قرين ميّت البارت السابع عشر

"قرين ميّت" "البارت السابع عشر"

إندثار بعض البشر يسنح للبعض الآخر بأن يفعل ما يريد، وقد أُتيحت الفرصة لآدم ولن يفوتها.
أفاق آدم من شروده ولاحظ أنه لبث كثيراً يتذكر ما حدث.
تنهد آدم ثم همس محدّثاً نفسه قائلاً:
_حتى وإن أبت الحياة أن أحصل عليكِ يا وهج ستكونين لي، لن أدعكِ، أقسم بذلك.

...

أمام المشفى، توقفت سيارة الرجل الذي ساعد الفتاتان والشاب الذي برفقتهما.
هبطت وهج من السيارة ثم دعت اثنين من الممرضين لكي يجلبوا سرير نقال من أجل الشاب.
تم إدخال الشاب إلى غرفة العمليات وغادر الرجل بينما ظلت وهج برفقة حور تنتظر.

كانت وهج تحدق في الفراغ بينما كانت الدموع تنهمر من عينيها، التفتت حور نحوها فربتت فوق كتفها قائلةً:
_وهج ماذا بكِ؟ هل أنتِ بخير؟
فنظرت إليها وهج وقالت بعينين دامعتين:
_أشعر وكأن جزء بداخلي ينازع الموت.

تفهّمت حور ما تشعر به وهج بجذبتها نحو واحتضنتها قائلةً:
_كل شيء سيكون على ما يُرام..
فاقتضبت وهج حديثها وقالت بصوت متهدج:
_كيف؟ فأنا لم أثق بمُهاب، لم أعطِه فرصة كما أراد، لقد أقسم لي بأنه لم يقتل مريم ولكنني لم أصدقه.

تنهدت وهج ثم قالت:
_سأنتظر حتى يتحسن ذلك الشاب ويخبرني أين يقبع منزل مريم، لا بُد أن أُثبت براءته.
تنهدت حور بحزن وقالت:
_وما الذي سيحدث إن تم إثبات براءة أخي؟ لقد قضى نحبه يا وهج!.

اقتضبت حور حديثها حينما رأت الأخبار عبر الشاشة، كانت المذيعة تتحدث قائلةً:
_مصرع الطبيبة "شادية" ووالدتها قبل طلوع الفجر في منزلها على يد قاتل لُقّب بالنمر هذا ما أدلت به ابنة الفقيدة، وما زال التحقيق جاري ويُقال أن تلك القضية وُكّلت إلى المحقق جمال.

تم عرض صورة الطبيبة التي ساعدتها بالأمس.
انقبض فؤاد حور وقد خارت قواها وشعرت بالدوار.
لاحظت وهج آثار الصدمة على وجه حور فقالت بتساؤل:
_ماذا بكِ؟

فقالت حور بعينين جاحظتين:
_لقد قتل الطبيبة، لقد قتلها، هي لم تذنب كل ما فعلته أنها قامت بمساعدتي! لقد قتلها.
فسرعان ما قالت وهج:
_عزيزتي فقط اهدئي وأخبريني ما الأمر.

قصّت حور كل ما حدث على مسامع وبعدما انتهت قالت:
_يجب أن ينال عقابه، اقسم أنني سأجعله ينال عقابه.
ربتت وهج فوق كتف حور وقالت:
_سنورده مورد الهلاك.

أومأت حور برأسها وحدّثت نفسها قائلةً:
_أقسم بالله العلي العظيم سأجعلك تعض على أناملك ندماً أيها النمر، سأجعلك تشعر بالفُقد، سأجعلك تشعر بكل ما شعرت أضعافاً مضاعفة.

أفاقت حور من شرودها حينما أتى الطبيب قائلاً:
_نحن آسفون جداً لم نتمكن من إنقاذه.
بعد قليل غادرت وهج برفقة حور واستقلا السيارة ذهاباً إلى المحقق جمال.

...

على صعيد آخر عاد النمر إلى قصر الأنصاري بعدما ضمد الجروح التي ملأت جسده، اقترب من البوابة لكن الحراس ردعوه.
فصاح النمر بغضب قائلاً:
_ما الذي تفعلونه؟ أفسحوا لي الطريق.

فقال الحارس الأول بنبرة رسمية:
_لقد تلقينا أوامر بأن لا نسمح لك بالدخول إلى القصر.
ضم النمر حاجبيها وقال بغضب متقع:
_هل جننت؟ أفسحوا لي الطريق.

همّ النمر بأن يدفع البوابة لكن الحراس ردعوه ثانيةً.
تسارعت أنفاس النمر من شدة الغضب ثم أمسك بعنق الحارس وصار يضغط عليه بقوة وقال بنبرة يملؤها الغضب:
_سأدخل إلى القصر، لكن لك حرية القرار ما إن كنت تود أن تكون على قيد الحياة حينها.

فسرعان ما قال الحارس الآخر:
_لا يمكننا عصيان أوامر السيد الأنصاري، أنت تعلم ذلك.
زحف نظر النمر نحو ذلك الحارس ثم سدد له ضربة قوية حطمت أنفه، وقبل أن يكسر عنق الحارس الذي أمامه صاح الحارس قائلاً:
_لقد سمح لي السيد الأنصاري بإفساح الطريق لك.

قام الحارس بفتح البوابة ثم عاون صديقه بعدما دلف النمر.
هرع النمر نحو غرفة المراقبة التي دائماً ما يمكث فيها الأنصاري ثم دفع الباب بقوة.
كان الأنصاري جالس أمام الشاشات وما إن رأى النمر قائلاً بسخرية:
_مرحباً أيها النمر.

صمت الأنصاري لبرهة ثم قال بالسخرية ذاتها:
_لا يليق بك لقب النمر بعد اليوم، سأطلق عليك لقب الهر إنه يلائمك أكثر.
صاح النمر قائلاً:
_هل تسخر مني؟
فقال الأنصاري بابتسامة:
_أجل.

حاول النمر أن يحد من غضبه وقال:
_لمَ أمرتهم بعدم إدخالي إلى القصر؟
زفر الأنصاري بلا مبالاه وقال:
_لأنه انتهى عملك معي
جحظت عيني النمر وقال بصوت جهوري:
_ماذا تعني؟ لقد أفنيت عمري أعمل لديك والأن تنهي كل شيء بهذه الطريقة؟ هل هذا هو جزاء وفائي وولائي لك؟

نهض الأنصاري وسار نحو النمر وقال بغضب:
_أجل بالضبط، فحينما آمرك بمهمة ما ولا تفعلها فلا بد أن ينتهي عملك معي.
فقال النمر:
_لكنني أفعل كل ما تأمرني به!.
فقال الأنصاري بنبرة يملؤها الخبث:
_ماذا عن حور؟ لمَ لم تقتلها بعد؟

فصاح النمر بغضب:
_لأنها لاذت بالفرار من المشفى..
فاقتضب الأنصاري حديث النمر وقال:
_لذلك قتلت الطبيبة أليس كذلك؟
طأطأ النمر رأسه وقال:
_أجل.

صاح الأنصاري في وجه النمر وقال بغضب:
_منذ متى وأنت تفعل شيء من تلقاء نفسك؟
فقال النمر بنبرة يملؤها الخيبة:
_لم أكن لأقتلها، لكنها أبت أن تخبرني أين ذهبت حور.

زفر الأنصاري بقوة وقال:
_لقد صرت هدف واضح للشرطة، سيبحثون عنك وأنا لن أحميك هذه المرة، لقد أخليت مسئوليتي.
فقال النمر بعينين جاحظتين:
_هل ستتخلى عني يا سيدي؟

فقال الأنصاري:
_لم أكن لأفعل لولا سذاجتك، أغرب عن وجهي، لا أريد أن أراك ثانيةً.
فقال النمر بنبرة يملؤها الذل:
_سيدي أرجوك.
فرمقه الأنصاري بنظرة ثاقبة وقال:
_أنت لا تدرك ما الذي فعلته.

كاد النمر أن يتحدث فأشار له الأنصاري أن يصمت وقال هو:
_ليس قتل الطبيبة فقط، وإنما فرار حور، هذه الفتاة ممكن أن تتسبب في هلاك كياننا هل تعلم ذلك؟

فسرعان ما قال النمر:
_سأقتلها قبل أن يخطر ذلك بذهنها.
تبسم الأنصاري وقال:
_إن فعلت ذلك سأدعك تعود للعمل.
همّ النمر بالرحيل فأمسك الأنصاري بيده وقال:
_ليس هي فقط.

زفر النمر بقوة وقال:
_ماذا تقصد يا سيدي؟
قهقه الأنصاري بسخرية وقال:
_أقصد أنه عليك أن تقتل وهج أيضاً، هل تظنني لا أعلم أنهما كانتا في منزل مُهاب حينما تتبعتهما إلى هناك؟

جحظت عيني النمر وقال:
_هل لا تزال تراقبني؟
تبسم الأنصاري وقال:
_بالتأكيد، هل تظنني أحمق لأفعل غير ذلك؟ يمكنك الذهاب.

...

على صعيد آخر كان السيد عثمان قد وصل للتو إلى منزله وعلم من إحدى الخادمات أن وهج لا تزال خارج المنزل برفقة صديقتها!.
دلف السيد عثمان إلى غرفته وبدّل ثيابه ثم اتصل بوهج.

بعد قليل أجابت وهج قائلةً:
_أبي كيف حالك؟
فقال عثمان:
_أنا بخير يا عزيزتي ماذا عنكِ؟
تنهدت وهج وقالت:
_أنا بخير يا أبي لا تقلق.

زفر عثمان بقوة وقال:
_ما الأمر يا وهج؟ لمَ لم تعودي إلى المنزل حتى الآن إنها العاشرة مساءً!.
تنهدت وهج وقالت بنبرة يملؤها الأمل:
_سأعود يا أبي، لا تقلق وحينما أعود سأقص عليك كل شيء.

تبسم عثمان وقال:
_كوني حذرة يا عزيزتي، سأكون في إنتظاركِ.
قالت وهج:
_أحبك يا أبي إلى اللقاء.
فقال عثمان بابتسامة قبل أن ينهي المكالمة:
_أحبكِ أيضاً يا عزيزتي إلى اللقاء.

خرج عثمان غرفة فوجد آدم في انتظاره، فاتجه نحوه وقال بابتسامة:
_آدم كيف حالك يا بني؟
تبسم آدم وقال:
_بخير يا عمي ماذا عنك؟

جلس عثمان بجانب آدم وقال:
_أنا بخير يا بني.
صمت عثمان فجأة ووضع يده فوق قلبه وتعالت حشرجاته، فسرعان ما قال آدم بتساؤل:
_بماذا تشعر يا عمي؟

صار عثمان يسعل بقوة وقد خارت قواه وصار التنفس صعب جداً عليه.
نهض آدم وجعل عمه يستريح على الأريكة ثم صاح في الخدم وقال:
_اجلبوا الطبيب على الفور.

كانت حركة الخدم في المنزل سريعة ووجلة.
جثى آدم على ركبتيه عند رأس عثمان وقال بصوت خافت:
_لقد مرت الثمان ساعات يا عمي، ولم يتبقى سوى عدة دقائق حتى تزايل الحياة، لا تقلق سأنتبه على وهج..

اقتضب آدم حديثه حينما قهقه ثم أردف قائلاً:
_وكذلك ممتلكاتك ومنشآتك.
جحظت عيني عثمان ولكن لم يكن بمقدوره أن يتفوه بكلمة واحدة.
تنهد آدم بسعادة ثم همس في أذن عثمان قائلاً:
_لا بد أنك تتسائل ماذا أعني بالثمان ساعات أليس كذلك؟

تنهد آدم بسعادة عارمة وقال:
_إنه سم يا عمي، سم مستأصل من أفعى لا أذكر إسمها ولكنها مفيدة جداً بالنسبة لي، إنها حقاً رائعة فذلك السم لا يقتل الضحية على الفور وإنما بعد ثمان ساعات من تجرعه!.

صمت آدم لبرهة ثم استرسل بقوله:
_لا يمكنك أن تتخيل كم يبلغ ثمنه، إنه باهظ للحد الذي يجعلك تظن أنني أنفقت مالي كله في سبيل أن أحصل عليه.

اتسعت حدقتي عينين عثمان فسرعان ما قال آدم:
_لا تجعلني أشعر أنني شخص سيء، لكنني لم أعتاد الهزيمة لذا توجب عليّ أن أحصل على كل شيء بالحيلة وها هي أحلامي تتحقق أمامي، كم هذا شعور رائع، وكأنه يغذّي غريزة الإنسان التي تسعى دائماً للسلطة والجاه والمال.

تنهد آدم ثم قال:
_لا بد أنك تفكر متى وكيف وضعت لك هذا السم، أتذكر حينما جئت في الصباح فور خروج وهج وتلك الفتاة التي كانت برفقتها؟

صمت آدم بينما كان ينظر إلى عثمان ثم أردف قائلاً:
_لا بد أنك تتذكر، حينها دوعتني لكي نحتسي النبيذ معاً، أذكر كم كنت حزيناً لفراق زوجتك، تلك المرأة التي لا تكف عن ذكرها أمامي، حينها أصريت أن أجلب الكأسان لا بد أمك تتذكر ذلك أيضاً.

قهقه آدم بسخرية ثم قال:
_حينها وضعت لك السم في الكأس خاصتك، ذلك السم يسري في الجسد ولا يبدأ مفعوله سوى بعد مرور ثمان ساعات وحينما تخضع الجثة للفحص من الطبيب الشرعي يتبين له أنك قضيت نحبك بسبب أزمة قلبية ولن يشك أحد في الأمر.

حدّق آدم في الفراغ وقال:
_أليست خطة غاية في الذكاء؟
بدأت أنفاس عثمان تقل وكذلك خفقات قلبه إلى أن انتهى كل شيء وتوقف قلب عثمان عن الخفقان.

بعد قليل أتى الطبيب برفقة الخادمة بينما ادّعى آدم الحزن وصار يذرف دموع التماسيح.
قام الطبيب بفحص السيد عثمان وبعد قليل أخبرهم أنه قد توفي.

علا نحيب الخدم وكذلك آدم الذي كان يعد كل شيء للعزاء.
حاولت إحدى الخادمات أن تتصل بوهج لكي تخبرها بكل شيء لكن هاتف وهج كان مغلق!.

...

على صعيد أخر توقفت سيارة وهج أمام قسم الشرطة، قبل أن تترجل وهج من السيارة قالت حور بتساؤل:
_لمَ أغلقتِ هاتفكِ؟
زفرت وهج بقوة وقالت:
_لا أريد أن يتعقّبني أحد، هيا بنا يجب أن ننهي ما قد بدأناه.

ترجلت وهج من السيارة وكذلك حور واتجهتا نحو قسم الشرطة.
ما إن دلفا إلى القسم حتى صارا يتلفتان هنا وهناك فاتجه نحوهم ضابط وقال:
_هل يمكنني مساعدتكما؟
فقالت وهج:
_أين نجد الضابط جمال؟

فقال الضابط:
_إنه ليس هنا.
فسرعان ما قالت حور:
_أين يمكننا أن نجده؟
فقال الضابط بنبرة رسمية:
_لا يمكنني أن أدلكما، لكن على كل حال هو يأتي في الصباح، فقد غادر قبل ساعات.

فقالت وهج بنبرة يملؤها الحرج:
_نحو نود أن نلتقي به بشأن أمر هام جداً، لا يمكننا الإنتظار حتى الصباح أرجوك إن تتفهم الأمر.
تنهد الضابط وقال:
_حسناً يمكنكم الإنتظار هنا لدقيقتين.

ابتعد الضابط عن وهج وحور ثم أتى بعد عدة دقائق وقال وهو يمد يده بالهاتف نحو وهج:
_إنه الضابط جمال يمكنكِ التحدث إليه.
فسرعان ما التقفت وهج منه الهاتف وابتعدت عن الضابط وحور ثم قالت:
_مرحباً، الضابط جمال؟

فقال الضابط جمال:
_مرحباً، أجل أنا الضابط جمال، ما الأمر؟
تنهدت وهج وقالت بحذر:
_سيدي أريد أن ألتقي بك.
فقال جمال بتساؤل:
_لمَ؟

تنهدت وهج وقالت:
_أريد أن أتحدث إليك بشأن أمر هام جداً عن ذاك الذي يدعى النمر.
فسرعان ما قال الضابط جمال:
_النمر؟ هل أنتِ جادة؟.

قالت وهج بنبرة خافتة:
_لدي صديقة يمكنها إخبارك عنه الكثير، لقد كان يلاحقنا صباح اليوم لكننا تمكنا من الهرب بفضل الله.
تنهد جمال وقال:
_هل يمكنكما المجيء؟

فسرعان ما قالت وهج:
_بالطبع يا سيدي.
أخذت وهج عنوان منزل الضابط جمال ثم أعادت هاتف الضابط الأخر وجذبت حور من يدها وغادرا قسم الشرطة ثم استقلا السيارة ذهاباً إلى منزل جمال.

أثناء الطريق قالت حور بتساؤل:
_هل نحن حقاً سنذهب إلى منزل الضابط جمال؟
فقالت وهج بابتسامة:
_هذا ما كنا نبغِ.
فقالت حور وقد انتابها الذعر:
_لكنني أخشى أن لا يكون هذا الصواب.

ضمت وهج حاجبيها وقالت:
_طريق الحق دائماً يكون الصواب.
قهقهت حور بسخرية وقالت:
_وهل الذهاب إلى الشرطة هي الصواب؟.
فسرعان ما قالت وهج بينما كانت تنظر إلى الطريق أمامها:
_بالطبع، ماذا غير ذلك؟

فقالت حور بينما كانت تحدق في الفراغ:
_الشرطة لا تكون طوق النجاة دائماً، فقد تعلمت شيء هام، أنه إن أردتِ أن تنتقمي فعليكِ إتّباع رتم خصمكِ.
ضمت وهج حاجبيها وقالت:
_سنفعل ذلك إن لم يفلح الأمر مع الشرطة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي