قرين ميّت البارت السادس

"قرين ميّت" "البارت السادس"

يظن المرء أحياناً أنه إن كانت الأمور على ما يرام فستظل هكذا دائما!، لكن حقيقة الأمر يعرفها البعض جيداً من فرط ما عانوه طوال حياتهم، فكلما رزقوا بقدر من السعادة أضاعوه بانتظار كم السوء الذي سيلحق بهم!.

نهض عثمان من فراشه وسارع بمغادرة المنزل ثم ذهب إلى مؤسسته، حينما توقفت سيارته أمام المؤسسة وجد ذلك الرجل الذي هاتفه قبل قليل في إنتظاره خارج المؤسسة.
ترجل عثمان من السيارة وقال بنبرة غاضبة:
_ما الذي حدث؟ هل تمكن من نقل أي معلومات؟.

فقال الرجل بينما كان مطأطيء الرأس:
_أجل يا سيدي، تمكن من الولوج إلى جميع معلوماتنا، أي بإمكانه إتلافها أو التحكم بها عن بُعد.
فصاح عثمان بغضب شديد قائلاً:
_ماذا يعني ذلك؟ وكيف لم توقفوه؟.

فقال الرجل وهو يشعر بحجم المصائب التي ممكن أن تحدث فيما بعد:
_أنا آسف جداً يا سيدي، ولكن أنظمته مطورة على النقيض تماماً من أنظمتنا شتان الفرق بينهما!.

شرد عثمان وحدّث نفسه قائلاً:
_إن كان يملك أنظمة مطورة فلِم يريد شراؤ مؤسستي؟ لا يمكن التنبؤ بما يريده ذلك اللعين!.
أفاق عثمان من شروده قائلاً:
_سألقي نظره.
فأفسح له الرجل الطريق قائلاً:
_تفضل يا سيدي.

اتجه عثمان نحو غرفة التحكم واتضح أن ذلك الشخص المجهول الذي قرصن قاعدة البيانات أتلفها بالكامل!.
صاح عثمان بغضب قائلاً:
_اللعنة.

...

مر الوقت سريعاً بين تجهيزات الحفل في المنزل والإحتياطات اللازمة التي اتخذها رجال الأمن من تكثيف جهودهم في الحماية ووضعوا كاميرات للمراقبة في جميع زوايا المنزل، وكانت الشاشات تقبع في غرفة تقع فالزاوية.

اقتصر الحفل على قلة قليلة من الناس بما بينهم ورد ووالدتها وبعض الأصدقاء والأقارب بالإضافة إلى رجال الأمن.
عند حلول الساعة السابعة أتى مُهاب إلى منزل وهج وكان عثمان في انتظاره.

تبسم مُهاب واحتضن عثمان بحرارة ثم دلفوا سويا إلى المنزل بعدما ألقوا التحية على بعضهما.
في الداخل كانوا الحاضرين يهنئؤا عثمان بخطبة وهج ويلقوا التحية على مُهاب.

في الطابق الثاني كانت وهج تستعد وكانت ورد تضع لها مسحوق التجميل.
قالت ورد بينما كانت تضع لوهج أحمر الشفاه:
_كل هذا يحدث وأنا أخر من يعلم؟ لقد كنت غاضبة منكِ حد السماء ولكنني جئت على كل حال لأننا صديقتين منذ الطفولة، لكن هذا لا يعني أنني لست غاضبة.

قهقهت وهج وقالت بنبرة استعطاف:
_أقسم لكِ أن كل شيء حدث بسرعة.
فقالت ورد وهي تدّعي الغضب:
_ليس مبرر لعدم إخباري.
فقالت وهج وهي تنظر نحو وهج ببراءة:
_أنا آسفة.

تبسمت ورد وكادت أن تتحدث لولا أن طرق باب الغرفة وقد كانت الخادمة تحثهم على الإسراع فقد جاء جميع المدعوين.
رحلت الخادمة بينما نظرت ورد نحو وهج وقالت بتساؤل:
_حينما أتيت لم يكن آدم في الأسفل! غريب أليس كذلك؟!.

فقهقهت وهج بسخرية وقالت:
_حمداً لله أنه لم يأتي، لا يمكنكِ إدراك كم أمقت هذا الإنسان، لقد جعلني أعيش أسوأ أيام في حياتي.
جحظت عيني ورد وقالت بنبرة وجلة:
_ما الذي حدث؟.

تنهدت وهج ثم قالت بسخرية:
_كان يقول أنه سيتزوج مني وأنني سأكون له في نهاية المطاف، ليس هذا فقط وإنما كان والدي موافق على الزواج.
اتسعت حدقة عيني ورد وقالت:
_إذاً ما الذي حدث جعل كل شيء ينقلب رأساً على عقب هكذا!.

تبسمت وهج وصار الحب يشع من وجهها وقالت:
_إنها قوة الحب يا عزيزتي، حينما تكوني متيّمة بشخص ما وتثقين بأن الله سيهبكِ إياه حينها فقط سيغير الله كل شيء من أجلكِ.
تبسمت ورد وقالت:
_يا إلهي كم أحب الحب ولكنني لم أقع فيه يوماً!!.

تعالت قهقهاتهما ثم قالت ورد:
_هيا دعينا نهبط إلى الطابق الأرضي لا بد أن الجميع في انتظارنا.
هبطت وهج برفقة ورد وما إن وقع نظر مُهاب عليها حتى اتسعت ابتسامته، لقد كانت جميلة جداً، خاصةً بثوبها الأزرق الذي زادها جمالاً وجعلها جذابة أكثر مما ينبغي.

اتجه مُهاب نحو وهج وأمسك بيدها ثم قبّلها قائلاً:
_هنيئاً لي بكِ.
احمرّت وجنتي وهج وجذبت يدها بخجل ثم قالت:
_بل أنا المحظوظة بك.

أصدرت ورد صوتاً حتى ينتبها للمدعوين الذين يحدقون بهما.
شعرا وهج ومُهاب بالحرج ثم اتجها نحو كرسيهما الذي أعِد لهما خصيصاً.

كل شيء سار على ما يرام وبعد أن ارتديا خاتمي الخطبة وكان المدعوين يهنئآهما بالخطبة ويتمنون لهم السعادة وأن يتم الله زواجهما على خير فوجئت وهج بآدم يقف أمامها.
أطالت وهج النظر إليه وقد بدا الضيق على وجهها.

فمدّ آدم يده نحوها ليصافحها فأمسكت وهج بيد مُهاب وتجاهلت وجود آدم تماماً.
تبسم آدم ثم جذب يده وقال:
_مبارك الخطبة.
بعدما ابتعد آدم عنهما نظر مُهاب نحو وهج وقال بتساؤل:
_لمَ لمْ تصافحي ابن عمكِ يا وهج؟.

فقالت وهج بنبرة غاضبة ولكنها خافتة:
_ألا تتذكر ماذا فعل؟.
فقال مُهاب بنبرة هادئة:
_ولكنه يظل ابن عمكِ في النهاية!.
فقالت وهج بغضب:
_رجاءًا لا أريد أن أتحدث بشأن هذا الأمر.

أومأ مُهاب برأسه بينما انشغلت وهج بصديقاتها اللاتي اقتربن منها وصاروا يهنئونها بخطبتها، وصاروا يتبادلون أطراف الحديث.
بعدما انتهوا وابتعدوا عن وهج، نظرت نحو مُهاب لكي تتحدث إليه ولكنها لم تجده!.

نظرت وهج في الأرجاء فلم تجده! همّت بالنهوض لكي تبحث عنه ولكنها تذكرت أمر كاميرات المراقبة وآثرت أن تبحث عنه من خلالها فلا بد أن تجده.
اتجهت وهج نحو الغرفة التي تقبع بها الكاميرات ثم دلفت إليها وصارت تبحث عنه عبر الشاشات.

كادت وهج أن تبتعد عن الشاشات لولا أن رأته في الشرفة يتحدث إلى شخص ما!، حاولت أن تتبين من الشخص الذي يتحدث إليه مُهاب ولكنها لم تستطع فقررت أن تذهب إليه.

غادرت وهج غرفة المراقبة واتجهت نحو الشرفة، وحينما رأته كادت أن تتحدث إليه لولا أن رأت فتاة تقف أمامه وبدا أنه يصيح في وجهها بغضب!.
لم يتمكن مُهاب من رؤية وهج لأنها كانت خلفه!.

اقتربت وهج منه رويداً رويداً فسمعته يقول بنبرة غاضبة:
_هل جننتِ لكي تأتي إلى هنا يا مريم؟.
فقالت الفتاة بعينين مغرورقتين:
_ولمَ أنت غاضب هكذا؟ لقد جئت لكي أهنئك بخطبتك.

زفر مُهاب بقوة ثم أمسك بساعديها وقال وهو ينهرها:
_للمرة الأخيرة سوف أحذركِ يا مريم، ابتعدي عني وعن وهج، أنا أعلم تماماً تلك الأفعال الخبيثة، تذهب الحبيبة القديمة إلى حفل خطبة أو زواج حبيبها السابق لكي تفسد عليه العلاقة الجديدة، هل تظنينني لا أفهم!.

انهمرت دموع مريم وقالت بنبرة حانقة:
_أقسم لك يا مُهاب لم أكن أنوي أياً من ذلك، فقط أردت رؤيتك، أقسم لك.
نظر مُهاب في عيني مريم ثم دفعها بعيداً عنه ثم أشار بإصبعه السبابة نحوها وقال:
_إن رأيتكِ ثانيةً سأقتلكِ.

جحظت عيني مريم وكذلك وهج من خلفة التي قالت دون قصد:
_مُهاب!!.
صُعق مُهاب حينما التفت ورأى وهج تقف خلفه جاحظة العينين.
نظرت مريم نحو وهج ثم زحف نظرها نحو مُهاب فاقتربت من وهج وصافحتها قائلةً:
_مبارك يا عزيزتي، أعتذر جداً عليّ الذهاب.

ذهبت مريم بينما كانت وهج تنظر إلى مُهاب بصدمة.
زفر مُهاب بقوة وقال:
_وهج أنا حقاً آسف، ظننت أن كل شيء بيني وبينها انتهى ولكنها جائت في النهاية، أنا حقا آسف.

أومأت وهج برأسها دون أن تتفوه بأي كلمة وهذا أثار غضب مُهاب ولكنه بيّت النية على أن يتحدث إليها بعد انتهاء الحفل.
اتجه مُهاب نحو مقعده هو ووهج، اقرب منها وقال:
_أنا أسف.
حاولت وهج أن تخفي غضبها وغيرتها وقالت:
_حسناً لا مشكلة.

على صعيد آخر كان آدم يقف في الزاية يرمق وهج بعينين خبيثتين وكأنه يتوعد بفعل شيء ما، كانت وهج تتعمد تجاهله ولكن نظراته كانت تلاحقا!.
انتبهت وهج حينما اقترب منها والدها وقبّل جبهتها قائلاً:
_مبارك يا عزيزتي أتمنى لكِ حياة مليئة اب
الفرح والسعادة.

تبسمت وهج وقبّلت يد والدها وقالت:
_أحبك يا أبي.
تبسم عثمان وربت فوق رأسها وقال:
_فليحميكِ الله يا ابنتي.
نظر عثمان نحو مُهاب وقال:
_سأعطيك فلذة كبدي لا تؤذها.

تبسم مُهاب وقال بينما كان ينظر نحو وهج:
_أعدك يا سيدي بأنني سأحرص على حمايتها مهما كلف الأمر.
تنهد عثمان بارتياح ثم ذهب.

بعد انتهاء الحفل وذهاب جميع المدعوين وكذلك مُهاب، صعدت وهج إلى غرفتها وهي تشعر بإرهاق شديد، ما إن بدلت ملابسها وألقت بنفسها على الفراش حتى غطت في نوم عميق.

مرت الأيام سريعاً وكل شوية كان على ما يرام عدا علاقة وهج ومُهاب، كانت لا تزال تفكر في أمر تلك الفتاة تدعى مريم ولا ينتهي أي يوم سوى حينما يتحدثان بشأنها ويتشاجران!.
وفي يوم ما قررت وهج أن لا تتحدث معه بشأن تلك الفتاة التي تدعى مريم.

قامت وهج بالإتصال بمُهاب عدة مرات ولكنه لم يجيب!.
ضمت وهج حاجبيها وقالت في قرارة نفسها:
_ترى ما الأمر؟ هل يعقل أنه غاضب مني ولا يريد أن يتحدث إليّ؟.

بعد قليل شعرت وهج بالملل فهبطت إلى الطابق الأرضي وقررت أن تشاهد فيلم ما على التلفاز، كانت تتنقل بين المحطات ولكنها توقفت فجأة على قناة إخبارية بها صورة مريم والمذيع يتحدث عنها!.

هلعت وهج وقامت برفع مستوى الصوت لكي تستمع جيداً لما يقوله المذيع.
كان المذيع يتحدث إلى شخص ما في مكالمة هاتفية على الهواء مباشرة ويقول:
_أين وجدتها يا سيد عبدالله؟!.

فقال السيد عبدالله:
_كانت ملقاة على قارعة الطريق، لقد قُتلت بطريقة وحشية وبدا أنه مر أكثر من يومين على وفاتها.
فقال المذيع
_كيف علمت ذلك؟.

فسرعان ما قال السيد عبدالله:
_لأنني أعمل في المشفى العام يا سيدي، صحيح أنني عامل نظافة ولكنني أعرف جيداً كيف تكون الجثة في يومها الأول.
فقال المذيع:
_ماذا فعلت حينما رأيتها؟.
فقال السيد عبدالله:
_سارعت بالإتصال بالشرطة وسيارة الإسعاف.

أنهى المذيع حديثه مع السيد عبدالله وقال:
_نظراً لبشاعة المظهر لن نظهر لكم صورتها ولكن القاتل قام بجز عنقها ثم استعمل السلاح الأبيض ذاته وقام بحفر بعض الأحرف على بطنها، لم يُعلن عن تلك الأحرف حتى الآن، ولكنهم وجدوا خاتم إصبع بالقرب من الجثة وزعم المحقق أنه يعود للجاني.

صمت المذيع لبرهة ثم قال:
_ما زال التحقيق جاري والشرطة تعمل على جمع الأدلة.
صمت المذيع مرة أخرى ثم قال بنبرة حزينة:
_أنا وأسرة البرنامج نعزي عائلة الفتاة وإن شاء الله سينال القاتل عقابه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي