، فانا مجرد مديرة مكتبك..

_ أعلم ذلك، لن أكتفي بان تكوني مديرة مكتبي، ستكونين مديرة بيتي ومديرة قلبي حبيبتي و..

ارتبكت حتى إنها كادت أن تقف، لكنها أن وقفت ستكون المسافة بينهما معدومة، لكنها أشارت له إلى مكتبه، ليذهب أبتسم وهو يقول:

_ اطلبي منهم أن يعدوا لي القهوة أحضريها لي بنفسك..

_ أنا؟

_ أجل أريد أن أرى وجهك، وأنا أرتشف قهوتي.

_ هل تمزح؟ هل سأترك العمل من أجل أن ترى وجهي؟ وأنت ترتشف القهوة.

_ سوف أتناقش معك في بعض أمور العمل.

_ مثل غداء العمل بالأمس.

ابتسم لها وتحرك بعد أن قال:

_ سأنتظرك..

لم يمر وقت وهي تعمل على شاشة اللاب توب بسرعة، تقوم بترجمة بعض الخطابات أولاً، تفرز الخطابات الوارد والطلبات الخاصة بالعمل..

بينما في الأسفل كانت قمر تترجل من سيارتها، تدخل إلى مقر الشركة، التي لم تدخلها منذ تلك النكبة، التي واجهتهم والتي كانت سبب أن تترك كل شيء، لتكون بجوار خالد في أزمته الصحية التي كان سببها الخيانة التي تعرضوا لها، رغم أنهم لا يعرفون أن كانت الخيانة آتية من الداخل أم الخارج، إلا أن الضربة كانت قاسية..

كادت أن تدمر كل ما بناه خالد في تلك السنوات، كانت تمضي بابتسامة خفيفة على وجهها، وهي تلقي التحية على العمال والموظفين، الذين يقفون إحتراماً لها، تحركت إلى المصعد الخاص بقسم الإدارة، اتجهت إلى مكتب جاسم اولآ، وجدت لينا تعمل بسرعة حتى أنها لم تنتبة لوقوفها بباب المكتب..

نظرة الإعجاب في عين قمر، كانت تعني انها استحسنت زوق ابنها، اقتربت خطوة فانتبهت لينا، تركت ما تفعله وهي تنظر لها بابتسامة رغم أنها لم تعرفها للوهلة الأولى، هي تسمع عن قمر عز الدين، لكنها المرة الأولى التي تراها أمامها..

لينا: كيف أستطيع أن أخدمك؟

قمر: هل جاسم بمكتبه؟

نظرت لها باستفسار، وكانها تتساءل هل هو شيء عادي أن تناديه باسمه؟ ربما لم تلاحظ فرق السن بينهما، ربما لم تتخيل أن هذه هي المصممة المبدعة قمر قاسم، عندما لاحظت ان قمر تنظر لها بابتسامة، كأنها أدركت ما تفكر فيه، حمحمت وهي تقول:

_ اجل في المكتب، هل لديك ميعاد معه. ما هو اسم حضرتك لأخبره.

ابتسمت قمر وهي تقول: حسنا لينا سوف أخبره أنا بنفسي

_ هل تعرفينني؟

_ بالطبع أعرفك، ستكوني كنتي المستقبلية..

الدهشة على وجه لينا وهي تقول:

_ هل تعني إنك أمه، أهلا بك سيدة قمر، أسفة لأني لم أعرفك، لكنها المرة الأولى، التي نلتقي فيها، لم أكن أتخيل إنك صغيرة في السن إلى هذه الدرجة..

نظرت لها قمر بإبتسامة وهي تقول:

_ لست صغيرة كما تظني

_ لكنك جميلة

_ لن أرفض مديحك، رغم أني أراكِ أجمل، سعيدة بأني رايتك، سعيدة لأن إبني أختارك، أتمنى أن لا تطيل الوقت وتردي عليه بسرعة، سأكون سعيدة حينما تصبحين فرد في عائلتي.

_ شكرا لك..

في اللحظة التي وقف فيها جاسم بالباب، وهو يقول:
_ كل هذا وأنا انتظر القهوة..

نظر إلى أمه واقترب يقبل يدها، وابتسامة على شفتيه، وهو يقول:

_ حبيبتي لمَ لم تأتي إلى مكتبي مباشرة.

_ أردت أن أخذ الأذن من مديرة مكتبك.

_ومن أنا لتأخذي الأذن من دخولك عليا، لا تنسي إنك أنت نائبة المدير التنفيذي الحقيقي، انا فقط أقوم بدور إلى أن يعود والدي، الى مكانه الطبيعي..

_ لا أظنه يفكر في العودة.

_ ماذا تعني؟

_ سيتركك لتحمل العبء ويرتاح هو، يفعل كل شيء يجعلك تكملان الطريق، يكتفي بأن يرسم من المنزل، او ربما من هنا، لكنه لن يعفيك من ذلك المقعد.

_يا إلهي أن ذلك العبء أكبر مما أتخيل..

_ لا شيء كبير عليك، انت تعرف جيدا مقدار ثقتنا بك..

_ حسنا حبيبتي، تشربين معي القهوة

_ سأشرب القهوة مع لينا، هناك بعض الامور نتكلم فيها معا.

_أي أمور أمي، دعيها تاخذ كل وقتها، حتى لا تقول أني كنت متلهف من أجِل أن أحصل عليها

نظرت له أمه وهي تقول:

_ ألست متلهفاً؟

_ هل تسألينني أمامها؟

ابتسمت أمه وهي تقول:

_ أنها تعرف الاجابة تعرف مقدار لهفتك ومحبتك لها، أنا أيضا أحببتها ربما من كلامك عنها.

_ هذا شرف كبير لي سيدة قمر..

قمر: سأنتظر اليوم الذي تناديني فيه أمي.

_ كيف ذلك؟ انت تبدين أصغر مني.

_من قال لك ذلك، أنا أكبر مما تتخيلي

_ ربما في بداية الأربعين

_ لن أجادلك النساء لا يذكرن عمرهن الحقيقي، ولكني أكبر من ذلك

انهت الكلام وهي تلتفت لتنظر الى جاسم وهي تقول:

_ ماذا تفعل هنا؟ ألن تذهب إلى مكتبك؟ أم تريد أن تطيل النظر إليها.

_حسنا ساذهب أمي، لو اعلم أن وجودي يزعجك كنت ذهبت باكرا..

_لا شيء يزعجني في وجودك، لكني أريد أن اتكلم معها لنتعرف بصورة أفضل، ربما أتعجل لك الأمر ونذهب لخطبتها في المساء

لينا: ماذا؟

قمر: كما سمعت حبيبتي، انا أحلم بيوم زواجه منذ أنهى دراسته الجامعية، لكنه أتجه إلى عالم التدريب والبطولات، ولم تلفت إنتباهه أخرى من قبل، لذا أنت مميزة للعائلة..

_ هذا شرف لي، انا سعيده بكلامنا معا.

_وانا ساكون سعيدة حينما تحددين لي ميعاد مع والديك.

لينا: بهذه السرعة

_ أي سرعة هو معجب بك منذ فترة، ومما أراه على وجهك أنك تبادليه المشاعر، والأمر لا يقتصر على الإعجاب، أنا أدرك ذلك جيداً فأنا إمرأة علمتني الايام..

جاسم: لا تضغطي عليها أمي

لينا: أنا لم أقل ذلك، لا يوجد ضغط فإن لم أكن مرحبة بأرتباطي بك، ما كنت أتيت إلى العمل.

التفتت لها قمر وهي تقول:

_ ما شأن العمل بالمشاعر.

_ حتى لو كان كلامك صحيح، لا يصلح أن أعمل في نفس المكتب معه، وأنا أدرك ما يشعر به، رغم أني لا أبادله مشاعره.

قمر: هل يعني ذلك أنك تبادليه المشاعر؟ وأنك موافقة عليه؟

نظرة لها لينا بخجل، وهي لا تعرف كيف ترد، اخذت ترتب الأشياء على المكتب، أبتسمت قمر وهي تقول:

_ حسنا أعطيني رقم الهاتف الخاص بوالدتك، وحددي معها اليوم المناسب..

_ كما تريدي سيدة قمر..

نظرت إلى جاسم وهي تقول:

قمر: هل تناديك سيد أنت الآخر

_ أجل أمي، لقد اخبرتني الآن، صباح الخير سيد جاسم، حينما اعترضت أخبرتني أننا في العمل..

قمر: لا بأس ان كان هذا نظام العمل، ولكن خارج العمل، لا أفضل كلمة سيدة يمكنك مناداتي قمر أو ماما قمر..

نظرت لها بدهشة، ولكنها لم تعترض، هزت راسها بموافقة، بينما قمر رفعت هاتفها لتجري اتصال بوالده لينا، نظرت للينا سألتها

قمر: ما أسم والدتك

لينا: ثريا..

لم تعتقد لينا أنها ما أن تكتب الرقم إلى قمر، على هاتفها ستتصل في الحال، لم تمر لحظة حتى ردت ثريا وهي تقول:

_ السلام عليكم

قمر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، سيدة ثريا
_ أجل أنها أنا

_ سررت بالحديث معك، أنا مدام قمر قاسم ولدت جاسم أرجو ان تكون لينا قد أخبرتك شيئا عنه.
ابتسامة على وجهها وهي تنظر إلى لينا

_ أجل بالطبع لقد تحدثنا بالأمس عن طلبه

_ هذا جيد أرجو أن لا يكون هناك اعتراض على أن يتقدم ابني لخطبتها.

_ نحن لا نريد إلا سعادة أبنتنا

_ وانا كذلك لا أريد إلا سعادة اولادي، وجاسم يعد ذو مكانة خاصة بينهم، ما رأيك أن تحددي اليوم المناسب لنأتي انا ووالده زيارتكم

نظرت ثريا إلى زوجها، الذي استمع إلى الحديث بعد أن فتحت مكبر الصوت، وهو لا يعرف كيف يرد، سألت بعينها أن كان موافقا على أن ياتوا هز رأسه بالموافقة..

ثريا: الوقت الذي يناسبكم، ننتظر أن تشرفون فيه

_ الليله مثلا.

نظرت ثريا إلى زوجها الذي بدأ على وجهه الدهشة، من تعجل والدة جاسم إلا انها قالت:

_ الوقت الذي يناسبكم سنكون في انتظاركم

_ حسنا أنا أرى أن خير البر عاجله، الليلة سوف تكون مناسبة بعد صلاة العشاء ساتي أنا والده وهو وأخوه..

_ سنكون في أنتظاركم

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي