الفصل18

الفصل 18

رغم أنه لم يعرف، كيف يعترض على كلامها؟ فهي تبدوا مرحبة بطلبه أكثر منه، ومما يظهر في عينها، انها لا تريد أن تقضي وقتا بعيد عنه، إلا أنه أبتسم لها وهو يقول:

_ سوف أنتظر حبيبتي، حتى نهاية الأسبوع، إن كان هذا هو شرطك.

 ابتسمت له وهي تلتفت؛ لتنظر أمامها تشعر بأنها ملكت الدنيا،  فقط من همسه بكلمة حبيبتي، هل هي حبيبته حقا؟ 

هالة من الدفء تحاوط قلبها البكر، تدغدغ مشاعرها، تجعلها تحلق بين الغيوم، لم تشعر بما حولها، لم تدرك أنه ينظر لها بطرف عينه، هو الآخر تائه فيما يشعر به، تمر أمامه نظرات عينيها، وهي تنبض بالعشق الممزوج بالخجل.. 

أبتسامة حالمة رسمت على وجهه ما أن شعر بما تتخبط فيه من مشاعر، إلا أنه مضطر ليسألها عن المكان، خاصة  بعدما وصل إلى المنطقة، التي  تقيم فيها.. 

جاسم: لينا 

لم يتلقى رد منها أعاد الكرة ونادى مرة اخري 

_ حبيبتي من أين أتجه 

لم يتلقى رد أيضا، نظر لها بعشق ينبع من داخله، طال الوقت فقرب أصابعه مصدرا صوتا بالقرب منها، حتى انها انتفضت كأنها تعود من رحلة بعيدة، وهي تنظر له بدهشة وسألته:

_ لمَ تنظرلي هكذا؟

_ أعشقك، منذ أول مرة رأيتك فيها، ذلك الانفعال الممزوج بالغضب، ثورة عينك اثرتني لم أدري لمَ لم أجذب في حضني، واضمك إلى الأبد، شفتيك التي أصابتني بالجنون جعلتني أندم لأني لم أُسكتك بطريقة مناسبة..

_ ماذا؟ 

أكمل كلامه كأنه لم يستمع لتسألها.. 

_ ربما لأني لو كنت اقتربت منها لسقطت في هاوية، لن أخرج منها إلا بأن تكوني لي باقي عمري..

لينا تغلبت على صدمتها فيما تسمع، فهي لم تتخيل أن يكون بهذا الأحساس، يغمره الشوق، تملؤه اللهفة، إلا أنها لملمت نفسها رغم ما شعرت له من رجفة تضرب اوصالها، قلبها المتراقص على عزف نغمته، المختلفة وهي تقول: 

_ ماذا هناك جاسم لم تخبرني ذلك الآن..

_  ليس لشيء حبيبتي 

_ لمَ توقفت هنا.. 

_ أريد أن أعرف من أين أتجه..

_ آسفة، لقد شرد

_ هنيئا لمن شردتي فيه.

_ ماذا هناك جاسم انت مصمم على أرباكي، كلامك يشعرني بالخجل.. 

_ حسنا لن اتكلم،  لكن اريد العنوان 

_حسنا أنه هنا… 

وأشارت إلى شارع قريب، هز رأسه، تحرك بالسيارة إلى هناك.. 

بعد قليل وصلوا إلى بيتها، كانت تنزل من سيارته، في الوقت الذي توقفت فيه سيارة والدها أمام البيت، نظرات عين مهران كانت تحمل تسأل، ولسان حاله يقول:

_ انه يريد ان يعرف لمَ تنزل من سيارة رجل غريب؟ ومنذ متى يوصلها أحد إلى البيت؟ 

رغم أنها تعمل في ذلك المجال، المختلف عن حياتهم، لان حلمها كان الانطلاق، إلا أنه يعرف تربيته لها جيداً، ويعرف ان ابنته لم تكن تضر نفسها وسمعتها بهذا الموقف.. 

نظرة الغضب، جعلتها تذدارد لعابها، وهي تشعر بالتردد وهي تسير إلى حيث هو، بينما جاسم لم يتحرك بسيارته بعد، عندما نظر إلى والدها، وجد لمحة من الغضب تلوح على وجهه…

 أما مهران ما أن أقتربت منه، كان يقول لها بعينه، قبل لسانه: من هذا الذي يوصلك الى البيت؟

 ولانه تعرف جيداً معنى نظرة الإستفسار التي تلوح في عينه، اقتربت لتقول له:

_ أنه سيد جاسم رئيس مجلس إدارة الشركة، لقد كنت أتناول الغداء معه..

 رفع حاجب واحد وهو يقول: 

_ منذ متى يا لينا  تتناولين الطعام في الخارج ومع أصحاب العمل.. 

_هل سنتكلم هنا يا أبي، دعنا نصعد وبعدها سوف أخبرك بكل شيء..

 لكنه لم يكن ينظر لها، بل كان ينظر إلى ذلك الذي ترجل من سيارته، يسير بخطوات واثقة، إلى حيث يقفون، وهو يمد يده ليسلم على مهران، ورغم الغضب الذي يشعر به مهران إلا أنه مد يده هو الآخر، وهو يقول:

_ مرحبا بك  سيد جاسم

_ مرحبا بك سيد مهران، سررت بالتعرف عليك.. 
ورغم أن مهران غير مرحب بوجود جاسم،  او حتي برؤيته هنا،  خاصة مع ابنته،  إلا أنه قال: 

_وأنا أيضا

أبتسم جاسم  بتحفظ فهو ليس اعمى، رغم ترحيب مهران به، إلا أن ما على وجهه يظهر أنه ليس مسرورا بالتعرف على جاسم من الأساس 

 جاسم أبتسم وهو يقول:

_ لقد كنت مع لينا في غداء عمل، أو هكذا كانت تظن لينا، لقد كنت أريد أن أتكلم معها في أمر خاص، ولذا اخبرتها أنه غداء عمل لتأتي..

_ هل هذه صراحة؟ أم جرأة؟

_ ليس الأمر كما تظن 

_ لمَ أن كلامك واضح، ويعني انك تحايلت على أبنتي لتخرج معك.

_ الأمر لا يعني التحاليل، لكني أريد أن أسألها عن شيء يخصني، قبل أن أتي للكلام معك، بشكل رسمي، وهي طلبت وقت لتفكر لذا لم أكن أتركها تذهب بمفردها 

نظر له مهران بدهشة ممزوجة بالخوف، هل فهم كلامه صحيح؟ هل يرد أن يتزوج أبنته؟ ولكن ليس مهم ما يريد مما بظهر على وجه ابنته أنها أيضا تريده، وليست حاجة لوقت من الأساس..

أخرجه جاسم من أفكاره وهو يقول:
_ أعتذر ان كنت سببت أزعاج، لكن لم يكن الأمر لائق أن أتي أقابلك دون أن أحصل على موافقة صاحبة الشأن نفسها. 

رغم أنه فهم ما يعنيه جاسم، فمهران رجل عجنته التجارب وعاركته الحياة لكنه إلى الآن لا يصدق أن ابنته قد تتركه رغم أنها سنة الحياة..

_ ماذا تعني لم افهم؟

_ كلامي واضح سيد مهران أريد أن اتقدم لخطبة ابنتك.. 

_ ماذا؟ 

_ كما سمعت حضرتك 

_ يمكننا أن نصعد لنتكلم في المنزل.

_  مرة أخرى، يمكنك أن تتناقش مع لينا اولآ، وحينما تحصل على موافقة أكيدة منها سوف أكون سعيد بأن أرتشف معك القهوة أنا وعائلتي.. 

مهران: لكن لا يجوز.

_ مرة أخرى وقتها سنكون عائلة واحدة، كما أتمنى.. 

نظر لهم مهران بإعجاب فإن كلامه محمل بالجدية ونظرة عينه تحمل الشغف، وما بين مشاعره وعمليته في الطلب، بحر واسع من الأفكار..

 يبدوا أن هؤلاء البشر مختلفون عن حياتهم البسيطة، ومع ذلك يرى في عين ابنته نظرة إعجاب، أو ربما يكون الأمر قد تخطى الإعجاب، لكنه يعلم جيداً أن أبنته ما كانت لتعجب بشخص لأنه ذو مكانه ووضع اجتماعي.. 

هو يعرف أن ابنته تتعامل بمشاعرها، ومما يراه يبدو أن جاسم يشغل تفكيرها وياخذ حيزا في قلبها، ولانه لا يستطيع أن يحطم مشاعرها و يرى الألم في عينيها، وخاصة إن كان هو السبب في تعاستها 

 لذا أبتسم له وهو يقول: 

_ سوف اتناقش مع ابنتي ووالدتها في الأمر

 رغم ان شخصيتك تفرض نفسها على الجميع، إلا أن جاسم إبتسم له وهو يقول: 

_ اسمح لي

_ تفضل..

 تحرك إلى سيارته التي قادها الى وجهته..

 بينما لينا لازالت تفرك يدها في بعضها يظهر الخجل على وجهها، وهي تتحرك لتدخل من الباب..

 فانظر لها  لوالدها، فزادت موجة الخجل، وهي تحاول أن تستجمع نفسها، كانها تنتظر أن يسال أو يستفسر، ولكنه لم يفعل شيء من ذلك، وجد نفسه يرفع كفه يحاوط به وجهها الفاتن، وهو يقول:

_ منذ متى

_لم أفهم يا أبي ماذا تعني؟

_ حقا صغيرتي، لم تفهمي معنى سؤالي منذ متى يشغلك رئيس مجلس الإدارة؟

_ منذ ذلك اليوم الذي ألتقيت به أول مرة، وأنا أظنه أخوه، منذ أن أخبرني إن كنت أريد العمل، فعليا أن أذهب معه، وسوف أعرف أنه لا يكذب.. 

_وهو لا يكذب!

_ ليس بحاجه للكذب أبي، أنه شخصية قوية بالإضافة إلى أنه رجل، بما تحمله الكلمة من معنى. 

_ هل يعني كلامك، أنك تريدينه؟

_ لم تصر على إحراجي.

_ ما هو المحرج في أن تخبريني أن كنت راضية عن ذلك الرجل أم لا؟ 

نظرت أرضا، وهي تجعد ثوبها باصابعها التي تضغط عليه، دون هوادة، كأنها تخرج تلك النوبة من التوتر العصبي  فيه. 

هنا أتت أمها وهي تقول لهم..

 ثريا: ماذا هناك  مهران،  ماذا بكي حبيبتي لمَ وجهك أحمر؟ هل انت مريضة حبيبتي؟ 

مهران: انها ليست مريضة، بل تشعر بالخجل.

_ ماذا تعني يا مهران؟

_ لقد تقدم أحدهم لخطبتها.

 الدهشة على وجه أمها رافقتها ابتسامة فرح، لكن في لحظة نظرت له بالتردد وهي تقول:

_ ومن هذا الذي تجرأ ليخطفها منا؟ 

_ معك حق حبيبتي لقد تجرأ بالفعل، انه رئيس مجلس الإدارة، الذي تعمل معه. 

_جاسم؟

 نظر لها زوجها باستفسار، وكأنه يسأل هل تعلم أن هناك شيء بين أبنته ورئيسها في العمل؟

_ الأمر ليس كما تظن  يا مهران لذا اهدء

_ حقا؟ وهل تعرفين ما أظنه؟

_ بالطبع، لا يوجد شئ بينهم، لكنها منذ فترة تتكلم عنه بطريقة جيدة، تقارن بينه وبين اخوه التوأم، وتتكلم عن انهم متطابقين في الشكل، ولكنهم مختلفين في الطبع، كانت متحيزة إلى السيد جاسم في بعض الأحيان تخطئ وتقول جاسم فقط.. 

_هل يعني ذلك أنها تكن له شيء قوي؟

شعرت لينا بالخجل وعقلها يسأل هل نسو أنها معهم، لذا قالت 

_ سوف أذهب إلى غرفتي.

مهران: لمَ تهربين، منذ متى لا نتناقش في كل شيء يخص حياتنا معا؟ 

_ أنت تعلم أن كلامك يشعرني بالخجل.

_ ومع ذلك انت تعلمين، إني لا أحب أحد في الدنيا أكثر منك، لا أريد لأحد السعادة بمقدارك أنت. 

اقتربت منع تضمه وتقبل وجنته وهي تقول: 

_ أعلم ذلك أبي 

_ لكني لا أستطيع أن أتركك لأي كان، فإن لم يكن ما تشعرين به الى ذلك الجاسم قويا اخبريني؟

_ لمَ..

_ حتى أرفضه بالتأكيد

نظرت له لينا بدهشة، لكنها نقلت عينها لتنظر إلى والدتها هي الأخرى، وهي لا تعرف ماذا تقول لهم؟ هم يدركون جيدا أنها تشعر بشيء غريب منذ فترة؟ يدركون اضطرابها وشرودها..

 لكن هل تستطيع ان تخبرهم أنها تحبه؟ 

رنت الكلمة في اذنها، وهي تسأل نفسها هل أحبه حقا؟
 وأجاب قلبها بصوت مسموع لها فقط:
_ بالطبع تحبينه، هل لا زلتي تسألين..؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي