الفصل3

الفصل 3

خرجت لؤلؤ من الشقة، تجر أذيال الخيبة، هي التي كانت تمني نفسها بليلة من الأحلام، لكن كل أحلامها تبددت، أستيقظت منها على كابوس، هي لا تعني له شيء؛ بعد ان عنا لها كل شيء!

لكنها في كل خطوة تخطوها، كانت تقصي قلبها تطالبه بالتروي، وتطالبه بالصبر؛ لذلك اليوم الذي قد يأتي فيه نادماً؛ لكن هل سيأتي يوما كما تتمنى؟ هل سيرجع تحت قدميها؟ يطلب العفو والصفح منها! لا أظن ولا تظن هي نفسها.

هي تعرف مكانتها جيداً، تعرف جيدا أن هناك المئات بل الآلاف غيرها، يتمنوا أن يحظوا بفرصة منه، ان يدفعوا العزيز والغالي من اجل أن يبرق أسمهم في سماء الفن…

لكن هل سيوفي بوعده؟ هل سيجعلها نجمة لعروض تصميمه؟ ام دورها إنتهى في هذه الرواية، التي اختارها لها!

رددت الكلمة بوجع وقلب ينتفض

لؤلؤ: دوري إنتهى ما أن حصل مني على ما يريد..

دموعها تتراقص في عينها، مما جعلها لا ترى الاشياء بوضوح، كأن هناك غيمة تحاوط كل شيء، تحاوطها هي نفسها….

اما هو دعس على السيجار، دون ان يهتم بأنه في لحظة كان يدعس قلبها بقدميه، بعد ان رفع منها الى السماء، انزلها إلى هوة سحيقة، وكأنه لا يهتم، بكل الآمال والاحلام التي رسمتها…

هو يدرك أنها لم تكن لترضى بليلة وتنتهي، كانت تظن أنه لن يستطيع مقاومتها، سترجع علاقتهم كما كانت، حتى لو كانت سرية فهي تغلفها بكلمة ترضي ضميرها بها، أنه زواج حتى لو كان عرفي…

إلا أنه بدد كل شيء في لحظة، وهو يهمس من بين شفتيه، بكلمة شقت سكون الصمت حوله..

قاسم: رخيصة…

ركل كل ما يقابله، حتى انه حطم بعض الكرستالات الباهظة الثمن، مما جعلها تتناثر في كل مكان، لكنه لم يهتم، وقف أمام المرأة وهو ينظر لصورته بحقد، كأنه ينظر لشخص آخر وليس لنفسه، وهو يقول:

_ تظن أني سأخضع أمام جمالها، هناك المئات أجمل منها، لكني كنت أظنها مختلفة، لقد قاومت كل ذلك الضغط، ولكنها في النهاية ركعت! مثل غيرها، كلهن سواء..

اما هي كانت تقود سيارتها، كادت ان تصدم بسيارة أخرى أكثر من مرة، وهي تفكر في كل كلمة قالها لها، كأنه يمزق روحها يستزف قلبها، يهينها لقبولها بشرطه…

سمعت سباب يخرج من فم سائق إحدى السيارة، وهو يقول:

_ هل أنت ثملة؟ ايتها المجنونة

سائق سيارة أخرى نظر لها بتقيم وهو يقول:

_ لمَ لا تنظرين امامك يا أمراة، لقد قلت من قبل مكان النساء هو المطبخ، لكن من مثلك مكانها الفراش، وليس أي فراش بل فراش رجلا يعرف كيف يتعامل مع كل هذه الفتنة؟ ما رأيك ان تأتي معي تحكي لي عن سبب بكائك..


ازدردت لعابها في صمت، أسرعت بسيارتها تهرب من معنى كلامه، لأن الرجل الوحيد الذي كانت تريده نبذها، رفض كل تلك الفتنة كما قال السائق الذي لم يتوقف عن الكلام ..

كأنها سترد عليه، حتى لو أستمر سبابه، كانت تحرك سيارتها دون أن تلتفت له، ورغم أنها رفعت زجاج السيارة الداكن اللون، إلا أنها كانت تنظر أمامها حتى وصلت الى بيتها….


تجر قدميها الثقيلة، واهانتها التي كانت أثقل من الأيام نفسها، وهي تقول:

_ الأيام بيننا يا "قاسم خالد قاسم" سوف أرد لك الإهانة، ربما وقتها سأكون فراشة تحلق في النور…

هزت رأسها كأنها تأكد أنها لن تتوقف، حتى تصبح كما تحلم، وتحقق الحلم الذي بذلت من أجله كل شئ حتي عفتها….

لؤلؤ: ما فعلته اليوم ستنساه انت، لكني لن أنساه أنا، لن أنسى أنني طعنت بيدك دون ان يرف لك جفن…

تحركت إلى حيث صورته، التي تحتل جزء كبير من الجدار،كانها تفتخر بقربها منه نظرت لوجهه المبتسم، وتقول لها كأنها تتحدث معه:

_ يوما ما ستندم، يوما ما سوف تبكي كما أبكي الآن.
هنا تركت لدموعها العنان، وهي تتحرك بخطوات واهنة، الى المرحاض لتقف تحت رذاذ الماء، بما ترتديه من ملابس راقية، لكنها لم تهتم لها، أو تهتم لذلك الكحل الذي لطخ وجهها…

أو شعرها الذي أصبح مموج، بطريقة ملفتة جميلة، عينها كانت تزرف الدمع يختلط بالماء، كأنها لا تريد الخروج، حتى لا ترى الحقيقة أمام عينيها في المرآه…

أن كل هذه المياه لم تكن فقط رزاز، يخرج من صنبور الاستحمام، إنما جزء من بكائها على حالها، على ما آلت إليه…

لكنها خرجت لتقف عاريه تنظر لنفسها في المرآة كأنها تقيم ما أهانه، هي كما هي لم يخدش فيها شيء، ربما روحها من كسرت؛ لكن جسدها لا زال سليم عينها الباكية جعلتها تتشبث بشيء..

لقد أخذت منه الكثير شقة فاخرة، لم تكن تستطيع أن تحلم بأن تخطوا أمامها، سيارة تعد الأحدث، مبلغ مالي في البنك، لكن كل هذا كان ثمن عفتها، لكنها سو تجعله يدفع الثمن سيبكي ندماً

هل هي من تتكلم؟ هل هي من تهدد وتتوعد بأن تجعله يبكي؟ هي من باعت نفسها له! لمَ الآن تلوم على المشتري؟ على من قيمها كسلعة فهي من قبلت أن تكون سلعة فلا لوم عليه ولا على الأيام…

تقوقعت في فراشها في وضع الجنين، بقت في هذه الحالة طيلة الليل، لم تقوى على الحركة..

بينما هناك كان جاسم يتابع أحد الملفات، عندما دخل عليه والده وهو يقول:

خالد: هل لازلت تعمل؟

جاسم: أجل أبي العمل لن يتوقف؛ لأنني رجعت إلى البيت..

_ لكن عليك أن ترتاح يا بني..

_هل ارتحت أنت؟ لم ترتاح حتى بنيت هذا الصرح، ولن نرتاح حتى نحافظ عليه..

_ قل هذا الكلام لاخوك..

_ أنه يفعل ما عليه يا أبي..

_ هل أنت من تقول ذلك؟ هل يفعل ما عليه بتلك النزوات؟ التي لا تنتهي..

_ لا تركز في هذا الكلام أبي انه مجرد إشاعات كلام لا يسمن ولا يغني، يروجه أعداء النجاح..

_ هل تصدق أنت ما تقوله؟ حتى أصدقه انا جاسم، كفى تبرير لمَ يفعله، لم يعد صغيرا عليه أن يتزوج، ويكف عما يفعل..

_ لكنه يتزوج يا أبي..

نظر له والده بصدمة، لكنه أدرك أن أبنه يتكلم عن تلك النزوات، هي بالنسبة له زواج عرفي، وكأن جاسم يخبره، بطريقة غير مباشرة أن أبنه يتحايل على الدين، يبحث عن شيء ليحلل به ما يفعله..
ووجد ثغرة يدخل منها إلى باب الشيطان نفسه، لكن ما قاله جاسم، جعل خالد يشعر بعض الهدوء يتسرب إلى نفسه…

لأن خالد أدرك أن أبنه إلى الآن يخشى من الخطيئة، وإن ما يفعله إلى حد ما تلاعب وتحايل، لكنه يبحث عن حجة يعلق عليها ما يفعله…

في اليوم التالي كان جاسم يسير بخطوات واثقة الى حيث مكتبه، عندما وقفت "لينا" في الطريق الذي يسلكه، كانها تطلب منه الوقوف نظر لها باستفسار، فهي تعمل معه منذ شهر، ولكنه لم يتعامل معها من الأساس

لم يكلفها بأي عمل هي فقط تجلس على مكتبها ولا تفعل شيء، أبتسم في وجهها وهو يقول:

_ صباح الخير لينا

_ صباح الخير سيد جاسم، هل لا زلت تذكر اسمي؟
_ بالطبع أذكر اسمك لينا، أنه اسم محبب إلى قلبي..

نظرت له باستفسار، لكنها ظنت أنه يتكلم عن حبيبة سابقة كانت في حياته، او ربما لا زالت، لكنها رغم فضولها لم تسأل، ورغم أنه أدرك ما تفكر فيه، لم يتبرع ويجاوبها على السؤال…

فماذا يقول لها؟ أن لينا ليست حبيبته أنها أمه الراحلة، لكنه ابتسم في وجهها وهو يقول:

_ ماذا هناك؟ لمَ أنت واقفة أمام الباب؟

_ ربما لأني أريد أن أتحدث معك..

‌_ يمكنك الدخول

_ لكنك مشغول أغلب الوقت، مسؤول الإدارة العامه، يخبرني أنك غير متفرغ..

_حسنا هذا صحيح، لكن ما هو الشيء المهم الذي يستدعي مقابلتي؟

_ هل تسأل؟
ابتسم جاسم وهو ينظر لها بحاجب مرفوع وقال:
_ بالطبع يجب أن اسأل، لأنك بالفعل تدركي أنني مشغول..

_ أنا أعمل منذ شهر في الشركة..

_ ألم تحصلي على مرتبك بعد؟

_ هل تمزح؟

ضحك بصوت مرتفع، وتذكر ذلك الموقف الذي حدث بينهما منذ ذلك الشهر، في موقف السيارات، وهو يشير لها لتدخل إلى المكتب، سارت أمامه بخطوات رشيقة، كأنها قطة تتدلل، او تسير علي السجادة الحمراء

ودون أن يشعر، نظر لها بإعجاب لم يعرف كيف يوريه، كما لم يعرف بماذا يرد علي التساؤل في عينيها؟
لينا: لمَ تنظر لي بهذه الطريقة؟
جاسم: أي طريقة لم أفهم؟
_ يبدوا انك توأمه بالفعل.
_ وهل أنكرت ذلك؟ نحن توأم متماثل..
_ أعرف، ولكني أتكلم عن الشخصية هو أيضا ينظر لي مثلك..
_ اقترب خطوة فازددت لعابها، وهي تتراجع خطوة، كأنها لا تصدق ما يحدث، هل من الممكن أن يكون يفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها اخوه، لم تصدق عينها، أنه مختلف من وجهه نظرها، يبدوا محترم، لكن هل من أمامه الآن هو جاسم ام قاسم…؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي