قرين ميّت البارت الثالث عشر

"قرين ميّت" "البارت الثالث عشر"

في صباح اليوم التالي، استيقظت حور فوجدت وهج مستيقظة.
تبسمت حور وقالت:
_صباح الخير.
فقالت وهج بابتسامة:
_صباح الخير، كيف حالكِ اليوم؟.

اعتدلت حور وقالت:
_لم أحظي بنومة هانئة كهذه من قبل.
قهقهت وهج وقالت:
_حمداً لله.
همّت وهج للنهوض فقالت حور بتساؤل:
_هل كنتِ مستيقظة طوال الليل؟.

تنهدت وهج وقالت:
_أجل.
ضمت حور حاجبيها وقالت بتساؤل:
_لمَ؟.
فقالت وهج:
_لا أعلم.
تنهدت حور وقالت بحرج:
_هل يمكنني أن أطلب منكِ شيء ما؟.

تبسمت وهج وقالت:
_بالطبع يا عزيزتي، ماذا تريدين؟.
نهضت حور وقالت:
_أريد أن أذهب إلى منزل أخي.
سرت قشعريرة في جسد وهج فقالت:
_ألا تعرفينه؟.

زفرت حور بقوة وقالت:
_للأسف لا، لأن أخي أراد أن يحظي بحياة هادئة بعيد عن العمل، ولأنني أبيت الذهاب برفقته فلا أعلم أين يكمن منزله!، أنتِ تعرفينه أليس كذلك.

تبسمت وهج بتذكر وقالت:
_على الرغم من أنني لم أذهب إلى هناك البتة ولكنني أعرف الطريق جيداً، لقد أعطاني مُهاب مفتاح المنزل وعلى الرغم من ذلك فلم أتمكن من الذهاب إلى هناك طوال عامين كاملين.

اغرورقت عيني وهج وكذلك حور التي قالت:
_هل يمكننا الذهاب؟.
تبسمت وهج وقالت:
_متى تشائين.
فقالت حور بحماس:
_ما رأيكِ في أن نذهب الأن؟.
فقالت وهج بالحماس ذاته:
_بالطبع هيا بنا.

استعدت وهج للخروج وكذلك حور، وما إن هبطا إلى الطابق الأسفل حتى فوجئا بالسيد عثمان يتناول الإفطار، وما إن رآهم حتى قال:
_صباح الخير، كيف حالكما؟.
فقالت حور بابتسامة:
_بخير يا سيدي.

أمسكت وهج بيد حور وقالت بينما كانت تجذبها نحو باب المنزل:
_نحن بخير يا أبي لكن علينا أن نذهب الآن وداعاً.
فقال عثمان بتساؤل:
_ما الأمر؟ إلى أين ستذهبان؟ أليست الفتاة مريضة؟.

فقالت حور بابتسامة:
_صرت على ما يرام يا سيدي.
فقال عثمان:
_ألن تتناولان إفطاركما؟.
فقالت وهج قبل أن تخرج من المنزل:
_سنتناوله في الخارج يا أبي لا تقلق.
صعدت حور إلى السيارة برفقة وهج التي أدارت المحرك وسرعان ما رحلت.

صدق من قال أن الندم لا ينفع، يجلب الحزن والكمد إلى صاحبه، فحينما يدرك المرء أنه أخطأ في شيء ما ولا يمكنه التراجع عنه بالطبع سيعض على أنامله ندماً!.

توقفت سيارة وهج أمام متجر، فترجلت من السيارة وابتاعت بعض الأطعمة والعصائر والمشروبات الغازية، ثم صعدت إلى السيارة ثانيةً وأدارت محركها.
توقفت السيارة أمام منزل مُهاب مباشرةً، ارتعد جسد وهج بقوة.

ترجلت وهج من السيارة وألقت نظرة على المنزل من الخارج، رأت كيف كانت ستبدو حياتهما هي ومُهاب بعد الزواج، وكذلك تذكرت مخططاتهما للإستمتاع بحياتهما قدر المستطاع.

انتبهت وهج من شرودها حينما ربتت حور فوق كتفها وقالت:
_هيا بنا يا وهج، لديكِ مفتاح المنزل أليس كذلك؟.
فقالت وهج بعينين دامعتين:
_بالطبع.

أخرجت وهج مفتاح المنزل من حقيبتها ثم التقفت بعض الأشياء التي ابتاعتها قبل قليل وكذلك حور.
إتجها إلى المنزل ثم قامت وهج بفتحه ثم دلفت هي وحور.

...

على صعيد آخر حيث منزل الطبيبة
كانت الشرطة تملأ المنطقة وكان يوجد سيارتيْ إسعاف، بينما كانت الفتاة الصغيرة وشقيقها برفقة جارتهم.
اتجه المحقق نحو الفتاة وجثى على ركبيته أمامها وقال بنبرة يملؤها الرفق:
_مرحباً عزيزتي.

فقالت الفتاة من بين شهقاتها:
_مرحباً أيها الضابط.
تنهد الضابط وقال بنبرة حزينة:
_أسف جداً لحق بوالدتكِ وجدتكِ.
فاغرورقت عيني الفتاة بينما قال شقيقها ببكاء:
_هل تألمت أمي؟ هي دائماً تخشى أن نتألم، لا بد أنها تألمت كثيراً.

اغرورقت عيني الضابط وجذبهما نحوه وضمهما إلى صدره ثم أشار لجارتهم وقال:
_هل يمكنكِ أخذ الصغير بعيداً؟.
أومأت الجارة برأسها ثم أمسكت بيد الصغير وقالت:
_عزيزي هل تود أن تلهو برفقة إبني؟ إنه ينتظرك.

فنظر الطفل نحو شقيقته فقالت له:
_يمكنك الذهاب، انتبه إلى نفسك.
ذهب الطفل برفقة الجارة بينما نظر الضابط نحو الفتاة وقال بابتسامة:
_ما اسمكِ يا عزيزتي؟
تنهدت الفتاة وقالت:
_أدعى "غرام".

تبسم الضابط وقال:
_إسمكِ جميل جداً، أنا أدعى الضابط "جمال".
أومأت غرام برأسها بينما استرسل الضابط جمال بقوله:
_ما حدث لوالدتكِ وجدتكِ مؤلم للغاية، خاصةً لأنكما لا تزالا طفلين، لذا يجب أن نُعاقب من فعل ذلك.

فقالت غرام ببكاء:
_لكن العقاب لن يعيدهما.
فسرعان ما قال جمال:
_لكن لا يمكننا تركه هكذا، ماذا سنفعل إن أذى عائلات أخرى؟!.

شردت غرام بينما أردف جمال بقوله:
_أريدكِ أن تقصي عليّ ما حدث بالضبط، التفاصيل الصغيرة ستفيدنا كثيراً، لا بد أن ذلك صعب عليكِ لكن يجب ذلك.
نظرت غرام نحو الضابط جمال وقالت:
_سأقص عليك كل ما حدث.

أخذت غرام شهيقاً عميقاً ثم جلست أرضاً بجانب الضابط فجلس مثلها بينما قالت هي:
_كنت أنتظر والدتي حتى تعود من المشفى، لقد اتصلت بها لأنها تأخرت كثيراً وأخبرتني أنه ستغادر المشفى في الحال.

اقتضب الضابط جمال حديثها قائلاً بتساؤل:
_كم كانت الساعة حينذاك؟
فقالت غرام بتذكر:
_ربما الثانية عشر صباحاً لا أتذكر تحديداً.
فقال الضابط جمال:
_حسناً أكملي، ما الذي حدث عقب ذلك.

تنهدت غرام وقالت:
_بعد مرور بعض الوقت عادت أمي إلى المنزل، فسرعان ما أمسكت بالشطيرة التي أعددتها خصيصاً من أجلها وقبل أن أقترب منها دق باب المنزل فانتظرت بجانب المطبخ.

تنهدت غرام ثم أردفت بقولها:
_حينما قامت والدتي بفتح الباب صاحت وهي تقول هل تراقبني؟ أو شيء كهذا لا أتذكر، لم أتمكن من سماع صوت ذلك الرجل لأن صوته كان خافت للغاية، فجأة وجدته يصوّب نحو قدم أمي فسقطت أرضاً، حينها رأتني أحدق بها فصاحت لي بأن أركض كانت تردد "إنه النمر".

ضم الضابط جمال حاجبيه وقال بتساؤل:
_النمر؟ حسناًوما الذي حدث بعد ذلك؟
شهقت غرام بالبكاء وقالت:
_سقطت الشطيرة من بين يدي، لم أفكر سوى في شقيقي فهرعت إليه وحملته بين يدي ثم ذهبت إلى غرفتنا واختبئنا داخل خزانة الشراشف.

كان جسد غرام يرتعد من هول ما حدث، ربت جمال فوق كتفها وقال:
_هدّئي من روعكِ يا عزيزتي كل شيء سيكون على ما يرام، نحن هنا اطمئني.

تنهدت غرام وقالت:
_بعد قليل جاء إلى غرفتنا أنا وأخي وفكرت في أنه ممكن أن يبحث عنا داخل الخزانة، لذلك قمت بتغطية جسيدنا ف الأفرشة لم يكن يظهر سوى عيناي، تمكنت من رؤيته وهو يبحث عنا في أرجاء الغرفة حتى أنه بحث عنا أسفل الفراش.

ارتعد جسد غرام وهي تقول:
_حينما اقترب من الخزانة تمكنت من رؤية أمي، كانت تسير ببطء، لقد تحملت الألم لكي تحمينا وتردعه من الفتك بنا، كانت تحمل شيء ثقيل بين يديها لم أتمكن من رؤيته جيداً، حينها شعرت بالأمان، تسلل الأمل إلى فؤادي بعدما ظننت أن كل شيء انتهى.

شهقت غرام بالبكاء وقالت من بين شهقاتها:
_لا أعلم كيف شعر بها تسير من خلفه، وسرعان ما التفت إليها وصوّب نحو رأسها فسقطت أرضاً، فخبأت وجه أخي بينما وضع هو يده فوق فمي لكي لا أصدر صوتاً، لقد قضت نحبها في غضون عدة ثوانٍ فقط!، وذلك الرجل حينما لم يتمكن من رؤيتنا غادر المنزل، لقد علمت بذلك حينما سمعت صوت سيارته.

فقال الضابط جمال:
_ثم ما الذي حدث؟ ماذا فعلت؟.
زفرت غرام بقوة وبكاء وقالت:
_خرجنا من الخزانة، كانت الدماء تحيط بوالدتي من كل جانب، بعدما جلسنا أنا وأخي بجانبها هرعنا إلى غرفة جدتي، لكن رأينا الدماء تنسال من الفراش فعلمنا أنه قتلها هي أيضاً.

صمتت غرام لبرهة ثم أردفت بقولها:
_لم نتمكن من المكوث في المنزل، ولا ندري ماذا نفعل، لذا غادرنا المنزل على الفور وذهبنا إلى منزل جارتنا، دائما ما كانت والدتي تقول لنا إن كانت هي ليست هنا وكنا نريد شيء ما نذهب إليها، وبالفعل ذهبنا إلى هناك، ظلت مستيقظة معنا حتى الصباح ثم استدعت الشرطة.

ربت الضابط جمال فوق كتف غرام وقال بتساؤل:
_هل يمكنكِ أن تصفي لنا كيف يبدو ذلك النمر أقصد الرجل؟.
تنهدت غرام وقالت:
_لا أتذكر ملامح وجهه جيداً، لكنه كان طويل القامة، جسده عريض يبدو مثل هؤلاء الرجال المصارعون، عيناه حادتين وبشرته قاتمة بعض الشيء.

أومأ الضابط جمال برأسه ثم قال:
_حسناً يا عزيزتي، سنعمل جاهدين حتى نلقي القبض عليه.
صمت الضابط جمال لبرهة ثم قال:
_صحيح أين والدكِ؟ لمَ كنتِ تمكثين مع والدتك وجدتكِ؟.

فقالت غرام بنبرة خافتة:
_منذ مسقط رأسي وأنا أمكث معهما، لم أرى أبي سوى ثلاث مرات، في المرة الأخيرة تشاجر مع والدتي ثم غادر المنزل، علمت أنه سافر إلى الخليج، وبعد مرور عام تلقينا خبر وفاته في الخارج.

فقال جمال:
_ماذا عن عائلة والدك؟
فقالت غرام:
_لا نعلم عنهم شيء، ولا نلتقي بهم قط.
أومأ الضابط جمال برأسه وقال:
_حسناً يا عزيزتي، ستمكثين برفقة جارتكما كما تودين.

ذهبت غرام إلى جارتها بينما نهض الضابط جمال فاقترب منه ضابط أخر قائلاً:
_هل أخبرتك بشيء؟
فنظر جمال نحو صديقه وقال:
_إنه غريمنا ذاته.

جحظت عيني الضابط الأخر وقال بدهشة:
_النمر!!.
تبسم جمال قائلاً:
_ومن سواه!؟.
تنهد الضابط جمال وقال:
_يجب أن نذهب إلى المشفى التي كانت تعمل بها الطبيبة.

ضم الضابط الأخر حاجبيه وقال:
_لمَ؟.
فقال الضابط جمال:
_لقد أخبرتني الطفلة غرام أنه عندما قامت والدتها بفتح باب المنزل قالت هل تراقبني أو شيء من هذا القبيل، لا أعلم ربما نجد أي دليل هناك يدلنا عليه.

...

في منزل مُهاب
تناولت وهج الطعام وكذلك حور، كانتا تتجولان في المنزل.
تفقدت وهج غرفة نومه وخزانة ملابسه، أمسكت وهج بمعطفه المفضل وصارت تشتم رائحته عليه، فعلى الرغم من أن المنزل صار مغلقاً لأكثر من عامين إلا أن رائحته لا تزال على ملابسه.

...

على صعيد أخر كان النمر في طريقه إلى منزل مُهاب.
نظر النمر نحو المقعد الخلفي للسيارة حيث كان هناك شاب فاقد الوعي تسيل الدماء من كل جسده.
تبسم النمر بسخرية وتذكر ما حدث قبل ساعة.

ذهب النمر إلى مكمن رجال مُهاب.
استطاع النمر تحطيم باب مخدعهم بكلا قبضتيه.
دلف النمر إلى هناك وقال:
_مرحبا يا رجال.
ضم الشاب حاجبيه وقال:
_لمَ فعلت ذلك؟.

نظر النمر نحو البقية ثم زحف نظره نحو ذلك الشاب فأمسك به وألقاه نحو الحائط بقوة، فسرعان ما لاذوا البقية بالفرار.
نفث النمر غضبة على ذلك الشاب إلى أن أخبره بعنوان منزل مُهاب.
قرر النمر أن يصحب ذلك الشاب معه لأنه إن كان يكذب سيقتله بالتأكيد.

تنهد النمر وهمس قائلاً:
_آمل أن أجد حور في منزل مُهاب، فهي تظن أنني لا أعرف أين يكون منزله، أتمنى ان أجدها هناك.

...

على صعيد أخر كانت حور تتجول في المنزل، فجأة سمعت صوت محرك سيارة! فسرعان ما هرعت نحو الشرفة، وما إن رأت سيارة النمر حتى ارتعد جسدها.
انتبهت حور من شرودها حينما ترجل النمر من سيارته ثم أخرج من مقعدها الخلفي شاب فاقد الوعي.

لاحظ النمر وجود سيارة أخرى أمام المنزل فاقترب منها وألقى نظره في الداخل فرأى صورة وهج معلقة في الداخل، فضم قبضته بغضب وسدد ضربة قوية لزجاج نافذة السيارة.

تمكنت حور من رؤية كل ذلك فسرعان ما ركضت نحو وهج وقالت ببكاء وصوت خافت:
_النمر في الخارج.
جحظت عيني وهج وقالت:
_كيف علم أننا هنا؟
فسرعان ما قالت حور بجسد مرتعد:
_لا أعلم هيا بنا، إنه آت.

جذبت حور يد وهج وركضت فسقط المعطف من بين يدي وهج فخرج من جيب المعطف خاتم!.
التفتت وهج للخلف وقالت:
_إمهليني دقيقة واحدة.
فقالت حور بهلع وهي تجذب يد وهج بقوة:
_ليس أمامنا متسع من الوقتر يجب أن نطفيء جميع الأضواء.

ركضت حور إلى المطبخ والتقطت سلاح أبيض ثم اتجهت إلى إحدى الغرف، بينما التقطت وهج مضرب هوكي واختبئت أسفل الفراش.
ركل النمر باب المنزل فسقط أرضاً، ألقى نظرة عابرة في أرجاء المنزل ثم صار يبحث عن وهج.

دلف النمر إلى الغرفة التي اختبأت بداخلها حور، زحف نظره يميناً ويساراً فلم يجد أحد!.
كاد النمر أن يغادر الغرفة لولا أن اشتم رائحة حور، فهو يعرفها جيداً فاتجه نحو الفراش من الأمام ثم ذهب.
تنفست حور الصعداء ولكنه جذبها فجأة من الخلف.

في غرفة النوم كانت وهج تختبء أسفل الفراش، وبمحض الصدفة رأت الخاتم الذي سقط من جيب المعطف المفضل لدى مُهاب!.
سرت قشعريرة في جسد وهج، تسارعت أنفاسها بقوة، فقد كانت تأبى أن يأتي النمر إلى تلك الغرفة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي