قرين ميّت البارت العاشر

"قرين ميّت" "البارت العاشر"

في مكان بعيد كل البُعد عن منزل وهج
تحديداً في قصر "الأنصاري" ذلك الرجل الذي كان يعمل لديه مُهاب، وهو الشخص ذاته الذي اختطف رجاله شقيقة مُهاب!.
في غرفة المكتب الخاصة به، أشعل الأنصاري لفافة التبغ ذات اللون البني بعدما وضعها بين شفتيه.

نظر الأنصاري نحو الرجل ذاته الذي اختطف شقيقة مُهاب قبل عدة سنوات والذي يُطلق عليه لقب "النمر" لأنه فائق السرعة وذكائه خارق، وعلى الرغم من ذلك فقد فاقه مُهاب في كل تلك السمات!.

كان الأنصاري يحدق في الفراغ بينما تذكر ما حدث قبل عدة أعوام حينما كان يشاهد شاشات المراقبة التي تُظهر له بناية احتجاز الفتيات وكذلك سفينته المحملة بالممنوعات، بالإضافة إلى مستودع الأسلحة.

كان الأنصاري حينها ينظر إلى مستودع الأسلحة إلى أن التفت بمحض الصدفة نحو الشاشة التي تعرض بناية احتجاز الفتيات.
معن الأنصاري النظر في تلك الشاشة فرأى مُهاب ممسك بيد إحدى الفتيات ويركض وجعلها تركض معه عنوة.

ضم الأنصاري حاجبيه وقام بتقريب الشاشة وقام بتشغيل الصوت فسمع شجارهما.
جذبت الفتاة يدها من بين أصابع مُهاب وقالت بنبرة غاضبة:
_هل جننت ما الذي تفعله؟.
فقال مُهاب بعدما تلفت يميناً ويساراً بترقب:
_ألا تتذكرينني؟.

فقالت الفتاة بنبرة ساخرة:
_بالطبع أتذكرك.
فتبسم مُهاب وكاد أن يتحدث لولا أنها أردفت بقولها:
_أنت "جيمس بوند" الذي جاء لكي يخلصني من أثر هؤلاء الأشرار أليس كذلك؟.

امتعض مُهاب ولكنه حاول أن يمتص غضبه ثم قال:
_"حور" أنتِ شقيقتي، ألا تتذكرينني؟.
جحظت عيني حور وقالت بالسخرية ذاتها:
_حقاً! هل هذه حيلة جديدة لكي تجعلني أذهب برفقتك؟ لن أغادر هذا المكان هل فهمت؟.

همّت حور بالعودة إلى الغرفة التي كانت مُحتجزة بها ولكن مُهاب أمسك بيدها قائلاً:
_لقد كابدت الكثير لكي أعثر عليكِ، هذه الفرصة لن تسنح لي ثانيةً، دعينا نذهب الآن وسأجعلكِ تتذكرين كل شيء أنا أعدكِ بذلك.

فصاحت وهج في وجهه وقالت بغضب:
_أريدك أن تعلم أنني لا أكترث للترهات التي تتفوه بها، دعني وشأني.
فضم مُهاب حاجبيه وقال:
_حور! لمَ تفعلين ذلك؟ دعينا نذهب، هل أنتِ سعيدة بالتواجد هنا؟.

فتبسمت حور وقالت قبل أن تتركه وتبتعد عنه:
_أجل سعيدة للغاية، أحذرك من الإقتراب مني ثانيةً.
عادت حور إلى الغرفة بينما سدد مُهاب قبضته إلى الحائط بغضب ثم ذهب إلى عمله في مستودع الأسلحة.

اتسعت ابتسامة الأنصاري بينما كان يراقب كل ذلك وهمس قائلاً:
_لقد ذهب عناؤك سُدى يا مُهاب، مرحباً بك في عائلتي.
بعد قليل قرر الأنصاري أن يحتفظ بحور داخل قصره لكي لا تعيد التفكير في حديث مُهاب وتقرر الذهاب.

أفاق الأنصاري من شروده ثم نظر نحو النمر وقال بنبرة يملؤها الجمود بينما كان يدخّن:
_هل عثرت على جثمانه؟.
فقال النمر بنبرة أكثر جموداً:
_جميع من كانوا داخل المصحة صاروا أشلاء بفعل المفجر الذي وضعته يا سيدي، سيكون من المستحيل العثور عليه.

فتنهد الأنصاري وقال:
_سحقاً، لقد أردت أن أراه قبل أن يذهب إلى الجحيم.
نظر الأنصاري نحو النمر ثم تعالت قهقهاتهما.
صمت الأنصاري فقال النمر بفضول:
_سيدي، ماذا عن الفتاة؟.
ضمت الأنصاري حاجبيه وقال:
_هل تقصد وهج؟.

أومأ النمر برأسه فأردف الأنصاري قائلاً:
_يمكننا فعل ما يحلو لنا طالما أنه رحل وإلى الأبد، اللعين، فعلى الرغم من أنه كان محتجز في مصحة إلا أنه أرسل رجالاً كفء لحمايتها بدلاً منه، أي حب هذا! لقد تركته ولكنه ظل متيّم بها للنهاية!.

فقال النمر بنبرة حادة:
_هل تود أن أتخلص منها يا سيدي؟.
شرد الأنصاري قليلاً ثم قال:
_لا، لم يحن وقت رحيلها بعد!.
أومأ النمر برأسه قائلاً:
_أمرك سيدي.

بعد قليل اتجه النمر نحو مخرج القصر لكي يعود إلى كوخه الذي يقبع بعد حديقة القصر ولكنه في ذات البقعة.

دلف النمر إلى الكوخ وأوصد الباب جيداً، ثم اتجه نحو خزانته وأخرج من بين ثيابه مفجر معطل، كاد أن يتجه نحو الفراش ويجلس لولا أن سمع صوت بالقرب من باب الكوخ، فسرعان ما أخفى المفجر بين ثيابه ثانيةً واتجه نحو باب الكوخ وما إن قام بفتحه حتى فوجيء بحور تقف خلف الباب.

فسرعان ما أمسك بيدها وجذبها إلى الداخل ثم ألقى نظرة في الخارج لربما يكون رآها أحدهم، فلم يجد أي أحد في الخارج.
أوصد النمر الباب ثم التفت إلى حور قائلاً:
_لقد اشتقت إليكِ يا عزيزتي.

همّ النمر لكي يضم حور إلى صدره ولكنها دفعته بعيداً عنها وصاحت في وجهه قائلةً:
_كاذب.
جحظت عيني النمر وقال بتعجب:
_ماذا تعنين يا حور؟ ما الذي أصابكِ؟.
فتعالى صياح حور وقالت:
_لقد قطعت لي عهداً بألا تمس أخي بسوء ولكنك قتلته، كيف تمكنت من فعل ذلك بي وأنا التي آثرتك على أخي؟.

فسرعان ما أمسك النمر بوجهها وقال بنبرة هادئة:
_لم أنكل بعهدي قط.
فقالت حور ببكاء:
_إذاً لمَ أخبرت الأنصاري بأنك أنت من قام بتفجير المصحة؟.

ضم النمر حاجبيه وقال:
_كيف علمتِ بذلك؟
فقالت حور ببكاء:
_لقد استمعت إلى حديثك مع الأنصاري، لقد خدعتني.

زفر النمر بقوة ثم اتجه نحو خزانته وأخرج المفجر ثم اتجه به نحو حور قائلاً:
_ها هو المفجر الذي أعطاني إياه الأنصاري، لم أضعه هناك قط.
وضعت حور يدها فوق المفجر لتتحسسه فجحظت عينيها بقوة ثم نظرت إليه وقالت:
_إذاً كيف دوى الإنفجار في المصحة؟.

زفر النمر بقوة وقال بعدما أعاد المفجر إلى الخزانة:
_على ما يبدو أن أحباء شقيقكِ تفوق أعدادهم حبات الرمال.
فقالت حور بعدم فهم:
_ما زلت لا أفهم أي شيء، ما الذي حدث؟ وكيف تمكنت من خداع الأنصاري، لمَ لم تخبره بأنك لم تضع المفجر هناك؟.

أمسك النمر بيدي حور وجلسا سوياً على الفراش وقال:
_سأخبركِ بكل شيء، فقط اهدأي.
أومأت حور برأسها ثم قالت:
_هيا أخبرني.

تنهد النمر بتذكر ثم قال:
_لقد ذهبت إلى المصحة بالفعل، لأن الأنصاري بعث رجلاً لمراقبتي، لا بد أنه بدأ يشك في أمر وفائي له، لهذا السبب ذهبت، تمكن من دخول المصحة بحجة أنني سأزور أحد أقربائي وبالفعل تمكنت من إدخال المفجر معي.

صمت النمر لبرهة ثم استرسل بقوله:
_بعد أن تسللت إلى إحدى الغرف خفية بعيداً عن أنظار الرجل الذي يراقبني، خبأت المفجر بين ملابسي وسارعت بمغادرة المصحة، أما ما جعلني سأجن جنوني أن المصحة ما إن غادرتها وابتعدت عنها أكثر من عشرة أكتار حتى دوى الإنفجار.

فصاحت حور بغضب وقالت:
_هل تظنني حمقاء لأصدك؟ لا بُد أنك أنت من فعل ذلك.
فقال النمر بنبرة هادئة:
_أقسم لكِ أن هذا ما حدث بالضبط، لمَ لا تصدقينني؟.

انهمرت دموع حور وقالت ببكاء:
_كم كنت أود أن أعانقه حينما التقيت به وأخبرني أنه أخي، أتعلم، لقد تمكنت من معرفته منذ الوهلة الأولى، كانت السعادة تغمرني حينما تحدث إليّ وقال لي هيا بنا لنرحل من هنا أنا شقيقكِ، ولكن..

صمتت حور فقال النمر بتساؤل:
_ماذا!.
نظرت حور نحو النمر بعينين مغرورقتين وقالت:
_لكنني أبيت الذهاب وتركك، لقد آثرت المكوث هنا عن ذهابي برفقة أخي لأنني أحبك، فذهابي كان سيمزق علاقتنا ويفتك بها، لذلك أبيت الرحيل.

أمسك النمر برأسه حور وقال بعدما طبع قبلة فوق جبهتها:
_لن أدعكِ تندمين على ذلك.
فقالت حور بنبرة باكية:
_لكنني نادمة الآن وأعض على أناملي ندماً..
أكملت حور حديثها بينما ازداد نحيبها وقالت:
_لقد رحل أخي، دون عودة.

أشفق النمر على حالة حور فضمها إلى صدره وصار يربت فوق رأسها حتى تهدأ.
فجأة تذكرت وهج أمر الفتاة التي تدعى وهج فنظرت إليه وقالت:
_من تلك الفتاة التي تدعى وهج؟.
فتنهد النمر وقال:
_إنها الفتاة التي أحبها شقيقكِ وأراد الزواج منها.

ضمت حور حاجبيها وقالت بتساؤل:
_لمَ يريد الأنصاري أن يقتلها؟.
فقال النمر بلا مبالاه:
_هي لا تعنيه شيئاً، فالمقصود والدها، يريد الأنصاري أن يجعل والدها يرضخ له لكنني لا أظن ذلك.

فقالت حور بتساؤل:
_ما اسم والدها؟.
زفر النمر بنفاذ صبر وقال:
_لماذا تسألين بشكل مفرط اليوم؟!.
فقالت حور بدلال:
_فقط أخبرني، إنه فضول ليس إلا.
زفر النمر وقال:
_يدعى عثمان الدميري.

أومأت حور برأسها ثم أسندت وضعت رأسها فوق كتف النمر، وبعد قليل نظرت حور نحو النمر وقالت بابتسامة يملؤها العشق:
_سنُرزق بطفل عما قريب، تحديداً بعد مرور سبعة أشهر.

جحظت عيني النمر بينما استرسلت حور بقولها:
_حينما علمت بذلك شعرت بأن العالم بأسره لا يسع أجنحتي من شدة السعادة، لم أتمكن من إختيار اسم بعد لأنني لا أدري إن كان الجنين صبي أم فتاة.

صمتت حور لكي تترك مجال للنمر كي يبدي عن سعادته ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة!.
ابتعدت حور عن النمر فتمكنت من رؤية الصدمة التي تجتاح وجهه وبدا أنه ليس سعيداً!.

امتعضت حور وقالت بتساؤل بعدما أمسكت بوجهه وجعلته ينظر إليها:
_ماذا بك؟ ألست سعيداً؟.
فنظر النمر نحوها وقال بنبرة يملؤها الغضب الذي عمل النمر جاهداً على أن لا يُظهره:
_كيف حدث ذلك؟.

جحظت عيني حور وقالت بعدما نهضت:
_ماذا تعني بكيف حدث ذلك؟.
فنهض النمر هو الأخر وصاح في وجهها بقوله:
_لقد تعاهدنا على أن لا يحدث شيء كهذا، لأن علاقات مثل هذه غير مسموح بها في عالمنا.

فصاحت حور وقالت:
_لكنك متزوج ولديك أولاد، هذا يعني أنك لا تريد أن تنجب أطفال أكون أنا والدتهم أليس كذلك؟.
صمت النمر لأن حديث حور بدا صائباً.

شعرت حور بأن قدراً من الماء البارد سُكب فوق رأسها حتى غمر جسدها بالكامل من شدة صدمتها، فاتجهت نحو النمر قالت بينما كانت تنظر إليه بعينين تملأهما الدموع:
_قل أي شيء، لا تصمت هكذا.

فنظر النمر نحو حور وقال بجمود:
_صحيح أننا مغرمان ببعضنا البعض، بيننا علاقة يسودها الحب فقط، لا يمكن أن نكوّن عائلة، فأنا لدي عائلة بالفعل، تقتصر على زوجتي وابنتي وابني، ولن أسمح بأن يكون لي أبناء سوى من زوجتي.

فقالت حور بنبرة حانقة:
_ماذا تعني؟.
فأخذ النمر شهيقا عميقا ثم زفره بقوة واتجه نحو ثم أمسك بوجهها قائلاً:
_أنا أحبكِ يا حور.

تسارعت ضربات فؤاد حور ولم تتمكن من إدراك حديثه، وقبل أن تنطق بكلمة داهمها النمر بركلة قوية أعلى رحمها، وقبل أن تعلو صرخاتها وضع يده فوق فمها لكي لا يستمع أحد إلى صوتها.

لم يمر سوى عدة دقائق حتى غابت حور عن الوعي فحملها النمر، وقبل أن يخرج من الكوخ لاحظ الدماء التي كانت تنسال منها.
ضغط النمر على نواحزه بقوة وغضب وقال بنبرة خافتة:
_سحقاً.

نظر النمر نحو حور بينما كانت فاقدة الوعي وقال بنبرة خافتة:
_لست آسفاً.
خرج النمر من الكوخ ثم اتجه خلف القصر وخرج من باب خلفي ومن ثَم اتجه نحو سيارته وقادها متجهاً إلى أقرب مشفى.

أثناء الطريق تذكر الحديث الذي دار بينه وبين الأنصاري قبل عدة أيام.
حينها هاتفه الأنصاري وأخبره بأنه يريد رؤيته على الفور.

هرع النمر إلى الأنصاري ودلف إلى غرفة نومه قائلاً:
_أمرك سيدي.
نظر إليه الأنصاري وقال بينما كان يشعل لفافة التبغ:
_لقد علمت بشيء ربما يعنيك.

ضم النمر حاجبيه وقال بتساؤل:
_ما هو هذا الشيء؟.
نظر الأنصاري بعينين ثاقبتين نحو النمر وقال:
_لقد سمعت أن حور ابتاعت إختبار للحمل ليلة أمس، ولا شك في أنه إن كانت النتيجة إيجابية ستسعى للخروج من القصر كي ترى الطبيب!.
جحظت عيني النمر وقال:
_هذا مستحيل!.

فقال الأنصاري بنبرة ساخرة:
_ولمَ لا يا عزيزي؟ ألست تحبها؟ بينكما علاقة عشق فلمَ لا يزينها طفل!.
فقال النمر وهو مطأطيء رأسه:
_أنا آسف يا سيدي، أعلم أن شيء مثل هذا غير مسموح به هنا، أعدك بأنني سأتخلص من هذا الجنين على الفور.

نهض الأنصاري من فراشه ثم سار بضع خطوات نحو النمر وأمسك بفكه الأسفل وقال بنبرة حادة:
_لقد أضعفك الحب وجعلك تتقهقر، وهذا أيضاً ما جعل مُهاب يلقى قدره، الحب هو الذي جعل مُهاب محتجز في مصحة عقلية الأن، لأنه فقط أحب!.

قهقه الأنصاري وقال:
_يا لسخرية ما حدث! الرجلين الأكفأ على الإطلاق يقعان في الحب وهذا ما يجعلهم عاديين جداً، لا فائدة منهم، أنت رجل بلا فائدة، أظن أنك لا تستحق لقب النمر.

فسرعان ما قال النمر:
_يمكنني فعل أي شيء لأبرهن ولائي ووفائي لك يا سيدي.
فنظر إليه الأنصري وقال بنظرات يملؤها الشك:
_حقاً!!.
فأومأ النمر برأسه قائلاً:
_أي شيء يا سيدي
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي