قرين ميّت البارت الثاني

"قرين ميّت" "البارت الثاني"

قامت وهج بإيقاف تشغيل هاتفها واطمأنت على صديقتها ووالدتها التي صارت بخير وكأن معجزة ما حدثت.
اضطرت وهج لمغادرة المشفى برفقة والدها الذي أصر أن تعود معه إلى المنزل.

أثناء الطريق في السيارة لاحظ عثمان علامات الغضب تحتل وجه وهج فقال بتساؤل:
_ما الأمر يا عزيزتي؟ لمَ أراكِ غاضبة إلى هذا الحد؟ لقد اطمأننتِ على صديقتكِ ووالدتها ما الأمر إذاً؟.

فقالت وهج بنبرة غاضبة:
_إنه آدم، لا يأل جهداً في مضايقتي، فكلما التقى بي يظل يخبرني عن مدى هيامه بي.
قهقه عثمان قائلاً بمزاح:
_وما المشكلة في ذلك؟.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بغضب:
_ماذا تقصد يا أبي؟.
فقال عثمان بنبرة جادة:
_إنه متيم بكِ يا عزيزتي لمَ لا تعطيه فرصة واحدة لكي يثبت لكِ ذلك!.

فقالت وهج بنبرة أكثر غضباً:
_مستحيل، أنا لا أطيق النظر في وجهه لا أدري لماذا ولكن رؤيته تجعلني أشعر بالغثيان.
تعالت قهقهات عثمان ثم قال:
_حسناً دعكِ من هذا الأمر، ما رأيكِ في أن نتناول الغداء سوياً؟.

انفجرة أسارير وهج وقالت:
_بكل تأكيد.
ذهبا عثمان ووهج إلى مطعم مشهور يقع على النيل، إنه المكان المفضل لدى وهج بعد المكتبة.
قبل أن يبدأ عثمان بتناول وجبته دق هاتفه بالرنين.

فقالت وهج بوجه عبوس:
_لا، ألن يتركونا نحظي ببعض الوقت سويا يا أبي؟، يبدو أن رجالك لا يتمكنون من إتخاذ أي قرار في المؤسسة، لا بد أن يعودون إليك دائماً.
تبسم قائلاً:
_بالطبع.

تلاشت ابتسامة عثمان حينما رأى اسم المتصل، فقد لاح على وجهه شتى علامات التوتر.
لاحظت وهج ذلك وقالت بوجل:
_أبي هل كل شيء على ما يرام؟.

تبسم عثمان رغماً عنه وقال قبل أن ينهض مبتعداً عن الطاولة:
_لا تقلقي يا عزيزتي، سآتي في الحال.
أومأت وهج برأسها، أرادت أن تكمل غدائها ولكنها لم تستطع آثرت أن تنتظر حتى يعود والدها.

على صعيد آخر
ابتعد عثمان عن وهج بقدر الإمكان وقام بالرد على المكالمة قائلاً:
_ماذا تريد؟.
تعالت قهقهات المتصل وقال بنبرة تهديد لكي يبث الرعب في قلب عثمان:
_أردت أن أستمع إلى صوتك يا صديقي، كيف حالك؟ وكيف حال ابنتك؟ تجاوزت سن الرابعة والعشرون أليس كذلك؟.

تسلل الذعر إلى فؤاد عثمان وشعر بالإختناق قائلاً:
_ماذا تقصد بذكرك ابنتي؟ ما الذي تريده؟.
فقال المتصل بنبرة حادة:
_لقد تحدثنا في أمر ما أريد من قبل ولكنك لم تقبل، والآن نتحدث عن ابنتك.

فصاح عثمان قائلاً بغضب:
_هل تهددني؟.
فقال المتصل بنبرة هادئة مما أثار غضب عثمان أكثر:
_لا ترفع صوتك، هذا ليس جيداً من أجل صحتك يا صديقي..
صمت المتصل لبرهة ثم أردف قائلاً قبل أن ينهي المكالمة:
_فقط أردت أن أحثّك على حمايتها.

ضغط عثمان على نواجزه بقوة، فقد علم يقينا أن ذلك المتصل ينوي فعل شيء لا يعلمه إلا الله.
هرع عثمان نحو طاولة وهج وجذبها من يدها بعدما وضع بعض النقود أعلى الطاولة.
خرجت وهج من المطعم برفقة والدها وهي تجهل تماماً الذي يجري.

قبل أن تتفوه بكلمة واحدة قال والدها:
_اصعدي إلى السيارة يا وهج.
ضمت وهج حاجبيها وقالت بعدم فهم:
_أبي ما الذي حدث؟.
فقال والدها بعدما دفعها نحو المقعد الخلفي من السيارة:
_سنعود إلى المنزل.

فقالت وهج:
_ولكن..
فاقتضب حديثها قائلاً بغضب:
_سنعود إلى المنزل يا وهج، كفي عن طرح الأسئلة.
ظلت وهج صامتة طوال الطريق وما إن توقفت السيارة أمام المنزل ترجلت منها مسرعةً نحو المنزل.

زفر عثمان بقوة وحدّث نفسه قائلاً:
_لقد قسوت عليها، لم يكن عليّ فعل ذلك.
ترجل عثمان من السيارة ودلف إلى المنزل هو الأخر ثم اتجه نحو غرفة المكتب.
كان يشعر بالإختناق حتى أنه لم يتحمل ربطة عنقه فألقاها بعيداً وجلس وهو يفكر في أمر ذلك المتصل، كان لا بد أن يفكر في أسوء الإحتمالات حتى لا تداهمه مفاجأة ذلك الرجل.

أفاق من شروده على صوت طرق الباب فأذن للطارق بالدخول وقد كانت الخادمة التي قالت:
_سيدي، السيد عاصم بالخارج يريد رؤيتك.
تنهد عثمان وشعر بالإرتياح قليلاً، لأن يعتمد على عاصم في شتى الأمور المتعلقة بالمؤسسة وغيرها.

نظر إلى الخادمة وقال:
_دعيه يأتي.
دلف عاصم إلى غرفة المكتب وألقى التحية على عثمان الذي قال بنبرة يملؤها الذعر والتوجس:
_ذلك الرجل لا يتوقف عن مهاتفتي، اليوم هددني بابنتي، أنا قلق جداً بشأنها.

فقال عاصم بنبرة جادة:
_هل لا يزال يطالبك ببيع المؤسسة يا سيدي؟.
زفر عثمان بقوة وقال بوجه متجهم:
_بالطبع، ولكن ما جعل الرعب يتسلل إلى أواصري أنه لم يتحدث عن ذلك الأمر اليوم وإنما حدّثني عن وهج ابنتي.

جحظت عيني عاصم وقال:
_لا بد أنه ينوي فعل شيء ما، يجب علينا أن نتوخى الحذر يا سيدي.
فقال عثمان:
_لذلك أنت هنا، أريدك أن تحصن المنزل بقدر المستطاع، يجب أن نحمي وهج لن أسمح بأن يمسها أي مكروه أو أذى.

أومأ عاصم برأسه ولكنه لم يتمكن من ردع فضوله فقال:
_معذرة سيدي ولكنني لا أفهم لمَ لا تريد أن تبيعه المؤسسة، لديك من العديد من المؤسسات لمَ لا تقبل بالعرض الذي قدمه لك حتى ينتهي كل ذلك؟.

قهقه عثمان وقال بقلة حيلة:
_وهل تظن أن بيع المؤسسة سينهي الأمر؟ افعل ما أمرتك به.

...

حل المساء
في الطابق الثاني تحديداً في غرفة وهج
كانت تشعر بالسوء، فوالدها الذي لطالما كان يدللها لأول مرة يتحدث إليها بهذه اللكنة القاسية.

تنهدت وهج وحدّثت نفسها قائلةً:
_ربما حدث شيء جعله غاضب جداً، أعرف والدي جيداً سيأتي لكي يخبرني أنه لم يكن يقصد أن يحدثني بهذه الطريقة.

اتجهت وهج نحو الشرفة لكي تتأمل القمر الذي طغى ضوئه على ضوء الغرفة الخافت ولكنها فوجئت بسيارات من الطراز الحديث تحيط بالمنزل بالإضافة إلى رجال يرتدون بذلات سوداء ويتحدثون عبر لاسلكي.

ضمت وهج حاجبيها وقالت بتساؤل:
_يا إلهي، ترى ما الذي يحدث؟! يبدو أن الأمر خطير جداً!.
فكرت وهج قليلاً ثم عزمت على أن تهبط إلى الطابق الأضي لكي تتحقق من الأمر وقبل أن تخطو خطوة واحدة انقطع التيار الكهربي فجأة!.

التفتت وهج هنا وهناك بحثا عن المصباح، فجأة سمعت صوت باب الغرفة يُفتح من الخارج فقالت دون أن تلتفت إلى الخلف:
_أبي لمَ انقطع التيار الكهربائي؟ ما الذي يحدث بالأسفل؟.

لم تتلقى وهج أي رد فسرعان ما التفتت للخلف ولكنها لم تتمكن من رؤية من الذي يثب على بُعد بضع خطوات عنها فقالت بتساؤل:
_أبي هل هذا أنت؟.
فقال ذلك الشخص بنبرة هادئة:
_والدكِ لن يتمكن من حمايتكِ كما ينبغي ولكنني سأفعل.

شهقت وهج بفزع وسقطت أرضاً من شدة المفاجأة فقد تذكرت نبرة صوت ذلك المجهول الذي يراسلها منذ ليلة أمس وتبينت أنه هو.
حاولت وهج أن تستجمع رباطة جأشها وقالت بنبرة خافتة:
_من أنت؟ لمَ لا تتركني وشأني؟.

قهقه الشاب بسخرية ثم اقترب منها رويداً رويداً حتى صار أمامها مباشرةً، زحفت وهج للخلف ولكنها ارتطمت بالحائط.
تنهد الشاب ومن ثَم جثى على ركبتيه وصار ينظر إليها بعينيه الحادتين.

كانت وهج تنوي أن تركله بقدمها ثم تصيح لكي يأتي والدها ويمسك به ولكن عينيه أفقدتها النطق، فعلى الرغم من أنه انقطع التيار الكهربي إلا أنها تمكنت من رؤية ملامح وجهه وعينيه على ضوء القمر.

تبسم الشاب وهمس إليها قائلاً:
_سيأتي والدكِ الآن لكي يطمئن عليكِ وبين يديه مصباح.
مد الشاب يده نحوها فوجدته يحمل مصباحاً.
التقطت المصباح منه فأردف قائلاً:
_أخبريه أنه لديك واحد، وأن كل شيء على ما يرام، حسنا؟.

أومأت وهج برأسها دون أن تتفوه بكلمة واحدة.
لم يمر سوى عدة ثوان حتى دق باب الغرفة وصاح والدها من خلف الباب قائلاً بنبرة يملؤها القلق:
_وهج عزيزتي هل كل شيء على ما يرام؟ لقد جلبت لكِ مصباحا.

لم تزعن وهج، فقط كانت تحدق في عيني ذلك الشاب بشرود.
فأشار لها الشاب وهمس قائلاً:
_والدكِ بالخارج يتحدث إليكِ.
فقالت وهج دون أن تجفل عينيها عن الشاب:
_أنا بخير يا أبي لا تقلق.

اتسعت ابتسامة الشاب وقال:
_سيعود التيار الكهربائي الآن، هل يمكننا أن نتحدث قليلاً؟.
قبل أن تتمكن وهج من الرد كان قد عاد التيار الكهربائي بالفعل.
نهض الشاب ومد يده نحوها.

أفاقت وهج من شرودها وانتبهت لما يحدث فضمت حاجبيها بغضب ونهضت دون أن تمسك بيده وقالت:
_من أنت؟ وما الذي تفعله هنا؟ كيف تمكنت من المجيء إلى غرفتي؟.

جذب الشاب يده وقال:
_أنا هنا لحمايتكِ.
فقالت وهي تشير نحو الشرفة بغضب:
_من المفترض أن تكون بالأسفل برفقة هؤلاء الرجال، من الذي سمح لك بالمجيء إلى غرفتي؟.

أخذ الشاب شهيق عميق ثم زفره بقوة وقال:
_لست بالأسفل لأنني لا أعمل معهم.
أومأت وهج برأسها وكادت أن تُهديء من روعها ولكن جحظت عينيها فجأة وقالت:
_ماذا؟ أنت لص إذاً.

تبسم الشاب وجلس فوق مقعدها وقال:
_لست لص، لقد أخبرتكِ أنني هنا لحمايتكِ.
زفرت وهج بقوة وقالت بنبرة غاضبة:
_لست بحاجة إليك، أبي سيتولى الأمر يمكنك الرحيل.

أطال النظر إلى عينيها وقال:
_وإن لم أرحل؟!.
ضغطت وهج على نواجزها وقالت:
_سأصيح من الشرفة وأخبرهم أن هناك لص في غرفتي، أقسم أنك حينها ستكون في مأزق كبير وربما سيزجون بك في السجن.

نهض الشاب واتجه نحو باب الغرفة قائلاً:
_سنلتقي ثانيةً.
همّ الشاب بالرحيل ولكنه توقف لبرهة واسترسل بقوله:
_تذكري؛ لن يحميكِ أحد سواي، هؤلاء الرجال الذي يمكثون في الأسفل لن يتمكنوا من ذلك، عمتِ مساءً.

خرج الشاب من الغرفة بينما ظلت وهج جاحظة العينين تفكر فيما قاله لها!.
انتبهت من شرودها وتذكرت أنها لم تعرف من هو وما اسمه!.

زفرت بقلة حيلة والاتحفت في الفراش، وقبل أن تغط في ثبات عميق أصدر هاتفها صوت إشعار وصول رسالة جديدة، فسرعان ما اعتدلت وقرأت الرسالة التي كانت تنص على:
_"أدعى مُهيب، تصبحين على خير".

لاح شبح ابتسامة على وجنتي وهج وهتفت بنبرة هادئة:
_مُهيب.
لم تتمكن من النوم! حاولت ولكن بلا جدوى!، فقررت أن تكمل قراءة الكتاب الأخير الذي ابتاعته.

ما إن قامت بجلب الصفحة التي توقفت عندها في المرة الماضية حتى وجدت رسالة مدون بها:
_"توخي الحذر".
زفرت بقوة قائلةً:
_لا شك في أن ذلك الذي يدعى مُهيب يمازحني.
صمتت لبرهة ثم أردفت:
_يا إلهي! ماذا سأفعل إن كان لص محترف!.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي