قرين ميّت البارت الخامس عشر

"قرين ميّت" "البارت الخامس عشر"

قالت وهج بنبرة يملؤها البكاء:
_متى اخبرك ذلك؟
فقال الشاب بتحشرج:
_قبل عدة أيام من انفجار المصحة.
اغرورقت عيني وهج وابتعدت عنهما عدة خطوات، فقد كان رأسها تعج فيه الأفكار المختلفة.

شهقت وهج بالبكاء ثم أخرجت خاتم الخطبة الخاص بمُهاب وأطالت النظر إليه ثم قبّلته وقالت بنبرة متهدجة:
_آسفة، أنا حقاً آسفة.
تذكرت وهج كيف كان مُهاب يتوسل إليها حينما التقيا وكيف لم تصدقه.

أفاقت وهج من شرودها على صوت حور وهي تصيح بقولها:
_وهج، إنه يحتضر!.
جحظت عيني وهج وسرعان ما هرعت نحوهم وجثت على ركبتيها بجانب ذلك الشاب وقالت:
_فقط تماسك سنقلك إلى المشفى.

نظرت وهج هنا وهناك ثم نهضت وأشارت إلى سيارة وقد حالفها الحظ وتقف ذلك الرجل صاحب السيارة قائلاً:
_ما الأمر يا ابنتي؟.
صاحت وهج بهلع وقالت:
_هنا شاب يحتضر، أرجوك نريد الذهاب إلى المشفى.

فسرعان ما ترجل الرجل من سيارته وعاونهم على حمل الشاب ووضعه داخل السيارة ثم صعدوا ثلاثتهم.
أثناء الطريق قال الرجل بتساؤل بينما كان ينظر نحو وهج:
_ما الذي حدث له؟ المسكين، أتمنى أن يصمد.

فقالت حور بدلاً من وهج لأنها كانت شاردة:
_لقد تعرض لحادث.
ضم الرجل حاجبيه وقال بتعجب:
_ماذا عن الإطلاق الناري؟
فقالت حور بنبرة يملؤها الحزن:
_لقد صوّب عليه أحدهم، لقد كان يطاردنا ومن ثَم صوّب نحونا فتلقى الرصاصة هذا المسكين.

...

على صعيد آخر في مؤسسة السيد عثمان، تحديداً في المكتب الخاص بآدم.
كان آدم منهمك في بعض الملفات أمامه.
أفاق آدم من شروده حينما طرق أحدهم الباب فقال آدم بنبرة حادة:
_تفضل.

دلف الشاب الذي يدعى أكرم ثم جلس على المقعد أمام آدم وقال:
_لقد كنت أراقبها، لطنني فقدتها فجأة.
صاح آدم بغضب قائلاً:
_ماذا تقصد بفقدتها؟

فقال أكرم:
_أنا آسف حقاً، لكنني كنت أسير خلفها مباشرةً إلى أن ظهرت أمامي سيارة نقل ضخمة إنتظرت حتى تمر وما إن مرت من أمامي نظرت فلم أجد سيارة وهج.
كوّر آدم قبضته وسدد ضربة قوية لمكتبه وصاح بغضب قائلا:
_سحقاً.

تنهد أكرم وقال:
_ماذا تريدني أن أفعل؟
زفر آدم بقوة وقال:
_لا شيء أغرب عن وجهي الآن.
ذهب أكرم بينما نهض آدم واتجه نحو النافذة الزجاجية التي تطل للخارج.

تنهد آدم ثم تذكر ما حدث قبل أكثر من عامين بكل تفاصيله.
في حفل خطبة وهج ومُهاب، رأى آدم تلك الفتاة التي جاءت كالصاعقة لمُهاب بينما كانت طوق نجاة لآدم وخطته القادمة.

تمكن آدم من رؤية الغضب الذي تملك مُهاب حينما رأى مريم، لذلك قرر مراقبة تلك الفتاة.
بعدما حصل آدم على بعض المعلومات عن مريم هاتفها.
عندما أجابت مريم على مكالمته قال:
_مرحباً، الآنسة مريم؟.

فقالت مريم بصوت يملؤه النعاس:
_من أنت؟
تنهد آدم وقال بنبرة يملؤها الخبث:
_أعلم جيداً من ما تعانين، لا بد أنكِ لا تدركين ما أقول لذا علينا أن نلتقي.

زفرت مريم بقوة وقالت:
_أيقظتني لتلقي عليّ هذه الترهات؟
تنهد أدم وقال:
_أنا بانتظاركِ في المقهى الذي يبعُد عن منزلكِ بضعة أمتار.
فقالت مريم دون أن تكترث:
_لن آتي.

تبسم آدم وقال:
_ستأتي يا مريم، إلى اللقاء، أنا أنتظركِ.
أنهى آدم المكالمة بينما نهضت مريم من الفراش فلم تستطع أن تغط في نوم عميق ثانيةً، فقط صار رأسها يعج بالكثير من الأفكار!.

بعد مرور خمسة وعشرون دقيقة دق هاتف آدم وقد كانت مريم، هاتفته حينما دلفت إلى المقهى.
أجاب آدم المكالمة قائلاً:
_كنت أعلم.

نهض آدم ولوّح بيده لكي تراه مريم، انتبهت مريم إليه فاتجهت نحوه.
جلسا قِبال بعضهما، وقبل أن يتفوه أحدهما بأي كلمة أخرجت مريم لفافة التبغ خاصتها وأشعلتها ثم قالت ببينما كانت يدها ترتعد:
_ما الأمر؟

ضمت مريم حاجبيها ثم قالت بتساؤل:
_لقد رأيتك من قبل، أين؟
تبسم آدم وقال:
_في حفل خطبة مُهاب، الفتاة التي قام بخطبتها تكون ابنة عمي.

ضغطت مريم على نواجزها وقالت بغضب:
_هل أرسلتك ابنة عمك لكي تردعني من الإقتراب من مُهاب!؟
قهقه آدم بسخرية قائلاً:
_أبداً، لقد جئت إلى هنا لكي نتحدث سوياً عن أمر آخر.

تنهدت مريم وقالت بنفاذ صبر:
_أخبرني بما تود إخباري به الآن، هيا.
اعتدل آدم في جلسته وقال بصوت خافت ولكنه كان مسموع بالنسبة لمريم:
_أنا أحب ابنة عمي كثيراً، لكنها متيمة بذاك الذي يدعى مُهاب، أريدكِ أن تخبريني بكل شيء عن مُهاب، لا أعلم لمَ أشعر وكأنه ليس ما يبدو عليه.

تبسمت مريم وقالت:
_ما الذي سأجنيه حينما أخبرك؟
فقال آدم بينما كان ينظر إليها بخبث:
_ستحصلين على حبيب الفؤاد، لأن وهج بالطبع ستتركه إن كان ما يخفيه كما أظن.

تبسمت مريم قبل أن تغرورق عينيها بالدموع وقالت:
_لقد كنا صديقين مقربين، كان كلما شعر بالضجر أتى إليه، كنت أجيد تهدئته أو ربما هذا ما ظننت!.

التقطت مريم أنفاسها ثم أردفت بقولها:
_لقد نسيت أن بعض الظن إثم، بل حنث عظيم، كيف للمرء أن يظن شيء غير صحيح! أقصد لمَ الإنسان يضيع كل شيء على سبيل الظنون طالما يمكنه أن يحصل على شيء واضح وصريح!.

شهقت مريم بالبكاء ثم قالت:
_لقد أخبرني بكل شيء، عن عائلته وطفولته وكيف انتهى به الأمر إلى أن صار قاتل متسلسل.

جحظت عيني آدم وقال بدهشة وسعادة:
_هل أنتِ جادة؟
فسرعان ما قالت مريم:
_بالطبع، لقد كان لديه أسلوبه خاص، فبعدما يشق عنق الضحية يقوم بحفر كلمة ما فوق الجثمان، لقد كان صلب جداً، لا أدري كيف صار هين لين مع تلك الفتاة!.

تنهد آدم وقال بابتسامة:
_هل كنتِ متيمة به؟
نظرت مريم نحو آدم بعينين دامعتين وقالت:
_أكثر من ما ينبغي، لقد صرت متيمة به حد الجنون، لا أدري كيف تمكنت بالثبات حينما رأيته برفقة تلك الفتاة!.

انهمرت دموع مريم ثم قالت:
_كنت أشعر أنه يحبني أيضاً وهذا ما دفعني للابتعاد عن الممنوعات، ذلك المسحوق الذي صار جسدي يتغذى عليه ولا يمكنني الابتعاد عنه، لقد آثرت مُهاب على كل شيء، لكنه لم يكن متيم بي!.

انتهت مريم من لفافة التبغ فأشعلت واحدة أخرى وقالت:
_بدلاً من أن أظل أسيرة للتفكير والكثير من الظنون قررت بأن أخبره كم أنا متيمة به، كانت علاقتنا لتنجح لولا أن كلفه سيده بقتل تلك الفتاة التي صار خاتم الخطبة بإصبعها الآن!.

جحظت عيني آدم وقال بدهشة:
_ماذا؟ من سيده؟
فقالت مريم:
_السيد الأنصاري، ذلك الرجل يملك من العقارات والمؤسسات ما يجعلك تظن أن العالم بأسره ملك له.

أومأ آدم برأسه وقال:
_يبدو أننا سنلتقي كثيراً فيما بعد.
فقالت مريم بينما كانت تحدق في الفراغ:
_لا أكترث لأمرك، أريد فقط أن أحصل على مُهاب، يمكنني فعل أي شيء نظير أن يعود إليّ.

تبسم آدم بخبث ثم قال:
_حسناً، سنلتقي قريباً.
أومأت مريم برأسها بينما رحل آدم.
في غضون يومين عند حلول الساعة الواحدة صباحاً، دق باب منزل مريم فهرعت إليه ظناً منها بأنه مُهاب.

قامت مريم بفتح الباب بينما كانت باسمة الثغر، لكن تلاشت ابتسامتها حينما رأت شخص ملثم يقف أمامها.
ضمت مريم حاجبيها وقالت بغضب:
_من أنت؟
ظل ذلك الملثم يحدق بها وما إن همّت بإغلاق الباب حتى دفعه بقوة جعلتها تسقط أرضاً.

صاحت مريم بأعلى طبقات صوتها وهي تقول:
_من أنت؟ ابتعد عني.
نهضت مريم وركضت نحو غرفتها وأوصدت بالباب جيداً.
تمكن الملثم من سماعها تقول من الداخل:
_أرجوك ساعدني، هناك من يريد قتلي، أرجوك أن تأتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي