قرين ميّت البارت الخامس

"قرين ميّت" "البارت الخامس"

جلست وهج القرفصاء خلف باب غرفتها وأسندت ظهرها إليه، كانت تمعن التفكير في كل ما حدث وكيف لطمها والدها أمام الجميع!، تعالت شهقاتها شيئاً فشيئاً حتى شعرت بالدوار.

كادت أن تغفو لولا أن دق هاتفها بالرنين، نظرت نحوه فوجدتها مكالمة واردة من مُهاب، فسرعان ما أجابت مكالمته وقالت من بين شهقاتها:
_لا أريد أن أبقى هنا بعد الآن، مُهاب أرجوك لا تتركني.

فاقتضب حديثها مُهاب بنبرة وجلة:
_وهج ما الذي حدث؟ هل أنتِ بخير؟ ماذا بكِ؟.
فقالت وهج ببكاء:
_أبي يريد أن يزوجني من ابن أخيه.
جحظت عيني مُهاب وقال بغضب:
_ماذا؟! سآتي إليكِ في الحال.

فسرعان ما صاحت به وهج وقالت:
_هل جننت؟ كيف ستأتي؟ وماذا ستقول لوالدي؟.
فقال مُهاب بنبرة جادة:
_سأخبره أنني متيم بكِ وأريد الزواج منكِ.
فقالت وهج بحزن شديد:
_ولكن..

فاقتضب مُهاب حديثها وقال:
_لقد اتخذت قراري يا وهج، سأكون أمام منزلكِ في غضون خمسة وعشرون دقيقة.
تنهدت وهج وقالت بوجل:
_أنا خائفة، كل شيء تغير فجأة، انقلبت حياتي الروتينية رأساً على عقب، لا أعلم كيف سينتهي كل هذا.

فقال مُهاب بنبرة هادئة:
_فلينتهي كما قُدر له، ولكن أعدكِ بأنه سيجعلكِ سعيدة، لقد خلقتِ لتحظي بالسعادة يا وهج، وليس بشعور سواها.
شعرت وهج بالسعادة تغمرها، تأكدت في تلك الآونة أن مُهاب متيم بها حقاً.

أنهت وهج المكالمة بعدما تبدلت أحزانها بفرح، همّت بالنهوض حتى تستعد لما سيحدث عند مجيء مُهاب.
قبل أن تخطو وهج بضع خطوات باتجاه المرحاض طرق أحدهم باب غرفتها، فقالت بنبرة حادة:
_من الطارق؟.

فقالت الخادمة من خلف الباب:
_السيد عثمان يدعوكِ إلى العشاء يا سيدتي.
فقالت وهج بنبرة حادة يملؤها الغضب:
_لست جائعة، لا أريد أن يأتي أحد إلى غرفتي ثانيةً.

فقالت خادمة قبل أن تبتعد عن الغرفة:
_أمركِ سيدتي.
اغرورقت عيني وهج لأنها ظنت أن والدها أتى لكي يتحدث معها بشأن ما حدث قبل قليل ولكن خاب ظنها.

تحممت وهج وصففت شعرها المموج بشكل ساحر وصارت على أتم الإستعداد، فكما فهمت من حديث مُهاب أن هذه الليلة ستكون بمثابة خطبتهما أو هذا ما أرادته هي.

مرت ساعة ثم ساعة ونصف ثم ثلاث ساعات، كان التوتر قد تملك من فؤاد وهج وصارت تحوم في الغرفة لا تدري ما الذي عليها فعله، خاصةً أنها حاولت الإتصال بمُهاب ولكن هاتفه مغلق وهذا ما أثار هلعها ولم يكف عقلها على تهيؤ أبشع الأفكار!.

حل المساء ولم يظهر مُهاب بعد وظل هاتفه مغلق!.
حاولت وهج أن تستجمع رباطة جأشها لكي لا تقوم بشيء يجعلها تندم فيما بعد، فكرت كثيراً في أن تخرج من المنزل بطريقة ما ولكنها آثرت الإنتظار لأنها حتى إن خرجت لا تعلم أين تذهب لكي تبحث عنه!.

انتبهت وهج من شرودها على صوت طرقات متتالية على باب غرفتها فسرعان ما هرعت نحو الباب وقامت بفتحه فقد ظنت أن مُهاب أتى ووالدها بعث لها الخادمة لكي تخبرها بمجيء مُهاب.

ما إن قامت وهج بفتح باب غرفتها حتى فوجئت بآدم يقف خلف الباب باسم الثغر، فقالت بنبرة حادة:
_هل بعثك والدي؟.
فاتسعت ابتسامة آدم وقال بنبرة ساخرة:
_لا، لقد جئت من تلقاء نفسي.

كادت وهج أن تغلق باب الغرفة لولا أن دفعه آدم بقوة ودلف إلى الداخل وأوصد الباب قائلاً بنبرة حادة ووجه غاضب:
_لقد تماديتِ كثيراً يا وهج، وأنا لن أسمح لكِ بذلك، سينفذ صبري عما قريب.

تملك الغضب من وهج وهرعت نحو باب الغرفة لكي تفتحه وتُخرج آدم ولكنه كان حريصاً على أن يكون أسرع منها وجذبها من خصيلات شعرها وألاقاها أرضاً ثم جثى على ركبتبه أمامها وقال بنبرة أكثر حِدة:
_سنتزوج يا وهج وسنسوي تلك الأمور سوياً، تذكري حديثي هذا.

كانت وهج جاحظة العينين، فعلى الرغم من جرأته إلا أنها لم تكن تخال أبداً أن يكون بكل هذا السوء!.
وضع آدم يده فوق وجنتها وقال بابتسامة:
_لا زلت أتحلى بالصبر من أجل الحصول عليكِ يا وهج، وأخيراً صار الأمر وشيكاً.
نهض آدم ثم خرج من الغرفة وصفع الباب بقوة من بعده.

مر ما يقارب إلى ساعتين حين دق هاتف وهج بالرنين وكان المتصل مُهاب.
كانت وهج لا تزال مطروحة أرضاً، تنهمر دموعها باستمرار ولا تقوى حتى على النهوض، فوالدها الذي كانت تظنه أمنها وأمانها صار على استعداد أن يبدد حياتها عن طريق زواجها من آدم!، آدم الذي يسعى خلف ثروة عمه، ويتخذ وهج سبيل لتحقيق ذلك!.

كل هذه الأمور كانت تجول في خاطر وهج ولم تنتبه لهاتفها الذي لم يكف عن الرنين.
أفاقت وهج من شرودها حينما دلف شخص ما إلى غرفتها يرتدي زي يشبه أزياء الرجال الذين يقومون بحراسة المنزل.

سرعان ما اعتدلت وهج في جلستها ثم نهضت وصاحت بقولها:
_ماذا تفعل هنا؟ كيف تجرؤ على المجيء إلى غرفتي؟.
قام هذا الشخص بإغلاق باب الغرفة ثم استدار نحو وهج ونظر إليها قائلاً بتساؤل:
_لماذا لا تجيبي على الهاتف؟.

جحظت عيني وهج وقالت بدهشة:
_مُهاب؟!! كيف تمكنت من المجيء إلى هنا؟ كيف فعلت ذلك؟.
نظر إليها مُهاب وقال بنبرة هادئة:
_أنا حقاً آسف جداً، لم أتمكن من المجيء سوى الآن.

قالت وهج بتساؤل:
_لم تخبرني بعد كيف تمكنت من المجيء إلى هنا؟.
تبسم مُهاب وقال:
_لقد أخبرتكِ من قبل أنه بإمكاني فعل كل ما أريد..

اقتضب مُهاب حديثه حينما شهقت وهج بالبكاء قائلةً:
_لقد انتظرتك كثيراً.
فسرعان ما اقترب منها مُهاب وضمها إلى صدره قائلاً:
_أنا حقاً آسف.

على صعيد أخر كان آدم يقف خلف باب الغرفة يستمع إلى حديثهما بغضب شديد، ضغط على نواجزه بقوة.
نظر آدم خلفه نحو ذلك الرجل الذي يتبعه دائماً وقال له:
_لندع الوالد يرى ما يحدث في الداخل.

جحظت عيني ذلك الرجل الذي يدعى "أكرم" وقال بدهشة:
_هل تود أن أجعل السيد عثمان يأتي إلى هنا؟.
تبسم آدم وقال بنبرة خافتة لكي لا يسمعه أحدهما:
_بالضبط، هيا أسرِع.

داخل الغرفة
كانا وهج ومُهاب يتبادلان أطراف الحديث حينما دلف عثمان إلى الغرفة وبرفقته آدم وثلاث من رجال الأمن.
اقترب عثمان من وهج وهمّ لكي يصفعها بقوة، وقبل أن ترتطم يده بوجه وهج كان مُهاب ممسك بها قائلاً:
_ليس هناك داعي لأن تفعل ذلك يا سيد عثمان، خاصةً إن كنت أنا موجوداً.

فصاح عثمان في وجهه قائلاً:
_ومن أنت؟.
تبسم مُهاب وقال بعدما زحف نظره نحو آدم ثم نظر ثانيةً نحو عثمان:
_أنا الذي لولاي لكانت ابنتك الآن في مقابر العائلة.

جحظت عيني عثمان وصاح بغضب قائلاً:
_ماذا تقصد؟ لا أفهم.
تنهد مُهاب وقال بنبرة جادة تملؤها الحِدة:
_حينما كانت ابنتك في المشفى برفقة صديقتها كان هناك شخص ينتظرها هناك لكي يتخلص منها وبمحض الصدفة تمكنت من فعل اللازم في الوقت المناسب.

تنهد مُهاب ثم أردف قائلاً:
_هذا المنزل ليس آمناً على الرغم من الحشد الذي يعمل على المراقبة والحماية بالأسفل، إلا أن القاتل إذا أراد أن يقتحم المنزل سيفعل ولن يشعرن به أحد.

صمت مُهاب لبرهة ثم نظر نحو عثمان وقال بنبرة هادئة:
_سيد عثمان، أنا متيّم بابنتك، أقسم لك أنني سأكون قادراً على حمايتها، ستكون في مكان آمن معي، ولن أسمح بأن يصيبها أي أذى أو مكروه، فقط دعني أتقدم لخطبتها وسترى بأم عينك أنني أهلاّ بها.

تنهد عقمان ونظر نحو وهج التي كانت تطيل النظر نحو مُهاب، كان بإمكان عثمان أن يرى الحب يشع من عيني ابنته.
اقترب عثمان من مُهاب وقال بنبرة حادة:
_تعدني أن تحمي ابنتي حتى وإن كلفك ذلك حياتك بأكملها؟.

اتسعت ابتسامة مُهاب وقال:
_أعدك يا سيدي.
بعد قليل رحل مُهاب بعدما اتفق مع عثمان أن حفل خطبته هو ووهج ستكون بعد خمسة أيام فهذا هو الوقت الكافي بالنسبة إليهم للإستعداد لتلك المناسبة.

هبط عثمان إلى الطابق الأرضي بعدما تحدث مع وهج بشأن ما حدث في الصباح وتبعه آدم الذي كان يستشيط غضباً فما فعله جعل الأمور تسير مثلما يريدها مُهاب!.

لم يتمكن آدم من ضمر غضبة وصاح قائلاً:
_عمي، ما الذي فعلته قبل قليل؟ هل ستدعه يقوم بخطبتها؟ ماذا عني؟ لقد تحدثت إليك بشأن هذا الأمر قبل أن يفعل هو؟ لقد نكلت بعهدك لي!!.

فقال عثمان بنبرة غاضبة:
_لم أنكل بعهدي يا آدم لأنني لم أعدك بشيء، لقد قولت فقط أنني سأزوج ابنتي للرجل الءي سيتمكن من حميتها كنا ينبغي أن يكون وقد وجدت مُهاب الشخص الأنسب لذلك، ثم أن وهج تبدو متيمة به لذا انتهى الأمر.

خرج آدم من غرفة مكتب عثمان وهرع إلى مساعِده أكرم وهمس في أذنه قائلاً:
_الأمور تزداد سوءاً، أريد أن أكون على علم بكل شيء عن ذاك الذي يدعى مُهاب، لا بد وأن هناك ثغرة ما ستمكننا من هدم كل ما يسعى ورائه.

...

في الطابق الثاني كانت وهج تتحدث إلى مُهاب عبر الهاتف.
لاحظ مُهاب أن وهج على ما يرام فقال بتساؤل:
_ماذاك بكِ؟ ما كنتِ تخشين حدوثه مر وانتهى الأمر، وستتم خطبتنا بعد مرور خمسة أيام، لمَ القلق إذاً؟!.

فقالت وهج بشرود:
_أنت تعرض حياتك للخطر يا مُهاب.
فسرعان ما قال مُهاب بتعجب:
_ولمَ سأفعل ذلك؟.
فقالت وهج بنبرة وجلة:
_أنا قلقة بشأن ذلك الرجل الذي كنت تعمل لديه، لا بد وأنك تخاطر، ماذا سأفعل إن مسّك بأذى؟.

قهقه مُهاب وقال بنبرة هادئة ليبعث الطمأنينه في قلب وهج:
_لن يفعل ذلك، سأكون بخير طالما أنتِ بجانبي.

صمتت وهج لبرهة ثم قالت:
_ماذا عن أدم؟ لن يقبل بالهزيمة أنا واثقة من ذلك.
أخذ مُهاب شهيق عميق ثم زفره بقوة وقال:
_سأتدبر أمره.

...

على صعيد أخر
كان عثمان مستغرق في النوم إلى أن دق هاتفه بالرنين فسرعان ما استقيظ وأجاب المكالمة دون أن يمعن النظر في إسم المتصل.
قبل أن يتفوه عثمان بأي كلمة قال له المتصل بنبرة خافتة:
_سيدي هناك شخص مجهول استطاع الولوج إلى معلوماتنا.

انتفض عثمان وقال بغضب:
_ماذا!؟ كيف حدث ذلك؟.
فقال المتصل:
_لا أعلم يا سيدي ولكن شخص ما غريب عن المؤسسة جاء اليوم، أنا أشتبه به.
زفر عثمان بقوة وقال:
_ماذا عن كاميرات المراقبة، لا بد أنها التقطت صورة له.

فقال المتصل بحرج:
_لقد تعطلت كاميرات المراقبة في الوقت ذاته يا سيدي.
تنهد عثمان بوهن وحدّث نفسه قائلاً:
_لا بُد أنه هو، فلن يكف عن هذه الأفعال سوى حينما أتمم البيع!.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي