قرين ميّت البارت الثامن عشر

"قرين ميّت" "البارت الثامن عشر"

توقفت سيارة وهج أمام منزل الضابط جمال وقد كان في إنتظارها.
ترجلت وهج من السيارة ثم تبعتها حور، ألقى الضابط جمال عليهما التحية ثم قالت وهج:
_هذه هي حور التي حدّثتك عنها.
تبسم الضابط جمال ثم دعاهم إلى الداخل.

دلفوا ثلاثتهم إلى غرفة المعيشة فكانت زوجة الضابط في انتظارهم وألقت عليهم التحية.
تبسم الضابط جمال وقال:
_هذه زوجتي نور.
تبادلا الفتيات إلقاء التحية ثم ذهبت نور لكي تعد لهم القهوة بينما جلسوا هم ليتبادلوا أطراف الحديث.

تنهد جمال وقال:
_أعلم إن الأمر ليس سهلاً لأنني ضابط شرطة لكنني سأعرض عليكما شيء، سنتحدث الآن بعيداً عن صفتي الرسمية ما رأيكما.
تبسمت حور وقد أحست بالإطمئنان وقالت:
_هذا جيد جداً.

تنهدت وهج وقالت بينما كانت تنظر نحو جمال:
_حور تعلم الكثير عن النمر وكذلك عن رئيسه، هي على أتم الإستعداد بأن تخبرك بكل شيء لكن لا يجب أن يتسبب ذلك في أذى لها.
أومأ جمال برأسه وقال بتفهم:
_أجل أفهم لا تقلقوا.

كان جمال ممسكاً بمسجل صوتي فقام بتشغيله ووضعه أعلى المنضدة ثم نظر إلى حور وقال:
_يمكنكِ البدء الآن.
زحف نظر حور نحو وهج بأنها شعرت بالذعر لكن حور أجفلت جفنيها لكي تبعث لها الطمأنينة وأومأت برأسها لكي تبدأ.

أخذت حور شهيقاً عميقاً ثم زفرته بقوة وبدأت بقولها:
_بدأ الأمر حينما كنت في السابعة من عمري، كنت في غرفتي ألهو وألعب، إلى أن اقتحم النمر غرفتي وحملني بين ذراعيه وخرج من منزل عائلتي، لم أتمكن من رؤية أبي وأمي، لقد رأيت أخي مُهاب كان يركض خلف النمر لكي ينقذني لكنه لم يتمكن من ذلك.

صمتت حور بعدما غرورقت عينيها فقال الضابط جمال بتساؤل:
_أخيكِ مُهاب؟
أومأت حور برأسها بينما قالت وهج بنبرة هادئة:
_سنتحدث بشأن مُهاب لاحقاً، فلننتهي من أمر أولائك الأشرار أولاً.

أومأ جمال برأسه وقال:
_حسناً يمكنكِ المتابعة يا حور.
تنهدت حور ثم قالت:
_منذ ذلك اليوم كنت مسئولة من النمر، كان يهتم بأمري كثيراً، لقد ترعرعت على يديه.

التقطت حور أنفاسها ثم استرسلت بقولها:
_حينما بلغت الثامنة عشر من عمري صرت متيمة به وقد كان هو كذلك أو هذا ما ظننت، صحيح أنه بيننا فارق كبير في العمر لكنه لم يكن عائق أبداً.

تهدج صوت حور بينما كانت تقول:
_حينما بلغت علاقتنا ذروتها فوجئت بأخي مُهاب يحثني على الفرار برفقته وترك كل شيء خاصة النمر، لكنني لم أتمكن من ذلك فقد أفنيت الكثير من عمري هنا ولا أود الذهاب، لذلك قابلته بالنفي وأنني لا أعرفه.

مررت حور يدها فوق وجهها ثم قالت:
_كنت أعلم أن مُهاب يكون أخي منذ رؤيتي له للوهلة الأولى بعد مرور إحدى عشر عاماً لكنني لم أتمكن من إخباره بأنني أعرفه.
تنهدت حور وقالت:
_كان الأنصاري يريدني أن أعمل كفتاة ليل لكن النمر أبى ذلك وبشدة.

زفرت حور بقوة ثم تابعت قولها:
_منذ ذلك الحين قرر الأنصاري بأن يجعلني أمكث في قصره، كل شيء كان يسير على ما يرام وقد علمت مؤخراً بأن أخي زج إلى السجن ومن ثَم إلى المصحة العقلية لقد أصابني الحزن الشديد لكن لم بمقدوري فعل شيء.

تنهدت حور ثم قالت:
_وقد جاء اليوم المشئوم الذي علمت فيه بأنني أحمل بين أحشائي جنين، انتظرت حتى مر يومين ثم أخبرت النمر بذلك، ظننته سيسعد بذلك لكنه قتل الحنين بركله واحدة، كدت أن أفقد حياتي لولا أن الله أراد لي أن أحظي بالمزيد من الوقت.

تنهد الضابط جمال وقال:
_أعتذر عن المقاطعة لكن أنتِ لم تخبرينني بشيء عن نشاطهم الغير شرعي!.
ضمت حور حاجبيها فقالت وهج بينما كانت تنظر نحو حور:
_الضابط جمال يقصد أنه يريد معلومات عن الأنصاري والنمر تجعله يلقي القبض عليهما.

فسرعان ما قالت حور بتفهم:
_أجل أجل أنا حقاً آسفة، سوف أخبرك بكل شيء يا سيدي.
تنهد الضابط جمال بحماس وقال:
_هيا أخبريني.

تنهدت حور ثم قالت:
_الأنصاري يعمل في مجال البرمجيات وتجارة الممنوعات وتجارة الأعضاء والأسلحة ليس ذلك فقط وإنما يسعى للإتجار في البشر.
جحظت عيني الضابط جمال وقال بذهول:
_حقاً؟!!

فقالت حور:
_أجل، لديه رجال في كل مكان، لا يقدرون على عصيان أوامره يفعلون ما يؤمرون بحذق.
حدّث جمال نفسه قائلاً:
_أنا الذي ظننت أن هدفي الأكبر على الإطلاق هو النمر، لكنني كنت مخطئاً، فالنمر ليس سوى أحد التابعين للأنصاري!.

تنهد الضابط جمال وقال موجهاً حديثه إلى حور:
_إن أحضرت لكِ خريطة هل يمكنكِ أن تحددي لي مواقع بعض الأماكن؟ مثل المكان الذي يتم فيه تخزين البضائع والأسلحة؟
فسرعان ما قالت حور:_
بالطبع يا سيدي.

تنهد الضابط جمال وقال:
_حسناً إتفقنا، سنلتقي قريباً إن شاء الله.
التفت جمال نحو وهج وقال بتساؤل:
_ماذا عن مُهاب؟
تنهدت وهج وقالت:
_سوف نتحدث عنه فيما بعد فقد تأخر الوقت وعلينا أن نعود إلى المنزل.

فقال جمال بتفهم:
_حسناً لا مشكلة.
همت وهج بالنهوض ثم قالت بتذكر:
_سيدي، هل يمكنك مساعدتي في أمر ما؟
فقال جمال:
_أجل بالطبع.

تنهدت حور وقالت:
_تتذكر الفتاة التي قتلت قبل عامين؟ كانت تدعى مريم؟
فقال جمال بحرج:
_أعتذر ولكنني لا أتذكر الكثير من قضايا القتل، فكما تعلمين نحن الضباط نجابه الكثير من القضايا في اليوم الواحد.

زفرت وهج بخيبة أمل ثم تذكرت وقامت بإعادة تشغيل هاتفها ثم قامت بالبحث عن القضية المتعلقة بمريم وحصلت على صورتها ثم وجّهت الهاتف نحو جمال وقالت:
_هذه هي يا سيدي.

أطال جمال النظر إلى الصورة ثم قال بتذكر:
_أجل لقد تذكرتها، ماذا تريدين؟
فقالت وهج بتردد:
_أريد أن أحصل على عنوان منزلها.
ضم جمال حاجبيه وقال:
_لا أفهم؟ ما الأمر؟

فسرعان ما قالت حور:
_لقد تم إلقاء القبض على أخي لأن الأدلة كانت تشير إلى أنه هو الفاعل لكنه لم يفعل ذلك.
فقال جمال بتذكر:
_مُهاب!! أجل لقد تذكرت، حينما تم إلقاء القبض عليه لم يكن في حالة ذهنية جيدة لذلك تم إرساله إلى مصحة عقلية.

فقالت وهج بنبرة حادة:
_سيدي في بداية الأمر لم أكن أصدق أنه لم يفعل ذلك على الرغم من أنه أقسم لي، لكن الآن صرت على علم أنه لم يفعل ذلك، فقط أريد أن أثبت صحة ما أقول، كل ما أريد هو الذهاب إلى منزل مريم.

فقال جمال بتساؤل:
_ما الذي ستجدينه هناك؟ أنا لا أفهم.
فقالت وهج بقلة حيلة:
_الأمر معقد بعض الشيء يا سيدي لكن أرجوك أن تسدي لي بهذه الخدمة.

زفر جمال بقوة وقال:
_سأحاول أن أحصل على العنوان إلى هناك، لكن لن تذهبي بمفردكِ، على الأقل سأكون برفقتكِ.
فقالت وهج بعدما انفجرت أساريرها:
_لا مشكلة يا سيدي.

نهضت وهج لكي ترحل وتبعتها حور وقبل أن تغادر منزل الضابط جمال فوجئت بإحدى الخادمات تتصل بها.
ضمت وهج حاجبيها وضغطت على زر قبول المكالمة وقالت بتساؤل:
_ما الأمر؟.
فقالت الخادمة ببكاء:
_والدكِ يا سيدتي.

انتفض جسد وهج وقالت بفزع:
_ماذا به؟
قالت الخادمة ببكاء:
_لقد توفي يا سيدتي.
سقط الهاتف من بين أصابع وهج وكادت أن تسقط هي أيضاً لولا أن أمسكت بها حور وقالت بتساؤل:
_ما الأمر يا وهج؟

كانت وهج تحدق في الفراغ وقالت بينما كانت الدموع تنهمر من عينيها:
_أبي! لقد تحدث إليّ قبل ساعتين ولم يكن يعتليه خلل!!.
فقالت حور بعينين مغرورقتين:
_يجب أن نعود إلى المنزل يا وهج.

فقال الضابط جمال بنبرة جادة:
_سأقلكما إلى هناك، لن تتمكن وهج من القيادة بهذه الحالة.
أومأت حور برأسها ثم غادروا المنزل ثلاثتهم.

...

في منزل السيد عثمان
كانت الخادمات قد ارتدين الثياب السوداء وصاروا يعدون للعزاء، ولم يكن هنا سوى صوت القرآن الكريم والبكاء في صمت.
كان آدم يقف أمام المنزل يتحدث إلى الحراس حينما توقفت سيارة وهج.

نظر آدم إلى السيارة فوجد شاباً قد تولى القيادة فسرعان ما اتجه نحو السيارة وقال بنبرة غاضبة:
_من أنت؟
نظر الضابط جمال نحو آدم وقال:
_من تكو أنت؟

تملك الغضب من آدم وكاد أن يتحدث لولا أن ترجلت وهج من السيارة وهي تصيح ببكاء قائلةً:
_أبي، أبي.
فسرعان ما تبعتها حور.

هبط الضابط جمال من السيارة ووثب أمام آدم الذي قال بنبرة يملؤها الغضب:
_أخبرني من أنت؟
رمق الضابط جمال آدم بنظرات ثاقبة وقال:
_أنا الضابط جمال، وأنت؟
ارتعد آدم لكنه لم يُبدي بذلك وقال:
_مرحباً يا سيدي، أنا أدعى آدم الدميري ابن أخ السيد عثمان الدميري.

همهم الضابط جمال وقال:
_مثير للإهتمام، منذ متى وأنت هنا؟
فقال آدم بتذكر:
_منذ ساعتين تقريباً.
فقال الضابط جمال:
_هل رأيت السيد عثمان قبل أن يُتوفى؟

فقال آدم بتلعثم:
_أجل، كنت أتحدث إليه وإذ فجأةً تعالت حشرجاته وصار يرتجف، كان يضع يده فوق قلبه، فأمرت الخدم بإحضار الطبيب، وما إن جاء أخبرنا بأنه توفي إثر أزمة قلبية.

أومأ الضابط جمال برأسه بينما وضع آدم يده داخل جيبه فلم يجد قنينة السم!.
جحظت عيني آدم بقوة وشعر بأن الدماء قد جفت في عروقه.
لاحظ الضابط جمال الحالة التي انتابت آدم فقال بتساؤل:
_ماذا بك؟ هل أنت بخير؟

فقال آدم بتلعثم:
_أجل أنا بخير يا سيدي.
فقال جمال بفضول:
_لمَ تتعرق بهذه الطريقة؟ الأجواء شتوية هل أنت مريض؟

فقال آدم بالتلعثم ذاته:
_أنا فقط حزين لفراق عمي.
فقال الضابط جمال بنبرة ساخرة:
_يمكنني رؤية ذلك.

دلف الضابط جمال إلى المنزل بينما كان آدم سيجن جنونه!، مرر يده بين خصيلات شعره بغضب وهو يحاول أن يتذكر أين أضاع القنينة!.

على صعيد آخر دلفت وهج إلى أبيها حيث وضعوه وقاموا بتغطية وجهه، أبت أن يدخل شخصاً سواها إلى الغرفة وقد أوصدت الباب من الداخل.
اتجهت وهج نحو الفراش وجلست بجانب أبيها ثم أزاحت الغطاء عن وجهه.

شهقت وهج بالبكاء حينما رأته ساكن بلا حراك!، قبّلت جبهته ثم وضعت رأسها فوق صدره وقالت بصوت متهدج يملؤه الكمد:
_أبي، أنا أحبك جداً، لم أكن إخال أنني سأفقدك بهذه الطريقة!.

تعالت شهقات وهج ثم أردفت ببكاء:
_لقد تذكرت اليوم الذي فقدت فيه والدتي، كنت صغيرة جداً، أستطيع أن أتذكر كيف جذبتني واحتضنتني وقطعت لي عهداً بأنك من تلك اللحظة ستكون لي الأب والأم، الآن فقدت كلاكما!.

تعالت حشرجان وهج بينما كانت تقول:
_أبي أرجوك لا تتركني، لا أريد أن أشعر باليُتم، لا أريد أن أكون يتيمة الأب أيضاً، لا تتركني أرجوك.
غفيت وهج بجانب والدها بينما كانت الدموع تنهمر من عينيها.

في غرفة المعيشة كانت حور تسير وتتلفت هنا وهناك بحثاً عن وهج وفجأة وضعت قدمها على شيء ما!، فسرعان ما أبعدت قدمها وجثت على ركبتيها والتقطت ذلك الشيء!.

ضمت حور حاجبيها بتعجب وهمس قائلةً:
_تُرى ما هذا الشيء؟..
اقتضبت حور حديثها فجأة حينما رأت شكل القنينة، فهي تتذكرها جيداً!، إنه سم النادر!.
فجأة تذكرت حور ما حدث قبل فترة وجيزة.

كانت حور تجلب النبيذ للسيد الأنصاري وضيفه الذي أتى إلى القصر ومعه حقيبة غريبة الطراز للحد الذي جعلها تلفت إنتباه حور!.
وضعت حور كأسي النبيذ ثم صارت تتسمع لحديثهما عن كثب دون أن ينتبها إليها.

أمسك الضيف بكأس النبيذ وأفرغه بالكامل في جوفه ثم قال بابتسامة:
_متأكد من أن البضاعة التي بحوذتي ستنال إعجابك.
فقهقه الأنصاري بسخرية وقال:
_على الرغم من أن ذلك لم يحدث من قبل إلا أنك أثرت فضولي.

وضع الضيف حقيبته فوق المنضدة ثم قام بفتحها وقال:
_ما رأيك؟
ضم الأنصاري حاجبيه وقال بنبرة ساخرة:
_ما هذا؟
تبسم الضيف وقال:
_وسيلة نقل حميدة، بدون ألم، بدون أن تحوم حولك الشكوك.

فقال الأنصاري بعدم فهم:
_ماذا تقصد؟
تنهد الضيف وقال بعدما أخرج إحدى القناين:
_هذه القنينة تحتوي على سم لكنني أفضل أن أسميه وسيلة النقل الحميدة، حالما تجرعه أحدهم لا يصيبه أي أذى حتى مرور ثمان ساعات، ما رأيك؟

تعالت قهقهات الأنصاري وقال:
_وهل تظنني بحاجة لشيء كهذا؟ يبدو أنك لا تدرك إلى من تتحدث.
كاد الضيف أن يتحدث لولا أن صاح الأنصاري في وجهع وقال:
_أغرب عن وجهي واحمل تلك القمامة معك، ذلك السم يحتاجونه الصغار لكنني أكبر من إن ألجأ لشيء كهذا.

انتبهت حور من شرودها وخشيت أن يكون قد رآها أحد فسرعان ما خبّأت القنينة في حقيبتها.
كادت حور أن تخرج من الغرفة لولا أن فوجئت بآدم يهرع إلى الداخل ولكنه تظاهر بعدم الإكتراث.

تنهدت حور وقالت بنبرة يملؤها الحزن:
_البقاء لله يا سيدي.
كان آدم شارد فقط ينتظرها أن تخرج من الغرفة حتى يبحث عن القنينة.
فقالت حور:
_سيد آدم!.
انتبه آدم إليها وقال:
_أجل؟

فقالت حور:
_البقاء لله.
أومأ آدم برأسه وقال:
_شكراً لك.
رمقته حور بنظرة عابرة ثم خرجت من الغرفة.

فسرعان ما صار آدم يبحث عن القنينة في جميع أرجاء الغرفة ولكنه لم يجدها!.
همس آدم محدثاً نفسه قائلاً:
_إن تمكن شخص غيري من إيجاد القنينة سوف أورد مورد الهلاك لا محال.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي