قرين ميّت البارت الحادي عشر

"قرين ميّت" "البارت الحادي عشر"

تبسم الأنصاري وقال بنبرة هادئة:
_أريدك أن تتخلص من مُهاب.
جحظت عيني النمر وقال بتعجب:
_حقاً! هل تريدني أن أقتله يا سيدي؟.
أشاح الأنصاري بنظره بعيداً ثم قال:
_لقد تمتع بالحياة أكثر مما ينبغي، كفى.

فتذكر النمر العهد الذي قطعه لحور، فعلى الرغم أنه يبغض مُهاب وينتظر اليوم الذي سيقضي نحبه فيه إلا أن حور من الممكن أن تتركه إن علمت بشيء كهذا!.
لوّح الأنصاري بيده أمام وجه النمر فسرعان ما انتبه إليه.

ضم الأنصاري حاجبيه وقال بنظرات يملؤها الشك:
_هل المهمة شاقة؟ أتود أن أرسل شخصاً أخر ليقوم بها؟.
فقال النمر بنبرة جامدة:
_لا يا سيدي، أنا سأفعل، فبذلك سأبرهن لك أنني ما زلت رجلك الذي تثق فيه.

تنهد الأنصاري ثم سار بضع خطوات وقال بشرود:
_إنه يحمي وهج بينما هو داخل المصحة، أنا لا أكترث لأمر الفتاة بقدر اكتراثي لعصيانه أمري، أي حب هذا! الحب سيودي به إلى الجحيم ولست آسفاً على ذلك.

صمت الأنصاري لبرهة ثم أردف بقوله:
_أما بالنسبة لحور..
جحظت عيني النمر ولكنه قال:
_ماذا عنها يا سيدي؟ هل تريد أن أتخلص منها؟.
فأشار الأنصاري برأسه نفياً وقال:
_لالا، ليس تحديداً، لكن وجود طفل تكونان أنتما أبويه هذا شيء يثير غضبي.

أومأ النمر برأسه وقال:
_سأفعل كل ما تأمرني به يا سيدي.
تبسم الأنصاري بخبث وقال:
_لنضع أمر حور جانباً الأن، انتظر حتى تخبرك هي بأمر الجنين، دعنا نتحدث الآن عن أمر أخيها.

اتجه الأنصاري نحو فراشه ثم التقط حقيبة كانت بجانبه.
اتجه الأنصاري نحو النمر ثانيةً ووضع الحقيبة بين يديه وقال:
_تفقد هذه الحقيبة.
فقام النمر بفتح الحقيبة وما إن رأى المفجر الذي بداخلها حتى جحظت عيناه فقد فوجيء بذلك!.

نظر النمر نحو الأنصاري وقال بدهشة:
_سيدي..
فاقتضب الأنصاري حديثه وقال بابتسامة:
_ستدك المصحة دكاً، حينها سينتهي أمر مُهاب وإلى الأبد.

فسرعان ما قال النمر بالدهشة ذاتها:
_لكن يا سيدي إن فعلت ذلك سيموت الكثير، ليس الكثير بل كل من داخل المصحة سيلقى حتفه!.
قهقه الأنصاري بسخرية وقال:
_هذا ما أريده بالضبط، هل ستفعل أم أكلف غيرك بهذه المهمة؟.

فطأطأ النمر رأسه وقال:
_متى تريدني أن أقوم بذلك ياسيدي؟.
اتسعت ابتسامة الأنصاري وقال:
_بعد الغد، وبعد إتمام المهمة لا تعود إلى القصر إلا بعد مرور يوم كامل.
أومأ النمر برأسه وقال بعدما أغلق الحقيبة:
_أمرك يا سيدي.

أفاق النمر من شروده حينما كاد أن يصدم بسيارة لولا أنه أدار المحرك وابتعد عن تلك السيارة.
أوقف النمر سيارته على قارعة الطريق بعدما تسارعت أنفاسه، نظر نحو المقعد الخلفي حيث كانت حور فاقدة الوعي.

أخذ النمر شهيقا عميقا ثم زفره بقوة وأدار المحرك ثانيةً.
ما إن وصل النمر أمام المشفى حتى ترجل من السيارة وحمل حور بين يديه ثم دلف إلى المشفى.

رأته طبيبة فهرعت إليه وقالت بتساؤل:
_ماذا بها؟.
فقال النمر بنبرة يملؤها الجمود:
_لقد سقطت من أعلى الدرج.
لاحظت الطبيبة الدماء التي تنسال منها فقالت بهلع:
_يا إلهي! يبدو أنها تجهض!!..

اقتضبت الطبيبة حديثها وصاحت باثنين من الممرضات لكي يجلبوا لها سرير نقال لكي يأخذوا حور إلى غرفة العمليات.
نظرت الطبيبة نحو النمر وقالت بينما كان يضع حور فوق السرير النقال:
_هل أنت زوجها؟.
تجاهل النمر سؤال الطبيبة واتجه نحو الحسابات وترك حفنة من النقود ثم انتظر عند الإستقبال.

تم إدخال حور إلى غرفة العمليات وأجروا لها عملية الإجهاض.
كانت حور داخل غرفة معتمة، مقيدة بسلاسل من حديد بينما كانت تجلس فوق مقعد، كانت الدماء تنسال من أماكن متفرقة من جسدها.

كانت حور تصيح بأعلى طبقات صوتها طلباً للمساعدة ولكن لم يذعن أحد!.
فجأة أضاءت الغرفة فرأت مرآة أمامها بعرض الحائط، وما إن نظرت إلى تلك المرآة حتى رأت مُهاب يقف خلفها مباشرةً!.

تسارع خفقان قلبها وتجمدت الدماء في عروقها، وقبل أن تفكر في أي شيء إقترب منها مُهاب وجذبها من خصيلات شعرها بقوة وهمس في أذنها بقوله:
_أنتِ السبب في موتي يا حور، أنتِ ضحيتِ بي من أجل حب ذلك اللعين، لو لم تفعلي كنت لأبقى على قيد الحياة الآن.

فقالت حور ببكاء:
_لم أفعل شيء يا أخي، لقد خشيت ألا تقبل بعلاقتي به فآثرت التواجد معه، أنا حقاً آسفة، أرجوك سامحني.
فقال مُهاب بصوت جهوري وغضب مدقع:
_أسامحكِ؟!! هل أنتِ جادة يا حور؟ كيف أفعل ذلك؟.

قالت حور وقد تعالت حشرجاتها:
_لم أكن أعلم أن ذلك سيحدث، ظننت الأمر سهلاً، لكنني كنت مخطئة، أرجوك سامحني.
تبسم مُهاب بسخرية وقال:
_حتى وإن فعلت فلن يغير ذلك من موقفكِ شيء، لقد عوقبتِ بالفعل يا حور.

فتذكرت حور أمر الجنين فتعالت صيحاتها وهي تقول:
_أنا أسفة حقاً آسفة.
ابتعد مُهاب عن حور التي ظلت تهتف بإسمه كثيراً ولكنه لم يذعن.

كانت حور تحرك رأيها بوهن يميناً ويساراً فسرعان ما اقتربت منها الطبيبة وربتت فوق رأسها برفق وقالت:
_تُرى ما الذي أصابكِ!!.
استيقظت حور فجأة وكان صدرها يعلو ويهبط بقوة، صارت تتلفت هنا وهناك بزعر.

تبسمت الطبيبة وقالت بوجه بشوش بينما كانت تربت فوق رأس حور:
_حمداً لله على سلامتكِ، أنتِ الآن بخير.
فقالت حور بصوت متهدج بينما وضعت يدها فوق بطنها:
_ماذا عن الجنين؟.

طأطأت الطبيبة رأسها وقالت بنبرة يملؤها الحزن:
_أنا حقاً آسفة، لم نتمكن من إنقاذ الجنين، حينما أتيتِ إلى هنا كان قد انتهى أمره.
صمتت الطبيبة لبرهة ثم أردفت بقولها:
_من ذاك الذي أتى بكِ إلى هنا؟ هل هو زوجكِ؟.

جحظت عيني حور وتذكرت كيف ركلها النمر حتى يتخلص من الجنين.
أشارت الطبيبة بيدها أمام عيني حور قافلة:
_أيتها الفتاة!؟ هل هو زوجكِ؟.
فسرعان ما قالت حور ببكاء:
_لا إنه ليس كذلك، أرجوكِ أريد أن أخرج من هنا.

فقالت الطبيبة بتساؤل:
_فقط أخبريني ما الأمر؟.
فقالت حور ببكاء:
_هو من قتل الجنين، هو من فعل ذلك، لا أريد ان أراه ثانيةً أرجوكِ ساعديني.

فقالت الطبيبة بنبرة حادة:
_حقاً! لقد أخبرنا أنكِ سقطتِ من أعلى الدرج!، سوف أتصل بالشرطة لكي تعتقله.
فسرعان ما قالت حور:
_لن يتمكنوا من الإمساك به، إنه رجل خطير للغاية، أريد أن ألوذ بالفرار أرجوكِ.

فقالت الطبيبة بنبرة تملؤها الشفقة:
_إلى أين ستذهبين؟ يمكنني أن أتصل بأحد أقربائكِ إن أردتِ، حالتكِ لا تسمح بأن تخرجي، ستشعرين بالدوار، لقد نذفتِ الكثير من الدماء، لديكِ إنفخاض في ضغط الدم، يجب أن نتصل بعائلتكِ لكي يأتي أحدهم ويقلك إلى المنزل.

اغرورقت عيني حور وقالت بعدما ازداد نحيبها:
_ليس لدي عائلة، لقد قضوا نحبهم جميعاً، ليس لدي عائلة ولا أقرباء ولكنني سأكون آمنة طالما بعيدة عن ذلك الوحش.

فقالت الطبيبة بنبرة هادئة:
_لا يمكنني السماح لكِ بالخروج طالما لا تعرفين وِجهتكِ.
طأطأت حور رأسها بقلة حيلة وكادت أن تفقد الأمل لولا أن تذكرت وهج الفتاة التي كان مُهاب متيّم بها.

نظرت حور نحو الطبيبة وقالت بنبرة يملؤها الأمل:
_لقد علمت أين يمكنني الذهاب، هل ستساعدينني؟.
فقالت الطبيبة بوجه بشوش:
_بالطبع عزيزتي، إلى أين تودين الذهاب؟.

تنهدت حور وقالت:
_إلى منزل السيد عثمان الدميري.
ضمت الطبيبة حاجبيها وقالت بتساؤل:
_تقصدين رجل الأعمال؟.
فقالت حور:
_بالتأكيد هو كذلك، هل يمكنكِ أن تقليني إلى منزله؟.

فقالت الطبيبة بتساؤل وحرج:
_لا أقصد التدخل في أموركِ ولكن من أين تعرفينه؟.
فكرت حور قليلاً ثم قالت:
_ليس هو وإنما ابنته.

تنهدت الطبيبة وقالت:
_أذكر أنني رأيت إعلاناً عبر الجريدة ينص على أن مؤسسته تحتاج إلى عاملين، سأوصلكِ إلى السيد آدم وهو بدوره سيأخذكِ إلى ابنة السيد عثمان إنها يقربها.
فقالت حور:
_أي أحد ولكن أرجوكِ قومي بابعادي عن ذلك الوحش.

نهضت حور بمساعدة الطبيبة وخرجت من الغرفة ثم اتجهتا إلى الدرج الخلفي للمشفى ثم هبطا إلى الطابق الأسفل وغادرا المشفى.
أوقفت الطبيبة سيارة أجرة.
حينما توقف السائق ونظر باشمئزاز إلى ثياب حور التي كانت متسخة بالدماء فتركهم وذهب.

نظرت حور نحو الطبيبة وقالت بعينين مغرورقتين:
_هل تبدو حالتي بهذا السوء؟.
فربتت الطبيبة فوق يد حور وقالت:
_لا عليكِ سنجد سائق غيره.

بعد قليل توقف سائق يفوق عمره الخمسون عاماً وحينما رأى حالة حور سرعان سمح لهم بصعود سيارته، فأخبرته الطبيبة بإسم المؤسسة وبالفعل أوصلهم إلى هناك.
ترجلت حور والطبيبة من السيارة أمام المؤسسة مباشرةً.

قبل أن تهمّا بالدخول إلى المؤسسة خرج آدم منها، نظرت الطبيبة نحو حور وقالت بابتسامة:
_هذا هو السيد آدم.
اقتربت منه الطبيبة وقالت:
_سيد آدم، هل يمكنني أن أتحدث إليك؟.

نظر أدم نحو الطبيبة بتعجب وقال:
_أجل، ما الأمر؟.
فنظرت الطبيبة نحو حور وأشارت لها بأن تقترب منها.
بعد أن إقتربت حور ووثبت بجانب الطبيبة، نظر آدم نحوها ولم يبدي عن مدى اشمئزازه من مظهرها.

تنهدت الطبيبة وقالت:
_هذه الفتاة ليس لديها عائلة أو أقرباء وحمداً لله أنها على قيد الحياة..
فاقتضب آدم حديث الطبيبة وقال:
_أجل أجل لقد فهمت.
وضع آدم يده في جيبة وأخرج بعض النقود ومد يده بها نحو حور.

نظرت حور نحو النقود ثم نظرت نحو الطبيبة بغضب.
فقالت الطبيبة:
_لا يا سيدي، الأمر ليس كذلك، هي فقط..
فاقتضب آدم حديثها ثانيةً وقال:
_بلى هو كذلك، ألا ترين حالتها؟ كم هي مثيرة للشفقة.

نفذ صبر حور وصاحت في وجهه قائلةً:
_ألا تفهم! لقد أخبرتك الطبيبة أن الأمر ليس كذلك، فقط استمع إليها بدلاً من إساءت الفهم هكذا، كيف تكون تعمل في مثل هذه المؤسسة وأنت لا تملك نصيباً من الصبر حتى!.

جحظت عيني آدم فنظر نحو الطبيبة وقال:
_من هذه!.
فسرعان ما قالت الطبيبة:
_هذه الفتاة تكون صديقة ابنة السيد عثمان الدميري، فقط تريد أن تلتقي بها ليس إلا.

لم يكترث أدم وقال:
_حسناً إصعدا للسيارة، ولكنني لا أظن أن وهج لديها صديقات من هذا المستوى.
جحظت عيني حور وقالت بغضب:
_ماذا تقصد؟ هل لأنني في بلاء ولست على ما يرام تتحدث عني بهذه الطريقة، أنت حقاً لا تعرف شيء عن إحترام الناس.

ضم أدم قبضته بغضب ولكنه تمالك نفسه وقال:
_اصعدا إلى السيارة.
فقالت الطبيبة:
_ستصعد هي فقط لأنني لا بد أن أعود إلى المشفى.

همّت الطبيبة بالرحيل فأمسكت حور بيدها قائلة:
_لا تتركيني أرجوكِ.
فقالت الطبيبة بابتسامة:
_لا تقلقي يبدو أنه رجل صالح، لن يؤذيكِ.

ذهبت الطبيبة بينما صعدت حور إلى سيارة أدم بعدما صعد هو.
أدار أدم المحرك وأثناء الطريق تمتم يكاد مسموعاً بالنسبة لحور:
_تباً، سيتعين عليّ إرسال السيارة لكي يتم تنظيفها.

جحظت عيني حور فقالت بغضب:
_ماذا تقول؟.
فقال أدم دون أن يلقِ بالاً لها:
_صوتكِ يثير غضبي، رجاءً ظلي صامتة إلى أن نصل.
بلغ غضب حور ذروته ولكنها آثرت الصمت حتى تلتقي بوهج، فليس لديها مكان أخر لتذهب إليه.

...

على صعيد أخر تحديداً في المشفى، كان النمر ينتظر في الإستقبال، كان ينوي أن ينهض لكي يستفسر عن حالة حور ولكنه فوجيء برنين هاتفه وقد كان الأنصاري.
تنهد النمر ثم ضغط على زر قبول المكالمة وقال:
_مرحباً يا سيدي.

فقال الأنصاري بنبرة حادة:
_هل فعلتها؟.
فقال النمر بنبرة غاضبة بعض الشيء:
_بركلة واحدة يا سيدي.
تعالت قهقهات الأنصاري قائلاً:
_هل لا تزال على قيد الحياة؟.

فقال النمر بنبرة يملؤها الجمود:
_لقد كانت فاقدة الوعي، لا أعلم كيف حالها الآن، سألتقي بالطبيبة وأسألها عن حالة حور.
فقال الأنصاري بجمود:
_إذاً فلتسرع، لدينا عمل عاجل، بعد ثلاث ساعات سيتعين عليك الذهاب لتسليم البضائع.

تنهد النمر وقال:
_سأكون هناك في الموعد يا سيدي.
فقال الأنصاري بنبرة ساخرة:
_نسيت ان أخبرك، نحن لسنا بحاجة للفتاة التي تدعى حور، كان بإمكانك التخلص منها، لا تزال بإمكانك ذلك.

زفر النمر بقوة وقال:
_سأفعل كل ما تأمرني به يا سيدي.
أنهى النمر المكالمة وهو في حيرة من أمره، لقد أحب حور حقاً، أحب كل شيء يتعلق بها، فهو من قام باختطافها وهو من اعتنى بها منذ ذلك الحين!.

أحب برائتها وطفولتها وتمردها، أحب ابتسامتها التي جعلته يتيّم بها، كيف له أن يقتلها؟! لقد تلوثت يداه بدماء الكثير من الأشخاص وقد كان أكثيرهم أبرياء لكنه لا يستطيع أن يلوث يداه بدمائها، لا يمكنه فعل ذلك!.

الأمر لا يتعلق بحور فقط، أي لا يمكنه معصية أوامر الأنصاري لأنه بإشارة واحدة منه ستُقتل زوجة النمر وكذلك أطفاله!.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي