قرين ميّت البارت الثاني والعشرون

"قرين ميّت" "البارت الثاني والعشرون"

حينما يفيض القلب من شدة الحزن يشعر المرء وكأن العالم بأسره غير قادر على إسعاده!، حتى أنه يظن بأن الحزن الذي وُجد في العالم وُضع في قلبه هو فقط!، لا يتمكن المرء حينذاك من إدراك أن بعد هذا الحزن سيحصل على سعادة تُفقده ما ذاقه من كمد.

وضعت وهج يدها فوق قلبها وقالت ببكاء:
_بسم الله عليك حتى تهدأ، بسم الله على قلبي حتى يطمئن.
ربت الرجل فوق رأس وهج وقال قبل أن ينهض لكي يذهب:
_كل شيء سيكون على ما يرام.

التفتت وهج بعدما ذهب الرجل فرأت شاب ذاهب هُيّء لها أنه مُهاب!، فسرعان ما نهضت وركضت نحوه وقالت بنبرة يملؤها الأمل:
_مُهاب!!.
التفت إليها الشاب قائلاً:
_عفواً؟

سخرت وهج من سخافة عقلها لأن ذلك الشاب لم يكن مُهاب.
تنهدت وهج وقالت بحرج:
_آسفة، ظننتك شخصاً آخر.
أومأ الشاب برأسه ثم رحل.
زفرت وهج بغضب ثم التقطت حقيبتها وغادرت هي الأخرى.

...

أمام قصر الأنصاري توقفت سيارة النمر الذي كان يتوعد بفعل الكثير لكنه عاجز من أجل زوجته، يشعر بأنه مكتوف الأيدي لا يمكنه فعل أي شيء، فالأنصاري بإمكانه أن يتخلص من كليهما دون أن يرف له جفن!.

ترجل النمر من سيارته، وما إن صار أمام البوابة مباشرةً حتى أفسح له رجال الأمن الطريق.
رمقهم النمر بنظرة يملؤها الغضب قبل أن يمر عبر البوابة.

وثب النمر أمام الأنصاري الذي كان يتناول الطعام وبدا وكأنه مستمتع جداً.
زفر النمر بقوة وقال بغضب:
_أين زوجتي؟
فقال الأنصاري بينما كان ينظر نحو طعامه:
_كم لذيذ هذا الطعام، يجب أن تجربه.

ضغط النمر على نواجزه وقال بنبرة أكثر حدة:
_أين زوجتي؟ ما شأنها في ما بيننا؟
قهقه الأنصاري بسخرية وقال:
_هل تظنني أجدب لكي أدعك تذهب هكذا؟ كان لا بد أن يكون لك شيء هنا حتى تعود.

فقال النمر بينما تسارعت أنفاسه من شدة الغضب:
_إلا زوجتي.
تنهد الأنصاري وقال:
_لم أكن لآخذ زوجتك، لكنني لم أجد أطفالك لذلك أخذتها هي.

زفر النمر بقوة وقال:
_ماذا تريد؟
تبسم الأنصاري ثم قال بعدما نهض وابتعد عن طاولة الطعام:
_لقد التقت حور بضابط ما، لا أذكر اسمه، أريدك أن تتخلص من كليهما.

فقال النمر بغضب:
_إن فعلت ذلك هل ستدعني آخذ زوجتي برفقتي؟
قهقه الأنصاري وقال:
_لمَ العجلة؟ عزيزي لديك الكثير من الأعمال، أعدك أنك حينما تنتهي من جميع أعمالك ستأخذها.

ضم النمر حاجبيه وقال بتساؤل:
_ماذا بعد؟
اقترب الأنصاري من النمر بوجهه وقال بنبرة خافته:
_سأخبرك، لكن كل شيء له وقت مناسب أليس كذلك؟

زفر النمر بقوة وقال:
_حسناً إذاً، اتفقنا.
تبسم الأنصاري وقال:
_هكذا أريدك، فتى مطيع.
تنهد النمر وقال:
_أريد أن أرى زوجتي، أريد أن أطمئن ما إن كانت بخير.

فقال الأنصاري بابتسامة:
_بالطبع يمكنك ذلك.
نظر الأنصاري نحو رجاله وأردف قائلاً:
_دعوه يرى زوجته.
ذهب النمر برفقة رجال الأنصاري الذين أخذوه إلى قبو يقبع تحت الأرض لم يراه من قبل طيلة مكوثه في القصر.

قام أحد الرجال بفتح باب القبو حيث تم إحتجاز ماريا.
ما إن رآها النمر جالسة القرفصاء يرتعد جسدها من سدة الخوف لم يتحمل، كوّر قبضته ثم سدد ضربة قوية في منتصف وجه الرجل الذي على يمينه، ثم أمسك برأس الآخر وصار يضرب بها عرض الحائط بقوة.

هرع النمر نحو ماريا وجذبها من يدها قائلاً:
_هيا بنا أسرعي.
صاحت ماريا قائلةً بغضب:
_ابتعد عني، دعني وشأني.
فسرعان ما قال النمر بترقب:
_لا وقت للّوم يجب أن نلوذ بالفرار.
أمسك النمر بيد ماريا جيداً وركضا سوياً.

كان الأنصاري يرى كل ذلك عبر شاشة المراقبة، قهقه بسخرية بعدما أشعل لفافة التبغ وقال:
_شيء متوقع من النمر.
نظر الأنصاري نحو رجل من رجالة وقال:
_عليكَ به.

أومأ الرجل برأسه ثم أمسك بسلاحه وركض نحو الطريق الذي سيأتي من خلاله النمر.
كان النمر يركض بأسرع ما يمكنه بينما كانت ماريا تلهث بشدة.
كان كلما اقترب أحد الرجال من النمر أطاح به بعيداً.

بينما كان النمر منشغلاً في شجاره مع بعض الرجال كانت ماريا تقف في الزاوية لا تفعل شيء سوى البكاء!.
بمحض الصدفة تمكنت ماريا من رؤية ذلك الرجل الذي كان يصوّب نحو النمر.

هرعت ماريا نحو النمر بعدما صاحت بقوة قائلةً:
_ماجد!.
ما انتبه إليها النمر وتوقفت أمامه مباشرةً حتى أصابتها الرصاصة في منتصف ظهرها!.

شهقت ماريا أثر إختراق الرصاصة جسدها من الخلف.
كان النمر جاحظ العينين بينما كانت ماريا تفقد توازنها إلى أن سقطت أرضاً.
صاح النمر قائلاً بفزع:
_ماريا.

كانت ماريا تتألم بشدة وعلى الرغم من ذلك قالت بصوت متهدج:
_أطفالي، لا تدعهم يا ماجد أرجوك.
فقال النمر بنبرة خافتة يملؤها الوجل:
_اهدأي فقط اهدأي وكل شيء سيكون على ما يرام، سآخذكِ إلى المشفى، ستكون بخير فقط تماسكي.

امتلأ فم ماريا بالدماء فقالت:
_لقد انتهت قصتنا يا ماجد، لكنني فخورة بما كنت عليه، لكنني لم أرِد أن تنتهي حياتي بهذه الطريقة، هذا كله بسببك أنت.
ترقرقت الدموع في عيني النمر وقال:
_أنا حقاً آسف، أرجوكِ سامحيني.

تعالت حشرجات ماريا وصار التنفس صعب جداً، كانت تحاول أن تلتقط أنفاسها إلى أن ذرفت آخرها.
كان الرجل الذي صوّب عليها يراقب كل شيء وحينما تأكد أن ماريا قضت نحبها تبسم قائلاً:
_جيد جداً.

للوهلة الأولى يُصاب النمر بألم الفُقد، داهمه الألم الأسوأ على الإطلاق عنوة!، لم يكن يعلم بأنه مؤلم إلى هذا الحد!.
أمسك النمر بكتفي ماريا وصار يحركها ببطء بينما كان يقول:
_ماريا، عزيزتي هل تسمعينني؟

أفاق النمر حينما أمسك به أربع من الرجال وأبعدوه عن ماريا رغماً عنه لكنه تمكن من الإجهاز عليهم وركض نحو ماريا وقبل أن يجثو على ركبتيه بجانبها أصابه الرجل ذاته في قدمه.

سقط النمر أرضاً بينما كان يصيح بأعلى طبقات صوته من شدة الألم، حاول أن يصل إلى ماريا لكن الرجال حملوه وزجوا به خارج القصر، وقبل أن يبتعدوا عن البوابة قال أحدهم بتهديد:
_إن أثرت غضبنا ستكون الرصاصة التالية في رأسك.

...

على صعيد آخر في بيت يبدو أنه يعود إلى عائلة من الطبقة المتوسطة، كانت حور تمكث بداخلة برفقة الفتاة وأخيها أبناء النمر.
كانا الأطفال خائفين جداً من الرجال الذين كانوا برفقة حور.
تمكنت حور من إدراك ذلك فأشارت للرجال بأن ينتظرون في الخارج.

اقتربت حور من الأطفال وقالت بابتسامة مفعمة بالأمل:
_أنا أدعى حور، وأنتما؟
نظرا إليها الأطفال بدون إكتراث ولم يلقيا لها بالاً.

تنهدت حور ثم قالت:
_إن أردتما يمكنني أن أجلب لكما كل ما تشاؤون لكن يجب أن نصير أصدقاء أولاً.
فقالت الفتاة بنبرة خافتة:
_أريد أمي وأبي.

تنهدت حور بنفاذ صبر، فهي لا يمكنها أن تخبر الأطفال بأن والدهما من أسوأ الرجال على وجه الأرض!.
أخذت حور شهيق عميق ثم زفرته بقوة وقالت:
_والديكما لديهما أمور هامة جداً لذلك دعاني لأن أهتم بكما حتى ينتهيا من عملهما.

فقال الفتى بتساؤل:
_هل يمكننا أن نتحدث إليهم؟
فقالت حور بحرج:
_لا أعلم، لكنهما سيتحدثان إليّ حالما سنح لهما بذلك.

زفرت الفتاة بملل وقالت:
_لكنني أشتاق إلى والدتي كثيراً.
فقال الفتى:
_وأنا أيضاً.

تنهدت حور وفكرت قليلاً ثم قالت:
_ما رأيكما في أن نلهو ونلعب إلى أن يهاتفني أي منهما؟
فكر الأطفال قليلاً ثم وافقا على ذلك وصاروا يلهو ويلعبوا حتى أن الرجال الذين كانوا ينتظرون في الخارج صاروا يشاركونهم ذلك.

...

عاد آدم إلى منزله ثم هاتف أكرم ودعاه لكي يوافيه في الحال.
انتظر آدم حتى أتى أكرم ثم قص عليه كل ما حدث.
نظر أكرم نحو آدم وقال:
_ربما تكون وهج؟ من سواها؟

فسرعان ما قال آدم:
_هذا مستحيل، هي لا تعلم بأمر مريم، لا أحد يعلم سوانا.
تنهد أكرم وقال:
_لا بد أن هناك شخص يعلم بالأمر.

سدد آدم ضربة قوية إلى الحائط ثم قال بنبرة يملؤها الغضب:
_أكاد أن أفقد عقلي يا أكرم، الأمر يزداد تعقيداً، جل ما سيجعلني أجن جنوني هو اختفاء الهاتف هكذا فجأة!.

لم يلبث آدم أن انتهى من كلمته الأخيرة حتى دق الهاتف بالرنين في جيبه!.
تعجب آدم لأن هذه ليست نغمة الرنين الخاصة بهاتفه وما إن أخرج الهاتف من جيبه حتى فوجيء بأنه الهاتف الذي اختفى من القبو قبل ساعة تقريباً!!.

نظر آدم نحو أكرم بهلع، لكن أكرم لم يسعفه فقد أصابه مثل أصاب آدم.
حاول آدم أن يتمالك وقال:
_إنه رقم محجوب!.
فسرعان ما قال أكرم:
_هيا أجب المكالمة، ربما نعلم من الذي يفعل ذلك.

جمع آدم رباطة جأشه ثم ضغط على زر قبول المكالمة ووضع الهاتف فوق أذنه، لم يكن هناك صوت!.
نظر آدم نحو أكرم وقال بتعجب:
_لا يوجد أي صوت!
فقال أكرم:
_ربما هناك مشكلة، قم بتفعيل مكبر الصوت.

ما إن قام آدم بتفعيل مكبر الصوت حتى فوجيء بصوت فتاة تصيح بأعلى طبقات صوتها طلباً للمساعة، من شدة المفاجأة سقط الهاتف من يدي آدم.
فسرعان ما التقطه أكرم وقام بإنهاء المكالمة.

نظر آدم نحو أكرم وقال بتساؤل:
_ماذا يعني ذلك؟ أشعر وكأنني في مأزق كبير! أكرم ساعدني أرجوك.
تنهد أكرم وقال:
_لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام، لا بد أن من يفعل ذلك يسعى لابتزازك، ربما يريد النقود، في المرة المقبلة تحدث مع ذلك الشخص بشأن ذلك.

فجأة أضاءت شاشة الهاتف بوصول رسالة واردة فسرعان ما قام أكرم بتفقدها وقد كانت صورة لجثة مريم ومدون أسفلها:
_"هل لا تزال تتذكرها؟"

قبل أن يتفوه أي من آدم وأكرم بكبمة واحدة تم وصول رسالة أخرى وقد كانت صورة جثة عثمان الدميري ومدوّن أسفلها:
_"هل تتذكره؟"

تملك الغضب من آدم فأمسك بالهاتف وأسقطه أرضاً بقوة وصار يهشّم شاشته بكل ما أوتي من قوة ثم أحضر سلة القمامة وألقاه بداخلها وألقى عليه الوقود ثم أشعل فيه النيران وصاح قائلاً بغضب متقع:
_فلتذهب إلى الجحيم.

...

تلقت وهج مكالمة من الضابط جمال فذهبت لكي تلتقي به على قارعة الطريق.
هبطت وهج من سيارتها وقالت بتساؤل:
_ما الأمر أيها الضابط؟
تنهد جمال وقال:
_آسف لأنني جعلتكِ تأتي هكذا، لكنني لا أنفك أفكر في الأمر، لدي بعض الشكوك في أن والدكِ لم يمت هكذا وإنما تسبب أحدهم في مقتله.

فسرعان ما قالت وهج بنبرة يملؤها الغضب:
_لا بد أنه النمر، ليس هناك سواه ليفعل ذلك.
فسرعان ما قال الضابط جمال:
_لا ليس هو، تحوم شكوكي حول شخص آخر.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بتساؤل:
_ماذا تقصد؟
تنهد الضابط جمال وقال بنبرة يملؤها الجمود:
_سيتعين علينا أن نذهب إلى منزل الفتاة التي تدعى مريم أولاً.

فقالت وهج بتساؤل:
_نحن نتحدث عن مقتل أبي! ما علاقة ذلك بمريم!؟
تنهد جمال وقال:
_أنا أيضاً في حيرة من أمري، لكن لا يمكنني أن أخبركِ أي شيء حتى تتأكد ليَ شكوكي.

تنهدت وهج وقالت:
_حسناً، متى سنذهب إلى هناك؟
فقال جمال بنبرة جادة:
_الآن.
فقالت وهج بعدما أومأت برأسها:
_حسناً، سأتحدث إلى حور حتى ترافقنا.

فسرعان ما قال جمال بنبرة حادة:
_سنذهب بمفردنا يا وهج.
ضمت وهج حاجبيها وقالت:
_آمل أن لا تكون شكوكك تحوم حول حور!.

زفر الضابط جمال بقوة وقال:
_هيا بنا، سنذهب بسيارتي.
رمقته وهج بنظرات يملؤها التساؤل لكنها لم تتفوه بكلمة واحدة وصعدت إلى سيارته.

صعد جمال أيضاً وقال بعدما أدار محرك السيارة:
_لا أعلم ولكنني أشعر بأننا سنجد شيء ما في منزل مريم.
ضمت وهج حاجبيها من شدة التعجب وقالت بتساؤل:
_ما الذي جعلك تهتم بهذا الأمر هكذا؟ لا بد أنك علمت بشيء ما!

تنهد جمال وقال:
_حسناً، رجاءً لا تطرحي عليّ المزيد من الأسئلة فقط دعينا نذهب إلى هناك، وحالما نخرج سأخبركِ بكل شيء إتفقنا؟.
تنهدت وهج وقالت:
_إتفقنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي