قرين ميّت البارت الثاني عشر

"قرين ميّت" "البارت الثاني عشر"

أفاق النمر من شروده حينما رأى الطبيبة تمر من أمامه، فسرعان ما نهض واتجه نحوها قائلاً:
_أيتها الطبيبة.
فالتفتت إليه الطبيبة وما إن رأته حتى ارتعد جسدها، وتذكرت أنه كان يتوجب عليها العودة من حيث خرجت فقالت بتلعثم:
_أجل!.

ضم النمر حاجبيه وقال:
_ألا تتذكرينني؟ لقد التقينا قبل ساعة ونصف تقريباً، لقد جئت وبرفقتي حور فاقدة الوعي، الفتاة التي أجهضت، كيف حالها الآن؟.
فقالت الطبيبة بينما كانت تنوي الذهاب:
_لست أنا من أجرى لها العملية.

همّت الطبيبة بالذهاب لولا أن النمر أمسك ساعدها بقوة وقال بنبرة غاضبة:
_كيف وأنتِ من تسلم حالتها؟ أين حور؟.
فقالت الطبيبة بهلع:
_اترك يدي.

فضغط النمر على ساعدها بقوة وكاد أن يتحدث لولا أن صاحت الطبيبة فسرعان ما أتوا رجال الأمن وقال أحدهم:
_ما الأمر أيتها الطبيبة؟.
نظر النمر نحو رجال الأمن فأفلت يد الطبيبة وقال:
_لقد جلبت فتاة إلى هنا، أريد أن أطمئن عليها.

فقالت الطبيبة بنبرة حادة:
_كان يمكنك أن تطلب ذلك بطريقة مهذبة بدلاً من ما فعلته.
تنهد النمر وقال بينما كان يحاول أن يضمر غضبه:
_أريد أن أطمئن عليها.
تنهدت الطبيبة وقالت:
_إتبعني.

ذهبت الطبيبة إلى حيث الغرفة التي كانت حور محتجزة بها.
توقفت الطبيبة خارج الغرفة وقالت بينما أشارت نحو بابها:
_إنها هنا.
رمق النمر الطبيبة بنظرات يملؤها الشك، ورأت هي ذلك ولكنها تعمدت تجاهله.

دلف النمر إلى الغرفة فلم يجد حور في الداخل، فسرعان ما صاح بصوت جهوري بعدما اتجه نحو الطبيبة قائلاً:
_إنها ليست بالداخل، أين ذهبت.
فقالت الطبيبة بنبرة هادئة:
_ربما ذهبت.
علم النمر أن الطبيبة تكذب ولكنه غادر المشفى على الرغم من ذلك.

...

على صعيد أخر في منزل السيد عثمان الدميري.
كانت وهج مستغرقة في النوم حينما دق هاتفها بالرنين ولم يكف عن الرنين سوى حينما استيقظت وضغطت على زر قبول المكالمة دون أن تتحقق من إسم المتصل.

قالت وهج بصوت يغلبه النعاس:
_من المتصل؟!.
فقال آدم بنبرة هادئة:
_هل أخبرك أحد من قبل أن صوتكِ جذاب للغاية حينما تكونين نائمة؟.
جحظت عيني وهج ثم تحققت إسم المتصل فوجدته أدم!.

اعتدلت وهج وقالت بنبرة غاضبة:
_هل جننت؟ ماذا تريد أيها الفظ؟.
تنهد أدم وقال بنبرة يملؤها الحرج:
_وهج أنا فقط كنت..
فاقتضبت وهج حديثه وقالت بنبرة أكثر غضباً:
_ألا تفهم؟ لا أريد أن أستمع إلى صوتك حتى فلمَ تظل تلاحقني على الرغم من ذلك؟.

فصاح أدم قائلاً:
_انتظري قليلاً حتى أخبركِ بما لدي.
فقالت وهج بنبرة ساخرة:
_لا يهمني ما ستخبرني به، إحتفظ به لذاتك.
أنهت وهج المكالمة، ثم تحققت من الساعة فوجدتها الثانية عشر والنصف صباحاً!، فألقت الهاتف بعيداً ثم عادت لتغط في نوم عميق.

...

أمام منزل السيد عثمان الدميري كانت تقف سيارة أدم.
تمكنت حور من سماع الحديث الذي دار بين أدم ووهج عبر الهاتف، لم تتمكن من كتم ضحكاتها.
نظر أدم إلى الخلف نحو حور بغضب فصمتت ووضعت يدها فوق فمها.

ترجل أدم من السيارة وقال:
_هيا بنا.
ترجلت حور من السيارة وصارت تتأمل المنزل من الخارج.
تنهد أدم وتحدث إلى أحد الحراس بأنه يريد الدخول إلى المنزل وبالفعل أفسحوا له الطريق.

كان السيد عثمان لا يزال مستيقظ يعمل في غرفة المكتب الخاصة به حين طرق أدم باب الغرفة فأذن له عثمان بالدخول.
دلف أدم إلى الغرفة قائلاً:
_حمداً لله أنك مستيقظ.
نظر عثمان نحو أدم وقال بتعجب:
_أدم! ما الأمر؟.

تنهد أدم ثم اقترب من مكتب السيد عثمان وجلس قائلاً:
_هناك أمر هام، لقد التقيت بفتاة اليوم تزعم أنها تعرف وهج، حالتها يرثي لها، كانت تريد أن تلتقِ بوهج على الفور، فأتيت بها إلى هنا، وهاتفت وهج لكنها لم تستمع إليّ وأنهت المكالمة.

فقال السيد عثمان الدميري بتفهم بعدما نهض من مقعده:
_حسناً لا مشكلة، سأتحدث إلى وهج، أين تلك الفتاة؟.
فقال أدم بعدما نهض هو الأخر:
_إنها بالخارج يا سيدي، تنتظر أمام الغرفة.
أومأ عثمان برأسه فأردف أدم قائلاً:
_حسناً عليّ الذهاب.

غادر أدم بينما خرج عثمان من غرفة المكتب، وما إن رأى حور وكيف يبدو مظهرها حتى هرع نحوها بهلع وقال:
_ما الذي أصابكِ يا ابنتي؟ هل أنتِ بخير؟.
فسرعان ما قالت حور بابتسامة من فرط لطفه:
_لا عليك يا سيدي أنا بخير فقط لم أبدل ثيابي.

أومأ عثمان برأسه وقال:
_حسناً إجلسي هنا إلى أن أخبر وهج عنكِ.
أومأت حور برأسها وجلست بينما صعد عثمان إلى الطابق الثاني.
عدة طرقات على باب الغرفة، استيقظت وهج وقالت بنعاس:
_من الطارق؟.

فأتى صوت والدها من خلف الباب قائلاً:
_عزيزتي وهج، هل يمكنني الدخول؟.
فاعتدلت وهج وقالت:
_تفضل يا أبي.
دلف عثمان إلى الغرفة وجلس بجانب وهج وقال:
_عزيزتي، هناك أمر ما، هل يمكنكِ النهوض؟.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بعدما نهضت:
_ما الأمر يا أبي؟ هل أنت بخير؟.
فسرعان ما قال عثمان:
_أجل يا عزيزتي أنا بخير، فقط هناك أمر هام عليّ إخباركِ به.
فقالت وهج بتساؤل:
_أبي هيا أخبرني ما الأمر؟.

تنهد عثمان وقال:
_لقد جاء أدم قبل قليل و..
اقتضبت وهج حديث والدها وقالت بنبرة غاضبة:
_هذا المجنون لقد هاتفني قبل قليل، لا أدري ما هو ذلك الأمر الذي لا يحتمل الإنتظار للغد، ولم يكتفي بأنني أنهيت المكالمة معه بل جاء إلى المنزل!.

فقال عثمان بنبرة حادة:
_إنتظري حتى أخبركِ ما الأمر إنه هام للغاية.
ضمت وهج حاجبيها وقالت:
_حسناً، هيا أخبرني.

فقال عثمان بنبرة ممزوجة بالحزن على حالة تلك الفتاة:
_بينما كان أدم يغادر المؤسسة إلتقى بفتاة برفقة طبيبة، تلك الفتاة أكدت على أنها تعرفكِ جيداً، وحينما هاتفكِ أدم كان ينوي إخباركِ بأمر تلك الفتاة.

فقالت وهج بتعجب:
_حقاً!، أكمِل ما الذي حدث عقب ذلك؟.
فقال عثمان بنبرة أكثر حزناً:
_وحينما أبيْتِ أن تستمعي إليه جاء بها إلى هنا.
فقالت وهج بعدم فهم:
_لم أفهم بعد، ماذا بها تلك الفتاة؟.

فقال عثمان:
_أفضّل أن تلتقي بها وتتحدثي إليها، ثيابها مليئة بالدماء.
فقالت وهج بتفهم:
_سألتقي بها.
ذهب عثمان إلى غرفته كي ينال قسطاً من الراخة بينما نهضت وهج وهبطت إلى الطابق الأرضي.

اقتربت وهج من الفتاة وقالت:
_مرحباً.
فنهضت الفتاة ونظرت نحو وهج وقالت ببكاء:
_أنتِ وهج أليس كذلك؟.
ضمت وهج حاجبيها وقالت بتساؤل:
_هل التقينا من قبل؟.

فقالت حور وهي تحرك رأسها نفيا:
_لا، لم نلتقِ من قبل أبداً.
فقالت وهج بنبرة هادئة:
_واثقة من أنني رأيتكِ من قبل..
اقتضبت وهج حديثها حينما نظرت إلى ثياب حور.

أمسكت وهج بيد حور وقالت بينما كانت تتجه نحو الدرج:
_ستأتي برفقتي الآن، يجب أن تستحِمي حتى تبدلي ثيابكِ وتنالي قسطاً من الراحة.
فقالت حور:
_فقط أريد أن أخبركِ أنني..
فاقتضبت وهج حديثها وقالت:
_هناك دائما وقت لتبادل أطراف الحديث، هيا بنا.

تنهدت حور بقلة حيلة وصعدت برفقة وهج.
بعد أن تحممت حور وبدلت ثيابها خرجت من المرحاض، كانت قد تخلصت من علامات الإجهاد التي كانت تكسوا وجهها، ما إن رأتها وهج حتى صاحت بذهول:
_يا إلهي لا أصدق، أنتِ شقيقة مُهاب!!.

شهقت وهج بالبكاء بينما اغرورقت عيني حور، هرعت وهج نحو حور واحتضنتها كما لم تحتضن أي أحد من قبل.
قالت وهج بصوت متهدج:
_يا إلهي! لا أصدق.
ابتعدت وهج عن وقالت:
_أنتِ حور أليس كذلك؟.

فأومأت حور برأسها قائلةً ببكاء:
_أجل أنا حور، كنت أريد أن أخبركِ بذلك حينما كنا بالأسفل لكنكِ لم تسمحي لي!.
قالت وهج بدهشة:
_كيف تعلمين بأمري؟ قصي عليّ كل شيء، يا إلهي لا أصدق!!.

جلست وهج وكذلك حور وصارت تتبادلان أطراف الحديث، وما إن انتهوا حتى شهقت وهج بفزع وقالت:
_النمر أخبركِ بأنه قام بإنقاذكِ؟.
فأومأت حور برأسها وقالت:
_أجل، ومنذ ذلك الحين وهو يهتم بي، وحينما صرت فتاة بالغة أحبني، أو هذا ما كنت أظنه!.

فقالت وهج ببكاء:
_يؤسفني إخباركِ بذلك، لكن النمر كان برفقة رجلين أخرين وهما اللذان قتلا والديكما أنتِ ومُهاب، لقد أخبرني مُهاب بذلك، لقد رأى كل شيء بأم عينه، أراد العثور عليكِ هذا ما دفعه لما صار عليه.

علا نحيب حور وصارت تلقي اللوم على عاتقها بقولها:
_أنا السبب في كل ما لحق به، لقد أخطأت، أتمنى لو يسامحني، لقد أخطأت في حقه كثيراً.

ربتت وهج فوق كتف حور وقال ببكاء:
_جميعنا أخطأنا في حقه.
بعد مرور بعض الوقت غطت حور في ثبات عميق بعد يوم شاق، بينما ظلت وهج مستيقظة لوقت أطول.

...

في المشفى
انتهت الطبيبة من عملها، كانت تشعر بإرهاق شديد لا تصدق متى ستعود إلى المنزل حتى تغط في نوم عميق.
قبل أن تطأ قدمها خارج المشفى تلقت مكالمة من ابنتها ذات الإثني عشر عاماً.

ضغطت الطبيبة على زر قبول المكالمة وقالت بصوت يملؤه الإجهاد:
_عزيزتي ها أنا آتية.
فقالت ابنتها بنبرة يملؤها الحزن:
_لقد انتظرتكِ طويلاً، فقد أعددت لكِ شطيرتكِ التي تحبينها.

تبسمت الطبيبة وقالت:
_أنتِ أعددتِها أم جدتكِ؟.
فقالت الفتاة بحرج:
_لقد ساعدتي جدتي قليلاً.
قهقهت الطبيبة وقالت:
_حسناً حسناً سآتي على الفور.

أنهت الطبيبة المكالمة ثم غادرت النشفى وصعدت إلى سيارتها وأدارت محركها لكي تعود إلى المنزل.
توقفت سيارة الطبيبة أمام منزلها، ترجلت من السيارة ثم اتجهت نحو المنزل ودلفت إليه.
بعد مرور ما يقارب إلى دقيقتين دق باب المنزل!.

تعجبت الطبيبة فلم تتمكن من الصعود إلى الطابق الثاني، اقتربت من الباب وقامت بفتحه.
جحظت عيني الطبيبة وقالت بنبرة غاضبة:
_أنت؟ هل تلاحقني؟.
فقال النمر بنبرة يملؤها الجمود:
_أين حور؟.

فصاحت الطبيبة في وجهه وقالت:
_لقد أخبرتك أنني لا أعلم.
فأخرج النمر سلاحه من جيب معطفه وقد كان به كاتم للصوت، أطلق النار على قدم الطبيبة التي دوى صياحها في المنزل بالكامل.

سقطت الطبيبة أرضاً وصاحت بقولها:
_أركضا، إنه النمر.
سمعت الفتاة صوت والدتها فسرعان ما هرعت نحو أخيها ذو الثلاثة أعوام ودلفت إلى خزانتهما وأوصدتها ثم وضعت يدها فوق فم أخيها وهمست في أذنه ببكاء:
_لا تصدر أي صوت.

سار النمر إلى الأمام وصار يتفقد جميع الغرف وكل مكان، بينما كانت الطبيبة تزحف خلفه بصعوبة من شدة الألم.
دلف النمر إلى غرفة والدة الطبيبة التي كانت مستغرقة في النوم، فصاحت الطبيبة بهلع:
_لا أرجوك، أمي، أمي.

فتراجع النمر خطوتين وقال:
_إذاً ستخبريني عن مكان حور!!.
فقالت الطبيبة ببكاء:
_لا أعرف.
فأشار لها النمر بقلة حيلة ثم دلف غرفة والدتها وصوّب بسلاحه نحو رأسها ومن ثَم أطلق النار وغادر الغرفة.

حينما رأته الطبيبة صاحت بقولها:
_عليك اللعنة، عليك اللعنة.
اتجه النمر نحو غرفة الأطفال، صُعقت الطبيبة حينها وحاولت النهوض وبالفعل تمكنت من ذلك، صارت تتحامل على قدما التي لم تصاب فيها.

صارت الطبيبة ببطء خلف النمر بعدما أمسكت بمطرقة كانت تقبع أسفل الأريكة.
دلف النمر إلى غرفة الأطفال.
زحف نظره في أرجاء الغرفة فلم يجد أحد، فاتجه نحو الفراش وأزاح الأغطية فلم يجد أحد.

زفر النمر بغضب ثم جثى على ركبتيه وألقى نظرة أسفل الفراش فلم يجد أحد!.
نهض ثانيةً ثم اتجه نحو الخزانة وما إن قام بفتحها حتى صارت الطبيبة خلفه مباشرة وتهِم بأن تسدد له ضربه قوية على رأسه بالمطرقة، ولكن قبل أن تتمكن من فعل ذلك التفت إليها وأطلق النار صوب رأسها فسقطت صريعة.

كانت الفتاة الصغيرة أسفل الأغطية القابعة داخل الخزانة لذلك لم يتمكن النمر من رؤيتهما بينما تمكنت الفتاة من رؤية كل شيء وقبل أن يرى أخيها خبّأت وجهه، وقبل أن تشهق بفزع وضع شقيقها يده فوق فمها.

غادر النمر منزل الطبيبة وسمعت الفتاة صوت سيارته فعلمت أنه غادر.
هرعت الفتاة خارج الخزانة بينما كانت تحمل شقيقها.
جثت على ركبتيها بجانب والدتها دون أن تتفوه بكلمة واحدة بينما كانت الدموع تنهمر من عينيها بحرارة.

ابتعد الصغير عن شقيقته واتجه نحو والدته وقال بعدما نام بجانبها:
_أمي، هل ستكملين لي قصة الأمس، قصة الجميلة والوحش؟.
ما إن سمعت الفتاة حديث أخيها حتى شهقت بالبكاء وجذبته نحوها واحتضنته ومن ثم نهضت وهرعت إلى غرفة جدتها.

لم تتمكن من دخول الغرفة لأنها علمت بشأن موتها بمجرد رؤية الدماء التي كانت تنسال من الفراش!.
هرعت الفتاة إلى منزل جارتهم الذي يقع على بُعد عشرون متراً من منزلهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي