قرين ميّت

صغيرة الكُتَّاب`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-25ضع على الرف
  • 80.7K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

قرين ميّت البارت الأول

*"قرين ميّت" "البارت الأول"*

كان يقترب منها بوجه ممتقع يملؤه اللوم، أطال النظر إليها وكأنه يتفقد ملامِح وجهها ما إذا كانت كآخر مرة رآها بها، لكنها لم تكن كذلك!، فعلى الرغم من أنها كانت تغط في نوم عميق كالملائكة إلا أن وجهها كان شاحب وبدا جسدها هزيل!.

جثى على ركبتيه بجانب فراشها واقترب منها رويداً وهمس في أذنها قائلاً:
_لقد اشتقت إليكِ كثيراً.
ارتعد جسدها فتلاشى ظله قبل أن تفتح عينيها.

نهضت مسرعة تبحث عنه في الغرفة بينما كان فؤادها يكاد يخترق صدرها ويخرج من شدة خفقانه، استغرق الأمر بضع لحظات حتى توقن أنه لم يعد موجوداً!.

هدَّأت من روعها ثم التقطت هاتفها لتتفقد وسائل التواصل الإجتماعي خاصتها لربما يكون أرسل إليها رسالة نصية ما!، ولكنها لم تلبث سوى دقيقة واحدة لتوقن الأمر الذي لم تتقبّله حتى الآن!.

ألقت بهاتفها بعيداً بعدما اغرورقت عينيها وقالت بعدما أجهشت بالبكاء:
_لم يكن عليك الذهاب، هذا كله خطأي، فلو لم أتركك في تلك الليلة لم يكن ليحدث ذلك!.
هوى جسدها أرضاً، لم تفقد الوعي ولكن خارت قواها، لم يحالفها الحظ في الثبات هذه المرة.

التصق جسدها بالحائط وأسندت رأسها إليه فانهمرت دموعها رغماً عنها وغاصت في الذكرى التي لم تنفك عن التفكير بها جليا.

"قبل ثلاث أعوام"

كانت وهج تتردد كثيراً على المكتبة، تبتاع الكتب والروايات وكلما لفت إنتباهها كتاب ما تظل عاكفة عليه في المكتبة حتى تنتهي من قراءته.

كان والد وهج السيد "عثمان الدميري" يعمل في مجال البرمجيات وقد كان يملك مؤسسة من أكبر المؤسسات في الشرق الأوسط في هذا المجال، تحدث كثيراً إلى وهج بشأن عملها في تلك المؤسسة ولكنها لم تزعن، كانت فقط تمارس حياتها المملة والروتينية بين الذهاب والإياب من وإلى المكتبة.

ذات يوم قرأت منشوراً عبر إحدى وسائل التواصل الإجتماعي ينص على توفر كتاب ما في المكتبة التي اعتادت الإرتياد عليها وقد أحدث ضجة كبيرة وهذا ما أثار فضولها لكي تبتاعه.

لم تلبث سورى خمسة عشرة دقيقة وكانت قد استقلت سيارتها وأدارت محركها ذهاباً إلى المكتبة.

ابتاعت وهج الكتاب، أرادت أن تقرأه في المنزل لذلك اتجهت نحو باب الخروج وقبل أن تطأ قدمها في الخارج رأت إنعكاس صورة أحدهم فوق الزجاج وكأنه ينظر إليها!، فسرعان ما استدارت لكي تتحقق من الأمر ولكنه لم يكن هناك!، لم تلقِ بالاً للأمر وعادت إلى المنزل.

ظلت وهج تقرأ ذلك الكتاب بنهم حتى أنها لم تلحظ مرور الوقت فقد صارت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لم تكن انتهت من الكتاب بعد ولكنها شعرت بالنعاس، وما إن أطفأت ضوء الغرفة والتحفت في الفراش حتى أصدر هاتفها صوت رسالة!.

تنهدت وهج وأمسكت بالهاتف فوجدتها رسالة من رقم مجهول تنص على:
_"لا تغادري المنزل غداً مهما كلف الأمر".
انتفضت وهج واعتدلت في جلستها، فعلى الرغم من أن الأمر بدا وكأنه مزحة من أحد أصدقائها إلا أن الرعب تسلل إلى قلبها الذي لم يكف عن الخفقان حتى صار جسدها يرتعد بشدة!.

هدأت وهج قليلاً ثم بعثت برسالة لذلك الرقم المجهول تنص على:
_"من أنت"؟.
فسرعان ما بعث إليها برسالة أخرى قائلاً:
_"لا يهم، فقد أبلغتكِ رسالتي وما على الرسول إلا البلاغ".

قرأت وهج الرسالة مراراً وتكراراً ثم بعثت له رسالة أخرى:
_"أعلم أن هذه مزحة وأود إخبارك بأن هذا ليس مضحكاً، كف عن مضايقتي".

انتظرت وهج حتى يرد على رسالتها ولكنه لم يفعل! وهذا ما جعلها تغضب وظلت مستيقظة تفكر في الأمر على الرغم من أنها كانت تشعر بالنعاس!.

أفاقت من شرودها فجأة حينما أصدر هاتفها رنين بوصول رسالة جديدة فسرعان ما قامت بفتحه وقرأت الرسالة التي جعلتها تقفز من الفراش وتنظر حولها بهلع فقد كانت تنص على:
_"اخلدي إلى النوم يا وهج، لن يفلح الأمر بالتفكير الزائد".

تعالت ضربات قلبها وصارت تنظر حولها بوجل!.
بعد مرور عدة دقائق كانت قد هدأت قليلاً، فاتجهت نحو الشرفة لتستنشق الهواء الطلق، كانت تنظر إلى السماء حينما لفت إنتباهها شخص ما يقف في الخارج يرتدي زياً قاتم اللون وبدا وكأنه ينظر نحوها!.

ارتعدت وهج وسرعان ما أغلقت الشرفة وصارت تتراجع إلى الخلف بخطوات دئوبة وبحذر ولكنها اصطدمت بجسد يقف خلفها فصاحت بأعلى طبقات صوتها من شدة الخوف والتفتت للخلف سريعا لتجد الخادمة تنظر نحوها بتعجب قائلةً:
_سيدتي هل أنتِ بخير؟.

هدّأت وهج من روعها وقالت بنبرة غاضبة:
_ما الذي تفعلينه هنا؟!.
فقالت الخادمة بنبرة هادئة:
_لقد هاتفني السيد عثمان قبل قليل وقال أنه لن يعود إلى المنزل الليلة فلديه الكثير من العمل، فقط أردت إخباركِ بذلك سيدتي.

أخذت وهج شهيق عميق ثم زفرته بروية وقالت:
_حسناً يمكنكِ أن تخلدي إلى النوم الآن.
فتبسمت الخادمة وقالت:
_طابت ليلتكِ سيدتي.
فتبسمت وهج وقالت:
_طابت ليلتكِ.

التفتت الخادمة لكي تخرج من الغرفة فقالت وهج بنبرة لاهثة:
_احرصي على غلق الأبواب والشرف.
ضمت الخادمة حاجبيها ونظرت إليها قائلة بتساؤل:
_ماذا؟!.

فتنهدت وهج وقالت:
_الأبواب؛ احرصي على أن تكون موصدة بإحكام.
تعجبت الخادمة ولكنها أومأت برأسها ومن ثَم غادرت الغرفة.

في ظهيرة اليوم التالي
استيقظت وهج وكانت قد سهت عما حدث بالأمس، احتست كوباً من القهوة بعدما أدّت فرضها، كانت ستكمل قراءة الكتاب لولا أن دق هاتفها بالرنين.

التقطت الهاتف فتبسمت حينما رأت صورة جهة الإتصال، فقد كانت صورتها هي وصديقتها "ورد"، ضغطت على زر قبول المكالمة وقالت بوجه بشوش:
_كيف حالكِ يا فتاة؟، هل كل شيء على ما يرام؟.

تلاشت ابتسامة وهج حينما قالت ورد:
_والدتي في المشفى، لا أحد يريد إخباري ماذا بها ولا يسمحوا لي برؤيتها.
فقالت وهج بنبرة جادة على الرغم من الهلع الذي أصابها:
_أنا آتية، أرسلي لي موقعكِ في الحال.

سارعت وهج بالخروج من المنزل واستقلت سيارتها ذهاباً إلى المشفى.
على صعيد آخر كانت ورد تخشى أن يكون مكروه أثابه والدتها لذلك يأبى الجميع إخبارها

كان لا بد أن تتحلى بالشجاعة، بتوجب عليها ذلك، ما إن رأت وهج تتجه نحوها حتى هرعت إليها ولم تتمكن من إخفاء هلعها قائلةً:
_يرفض الجميع إخباري بالأمر، بالأمس لم يكن يعتريها خلل، لا أعلم ما الذي أصابها فجأة صباح اليوم، لقد كانت تجد صعوبة في التنفس، وهج أرجوكِ أريد أن أطمئن على والدتي.

ربتت وهج فوق كتف صديقتها وضمتها إلى صدرها قائلة بنبرة متهدجة:
_ستكون بخير لا تقلقي، سأتحقق من الأمر، أنا هنا فقط اهدأي وسيكون كل شيء على ما يرام.

اتجهت ورد برفقة وهج نحو أقرب مقعد لكي تجلس قبل أن تخور قواها، بينما كانت وهج تجابه ذكرى وفاة والدتها التي أفقدتها رونقها فهي لم تكن ما هي عليه الآن، فقد كانت مفعمة بالحياة لا تهاب شيء إلى أن توفيت والدتها.

أفاقت وهج من شرودها على صوت رنين هاتفها، لم تهتم بالنظر إلى رقم المتصل فقد أجابت المكالمة دون أن تنظر، وقبل أن تقول مرحباً داهما صوت المتصل وهو يقول بغضب مدقع:
_ألم أحذركِ؟ لمَ غادرتِ المنزل؟.

انتفضت وهج وابتعدت قليلاً عن ورد وخفضت صوتها قليلا وقالت بغضب:
_أنا لا أتلقى الأوامر، خاصةً من شخص مجهول مثلك.
لم تنتظر الرد وأنهت المكالمة.

لم يكن الأمر يدعو للطمأنينة فقد كان الأطباء يدلفون ويخرجون من غرفة والدة ورد ولا أحد يخبرهم بما يحدث!.
كان فؤاد ورد ينتفض وكأنه يعلم ما هية الأمر ولكنها كانت تأبى ذلك، فطالما لم يخبرها الأطباء بشيء هناك أمل!.

اتجهت وهج نحو ممرضة خرجت للتو من غرفة والدة ورد وأمسكت بساعدها قائلة:
_ما الأمر؟ هل السيدة التي بالداخل بخير؟ لمَ يأبى الجميع إخبارنا بما يجري؟.
طأطأت الممرضة رأسها وقالت بنبرة هادئة:
_لا أظنها ستنجو.

جحظت عيني وهج وقالت:
_من ماذا؟ ما الذي أصابها؟.
التفتت الممرضة يمينا ويسارا ثم قالت:
_لقد تسممت رئتيها، لا نعلم كيف ولكنها ليست بخير ولا أظنها ستمكث طويلاً.

رحلت الممرضة وتركت وهج ترتعد من شدة ما وقع على مسامعها، الأمر ليس هينًا، ورد لن تتحمل فراق والدتها، وهج لن تتمكن من إخبارها بما يجري.
تحلت وهج بالصبر وهاتفت والدها وأخبرته عن حالة والدة ورد فأخبرها أنه سيأتي في الحال.

التفتت وهج لتجد ورد خلفها مباشرة، صار نحيبها يزداد شيئاً فشيئاً وهي تردد:
_لقد كانت بخير بالأمس، ما الذي أصابها؟ وكيف حدث ذلك؟!.

أمسكت وهج بيدي ورد بقوة وقالت:
_هذا أمر الله يجب أن تتحلي بالصبر يا عزيزتي، نحن لا نعلم فربما يتمكن الأطباء من إسعافها وتكون بخير فلندعوا الله، والدتكِ امرأة قوية ستكون بخير.

اقتضبت وهج حديثها حينما سقطت ورد أرضاً مغشياً عليها فسرعان ما صاحت وهج قائلة:
_طبيب، صديقتي فقدت الوعي أريد طبيب في الحال.
فسرعان ما اتجه نحوها مسعفين وتم نقل ورد إلى غرفة مجاورة لكي يفحصها الطبيب.

كان لا بد أن تتحلى وهج بالصبر ولكنها لم تستطع وانهمرت الدموع التي كانت تملأ مقلتيها.
أضاءت شاشة هاتفها عند وصول رسالة من الرقم المجهول ذاته.

زفرت وهج بنفاذ صبر وقامت بفتح تلك الرسالة فهلعت حينما رأت صورتها وهي في المشفى فقد التُقطت تلك الصورة قبل عدة ثوان، صارت تتلفت يمينا ويسارا لربما تجد ذلك الشخص ولكن دون جدوى.

انتبهت وهج حينما وثب والدها أمامها وبرفقته ابن أخيه "آدم الدميري".
نهضت وهج واحتضنت والدها وقالت:
_افعل شيء يا أبي أرجوك، لا أريد أن أفقد صديقتي.

ربت والدها فوق رأسها وقال بنبرة هادئة لكي يبث الطمأنينة في قلبها:
_سيكون كل شيء على ما يرام لا تقلقي يا عزيزتي، انتظري هنا حتى أتبيّن مما يحدث وسآتي على الفور.

جلست وهج بعدما ذهب والدها فسرعان ما جلس آدم بجوارها قائلاً:
_لا تقلقي يا وهج أنا هنا بجانبكِ.
لم تزعن وهج حتى أنها لم تنظر نحوه، أراد أن يمسك بيدها ولكنها جذبتها نحوها حينما أدركت أنه ينوي ذلك.

زفر آدم بقوة وقال بنبرة غاضبة:
_لمَ تتجاهلينني بهذه الطريقة؟! وهج أنا أحبكِ لمَ لا تدركين ذلك؟.
نظرت إليه وهج بملامح جامدة وقالت:
_ألن تكف عن الحديث في الأمر ذاته كلما التقينا؟.

فقال آدم بنبرة هادئة على النقيض تماماً من الغضب الذي ثار ثورة بداخله:
_فرصة واحدة، أنا متأكد من أنني سأتمكن حينها من جعلكِ متيّمة بي.

شعرت وهج بالإشمئزاز منه فنهضت وابتعدت عنه، فجأة أرسل إليها ذلك المجهول رسالة تنص على:
_"يمكنني أن أخلصكِ من ذلك الفظ غليظ القلب فقد أخبريني بأنه عليّ فعلها".

جحظت عيني وهج وسرعان ما كتبت له قائلةً:
_"عن من تتحدث؟".
فجائها الرد في الحال:
_"آدم".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي