الفصل11

الفصل 11

ألتفت بيتر ينظر له بإستفسار، كأنه لا يصدق أنه سمع منه هذه الكلمة، لم يتوقع أن يقولها! هل يتوعد لأحد بالقتل؟ والإجابة لهذا السؤال واضحة، أنه يتوعد لخالد نفسه، يبدو أن ما يشعر به ستيڤن لشقيقته «آن» كان قوياً لذى قال:

_ اهدء يا صديقي، سوف يحدث كل ما تفكر فيه، لن نتركه لكن أن تقتله معناها إنه سوف يرتاح من العذاب، الذي سوف أجعله يعانيه على يدينا، سوف أجعله يبدأ من الصفر أن وجد صفر ليبدأ من عليه..

هنا أبتسم ستيڤن وهو يرفع كأس الخمر؛ ليشرب ما فيه، نخب انتقامهم..

بينما هناك كانت «لينا» ترجع إلى البيت ألقت السلام على عائلتها الصغيرة، والدها الأستاذ مهران ووالدتها ثريا، ابتسامة تظهر على وجهها.

ثريا: لقد تأخرتي

لينا: كنت في غداء عمل في مطعم….

ابتسمت امها لأن المكان الذي ذكرته أبنتها يعد الاغلى..

بعد وقت تجمعوا حاول مائدة الطعام، في صمت على غير العادة، بينما يشغل افكارها ما حدث هذا اليوم، تلك المساحة التي تجاوزها جاسم، حتى أنها أرادت أن ينتهي الطعام بسرعة لتختلي بنفسها..

لتتذكر كيف كان اليوم من أجمل الأيام في حياتها؟ نظرات عيني جاسم لها كلما دخلت إلى مكتبه، تلك الرجفة في قلبها، الذي يتراقص طرباً من فرط ما يشعر به من مشاعر، وكأن نغمات العشق التي تموج في داخلها، كانت تقول شيء واحد..

ان هناك شيء قوي يربط بين قلبيهما، رغم أنها إلى الآن تجلس على مائدة الطعام، تتناول العشاء إلا أنها تشعر أن قلبها هناك، لم تستمع إلى كلام والديها حولها، بل كانت تستمع إلى همس جاسم بإسمها بطريقة عزبة..

كمن يتذوق كل حرف من حروفها، نظرة عينه التي تقول شيء واحد، ابتسامته التي تحمل معاني أكثر بكثير من الفرح..

كانت تلوك الطعام، دون أن تشعر إن كان حلو أم مالح! بينما نظرت عين أمها التي تكلمها، دون أن تتلقى منها رد، جعلتها تطرق بخفة على المائدة، وهي تقول:

ثريا: ماذا هناك لينا؟ فيما أنت شاردة حبيبتي؟

رد مهران والد لينا وهو يقول:

_ لمَ تركزين معها؟ ربما تفكر فيها أمر ما، أليس كذلك حبيبتي؟

ابتسمت لهم، وهي لا تعرف ماذا تقول؟

_ لا اعرف عن أي شيء تتحدثون، لمَ تنظرون إليا هكذا؟

مهران: ربما لأن هناك وعد بيننا، حينما تشعرين أن هناك من يستحق أن تلتفت له، عليك أن تخبرينا.

ثريا: ولأنك منذ أن تركت عملك، الذي كنت تحلمين به، وعملت مديرة مكتب في نفس الشركة، لم تتكلمي كأن الأمر لم يزعجك.

_ ربما لأنه لم يزعجني أمي

_ هل حقا ما تقوليها حبيبتي؟ انت تعلمين جيدا أنني لم أكن أفضل تلك المهنة، لكني أعرف أنها شغفك واعرف إنك تحبين كل شيء يخص الملابس، عرضها انتقاء الألوان..

_لا زلت أمي، لكن هناك شيء تغير أنا مقتنعة بما افعله.

مهران: حسنا حبيبتي، لكن أن شعرتي بحاجة لأن تتكلمي مع أحد فها أنا موجود..

تركت أدوات المائدة ونهضت من مكانها؛ لتقبل والدها ووالدتها، ثم تحركت إلى غرفتها..

بعد وقت كانت تقف أمام المرأه تصفف شعرها، وهي تتذكر كيف كانت تجلس معه، على تلك المائدة تنتظر ذلك العميل، الذي أخبرها بأنهم سوف يلتقيان به، لم تدري متى تحول الحديث بينهما، من العمل إلى حياتها الخاصة..

جاسم: إذا أنت طفلة وحيدة. مدللة والدك، حبيبة أمك، من سيغامر ويأتي لخطبتك؟ قد يجعله والدك يرى الجحيم..

ضحكت بصوت مرتفع، من واقع كلامه عليها، وهي تنظر له بدهشة وتقول:

_ ربما يكون كلامك فيه بعض الحقيقة، إلا أنه ليس كما تقول، هم يحبونني ويريدون سعادتي، بالتأكيد من سيأتي لخطبتي سيعاني، لكنهم سوف يحبونه، أن احببته..

جاسم: هنيئا له إن احببته يا لينا..

ابتسمت بخجل وهي ترتشف كوبا الماء الموجود امامها..

جاسم: وضعي أنا مختلف..

_ بالطبع لأنك توأم.

_ ليس لهذا فقط، نحن أربعة..

الصدمة على وجهها وهي تقول:

_ أربع توائم..

جعلته يضحك بصوت مرتفع، من نظرة الدهشة على وجهها، ولكنه قال:

_ ليس أربع توائم كما تفكرين، الفرق بين عمري انا وقاسم، وبين أخي الصغير أسر واختنا الوحيدة أروى تسعة سنوات..

_ لقد فهمت، لكن يبدوا أن أمك تنظم الأمر بطريقة جيدة، طفلان كل مرة بين المرة والأخرى تسع سنوات..

_ لا أعرف أن كان من الجيد أن أخبرك أم لا، لكن أمي قمر ليست أمي البيولوجية..

فغرت شفتيها، وهي تنظر له بصدمة، ماذا يعني بأنها ليست أمه؟ أن معاملتها له تقول أنه أقرب أبنائها إليها، لكنها لا تدرك أن قمر بالفطرة..

جاسم: لمَ هذه الدهشة على وجهك، هل قلت شيئا غريب؟ أن ماما القمر أبنة عم والدي، وصديقة امي المقربة،لذا تحملت الكثير من اجلنا تزوجت من والدي حتى تربينا..

_ لم أكن أعرف.

_ لا أحد يعرف لينا، لانه بعد رحيل والدتي الحقيقية ماما «لينا»

_ ماذا قلت؟

_ كما سمعت؛ أن أمي اسمها لينا، ليس كما فكرتي من قبل، أنه أسم حبيبة سابقة لي، هي حبيبتي الأولى التي رحلت دون أن اكتفي من حضنها، من حبها أنها أمي..

_ آسفة من أجلك.

_ وأنا أيضا آسف لرحيلها، كانت جميلة رقيقة وحيدة والداها، سافرت لتتعلم تصميم الاقمشة في ميلانو، بالتحديد في مدرسة «مارانجوني» تقابلت مع والدي هناك، بعد فترة من تعارفهم وجد قلبه ينساق لها، لم يستطيع المقاومة كثيراً وفي اول أجازة لها هنا قام بخطبتها..

_ ان قصه حبهم تحمل الدفء، انا سعيدة لانها تزوجت ممن تحب، وانجبت طفلين مثلك انت واخوك..

_أجل لقد كانت سعيدة هي الأخرى، ولكنها عانت الأمرين دون أن تخبرنا..

_هل تغير والدك؟

_ لا لم يتغير أبي، لكن الدنيا تغيرت! لقد كانت تعاني من ورم في الدماغ «كانسر »

نظرت له بصدمة وهي لا تعرف ماذا عليها أن تقول. إلا أنها همست:

_ يا إلهي لقد كانت محنة قاسية بالتأكيد..

_ كانت قاسية علينا، لم تعرف أنها في مرحلة متاخرة، إلا بعد أن ولدتنا لذا كانت قمر من تحاول مساعدتها في كل شيء، حتى انها كادت ان تهمل دراستها، رغم انها تركت بلدنا الأصلي «المحلة الكبرى» من أجل أن تعيش معنا في البيت، لأنها تدرس في الجامعة ولأن أبي يعد اخوها الأكبر

_ هل أقول لك شيء ولا تغضب

_ لن أغضب قولي ما تريدين

_ أنا أشفق على قمر..

_ تشفقين عليها لمَ؟

_ ربما إضطرت أن تفعل ذلك من أجلكم..

_ لن أنكر وأقول لك لا لم تفعل، لقد ضحت من اجلنا، لكنها لم تكن لتترك وصية لينا لها، أنا أذكر جيداً أنها لم تشارك أبي فراشه بعد زواجهم..

_ كيف علمت ذلك؟

_ لقد كانت تنام يوماً بجواري، ويوم بجوار قاسم، لقد كان اتفاق ضمني..

_ كل كلمة تقولها تجعلنى احب السيدة قمر اكثر

_ وانا ايضا، لانى أذكر كيف وضعتها العائلة في الركن؛ لتجعلها توافق كأنها كانت ستتركنا..

_ لكني متأكدة من أنهم يحبان بعضهما بطريقة قوية أو هكذا يظهر..

_ بالتأكيد يحبها، ربما ما يشعر به أبي لقمر أقوى بكثير مما شعر به لامي الحقيقية، لكني سعيد من أجلهما لأن قمر تستحق كل الحب والاحتواء الذي يقدمه لها لأنها استطاعت أن تحتوينا جميع تجعلنا ضفيرة قوية من الصعب تفكيكها، ونستطيع أن نترك كل شئ من أجل الشركة

_ تستطيع أن نترك كل شيء من أجل الشركة..

_ لأنها تركت كل شيء من أجل أبيه، انها ترسم من البيت..

_لكن تصاميمها حية

_ اكيد أنها قمر قاسم، لقد دعمها والدي بكل طاقته، وقف امام الجميع من أجل أن يجعلها تسافر وتعيش في مارانجوني بمفردها، حتى انه قام أستأجر بيت كبير لها، لتعيش فيه مع إحدى صديقاتها هناك أشياء كثيرة كانت بينهم

_ ربما الحب يأتي بعد الزواج

_ وربما كان موجود في الأساس، لكن ما ربط بين قلبيهما أقوى من كل الظروف الصعبة التي مرت بنا، مما جعلني نترك كل شئ

_ لماذا قلت إنك تركت كل شيء من أجل الشركة؟ أليس هذا عملك؟

_ منذ بضعة أشهر صار عمل رسمي، لكن قبلها لم اكن لأترك بطولاتي لأقوم لإدارة الشركة..

_ بطولاتك؟

ضحك بصوت شبه مرتفع، علي الدهشة الظاهرة على وجهها وهو يقول:

_ ألم تسمعي الإسم من قبل؟ جاسم خالد قاسم خالد

الدهشة على وجهها تضاعفت، وهي تشير له باصبعها، كأنها لا تصدق، أنها أمام بطل العالم

جاسم: أجل نحن، ربما لهذا السبب أصبح قاسم ناقماً على كل شيء، حتى الدنيا لقد ترك كل ما كان يحلم به، ويخطط لنفسه من أجل أن يحمل هم التصميم، واسم الشركة الكبير، رغم أنه سلك طريق خاطئ..

_لم تفعل مثله

_ لا أحبذ العلاقات الرخيصة لا أحبذ أن أشتري متعتي..

_ يا ألهي انت جريء اكثر مما اتخيل

_ربما لأني أريد أن أكون صريحا معك، في كل شيء اشعر بأن هناك شيء يربطنا..

_ هل تعني صداقة؟

نظر لها مطولاً وهو يقول:

_ ربما تجاوزت هذه المرحلة، هناك أشخاص قد تعرفهم في يوم واحد، وهناك أشخاص تقضي بجوارهم عمراً كاملاً، دون ان تعرفي عنه شيء

_ هذا صحيح

جاسم: هل يعني تأكيدك إنك تشعري أن هناك شيء بيننا؟

اذدردت لعابها، دون أن تقوى على الرد، رفعت كوب الماء مرة أخرى ترتشف منها

بينما هو أشار للنادل نظرت له باستفسار وهي تقول:

_ألن ننتظر العميل

_عندما يأتي قد نطلب مرة أخرى، ولكني أشعر بالجوع، لم اعتاد ان انتظر

_ حسنا

قرب منها قائمة الطعام، تنتقي ما تريد رغم ان طلبها اقتصر على نوع من أنواع السلطة وبعض اللحوم المشوية

دون أي شيء آخر نظر له ويقول:

_ فقط

_ وهذا كثير أيضا

_راي أنك لازلتي تسيرين على نفس سلوك الذي تتبعه عرضة الأزياء، هل يعني ذلك انك تفكري العودة إلى العمل؟ في نفس المجال مرة أخرى

_ هل تريد الحقيقة؟

_ لا اريد شيئا غيرها

_انا نفسي لا اعرف ان كنت اريد ان اكمل في ذلك المجال ام لا، لا اعرف ان كان هذا ما اريده لنفسي ام لا، ولكني مكتفية بالعمل معك، اشعر ان هناك شيء مختلف في تلك الحياة، التي لم افكر فيها، استغلال لدراستي، محاولتك لمساعدتي أشياء كثيرة تفعلها تجعلني أريد القرب منك، اقصد العمل معك

ابتسم وهو ينظر لها بدفء وهو يقول:

_أنا أيضا أريد القرب منك لينا اريدك ان تكوني قريبة مني، وليس في العمل فقط

الدهشة على وجهها جعلته يبتسم ولكنه لم يرد لان النادل اقترب ليضع الطعام امامهم نظرات عينها كانت تسأل وتجاوب، وعقلها يقول لها:

_هل ما قاله صحيح. هل يريد القُرب مني حقا؟ وماذا يعني انه لا يريد قربنا أن يكون في العمل فقط؟ هل يعني الصداقة؟ هل أكذب على نفسي انا ما اشعر به له اقوى بكثير من من مشاعر صداقة؟ ربما تجاوزت مشاعر العشق والوله..

لكن هل أستطيع أن أحب أنسان في شهر، لكنها لم تقوى على ان تبرر، او ترفض أو تعلل ما تشعر به

إن ما تشعر به أقوى بكثير من أشياء كثيرة مرت في حياتها، ربما لم يمر فيها الكثير بالفعل، ربما لهذا تتخبط فيما تشعر به..

هي التي لم تنساق وراء مشاعر المراهقة، كانت ترفعه الشوك المحملة بالطعام إلى فمها، عندما وجدت عينيه تآكل تفاصيلها، دون ملل، وقبل أن تضع الطعام في فمها، وجدته يهمس بصوت حميم

جاسم: احبك لينا

موجة الخجل التي غلفت وجهها، تلك النبضة المختلفة التى تراقصت بين ضلوعها، ما شعرت به من حرارة جعلت وجهها يشتعل بلون ناري، نظرته التي تحمل بين طيتها الانتظار، جعلتها تضع الطعام في طبقها، وهي تنظر له باستفسار إلا أنه أعاد الهمس بنفس الكلمة:

_ أحبك أريدك

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي