قرين ميّت البارت التاسع

"قرين ميّت" "البارت التاسع"

العشق سلاح ذو حدين، أحياناً يجعلك تشعر بالأمان المفرط، وأحياناً كثيرة يصيبك بالهوس، أو بالجنون أيهما أقرب ففي كلا الحالتين لن تعد كما كنت من قبل، وهذا ما حدث مع وهج، صارت مهووسة بمُهاب، فعلى الرغم من أنه قضى نحبه إلا أنها تصغي لأضغاث أحلامها.

في داخل المصحة
كانت وهج تسير بخطوات دئوبة، كانت تسلط الضوء هنا وهناك فهي تشخى أن ترى شيء خارق للطبيعة، صحيح هي لا تؤمن بتلك الأشياء ولكن موقعها والوقت لا يسمحان لها بفرض ثقافتها.

أثناء سير وهج تعثرت في قطعة خشبية، فأسكنت يدها أعلى طاولة تآكلت إثر الحريق، فسرعان ما انتفضت وهج من شدة سخونة تلك الطاولة فهي لا تزال ساخنة.
نظرت وهج نحو يدها فسرعان ما وجدت لونها يميل للإحمرار.

كانت وهج تحرك يدها كثيراً من شدة الألم، ولكنها على كل حال قررت أن تكمل بحث عن ذلك الشيء المجهول.
اتجهت وهج نحو الدرج الذي تحطم نصفه تقريباً.
وجهّت وهج مصباحها نحو الدرج وصارت تنظر لها بتردد، فحدّثت نفسها قائلةً:
_هل عليّ حقاً أن أصعد إلى الطابق الثاني؟.

أخذت وهج شهيق عميق ثم زفرته بقوة ووضعت قدمها فوق أول درَج، لم يحدث شيء!، فصعدت وهج درجاً تلو الأخر إلى أن صارت في الطابق الثاني.
نظرت وهج يميناً ويساراً وكانت في حيرة من أمرها ولكنها قررت أن تمضي قدماً نحو الإتجاه الأيمن.

وما إن سارت وهج في ذلك الإتجاه حتى ظهر ظل شخص ما يركض في الإتجاه الأخر ولكنها لم تراه!.
كانت وهج تتطلع إلى الجدار التي تهدم منها الكثير وصارت بإمكانها رؤية الساحة التي تقبع أمام المصحة.

اتجها وهج نحو إحدى الجدران المتهدمة ونظرت من خلالها إلى الخارج، ففوجدت بعدم وجود الحارس فقالت بتساؤل:
_ترى أين ذهب الحارس؟ هل تركني بمفردي هنا؟.

سرت قشعريرة في جسد وهج فابتعدت عن الجدار وما إن نظرت إلى الأمام بينما كانت توجّه المصباح في ذلك النحو حتى صاحت بفزع وسقطت أرضاً بعدما سقط المصباح من يدها حينما رأت شخص ما يقف على بُعد بضعة أمتار منها!.

تسارعت ضربات قلب وهج وقالت بنبرة متهدجة:
_من هناك؟.
ضمت وهج حاجبيها بتعجب حينما لم يواتيها الرد! فسارت على يديها وركبتيها لكي تلتقط المصباح وتوجّهه نحو ذلك الشخص.

التقطت وهج المصباح ووجّهته نحو ذلك الشخص ولكنها لم تجد أي أحد هناك وإنما كان حائط متهدّم يشبه جسد الإنسان!.
قهقهت وهج وقالت بسخرية:
_لم يكن عليّ المجيء إلى هنا أثناء الليل.

نهضت وهج فتحرك ضوء المصباح نحو إحدى الغرف ولمع شيء ما في وجه وهج!.
فسرعان ما اتجهت وهج نحو تلك الغرفة وصارت تبحث عن ذلك الشيء، وقد كان أسفل إحدى الأسِرّة.
جثت وهج على ركبتيها والتقطت ذلك الشيء.

توقف فؤاد وهج عن الخفقان لعدة ثوانٍ! لقد كان ذلك الشيء خاتم الخطبة خاصتها يمر من خلاله خيط كي يوضع حول العُنق!!.
شهقت وهج ببكاء وقالت بنبرة تكاد تمزق نياط القلب:
_مُهاب! لقد كنت محتفظاً بالخاتم خاصتي على الرغم من أنني تركتك!!.

جلست وهج بينما كانت تحدق في خاتم الخطبة، فأخذت تقبّله بحرارة وهي تهتف محدّثة نفسها:
_لم يكن عليّ تركك في تلك الليلة يا مُهاب، أنا حقاً آسفة لأنني ام أثق بك ولم أصدقك.
ازداد نحيب وهج شيئاً فشيئاً بعدما احتضنت خاتم الخطبة.

جحظت عيني وهج فجأة وتوقفت عن البكاء حينما شعرت بأنفاس تلفح مؤخرة عنقها!.
تلفتت وهج يميناً ويساراً بوجل ولا تدري ما الذي عليها فعله!.
توقفت أنفاس وهج حينما اقترب أحدهم وهمس في أذنها:
_أنتِ هنا أخيراً، لقد افتقدتكِ كثيراً.

جحظت عيني وهج ومن ثَم سقطت مغشي عليها.
بعد مرور أكثر من ساعة تقريباً استعادت وهج وعيها، فصارت تتحسس الأرض بحثاً عن مصباحها إلى أن وجدته، حاولت أن تشعله على الرغم من أصابعها المرتجفة ولكن بلا جدوى فقد نفذت بطاريته!.

فسارعت بإخراج هاتفها وأشعلت مصباحه ثم نهضت وصارت تركض بأقصى سرعة لديها بعدما تأكدت من أن خاتم الخطبة بحوذتها.
من شدة فزع وهج وهلعها ضلت الطريق، فبدلاً من أن تركض نحو المخرج تعمقت إلى الداخل.

كانت وهج تركض وتنظر إلى الخلف فقد ظنت أن شخص ما يلاحقها، تعثرت فجأة في شيء ما أسقطها أرضاً.
أمسكت وهج بهاتفها بعدما سقط من بين أصابعها ووجّهته نحو ذلك الشيء فوجدته الحارس مسجي على الأرض جاحظ العينين!.

صاحت وهج بأعلى طبقات صوتها وتحققت من نبضه فأدركت أنه زايل الحياة فولت هاربةً تسير في أي اتجاه تراه.
بعد مرور بضعة دقائق توقفت وهج لبرهة كي تلتقط أنفاسها وفجأة سمعت صوت جهوري يقترب منها قائلاً:
_وهج، انضمي لي.

فهرت وهج تركض بينما كان ذلك الصوت يقترب منها شيئاً فشيئاً، وما إن وجدت أمامها غرفة حتى دلفت إليها وأوصدت الباب وأسندت ظهرها إليه.
كان صدرها يعلو ويهبط من شدة خفقان قلبها.

هدأت أنفاس وهج إلى حد ما فأخذت توجّه مصباح الهاتف في جميع أرجاء الغرفة لكي تتعرف عليها جيداً.
فوجئت وهج بوجود صندوق خشبي أسفل منضدة وما أثار دهشتها حقاً أن النيران لم تصل إليه! فقد كان في أفضل حال!!.

التقطت وهج ذلك الصندوق وقامت بفتحه ففوجئت بوجود الكثير من الصور تجمعها هي ومُهاب!، شردت وهج لبرهة ثم تذكرت أن تلك الصور التقطها مُهاب لهما منذ أكثر من عامين عبر هاتفه!.

وجدت أيضاً دفتر مذكرات، لم يكن الوقت ملائم لقراءة ما فيه.
وجدت أيضاً خاتم من الفضة فسرعان ما تذكرت أنها أخبرت مُهاب عن مدى حبها لتلك الأشياء الفضية وخاصة الخواتم!.

ارتدت وهج ذلك الخاتم ثم ظلت تعبث في الصندوق إلى أن وجدت صورة لفتاة لا يزيد عمرها عن اثنين وعشرون عاماً، مدون خلفها:
_"هذه شقيقتي، ابحثي عنها وهج، فبرفقتكِ ستحصل على حياة أفضل".

شهقت وهج بالبكاء وتذكرت ما فعله مُهاب من أجل شقيقته ولكنها لم تقبل أن تذهب برفقته على الرغم من ذلك!.
تنهدت وهج ثم وضعت كل شيء داخل الصندوق ثانيةً ونهضت بينما كانت تمسك به.

بعد عناء تمكنت وهج من مغادرة المصحة ثم اتجهت إلى سيارتها ووضعت الصندوق بداخلها ثم صعدت وأدارت المحرك لكي تعود إلى المنزل.

...

على صعيد أخر كانا عثمان وآدم في حالة من الريبة، فقد رحلت وهج دون أن تخبر أحداً!
كان عثمان ينظر إلى ساعة يده من حين إلى أخر، بينما كان آدم يتصل بوهج ولكنها لم تزعن!.

بعد مرور الكثير والكثير من الوقت دلفت وهج إلى المنزل ممسكةً بصندوق خشبي.
هرع عثمان نحو وهج وقال بنبرة يملؤها الغضب:
_وهج أين كنتِ؟ لمَ لمْ تجيبي على مكالمتنا؟ لقد قلقنا عليكِ كثيراً، وما هذا الصندوق الذي بين يديكِ؟.

زفرت وهج بقوة ثم قالت بنبرة هادئة:
_لا تقلق يا أبي أنا بخير، أريد فقط أن أنال قسطاً من الراحة.
ابتعدت وهج عن والدها واتجهت نحو الدرج الذي يؤدي إلى الطابق الثاني، ولكن قبل أن تصل إليه أمسك آدم بساعِدها قائلاً:
_أين كنتِ؟.

نظرت وهج نحو آدم بعينين زائغتين وقالت:
_ليس من شأنك.
جذبت وهج يدها من بين أصابع آدم ثم صعدت إلى غرفتها.
نظر آدم نحو عثمان وقال بنبرة غاضبة:
_ما الذي دهاها؟ لا بُد أنها ستفقد عقلها عما قريب.

جلس عثمان على أقرب مقعد بوهن:
_أشعر كأنني أفقدها يا آدم، ليس باليد حيلة.
ضغط آدم على نواجزه بقوة وقال بعدما اقترب من عثمان وجلس بالقرب منه:
_وهج ليست على ما يرام، لقد رأيت ذلك في عينيها.

تنهد عثمان وهو في حيرة من أمره وقال:
_لقد هرمت من أجل تخطيها لعامين كاملين من الحزن والكمد، لكن مصرع مُهاب قد يجعلها تجابه نكسة لم تكن في الحسبان.

أشاح آدم بنظره إلى أعلى ثم نظر نحو عثمان وقال:
_ابنتك جعلت حياتها رهن وجود مُهاب يا عمي، والآن هو لم يعد موجوداً لذا لن تتمكن من التقدم في حياتها.

فقال عثمان بشرود:
_أشعر أنني مكتوف الأيدي.
فسرعان ما قال آدم:
_سأبذل قصارى جهدي ولن أدع الماضي يلاحقها للمزيد من الوقت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي