الفصل4

الفصل 4

كان "جاسم" ينظر لها بإبتسامة رسمية، رغم أنه يشعر بالتسلية، خاصة هذا الانفعال اللحظي، الذي يظهر على وجه "لينا"، وهو لا يعرف كيف يرد عليها، هل يعنفها أم يلفت نظرها، فهي تتحدث مع رئيس مجلس الإدارة، وليس موظف عادي..

وهو رغم إعجابه المستتر بها، يعرف أنه لا يجوز لها أو لغيرها أن تتجاوز معه، لكنه هو نفسه لا يعرف لمَ يتركها تتكلم كأنه هو من يعمل لديها.

نظرة عينه التي تآكل تفاصيلها، جعلتها ترتبك، كلما أقترب خطوة تراجعت، كأنها تخشى أن يتحول، عقلها الصغير يسأل، هل هو طبيعي؟

وسؤال آخر برق في عقلها، هل من يتعامل معها الآن هو نفس الشخص؟ الذي تقابل معها في موقف السيارات! هل هو جاسم أم قاسم؟!

أن كان الفرق بينهما حرف واحد، لكن في الاسم فقط، أم الفرق بينهما في الحقيقة مهول، أدرك ما تفكر فيه، براءتها جعلت أفكارها واضحة في عينيها، لكنه توقف قبل خطوة واحدة منها، وهو يشير إلى شعرها...


كأنه ينبهها إلى غبار وهمي لا وجود له في الحقيقة، كل ما في الأمر أنه أراد حجة يحافظ بها على وقاره امامها، هو يقول:

_ هناك شيء على شعرك أنسة لينا..

ورغم أنها لم تصدقه، إلا أن يدها تلقائياً تحركت على خصلات شعرها وهي تنظر له باستفسار...

ابتسامة على وجهه، وهو يهز رأسه ويكمل:

_ الآن، دعينا نعرف ما السبب الذي يجعلك تطلبي مقابلتي..

_ ماذا أفعل هنا؟

_هل تسألينني أنا يا لينا؟ أنت من أتيت إلى مكتبي..

_ أنا لا أتكلم عن المكتب..

_ عن ماذا تتكلمي إذا؟

_ أتكلم عن ما أفعله في الشركة

_لم أفهم ما تعنيه؛ ماذا تعني ماذا تفعلي في الشركة؟

_ أنا لا أقوم بأي عمل، فقط أجلس على المكتب طيلة اليوم، أنظر من الشرفة، أعبث في هاتفي المحمول، لكني لا أفعل شيء؛ لكي أتقاضى عليه أجراً..

_وهل أشتكيت لك، أن مرتبك لن يؤثر على الشركة..

_ هل تعني إنك اعطيتني الوظيفة شفقة علي؟

_لم أقصد ذلك!

_ ما الذي تقصده إذا؟

_ اقصد انني أعرف، مقدار الضغط الذي وضع فوق كتفيك؛ لذا أحاول مساعدتك، بطريقة غير مباشرة...

_ لمَ؟

نظر لها مطولاً وجد مزيج من العنفوان وعزة النفس، الإندفاع والشراسة التي تجعله يري أمامه فرسه جامحة، لن تقبل مساعدته إلا أن كان هناك سبب لها.

_ ماذا تعني بلم؟

_ سيد جاسم سؤالى واضح، لمَ تساعدني؟

_ربما لأن طريقة أخي قاسية إلى حد ما، لكنه يريد كل شيء كما يرسم له..

_ هل تعني إنك تخشى علي منه..

رجع خطوة يستند على مكتبه، عقد ذراعيه أمام صدره، ونظر لها نظرة لم تعرف، ان كانت تعني أهتم، خوف عليها ليس من اخوه فقط، ان ما في عينه يعني أنه يخشى عليها من الجميع، لكنه تدارك نفسه وهو ينظر لها بجمود وقال:

_ لمَ اخشى عليك منه، أو من غيره؟ هل تعني لي في شيء؟ انت مجرد موظفة في الشركة.

شعر بتغيرها، وشعرت بأنه تحول في لحظة، لكنها هزت رأسها بالموافقة، وهي تقول:

_ ما الذي علي فعله بما أنى اعمل في الشركة؟

_هل تريدي العودة إلى العمل تحت أمرة قاسم؟

_ الأمر ليس العودة إلى العمل تحت إمرته، أنا لا أحبذ التعامل معه من الأساس، يظن نفسه محور الكون..

_ لا تنسي أن من تتحدثين عنه هو نائب رئيس مجلس الإدارة، بالإضافة إلى أنه أحد ملاك الشركة وأيضا أخي!

_ لكنه سخيف.

هنا لم يتمالك نفسه، ضحك بصوت مرتفع، وهو يقترب منها خطوة، ويقول:

_هذه جراءة كبيرة منك أن تتحدثي بهذا الشكل في وجهي؟

_ وفي وجهه هو الآخر.

_ يبدوا إنك لا تريدي الاستمرار في العمل.

_ من قال لك ذلك؟ أنا أريد بالطبع أن اعمل، ولكن أريد العمل ليس الجلوس على المكتب، لتصفح المجلات.

_ هو لن يقبل أن تقومي بعرض تصاميمه هذه الأيام..

_ وأنا لا أريد أن اعرضها، أريد العمل معك.

_ ما هي دراستك؟

_إدارة أعمال.

_ هذا جيد

_في ماذا؟

_من الممكن ان تكوني مديرة مكتبي.

_ هل تعني ما تقوله حقا؟

_بالطبع والا ما اخبرتك به.

_ولكن ماذا ستفعل في مدير مكتبك الحالي؟

_ قد انقله قسما آخر، مع ترقية

_ اذا لن يضره توظيفي في مكانه..

نظر لها بطريقة مختلفة أبتسامة تلمع في عينه، وبصوته الرخيم قال:

_ بالتأكيد لن أقوم بطرده من العمل، لن يضره وجودك في شي يا "لينا"، لكن أن كان حلمك هو الانطلاق على السجادة الحمراء، وعرض تصاميم المؤسسة قد اجري محاولة من أجلك...

الدهشة التي شعرت بها، والاضطراب الذي لاح في عقلها؛ وهي تفكر لمَ الآن لا تريد أن تكمل الحلم؟ الذي سعت من أجله، لمَ الآن تريد أن تكون بالقرب منه؟

ان تكون مديرة مكتبه، ورغم ان الوظيفة التي عرضها عليها تختلف عن احلامها، إلا أنها نقله كبيرة في حياتها، فمن في سنها لا تعمل مديرة مكتب، لرئيس مجلس الادارة..

خاصة في شركة عالمية، لذا قالت:
_ هل يعني ذلك أنني سأعمل معك؟

هز رأسه بالنفي

_ ليس مع توأمك!

_ انت تدركين أنه المسؤول عن التصميمات، تعرفي جيداً انه من بيده ان يجعل منك عارضة مرموقة، قد اوصي عليك إن كان هذا حلمك...

اقتربت منه خطوة، وهي تنظر في عينه، التي رات فيها رفضه لكلامه، ومع ذلك يعرض عليها المساعدة..

_انا أرى أن العمل في الوظيفة التي عرضتها علي، فرصة لن تتكرر وتجربة علي خوضها، قبل ان اقرر إن كنت أريد العمل عارضة ام لا...

ضحك بصوت مرتفع وهو ينظر لها بتسلية، كأنه لا يصدق تلك الجرأة التي تتحلى بها، في اللحظه التي فتح فيها الباب ودخل قاسم، وهو ينقل نظره بين الاثنين!

ابتسامة "لينا"، صوت أخوه الذي يضحك بصوت مرتفع على غير العادة، توقف لحظة ينقل عينيه بين الإثنان.

لا يصدق أن تلك، التي كان يمني نفسه بأن تكون له بأي طريقة كانت، سواء كانت رفضت كل الضغط الذي سيوقعه عليها، حتى تضعف أو تصمد وقتها ستكون هي!

التي سوف يكمل معها طريقه، ويجعلها تدخل حضنه وقلبه بطريقة مشروعة، سيجعلها تحمل ما تريد مما يملك وأولهم أسمه.!

حواره مع نفسه كأنه صراع داخل بركان فلقد كان يظن انها من ستعوضه عن كل شيء، وستجعله يتصالح مع الدنيا.

فلقد سقطت غيرها كأنها اوراق شجر، هبت عليه رياح الخريف لتبدده، فكل من قبلها نزوات عابرة، لكنه ما أن رأها ورأى مزيج البراءة والنقاء والعنفوان وهو يمني نفسه بها هي، رسم لها مخطط آخر.

لأنه أدرك أنها تختلف من أول وهله، أن ذلك التصميم الخليع الذي طالبها بأن تعرضه ما كان إلا وسيلة ليدرك معدنها.

فقد تجاوز مع غيرها ولكنه يكيل بمكيالين، ولكن لم يدري لم تكلم بهذه الطريقة وهو يقول ببرود يواري ما يشعر به:

_يبدوا أن العمل مع أخي يعجبك؟

ونظر لأخيه كأنه يقول، يبدوا أنك لا تختلف عني، كلنا سواء..

نظرة عينه جعلت "لينا" تتجمد مكانها، والغضب يرتسم على وجهها وهي تنظر له؛ وكأنها تريد أن ترد عليه، في هذه اللحظة..

أشار إليها جاسم بأن تنتظر وقتها لزمت الصمت، لم تدري لمَ لم ينطلق لسانها بقوه عشرة رختر كالعادة!

وهي تستمع إلى "جاسم"، بعد أن التفت ينظر إلى "قاسم" باستفسار، كأنه يتساءل عن سبب وجوده في مكتبه؟!

_ماذا هناك جاسم؟ هل وجودي غير مرغوب فيه، هل اتيت في وقت غير مناسب؟ هل أذهب وأعود مرة أخرى...

_ ماذا دهاك قاسم، لمَ تتحدث بهذه الطريقة؟

_ لم أعنِ شيء محدد، كل ما في الأمر إني جئت من أجل ذلك التقرير الذي طلبته من قبل، ولم أحصل عليه يبدوا إنك مشغول، باشياء أخرى؟

_ يبدوا إنك تجرب حظك معي، انت تعلم انني لا أنشغل بتلك الاشياء، الآنسة "لينا" ستعمل مديرة مكتبي.

السخرية على وجه "قاسم" كانت تواري نار في قلبه وهو يقول:

_ بهذه السرعة مديرة مكتب الا تدرك أنها أصغر من أن تكون مسؤوله عن كل شيء في مكتبك؟!

نظر له "جاسم" وهو يشير إلى "لينا" أن تذهب إلى خارج المكتب تنتظره هناك.

_هل اذهب إلى مكتبي السابق؟

_ لا داعي اخبري طارق أن يريك نظام العمل هنا .

_كما تريد سيد "جاسم".

السخرية على وجه قاسم لم تتغير إلى أن خرجت
وقفت مع طارق في المكتب تطالبه بتوضيح نظام العمل.

طارق: هل ستعملي هنا؟

لينا: هذا ما قاله "جاسم بيك".
طارق: حسنا عليك أن تترجمي الفاكس والرسائل التي تصل اليك و...

أما هناك في مكان آخر كان "فلادمير" ينظر إلى ابنه "بيتر" وهو يقول:

_ لقد استطاع النجاه أن ما فعلناه قد ينهي شركات باثرها، مع ذلك استطاع أن يتجاوز الأمر وينجو بالشركات.

_هذا ما أريد أن اعرفه كيف استطاع أن يعوض تلك الخساره الفادحة التي تلقاها.؟

_ لقد قمنا بضربه ضربة قاضية، قد تكون سببا في تدمير اسمه في السوق العالمي.

_لكن ما زال نجمه يلمع عالمياً!

_هل تكيد في يا فتى

_ بالطبع لا دون "فلادمير"

_ هل تسخر سوف ننهي اسم "خالد قاسم" من الخريطة العالمية.

_ هل تظن ان نرسل له الاقمشة بخامات أقل جودة، وسرقة التصاميم وتغير مثبتات اللون قد تجدي؟

_ ماذا تعني يا بيتر؟

_ هناك شيء أفكر فيه، لكن يجب اولآ أن اتعلم اللغة العربية، واللكنة المصرية، بالإضافة إلى أن أعرف تفاصيل حياتهم بالكامل!

_ لم افهم ما الذي تعنيه؟

_سوف تفهم ما أن أبدأ بتنفيذ خطتي، ستكون تلك الضربه نهايه "لخالد قاسم" وعائلته، سوف اجعلك تمتلك كل ما يمتلكونه..

ابتسامه سمجه على وجه الاب وابنه كأنهما ضباع يتقاسمون الغنيمة، نظر لابنه وكأنه ينتظر ان يوضح "بيتر" ما الذي ينوي ان يفعله....

أما هناك كان قاسم ينظر إلى اخيه ويقول:
_ كيف توظفها في هذا المنصب، هل نسيت تلك الخيانة التي تعرضنا إليها من فترة قريبة؟ هل تظن اننا يمكننا أن نخوض تلك التجربة مرة أخرى، ومن اجل ماذا؟ من اجل تلك... ؟!

_كفى قاسم انا لا اسمح لك بان تتكلم معي بهذه الطريقه، انت تدرك جيداً أن ذلك الموضوع حدث قبل ان نتولى ادارة الشركة ..

_اعلم أنها قبل نترك كل أحلامنا لنتولى أمر الادارة..

_ هل لازلت ناقم؟!

_ لمَ تقول ذلك!

_ أنظر لنفسك في المرآة، قد تجاوزنا تلك المحنة، لذا عليك ان تدرك معنى كلامك..

_ ماذا به كلامي يا جاسم؟

_يبدوا ان هناك ما يغضبك لذا تخرج الشحنة في اي كان ولكن عليك ان تدرك اني لن اتقبل ما تتكلم به، إن آنسه لينا...

_مهمة بالنسبة لك هل اعجبتك ام هناك شئ حدث بينكم؟

_ يبدو انك تلقي الكلام جزافاً، لا تدرك معنى ما تتحدث بشأنه، ماذا تعني بان هناك شئ حدث بيننا ؟!

_ ما يحدث بين رجلاً بكامل صحته ورجولته مثلك وإمرأه؟

رفع "جاسم" يده ليصفع "قاسم" لأول مرة..

بينما "قاسم" نظر ليده المعلقة في الهواء بصدمة..

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي