الفصل23

أقلصل 23

الغضب على وجه هنري كان واضح وجلي، وهو ينظر إلى ألبرت، كأنه يتوعد أن يرد له الصاع اثنين، إلا أن ألبرت قال له:

_ لم أكن لأفعلها أن لم تبدأ، لذا عليك أن تعرف مع من تتعامل، قبل أن تتهاون بخصمك، أن تعرف من هو، وبما إنك تعرف من أنا؟ فأنت تعلم جيداً أنني لن يرف لي جفن، وأنا أقطع لك.. 
صمت وترك الكلام معلق، فمعنى حديثه واضح أني سأجعلك رجلاً بالاسم فقط،.. 

كان هنري يهدر بأنفاس مرتفعة، يكبت ذلك الغضب الذي يتملكهم، يحاول السيطرة عليه قبل أن يثور ويفور، ويفصل رأس ألبرت عن جسده، ولكن هل يستطيع أن يفعلها.. 

بينما بيتر ينتظرهم في ذلك الصالون الفاخر، وكل دقيقة تمر يشعر فيها  بيتر بالغضب 

أما  ألبرت نظر إلى هنري وهو يشعر بالتسلية، ورغم ذلك يظهر بعض الحدة،  ممزوجة بالبرود الذي يتحلى به في الواقع.. 

وبينما يمر الوقت  همس ألبرت:

_  إن كان ما تفكر فيه صحيح؟ فعلينا أن نتحرك الآن.

بصوت كفحيح الأفاعي، وعيونه تقدح شرار: 

هنري: هل تقرأ الأفكار؟ لتعرف فيما أفكر.

_ شئ من هذا القبيل، أنت تدرك جيداً أن غضب السيد بيتر، قد ينال منك ومني، فأنا أعلم جيداً، أنه لن يتوانى عن أن يمزق لحمك بأسنانه وليس السوط هيا هنري..

_ هل تأمرني أيها اللعين؟

_ لست لعين، تكلم بطريقة لائقة، فنحن رجال مخابرات، عملنا في جهاز حساس في فترة من حياتنا، فإن كنت تظن أن الجميع يعتقد أنك ميت، فأنت مخطئ، فأنا لست من هؤلاء الذين يعتقدون موتك.. 

_ حقا؟ 

_ أعلم جيدا أن تلك الخدعة التي فعلتها لتواري هروبك بتلك الأموال، لتغطي على تلك العمليات القذرة، التي كنت تقوم بها بينما لازلت تعمل في الجهاز، وخطتك تشبه نفس الخطة التي كنت أفعلها لو كنت مكانك، لذا لا تتفاخر بذكائك عليّ فمن مثلي يفهمك دون أن تفتح فمك..

الرد الوحيد الذي تلقاه ألبرت من هنري، كان أنفاسه الثائرة التي ترتفع وتيرتها، كلما تكلم وكأنه يخبره أني أكبت غضبي بصعوبة، فلا تثيره حتى لا تعاني، لكن هل يهتم البرت بتهديده الصريح؟! 

كاد هنري أن يرد، بعد أن أستمرت نظرات التحدي ببنهم  في صراع قوي بين الاثنين، لكنه إستمع إلى صوت رئيس الخدم، أو المسؤول عن الأمن الداخلي للقصر، وهو يقول: 

موريس: ماذا هناك لمَ لازلت تقف هكذا؟ ألا تعرف أن الكابو يريدك؟

 ألبرت: أنا؟

موريس: أجل أنت، لمَ تقف بهذه الطريقة، ولمَ هو يشعر بالغضب؟

ألبرت: هل تسألني أنا؟ لمَ  يشعر هو بالغضب؟ عليك أن تساله هو سيد موريس، لقد كنت اسير معه في هدوء، إلى آن توقف مرة واحدة، وأخذ يهدر بصوت مرتفع، كأنه لا يقوى على اخذ أنفاسه، هل يعاني من الربو؟

موريس: هل تمزح؟

_ أنا، بالتاكيد لا. 

_ حسنا تقدم أمامي، سيد بيتر ينتظرك هو لا يحب أن ينتظر كثيراً..

التفت موريس ينظر إلى هنري وهو يسأل:
 
_ أنت ما الذي حدث؟

 نقل هنري نظره بين موريس وألبرت، وهو يقول:
_ لا شيء سيد موريس، إن چوزيف صديق قديم، أليس كذلك؟ 

ألبرت: أجل عزيزي صديق قديم. 

موريس: حسنا ذلك الحساب يغلق الآن، وإلا قد يفتح لكما قبر واحد. 

ألتفت ليوجه كلامه إلى هنري:

_ فأنت تدرك أن غضب كابو بيتر ليس هين، چوزيف عليك ان تتقدم فهو ينتظرك 

_ سوف نبدأ حصة الدرس، لا تخف لن اعطلكم بطلب الإفطار الآن، سوف انتظر ريثما ننتهي.

_ لا تتبجح حتى لا يفصل رأسك عن جسدك.

ألبرت: لازال يحتاج إلى أن أعلمه اللكنة المصرية، بعدها قد أخاف على رأسي.

موريس: هل تظن إنك فريد من نوعك، هناك مئات بل الآلاف يتمنون أن يطلب منهم الكابو بيتر خدمة، وعلى ما أظن لقد حصلت على الكثير من المال، مقابل تلك الخدمة لذا تقدم. 

أدرك ألبرت أنه أغضب إثنين من أشرس ما يكون، هو يعلم جيدا هنري لن يتوانى عن آن يحطم رأسه، ما أن تتاح له الفرصة، وموريس سيشعر بالسعادة وهو يجعل الرصاص يخترق جسده ليحوله إلى مصفاة، ومع ذلك ابتسم في وجوههم

ألبرت: دعوا افكاركم الدموية الآن، لنذهب إلى سيدكما.

 سبقهم خطوة، وهما يسيران خلفه، يميز الغيظ في أنفسهم، إلا أن موريس يتحكم في نفسه فهو لا يريد أن يحدث شيء الآن، أما هنري فكان يفكر كيف سينهي حياة ذلك اللعين، ما أن يقول السيد بيتر أنه حصل على ما يريده، أو أنه لم يعد بحاجة له، سوف يستمتع وهو يأكل كبده على الإفطار

دخل إلى حيث بيتر، وهو يلقي السلام باللغة العربية
_ صباح الخير سيد بيتر 

 أبتسم بيتر وهو يرد عليه بنفس اللغة 

ألبرت: هذا جيد سيد بيتر، اللكنة تحسنت إلى حد كبير، في يوم واحد! تملك ذكاء خارق وقدرة على حفظ اللغات بطريقة مبهرة، لم أكن لأتخيل إنك تتكلم اللغة العربية من الأساس وها أنت تجيد اللكنة المصرية.

بيتر: هل تعني أني رددت السلام بطريقة جيدة هل أجادت اللغة؟

_ ليس تماماً، لكن لكنتك وأنت تنطق الكلمات تعني إنك إستطعت أن تصل إلى «التون» الصحيح. 

_«التون» هل نعزف؟

_ ما أجمل العزف، حينما تكون خطة محكمة، لذا ستعزف بطريقتك، التون هو نبرة الصوت، التي أريدك أن تتمسك بها. 

_ حسنا سوف نبدأ.

 نظر له بيتر بهدوء مغاير لتلك الأفكار التي تتزاحم بداخله، ومع ذلك أبتسم : 

_لكنك لم تتناول الافطار بعد. 

_من قال ذلك، لقد كاد السيد هنري أن يصيبني بالتخمة، من فرط ما أكلت منه.

نظر له  بيتر بدهشة وهو يضحك بصوت مرتفع، كأنه فهم ما يعنيه ألبرت..

_ لا يستطيع أن يفعل شيء دون أن أأمره 

_يبدوا أني لم أحظى على ثقتك بعد. 

_ من الجيد إنك تعرف ذلك،  فانت بالفعل لم تحظى على ثقتي، أمامك الكثير لتحصل على ثقتي سيد ألبرت، فنحن لا نلعب هذا كيان له حدوده، وكلما قل ما تعرفه، كلما نجيت من هول عظيم، وشر كبير..

_ كلامك الأخير،  جلب إلى  ذاكرتي رباعية لأحد الشعراء المصرين، تحمل نفس المعنى. 

_سوف أسعد بأن تخبرني بها لاحقا، والآن ستتناول بعض الطعام 

_ربما نتكلم أولاً، لم أشعر بالجوع بعد، لازلت أشعر بالتخمة من عشاء ليلة أمس.

 أبتسامة سطحية رسمت على وجه بيتر 

_كما تريد.. 

وهنا بدأ البرت يتكلم بلكنة مصرية وبيتر ينظر له، ويستمع بإنساط

 ألبرت: هل فهمت؟

_ بعض الكلمات فهمتها، والبعض الآخر لا.

_ حسنا أخبرني ماذا فهمت؟

 اخذ يسرد بعض الكلام، الذي فهمه 

ألبرت: حسنا يمكنك أن تكرر ما قلته مرة أخرى.

_ بالطبع لا 

_قاطعة ناهية؟

_ ما هي القاطعة الناهية

_ لا.. 

ضحك بيتر مرة أخرى بصوت مرتفع، مما جعل الدهشة تتسرب إلى نفس موريس الذي كان يمر من أمام الصالون، وهو يفكر يبدوا إن ذلك اللعين يضع جذور له في المنظمة، فهل سيترك موريس أم..

  ألبرت: هل تضحك؟ لقد نفيتها مؤكدة، عليك أن تحاول. 

_حسناً

‌_ كرر خلفي، أولاً..

 أخذ يتكلم بهدوء وببطء، حتى أدرك بيتر ما يريده، فأعاد بيتر  نطق الكلام خلفه عدة مرات، نظر له ألبرت وابتسامة على وجهه

_ هذا جيد. 

بيتر: أنا لا أريد أن يكون جيد.

_ماذا تعني؟

_ أريد أن يكون ممتاز. 

_حسنا سيد بيتر كما تريد، ليس لدي ما أعترض عليه، أنا معك حتى تكتفي..

رغم ثقته في نفسه الواضحة، وهدوئه في الرد إلا أن  شعر بيتر بخوفه المستتر، وهو يلمح إلى أنه ما أن يكتفي، قد ينهي حياته..

 هنا أبتسم بيتر وتكلم  كمن يسرد امر عادى،  كأنه يطمئنه على حياته.. 

_لقد أخبرك ستيڤن بالأمس أننا قد نحتاجك، في أشياء أخرى. 

_ماذا تعني سيد بيتر؟ 

_أعني أني أفهم ما تفكر فيه، لا تخاف على رأسك، لكن عليك أن تفعل كل ما بوسعك لأحصل على ما أريد باكراً.

_ حسنا، لكن للأسف الأمر قد يستغرق وقتا طويل.
_ لا بأس لا تهتم لمدى الوقت، لكن اهتم لمدى الكيف، إن ساعدتني لأصل إلى الدرجة التي أريدها لن أهتم بطول المدة، فأنا أؤمن أن هناك أشياء يجب أن تؤكل باردة.

_ وأنا كذلك. 

_حقا تؤمن بذلك؟ 

_أجل أولهم الإنتقام، يجب أن تأكله بارداً لتستمتع به، أنه الطبق الوحيد الذي أفضله بارد، يا سيد بيتر..

_ جيد لذا  أخبرني لماذا فعلت  هذا؟ 

_لم افعل شيء! 

_هل تمزح؟ ألم تحاول أن تقوم بعملية الختان لهنري؟

 رغم أن ألبرت شعر بدهشة، ممزوجة من الخوف، هل ببتر شخص عادي أم هو ليس بشر من الاساس، ولكنه نفض أفكاره، وهو يطالب عقله بالهدوء، فهو بالتأكيد بشر لكن من اخبره ما حدث؟

 إلا أنه نظر له بإستفسار، يريد أن يعرف من أين علم أو عرف أبتسم بيتر وهو يشير إلى ما خلف ألبرت، أو بمعنى أصح إلى ذلك الجدار الكامل الذي لا يميزه شئ  سوا حجمه الكبيرة،  ولكنه لم يحمل أجابة لتسائل ألبرت.. 

أما بيتر بدد بحر الأفكار، والتساؤل المتلاطم في عقل ألبرت،  بكلمة منه..

بلغة غريبة وصوت واضح، تحول الجدار الى شاشة عملاقة تعرض كل ما يدور في القصر..

ألبرت: يا إلهي! ما كل هذا؟ لقد تخطيت الحدود أن ما أره ليس متوفر إلا في إجهزة مخابرات محدودة،  هل البيت بأكمله يخضع لنظام حماية مراقب بالصوت والصورة.. 

بيتر: هل تعني أن هناك كاميرات؟ 

ألبرت: هل تظن إني ساذج. لهذه الدرجة؟ 
 نظر له بيتر ولم يعقب بعد برهه من ..

_ ماذا تعني؟ 

_ أعني أني أعرف أن ما ينقل لك ما يحدث رهو قمر صناعي خاص يوجد على مسافة قريبة من هنا، قد يكون متصل بجهاز المحمول خاصتك، أو جهاز لاب توب متطور..

نظر له بيتر في صمت، بماذا يرد؟ يبدوا أن ألبرت يعرف جيداً  ما يتكلم عنه، لكنه قال: 

_هل تعرف  هنري من قبل؟ 

_المجال الذي نعمل فيه أصغر مما تتخيل، أنا اعرف كل ظابط مخابرات على مستوى العالم بالتقريب، هنري أو ماركوس انهما يتعاملا معي بتعالي، كانني حشرة، رغم أنه لا يختلف كثيراً عني، إلا أنه أخذ قطعة كبيرة من الغنيمة..

_ أي غنيمة؟ 

_أخذ أموال إحدى صفقات السلاح، التابعة للجيش، وإدع الموت،  رغم أن خطته محكمة، إلا أنها نفس الخطة التي قد أقوم بها لو كنت مكانه، لذا عرفت أنه لم يمت، ولم أدهش حينما وجدته أمامي، رغم تلك العمليات الكثيرة التي أجراها لتغير وجهه بعض الشيء إلا أن هناك أشياء لا تتغير..

التفت بيتر له يستجمع بعض الخيوط في كلامه ،وهو يسال بلهفة :

- ما هي الأشياء التي لا تتغير

- العين لا تتغير.

- يستطيع أن يرتدي عدسات لاصقة

-حتى لو ولكن هناك بصمة العين نفسها لا تتغير، بعض الأشياء، طريقة النظر لا يستطيع أن يغيرها بسهولة، ولكي يفعل ذلك عليه أن يجري عدة عمليات ليقوم بتغيير رسمة العين، بالإضافة أن هناك شيء في عينه أنا اعرفها جيداً

- ما هو وهل هذا الكلام عام أم إنك تقصد نفسك به؟

- أنا لا أتكلم عن نفسي فقط، لكن لا تنسى أني لست عادياً ، أنا رجل يستطيع أن يعرف شخص لم يراه من قبل من بعض البيانات.

- فهمت تقصد أن تدريبات كضابط مخابرات هي من جعلتك تعرفه ..

- هذا صحيح لكني أقصد أيضا أن الشخص الذي يعرفك، سيلاحظ الاختلاف في نظرتك، إلا إذا أجريت العديد من العمليات لتغير زاوية الرؤية !.

-وكم من الوقت قد تأخذ تلك العمليات، التي قد يجريها إنسان حتى يغير شكل عينيه ، هل يستطيع أن يغير اللون ويجعله مختلف، يحول مثلاً عينيه الزرقاء إلى بنية؟

-في الجهاز عندنا يستطيعون فعل أشياء كثيرة ، ولكنها أشياء مؤقتة، حتى إن طالت المدة، بعض العدسات وقد تبقى في العين أسبوع أو شهر ولكن في النهاية عليك أن تتخلص منها

- يبدوا أن هناك أشياء كثيرة ساحتاجك فيها

ألبرت : أنا في خدمتك ولكن ..

نظر له بيتر بدهشة كأنه يتساءل ِ:

-هل تشترط عليا؟

أجاب ألبرت على السؤال الذي لم يطرحه بيتر وهو يقول:

- بالطبع لا، لا أستطيع أن أشترط عليك، لكن لي رجاء وطلب لديك، لن أقبل إن أتعامل من ذلك الإمعة الذي كان ولا زال أقل مني بكثير بهذه الطريقة، لذا أرجو منك أن تغيره بأحد آخر ،حتى لو كان موريس نفسه ،رغم أنه ينظر لي بكره..

أبتسم بيتر له وسئل:

-هل علي أن أستجب لطلبك؟.

- أنه ليس طلب.

رفع بيتر حاجب واحد وهو ينظر له، ينتظر أن يكمل، بينما ألبرت أبتسم في مداهنة ..

- أنه ..

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي