قرين ميّت البارت العشرون

"قرين ميّت" "البارت العشرون"

نهض النمر بينما كان يبيّت النية على أن ينتقم من الأنصاري، وبعدما صار على أُهبة الإستعداد قبل أن تطأ قدمه خارج المنزل صاحت زوجته ماريا منادية بقولها:
_عزيزي، إنتظر.
توقف النمر بينما كان يدير ظهره لزوجته.

اقتربت منه ماريا وقالت بنبرة يكسوها القلق:
_إلى أين أنت ذاهب؟
استدار النمر ونظر إليها قائلاً:
_منذ متى وأنتِ تطرحين عليّ مثل هذه الأسئلة؟
طأطأ ماريا رأسها وقالت بحزن:
_أخشى أنك تسلك طريق لا يمكنك العودة منه.

تبسم النمر وأمسك بيدي زوجته وقال بعدما طبع قبلة عليهما:
_الآن فقط صرت أسلك الطريق الصحيح، بعدما أنتهي مما أفعل سنذهب جميعنا، أنا وأنتِ وأطفالنا، سنترك هذه البلدة، سنبدأ حياة جديدة في بلد آخر.

تبسمت ماريا وقال بسعادة:
_أتمنى أن يُعجل الله من ذلك اليوم الذي ستنتهي فيه صراعاتك مع مديرك في العمل.
امتعض النمر لأنه أخفى حقيقة ما هية عمله عن زوجته فقد أحس بالذنب، لكن ما جعله يطمئن أنه يسعى لأن ينتهي كل ذلك.

تبسم النمر رغماً عنه وقال:
_سأعود على العشاء يا عزيزتي.
همّ النمر بالذهاب ولكن أمسكت ماريا يده بقوة وقالت:
_سأكون في انتظارك يا عزيزي.

خرج النمر من منزله فوجد سيارة أمامه بها رجلين، كاد النمر أن يكمل طريقه لولا أن أشار له أحدهما.
اتجه النمر نحو تلك السيارة فقال الرجل الذي أشار إليه بنبرة يملؤها الجمود:
_اصعد إلى السيارة.

زفر النمر بقوة وحدّث نفسه قائلاً:
_لا بد أنهما رجال السيد رشيد.
انتبه النمر من شروده حينما قام الرجل بتشغيل السيارة إستعداداً للإنطلاق.
صعد النمر إلى السيارة وجلس في المقعد الخلفي ومن ثَم قادها الرجل الذي في المقدمة.

أثناء الطريق التفت الرجل الثاني نحو النمر ومد يده نحوه بغطاء للوجه صمم خصيصاً لمثل هذه الأحداث.
نظر النمر نحو ذلك الغطاء ثم زحف نظره نحو ذلك الرجل وقال:
_ما هذا؟

فقال الرجل بجمود:
_لا بد أنك تعلم.
زفر النمر بقوة ثم التقط ذلك الغطاء ووضعه على وجهه.

بعد ما يقارب إلى النصف ساعة توقفت السيارة ثم ترجل منها الرجلان، وقام أحدهما بفتح الباب الذي بالخلف وقال:
_هيا أيها النمر.
تنهد النمر ثم جذب غطاء الوجه عن وجهه وترجل من السيارة.

ألقى النمر نظرة على المزرعة وقال بسخرية:
_يبدو أن السيد رشيد كثيراً ما يشعر بالملل.
فقال الرجل الذي بجانبه بتساؤل:
_ماذا تقصد؟
قهقه النمر بسخرية وقال:
_لقد أجرى الكثير من التغييرات في المزرعة.

فقال الرجل بنبرة حادة:
_السيد رشيد ينتظرك في الداخل.
أخذ النمر شهيقاً عميقاً ثم زفره بقوة ودلف إلى المزرعة برفقة الرجلين.

ما إن وثب النمر أمام السيد رشيد حتى ذهب الرجلين وأغلقا الباب من بعدهما.
التفت النمر نحو الرجلين لكنهما كانا قد رحلا فعاد ينظر نحو السيد رشيد الذي تبسم قائلاً:
_مرحبا بك أيها النمر تفضل بالجلوس.

جلس النمر بينما جاءت الخادمة ووضعت أمامه فنجان قهوة ثم رحلت.
تبسم النمر وقال:
_مرحباً بك يا سيدي.
اتسعت ابتسامة السيد رشيد وقال:
_لا يمكنك إدراك كم سرني لقاؤك.

تبسم النمر النمر وقال:
_وأنا أيضاً يا سيدي.
ارتشف السيد رشيد بعضاً من فنجان القهوة ثم قال:
_لم أصدق حينما هاتفتني بالأمس، لم يكن ذلك يعني سوى أنك أعدت التفكير فيما تحدثنا عنه من قبل.

صمت السيد رشيد لبرهة ثم أردف قائلاً:
_لكن كما تعلم، فالفضول لدى بني البشر يفوق كل شيء، لدي فضول ملِح، أود معرفة ما حدث، ولمَ قررت خيانة الأنصاري.

جحظت عيني النمر وقال بنبرة غاضبة:
_هذه ليست خيانة، لكنه بدأ يتخلى عني، بل وبدأ بتهديدي، هو لا يهتم لأمري بقدر اهتمامه بالأشياء الأخرى، أي إذا أصبت بمكروه فسيحصل على خادم غيري بعد كل ما أفنيت من عمري لأجله.

لاح شبح ابتسامة خبيثة أعلى شفتي السيد رشيد وقال:
_لذلك قررت اللجوء لعدوه اللدود الذي يكون أنا! لقد أحسنت صنعاً.
زفر النمر بقوة ثم قال:
_سأعمل لصالحك بشرط واحد فقط.

ضم السيد رشيد حاجبيها بتعجب قائلاً:
_ما هو هذا الشرط؟
تنهد النمر وقال:
_أريدك أن تحمي عائلتي، ومهما حدث أريدهم أن يبقوا آمنين بعيداً عن كل شيء.
فقال السيد رشيد بجدية:
_إتفقنا.

...

على صعيد آخر عادت وهج برفقة حور إلى المنزل ثم صعدت إلى غرفتها، انتظرت حور حتى غفيت وهج ثم خرجت من المنزل واستقلت سيارة أجرة.
بعد قليل توقفت سيارة الأجرة على قارعة الطريق فترجلت منها حور ثم صعدت سيارة الضابط جمال ومن ثَم ذهبا.

توقفت سيارة الضابط جمال أمام حديقة عامة، ترجلا منها ثم سارا سوياً.
تنهد الضابط جمال وقال بنبرة خافتة:
_ما هو ذلك الأمر الذي تريدين أن تتحدثي إليّ بشأنه؟

تنهدت حور وقالت بنبرة يملؤها الوجل:
_لا أعلم إن أفعل الصواب أم لا، لكنني وبعد تفكير عميق في الأمر وجدت أنه لا بد أن أخبرك، حتى أنني لم أتمكن من إخبار وهج بذلك.

زفر الضابط جمال وقال بنفاذ صبر:
_أخبريني بالأمر بدلاً من التحدث بالألغاز.
تنهدت حور ثم أخرجت قنينة السم من جيب معطفها ووضعتها في يد الضابط جمال.

أمسك الضابط جمال بالقنينة وقال بتساؤل:
_ما هذا.
زفرت حور بقوة وقالت:
_هذا سم، لقد وجدته في منزل السيد عثمان تحديداً في غرفة المعيشة حيث توفي.

جحظت عيني الضابط جمال وقال بدهشة:
_كيف علمتِ أن هذا سم؟
تنهدت حور ثم قالت:
_لأنني رأيته من قبل في قصر الأنصاري.
فقال الضابط جمال بينما كان يرمق حور بنظرات يملؤها الشك:
_ومن أين أتت هذه القنينة؟

تفهمت حور أن الضابط جمال يشك في أمرها فسرعان ما قالت:
_لقد أخبرتك أنني وجدتها في غرفة المعيشة وإن كانت تعود لي لم أكن لأتحدث إليك؟
تنهد الضابط جمال وقال:
_أخبريني بكل ما تعرفينه.

امتعضت حور ولكنها قالت على كل حال:
_قبل فترة وجيزة كان السيد الأنصاري يستضيف شخص ما أراد أن يبيعه ذلك السم لقد كانت لديه حقيبة مليئة بقناين مشابهة لهذه لكن السيد الأنصاري رفض أن يشتري هذا السم.

فقال الضابط جمال بعدم فهم:
_ماذا تقصدين؟ لا أفهم!.
تنهدت حور وقالت:
_بعدما وجدت تلك القنينة أتى آدم، لقد كان متوتراً للغاية حتى أنه لم ينتبه إليّ حينما تحدثت إليه، لا أعلم إن كان له علاقه بتلك القنينة لكنني أشك في أمره.

شرد جمال وتذكر عندما رأى آدم يبحث عن شيء في الغرفة وانتفض حينما رأى جمال!.
أفاق جمال من شروده وقال بتساؤل:
_أين وهج الآن؟
ضمت حور حاجبيها وقالت:
_في المنزل، لمَ؟

فقال جمال بنبرة حادة:
_يجب أن تعودي إلى المنزل، لا يجدر بكِ تركها بمفردها، خاصةً في هذه الأثناء.
فقالت حور بتساؤل:
_ماذا عن السم؟
فقال جمال بحدة:
_ليس من شأنكِ، فقط عودي إلى المنزل.

فقالت حور بنبرة غاضبة:
_سيدي لمَ تتحدث إليّ بهذه الطريقة؟ أنا فقط أحاول أن نلتقط الفاعل.
فقال جمال بينما كان ينظر بعيداً:
_هذا يكون عملي يا حور.
فسرعان ما قالت حور:
_لكنني أعرف الكثير عن هذا، بل ويمكنني معرفة الرجل الذي يصنّعه، لذلك أنت بحاجة إليّ.

تنهد جمال وقال:
_ربما سأتحدث إليكِ فيما بعد، هيا سأقلكِ إلى المنزل.
قالت حور بينما كانت تهم للرحيل بعدما تلقت رسالة على هاتفها:
_لا داعي لذلك، لدي عمل هام عليّ القيام به ومن ثَم سأعود إلى المنزل.
تنهد جمال وقال:
_كما تشائين، كوني حذرة.

...

في منزل النمر، كانت ماريا تعد الطعام بينما كانت إبنتها تلهو مع أخيها بالقرب من باب المنزل.
طرق أحدهم باب المنزل عدة طرقات فتسارعا الطفلين من فيها يستبق الباب أولاً وقد كانت الفتاة التي قامت بفتحه الباب.

وقف الطفلين يحدقان بحور التي كانت تقف أمامهما برفقة أربعة من الرجال.
جاء صوت ماريا من الداخل وهي تقول:
_من الطارق يا أطفال؟
تبسمت حور وقالت:
_هذه والدتكما التي في الداخل أليس كذلك؟

أومأت الفتاة برأسها وقالت:
_أجل، من أنتِ؟
جثت حور على ركبتيها أمام الفتاة وقالت:
_أنا صديقة.
شعرت حور بأن والدة الأطفال تقترب فسرعان ما أشارت للرجال الذين برفقتها وحمل اثنين منهما الفتاة وشقيقها بينما بقي اثنين آخرين.

صُعقت ماريا حينما رأتهم يأخذون أبنائها فصارت تصيح بهما وهي تقول:
_أتركوا إطفالي، دعوهم وشأنهم، أرجوكم.
أمسك الرجلين الآخرين بماريا وجعلوها تجلس في غرفة المعيشة رغماً عنها ثم جلست حور قِبالها.

قالت ماريا بنبرة لاهثة يملؤها الغل:
_من أنتِ؟ وما الذي تريدينه من أطفالي؟ دعيهم وشأنهم.
تبسمت حور وقالت بنبرة يملؤها الغرور:
_لا تقلقي سيكونان بخير، فأنا أنتقم من الآباء عن طريق الأبناء.

ضمت ماريا حاجبيها وقالت:
_من أنتِ؟ أنا لم ألتقِ بكِ من قبل.
فقالت حور بالإبتسامة ذاتها:
_وأنا كذلك، لم ألتقِ بكِ.
فقالت ماريا ببكاء:
_إذاً ما الذي تريدينه منا؟ وإلى أين أخذوا أطفالي؟

تنهدت حور وقالت بنبرة تملؤها الشفقة:
_لن أؤذيهم، أقسم لكِ، كيف لي أن أؤذي الأطفال الذين كانوا سيصبحون إخوة لإبني لولا سخك والدهم!.
فقالت ماريا بعدم فهم:
_عن ماذا تتحدثين؟ لا أفهم.

تنهدت حور ثم قالت بنبرة يملؤها الغضب:
_يمكنكِ أن تطرحي هذا السؤال على زوجكِ، لكنني أخشى أنه سيخبركِ بالحقيقة، لن يفعل.
زفرت حور بقوة ثم استرسلت قائلةً:
_لقد كنت أحمل طفلاً بين أحشائي، كان النمر والده لكنه قتله بركله واحدة كيف تأمنيه على أطفالكِ؟

جحظت عيني ماريا وقالت ببكاء:
_النمر؟ من هذا؟
جحظت عيني حور ومن ثَم تعالت قهقهاتها وقالت بدهشة:
_إذاً أنتِ لا تعلمين أن لقب زوجكِ هو النمر؟ يبدو أنه يخفي عنكِ الكثير من الأمور.

جحظت عيني ماريا وقالت:
_أنتِ زوجته!! هل هذا ما تقصدينه؟
فكؤت حور قليلاً ثم قالت:
_لست كذلك، لكنني كنت أحمل طفله على كل حال وهو من قتله، حينما يعود إلى المنزل أخبريه بأنه لن يرى أطفاله مرة أخرى سوى حينما أنتهي من إنتقامي منه.

رحلت حور برفقة الرجلين الذين أتيا معها وتركت ماريا جاحظة العينين تأبى تصديق ما ألقي على مسامعها قبل قليل.
هرعت ماريا نحو هاتفها وقامت بالإتصال بالنمر لكن هاتفه كان مغلق!.

...

على صعيد آخر استيقظت وهج فلم تجد حور بجانبها، نهضت بتثاقل تبحث عنها في أرجاء الطابق لكنها لم تعثر عليها، فهبطت إلى الطابق الأرضي ولكنها فوجئت بآدم، جالس وكأنه في منزل والده!.

اتجهت وهج نحو آدم وقالت بنبرة غاضبة:
_ما الذي تفعله هنا؟
نظر آدم نحوها وقال:
_أنا أمكث هنا، ألا يمكنكِ رؤية ذلك؟
فصاحت وهج بغضب وقالت:
_من سمح لك بالمكوث هنا؟ ألن تكف عن هذا؟ أنا لا أتحمل رؤيتك لمَ يصعب عليك إدراك ذلك؟

تنهد آدم بهدوء لكي لا يغضب ثم قال بنبرة هادئة مما أثار غضب وهج:
_هل تظنين أنني سأدعكِ هنا بمفردكِ؟ لا بد أنكِ سهوتِ عن ذلك لكنني سأذكركِ، أنا لي نصيب من ميراث عمي، لا أنكِ تعلمين بذلك.

رمقته وهج باشمئزاز ثم صعدت مرة ثانية إلى غرفتها بعدما قالت:
_لن تمكث هنا طويلاً، أنا أعدك بذلك.
قهقه آدم بسخرية وهمس قائلاً:
_ستكونين لي يا وهج، كل شيء سيكون لي.

كان آدم شارداً إلى أن دق هاتفه بالرنين إثر وصول رسالة جديدة فسرعان ما قام بفتحها ولكنه انتفض حينما قرأها فقد كانت تنص على:
_"هذه جريمتك الثانية، لقد بدأ العد التنازلي وقد اقتربت نهايتك".

كان جسد آدم يرتجف بقوة وصار يتلفت هنا وهناك من فرط ما شعر به من خوف وقبل أن يقوم بالرد على الرسالة تم حظره!.
همس آدم محدثاً نفسه قائلاً:
_من هذا؟ وكيف علم بأمر جريمتي الأولى؟ كنت لأظنها مزحة ولكنها ليست كذلك!!.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي