الفصل12

الفصل 12

هل تستطيع أن تتحمل أكثر. هل تستطيع أن تستمع إلى همس كلماته التي تدغدغ انوثتها؟ تجعلها ترتجف من الداخل قبل الخارج! قلبها ينبض بطريقة مختلفة، عينها لا تقوى على النظر إليه..

إذنها اكتفت من همسه الحميم، كلماته التي أطربها وأسعدها، لم تنتهى بكلمة «أحبك»، وقتها رفعت وجهها الذي لونه الخجل بحمرة قانية حتى تنظر له، كأنها لا تصدق، أنه أعترف بحبه، لكن ما ان قال كلمة

«أريدك»

حتى تجمدت، كأنه سكب عليها دلو من الماء البارد، أطفأ كل تلك النيران المشتعلة، بشغف ووهج ودفء يحاوط قلبها، بدد كل شيء بكلمة واحدة..

همس بأسمها كأنه يستعيد تلك النظرات الدافئة التي تبددت، ليحل مكانها غمام بارد، رأسها التي تتحرك بنفي، وهى رافضة كل الرفض أن تكون في نظره مجرد إمرأة يسعدها بعض كلمات منه...

ما أن يقول أريدك ستركض إلى أحضانه، كادت أن تثور أو تفور، همت أن تتحرك من مقعدها؛ لتذهب لكنه قال:

_ لينا، أين ذهبت افكارك..

لم يتلقى رد منها هي الآن تستجمع شتات نفسها، تشعر بأن قدمها تغوص في الأرض، قلبها يرتجف من فرط ما تشعر من اضطراب واهانة..

جاسم: لينا الأمر ليس كما تظنين..

لينا: حقا؟!

_ بالطبع، هل تظنين إني كنت لأخبرك كل هذا لو لم اكن اريدك ان تشاركيني حياتي القادمة.

_ أشاركك حياتك

_ أجل حبيبتي هناك شيء غريب يضرب في قلبي منذ أن رأيتك أول مرة؛ منذ ذلك الأنفعال اللحظي الذي كان بيننا، منذ ان ثورتي في وجهي لمجرد أنك ظننت انني قاسم هناك شيء ربط بين قلبي وبينك لم استطيع مقاومته رغم أني حاولت

_ هل يعني كلامك انك تريد ان ترتبط بي؟

_ أصدقك القول لينا أنا لا أريد أن أرتبط بك، أنا أريد أن أكون أنا وأنت عائلة خاصة بنا، وننتمي لعائلتي الكبرى لتكونِ جزءاً من تلك الضفيرة التي لم تفرقها الأيام

_ هل أنت جاد فيما تقوله؟

_ وإلا ما كنت قلته.

_ لكن إلا ترى انك تستعجل الأمور، إلا ترى أن هناك أشياء كثيرة لم تفكر فيها، أو تسأل عنها يجب..

_ عن أي أشياء تتكلمين؟

_ أن نعرف بعض بطريقه اوضح، أن ما تتكلم فيه هو زواج، أو هكذا فهمت أنا.

_ أجل أنا أريد أن أتزوجك

_ ومع ذلك لم تنتظر لتعرف مشاعري، او لأعترف لك بما أشعر به..

_ ربما لأني أشعر بأن هناك شيء يربط بيننا

_ ربما، ولكنه ليس تلك المشاعر القوية التي تجعلني أتزوجك..

هنا أتى الدور عليه ليصدم، يرتجف قلبه من الخوف، وهو يستجمع نفسه يغلف قلبه بذلك البرود، لكن هل تعجل الامر؟ هل تسرع في البوح بما يشعر به. هل كان يجب عليه أن ينتظر؟!

شعرت بجموده وتباعده، مما جعلها تبتسم، وهي تنظر له بارتباك وتقول:

_ أنا اقول ربما لم أؤكد كلامي

جاسم: لسنا طفلين لينا لست مراهق ولا أنت، أن كلامي واضح، طلبي أوضح اشعر بمشاعر قوية تجاهك، أريدك أن تشاركيني حياتي، خذي وقتك لتفكري ولا تتعجلي للامور

_ هل يعني ذلك انك قد تنتظر.

هز رأسه بموافقة لكنه كان متحفظا مما جعلها تقول:

_ يبدو انك لا تعني ذلك، لقد تغيرت مرة واحدة أليس من حقي أن آخذ وقتي لافكر

_ بالطبع، أنا لم أقل ذلك

_ بل قلت لقد تحولت في لحظة يا جاسم.

_ جاسم فقط

_ ألسنا في فترة تعارف، ونحن الآن خارج العمل؟ هل تريد أن أناديك بسيد جاسم

_ لا لكن معنى كلامك انك تفكري

_ لست بحاجة لأفكر لكني بحاجة لأبدد ذلك الخوف

_ تبددين الخوف! مما أنت خائفة؟

_الم تدرك ماذا فعلت؟ لقد أدخلتني إلى حياتك في لحظة، لقد سمحت لي بأن أعرف عنك أشياء كثيرة، وثقت في قبل حتى أن انتمي لك..

هنا أبتسم وهو يضع يده أسفل لحيته، ينظر لها بتمعن كأن كلمة أنتمي لك، جعلت قلبه ينتفض هو لا يريد من هذه الدنيا، إلا أن تنتمي له، وله فقط..

_ لمَ تنظر لي هكذا؟

_ أسمعك، عليك ان تخبريني كل ما تفكري فيه، علنا نبدد ذلك الخوف معا.

_ حسنا، لقد اخبرتني في لحظة إنك بطل العالم، في فنون القتال.

_ ما الضير في ذلك؟

_ لقد استطعت أن تترك شغفك وحلمك من أجل العمل

_ لا يوجد وجه مقارنة، انت مختلفة.

_ ماذا تعني؟

_ أعني إني قد اترك الدنيا ولا اتركك، لكن عليك أن تفعلي مثلي، أنا أكون أهم لديك من الدنيا .

_ لكن الأمر ليس أنا وأنت فقط، هناك عائلتك قد لا يقبلون بي، قد يروني اقل شأن، بالإضافة إلى أن اخوك تعامل معي بطريقة فجة، قد يرفض أن أكون جزء من عائلتكم..

_ هل تمزحين؟ هل سأهتم برأي أخي أو رأي غيره؟ انا من سأتزوجك ليس هو، بالإضافة أن له حياة خاصة به..

_ حسنا، ماذا عن والديك؟

_ يعرفان جيداً انني معجب بمديرة مكتبي، لقد صدمت امي حينما أخبرتها..

_ ألم أقل لك، لن يقبلان بي.

_ لا لم تقولي شئ، لانك لم تعى ما اقصد، كانت تظن أني معجب بأستاذة هناء ..

لم تتمالك نفسها ضحك بصوت مرتفع، وهي تقول:

_ هل حقا ما تقول؟

_ أجل، لقد كادت أمي أن يصيبها نوبة من الجنون وتقوم بتكسير الفيلا فوق رأسي، وهي تخبرني أن مديرة مكتبي تصلح لأن تكون أمي وليس زوجتي..

_ يعني ذلك أنك تكلمت معها في أمرنا

_ فقط خطوط عريضة

_ ولا يوجد لديها مانع

_ لا احد يستطيع ان يعترض على ما أريد، ما دمت مقتنعا به وأنا مقتنع بك.

_ تعني أن الموضوع عقلاني

_ بالطبع لا، قبل الاقتناع لقد هام قلبي، وهذا هو الأهم رغم اني ادرك ان الزواج علاقة شراكة إلا إني لم يكن يهمني توافقنا في بعض الجوانب العملية إن لم أحبك..

_ وانت تحبني؟

_اعشقك لينا، وليس هذا فقط أنا على أتم الاستعداد لأن أنتظر عمري بأكمله ولكن في النهاية عليك ان تكوني لي، ان تكوني حبيبتي وزوجتي وأم أولادي أن تكملي معي الطريق ان تنتمي لي كما قلت منذ لحظات

لم تشعر بنفسها واسنانها تضغط علي شفتيها بخجل تواري تلك الرعشة التي اجتاحتها...

جاسم: ربما تعني لك كلمة بسيطة، لكنها تعني لي الكثير

استجمعت نفسها لتهمس:

_ انت تعلم ان هناك شيء يربط بيننا

هز رأسه بموافقة، فابتسمت وهي تقول:

_ لن أجرء وأقول إني أبادلك المشاعر، رغم إنك قد تكون مدركا انني بالفعل متورطة فيما أشعر به نحوك..

_ أي ورطة قد تكون أجمل من أن تحبي إنسان يبادلك المشاعر، يريد أن يكمل حياته بجانبك، بين يديك في حضنك..

_ كفى عن الكلام بهذه الطريقة، أنت تخجلني..

_ لا يوجد خجل بين المحبين، لكنك مترددة، لم تعترفي بمشاعرك لنفسك، لذا سوف اكون كريم معك، أمامك أسبوع كامل لتخبريني رأيك...

_ أسبوع..

_ أجل سوف نتعامل بطريقة رسمية، في اليوم الذي ستدخلين فيه مكتبي، وتقولين جاسم دون سيد سوف أدرك إنك موافقة..

لم تدري ماذا عليها أن تفعل، هل تجرؤ أن تقول له أنا موافقة من هذه اللحظة، انا لم اكن اتخيل انك جاد فيما تشعر به، ولكنها تمسكت بخيوط الجرأة لتسأله

_بعد ان اناديك باسمك ماذا سيحدث.

_ سوف أحضر عائلتي إلى بيتكم لأتقدم لخطبتك، ولكن عليك ان تدركي ان الخطوبة لن تكون طويلة، لن أستطيع الصبر أكثر..

_ ماذا تعني؟

_ أعني أن فترة خطوبتنا ستكون قصيرة، بالإضافة إلى أننا سنعقد القرآن، بعدها بشهر أو اتنين نقيم العرس..

_ بهذه السرعة

_هناك أشياء كثيرة يجب أن تأخذيها بسرعة، دون روية، حينما يكون حظك من الدنيا بين يديك فاغتنميه، لا تجعل الحياه خصمك، وان حدث عليك ان تهزميها بقرارات حاسمة..

_ أنا خصمك

_ انت عشقي

_ كفى جاسم، انت تخجلني..

_ لقد قلت جاسم هل أعتبر الأمر موافقة

نظرت له مطولا، لم تدري ماذا علي ان تفعل، هي التائهة بين ما تشعر به، وبين ما يشعرها به أكثر، ذلك الدفء الذي يحاوط قلبها، تلك الهالة من البريق التي تشع من وجهها، وهي ترى نظراته الدافئة، كانها حضن من المخمل يحتويها

ليس فقط بنظراته بل بهمسه العاشق..

لأنها لم تجد مهربا مما تشعر به، لم تعرف ماذا عليها أن تفعل؟ كيف تهرب من حصار عينيه لها؟ ليس فقط الهروب منه بل منها هي؛ ومما تشعر به..

هي التي تتخبط بين الأمواج العاتية والمشاعر التي تموج في قلبها، وتضج فيه شرايينها، إلا أنها سألت:

_ ألن يأتي العميل؟

جاسم: لا يوجد عميل.

_ ماذا؟

_كما سمعتي، ما كنت لتأتي معي أن لم أخبرك بأنه غداء عمل..

_ انت تتحايل سيد جاسم

_هل عدنا لسيد جاسم مرة أخرى..

ابتسمت له ولم ترد

جاسم: لكن أليس كل شيء مباح في الحرب والحب..

_ لست أدري

_ من يدري؟

_ لنذهب..

_ هل مللت مني بهذه السرعة..

وضعت يدها علي الطاولة مما جعله يمسكها بكفه وهو يحرك ابهامها عليها وهو ينتظر ردها

_ لقد تأخر الوقت

حاولت سحب يدها منه فابتسم لها وهو يمني نفسه باللحظة التي تكون فيها ملك له

في لحظة التي كان فيها قاسم، يهم أن يدخلوا إلى المطعم، لكنه وقف مكانه، عينه تنظر لهما بصدمة ممزوجة بألم ينبض في قلبه يخترق أحشائه...

لمَ كلما حاول أن يبتعد عن طريقها وجدها أمامه، هو من تلك الليلة التى صرح فيها جاسم بمشاعره، لم يذهب له المكتب، عله يحمي قلبه من ذلك العذاب الذي يجتاحه كلما رآها، هو المذبوح دون أن يقوي علي الهمس، هو المجروح دون أن يسيل دمه..

لم يتوقع أن يراهم في هذا المكان، ربما لم ينتبه إلى سيارة أخوه، لم يتخيل ان تكون معه، يده تحتضن كفها، وهي تنظر له بمزيج من العشق والخجل...

وكله ذرة فيها تقول أنها تعشقه، وجد قلبه ينتفض، رغم انه كان يحاول ان يلملم جراحه تلك الايام..

لكنه لم يتخيل ان يراهم معا بهذه السرعة، وجد نفسه يلتفت ليخرج إلا أن جاسم أشار له؛ ليقترب

وجد نفسه مضطرا للذهاب، رسم على وجه أبتسامة سمجة لم تصل إلى عينه، وهو يلقي السلام ويسحب مقعد ليجلس..

قاسم: مرحب لينا

لينا: مرحبا بك، سيد قاسم.

قاسم: لا داعي للرسميات، مما أرى أن جاسم صارحك بما يشعر به، لذا ستكونين فرد من العائلة قريبا

نظرة له بدهشة ولم ترد..

قاسم: لمَ الدهشة، جاسم مشاعره كانت واضحة منذ دخل بك لمكتبي، بالاضافة لانها المرة الأولى التي يتدخل فيها في عملي، او يهتم بإحدى العارضات

لينا: حقا؟

قاسم: أجل، لذا إن كنت تريدين العودة للعمل كعارضة اهلا بك قد أجعلك العارضة الاساسية للمجموعة

لينا : ماذا تقول؟

قاسم: كما سمعتي لينا، لم يعد لدي اعتراض على وجودك في فريق العرض الخاص بي..

جاسم: لكني أعترض

نظرة له لبنا باستفسار

جاسم: لينا لن تعمل في عرض الأزياء مرة أخرى، أنا لن أسمح لها بممارسة هذه المهنة..

لينا: ماذا تقول جاسم هل تمزح؟

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي