قرين ميّت البارت الرابع عشر

"قرين ميّت" "البارت الرابع عشر"

أطالت وهج النظر إلى ذلك الخاتم، فشهقت بالبكاء فجأة لكنها وضعت كلتا يديها فوق فمها.
همست وهج بصوت خافت وقالت:
_يا إلهي، لا أصدق!.

فسرعان ما خرجت وهج من أسفل الفراش والتقطت الخاتم وقالت بعينين جاحظتين:
_يا إلهي، إنه خاتم الخطبة الخاص بمُهاب! لم يكن يكذب!.
تعالت اضطرابات فؤاد وهج وقالت ببكاء:
_كان عليّ أن أصدقه! لقد خذلته في الوقت الذي كان لا بد أن أشدد بأذره!.

أفاقت وهج من شرودها على صوت صياح حور فهرعت إلى الخارج، فوجدت النمر مطبق أصابعه حول عنق حور بينما تقف هي عند الحائط ولا مجال للهرب، فسرعان ما ركضت وهج نحوه وسددت له ضربة قوية فوق رأسه جعلته يسقط أرضاً مغشياً عليه.

جثت حور على ركبتيها من شدة الدوار الذي شعرت به إثر ما فعله بها النمر.
أمسكت وهج بيد حور وقالت بنبرة يملؤها الذعر والتوتر:
_ستكونين بخير، هيا دعينا نذهب.

نهضت حور بمساعدة وهج وركضا نحو باب المنزل، فجأة توقفت حور ثم التفتت للخلف تنظر نحو النمر، لم تتمكن الإشفاق عليه، لقد أحبته، كانت تحبه منذ نعومة أظفارها، كبُرت وعينيها لم ترى رجلاً غيره على الرغم من فارق السن الملحوظ إلا أنها أحبته.

لكنه كان موجوداً حينما قتلا والديها وهو من قام باختطافها، لقد بدد طفولتها دون أن تدري، جعلها تشعر وكأنها الأوفر حظاً على الإطلاق فقليلاً ما تحصل الفتيات على الحب الحقيقي، أن يحبها رجل!، لكنها أحبت قاتل، لم يكن سبباً في قتل والديها فقط وإنما قتل الجنين الذي لم يكن قد تكون في رحمها بعد!.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بتساؤل:
_ما الأمر؟.
فنظرت حور نحو وهج وقالت:
_يجب أن نرى ما إن كان لا يزال حياً.
فقالت وهج بنبرة غاضبة:
_ليس لدينا متسع من الوقت دعينا نذهب.

أمسكت وهج بيد حور لكي تجذبها نحو باب المنزل لكن حور أبت ذلك واتجهت نحو النمر ثم جثت على ركبتيها بجانبه، فاقتربت وهج منهما دون أن تجلس.
نظرت حور نحو وهج بوجل لكن وهج أشارت لها بأن تنتهي سريعاً حتى يلوذا بالفرار.

أخذت حور شهيقاً عميقاً ثم زفرته ببطء ومدت يدها نحو أنفه لترى ما إن كان لا يزال يتنفس، وقبل أن تفعل ذلك أمسك النفر بيدها ونظر إليها جاحظ العينين.
صاحت حور بفزع بينما سددت له وهج ضربة قوية فوق رأسه ففقد الوعي ثانيةً.

أمسكت وهج بيد حور وساعدتها على النهوض.
تنهدت وهج بفزع وقالت:
_هل سأكون قاتلة إن قمت بإحراقه؟
قهقهت حور وقالت بنبرة يملؤها الجمود:
_يمكنكِ أن تسمحي لي بذلك، فهذا سيكون شرف لي.

فقالت وهج بابتسامة:
_لكِ ذلك.
اتسعت ابتسامة حور ثم اتجهت نحو المطبخ وقامت بتسريب الغاز وغلّقت جميع النوافذ ثم التقطت علبة أعواد الثقاب.
كانت وهج تنتظر أمام باب المنزل فأتت حور وقبل أن تشعل عود الثقاب أوقفتها وهج وركضت إلى الداخل.

بعد مرور دقيقة عادت وهج وبين يديها المعطف المفضل لدى مُهاب.
ابتعدت وهج وكذلك حور عن المنزل بقدر الإمكان، ثم أشعلت حور عود الثقاب وقالت بنبرة يملؤها الكره والبغض:
_هذا من أجل والداي وأخي.

دوى إنفجار في المنزل بأكمله، كانتا وهج وحور يراقبان ما يحدث عن بُعد.
انتبهتا من شرودهما حينما قال الشاب بنبرة يملؤها الألم:
_هل يمكنكما مساعدتي.
فسرعان ما التفتا إلى الخلف ثم نظرتا نحو بعضهما البعض بابتسامة.

صعدوا ثلاثتهم السيارة وأدارت وهج المحرك.
تنهد الشاب وقال:
_أنا أعرفكما جيداً.
نظر نحو وهج وقال بابتسامة:
_أنتِ الأنسة وهج، كم كان السيد مُهاب يحبكِ.
ثم نظر نحو حور وقال:
_وأنتِ حور شقيقته.

جحظت عيني وهج وقالت:
_من أين تعرفني؟
فقال الشاب بنبرة حزينة:
_لطالما كان السيد مُهاب يتحدث عنكِ، لقد كلفنا أنا وصديقي بحمايتكِ ومراقبة منزلكِ قبل أكثر من عامين.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بتعجب:
_لكنني لم أراك من قبل ولم ألحظ أن هناك من يراقبني أو حتى يقوم بحمايتي!!.
فقال الشباب بابتسامة:
_لذلك تحديداً وقع اختيار السيد مُهاب علينا.
اقتضبت حور حديثهما وقالت:
_ما الذي أصابك؟ هل اصطدمت بسيارة عملاقة.

قهقه الشاب وقال:
_أجل تلك السيارة تدعى النمر.
امتعضت حور ولكنها تبسمت على كل حال وقال:
_لقد زال ذلك الكابوس الذي يُدعى النمر.
جحظت عيني وهج وقال بفزع:
_لا أظن ذلك!.

ضمت حور حاجبيها وقالت بتعجب:
_ماذا تقصدين؟
فصاحت وهج بهلع:
_أنظري خلفكِ.
التفتت حور وكذلك الشاب إلى الخلف ففوجئا بالنمر خلفهم يقود سيارته، وقد تمكنا من رؤية بعض الحروق في وجهه.

فصاحت حور بغضب وقالت:
_ألا يمكن لشيء أن يقتل ذلك الداهية؟!.
فقال الشاب بألم من فرط الأذى الذي تسبب فيه النمر:
_لو كان هناك شيء يؤثر فيه لكان قضى نحيه منذ زمن.

فقالت وهج بينما كانت تحاول أن تزيد من سرعة السيارة:
_نحن هالكون إن تمكن من اللحاق بنا.
فسرعان ما قال الشاب:
_استمري في القيادة لا تتوقفي أبداً.
وضعت حور كلتا يديها فوق أذنيها بهلع، ثم نظرت إلى الخلف فرأته يصوب بسلاحه نحوهم.

صاحت بهم حور وقالت بعدما خفضت رأسها:
_انتبهوا إنه يصوب نحونا.
فسرعان ما خفضت وهج رأسها، لكن الشاب لم يستمع إلى حور جيداً ونظر إلى الخلف فأُصيب في كتفه.

صاح الشاب بأعلى طبقات صوته فأسرعت وهج لكي تبتعد عنه بقدر الإمكان.
ظل الشاب يتألم بينما كانت وهج ستتعرض لحادث لولا أنها تفادت ذلك بأعجوبة!.
أثناء تلك المطاردة قتل النمر أُناس أخرين كانت سيارتهم بالقرب من سيارة وهج، فقد أصاب رجل في رأسه وكذلك امرأة أصيبت في جوفها.

فجأة انعطفت وهج بالسيارة داخل زقاق بالكاد تمر فيه السيارة، أما سيارة النمر سارت دون أن ينعطف لذا تمكنت وهج من الفرار منه.
ابتعدت وهج بالسيارة قدر الإمكان.
بعد مرور بعض الوقت توقفت السيارة إثر الطلقات التي تلقتها.

أوقفت وهج السيارة ثم هبطت واتجهت نحو الناحية التي يجلس فيها الشاب وقامت بفتح باب السيارة لكي تطمئن عليه، ترجلت حور أيضاً من السيارة واتجهت نحو الشاب الذي كان يتألم وصار يشعر بالدوار فقد نزف الكثير من الدماء.

تحققت وهج من الإصابة، فأعطتها حور وشاحها وقالت:
_يجب أن نوقف النزيف.
التقطت وهج الوشاح ووضعته فوق مكان الإصابة ثم قامت بتثبيت وشاح حور بوشاحها.

بعدما انتهت وهج كادت أن تبتعد عن الشاب لولا أنه أمسك بيدها قائلاً:
_يجب عليّ أن أخبركِ بشيء هام.
ضمت وهج حاجبيها وقالت دون ان تكترث:
_يمكنك إخباري بكل شيء فقط عندما تصبح بخير.

كادت أن تذهب وهج لكن الشاب أصر قائلاً:
_لقد قضي الأمر أيتها الأنسة، أنا هالك لا محال.
فسرعان ما قالت حور بعينين مغرورقة:
_ستكون بخير، فقط اصمد حتى نجد وسيلة مواصلات، حينها سنذهب إلى المشفى.

نظر الشاب نحو وهج وقال:
_لدي أمانة ائتمنني عليها السيد مُهاب، لا يمكنني الموت قبل أن أخبركِ بها.
جحظت عيني وهج وقالت:
_مُهاب!!.

أومأ الشاب برأسه وقال:
_لم أتمكن من لقاؤكِ طوال عامين، لكن النمر سمح لي بذلك اليوم، ربما هذا الشيء الوحيد الصائب الذي فعله طوال حياته.

التقط الشاب أنفاسه ثم أردف بقوله:
_حينما ذهبت لزيارته في المصحة أخر مرة رأته فيها، ائتمنني أن أخبركِ بأنه لم يقتل تلك الفتاة التي تدعى مريم.

جحظت عيني وهج فتابع الشاب بقوله:
_لقد حثّني على إخباركِ بذلك، وأخبرني أيضاً أن دليل برائه يكمن في منزل مريم.
فسرعان ما قالت وهج:
_دليل؟ لمَ لمْ يخبر الشرطة عن ذلك الدليل؟

فسرعان ما قال الشاب:
_لقد علم أنكِ ستقولين ذلك، وقال لي إن سألتِ هذا السؤال تحديداً أخبركِ بأن المرء من الممكن أن يقترف العديد من الجرائم ولا ينال عقاب عليها.

تنهد الشاب ثم استرسل بقوله:
_ثم بقدرة الله يحدث شيء ويُعاقب على شيء لم يفعله، فقط اذهبي إلى منزل مريم وستجدي الدليل هناك لأنه يهتم كثيراً لأن تظهر براءته أمامكِ أنتِ، فهو لا يكترث لأمر الشرطة لأنه يستحق أن يعاقب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي